متى وكيف يصلح حالُ العراق؟/ لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 02, 2016, 10:33:19 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

متى وكيف يصلح حالُ العراق؟     
   


برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس



جميعنُا في الوطن الجريح، وغيرُنا كثيرون من مغتربيه ومحبيه يسألون هذا السؤال المرّ الصعب: متى يصلح حالُ العراق، وكيف؟؟؟
فيالق مؤلّفة من الوطنيين الغيارى، وأسرابٌ أثيلةٌ من الطافحة قلوبُهم بثقافة المحبة والخير والسلام، وقوافل أمينة ومخلصة لحضارات الآباء والأجداد من الحاملين غصنَ الزيتون بيد ومشعل العلم والثقافة باليد الأخرى، وحشود من العراقيين الطيبين البسطاء من ذوي النوايا الحسنة، ونحن منهم، تحدثوا جميعًا وقالوا كلمات وقدموا نصائح ورفعوا هتافات للوطن ولرفعة الشعب ورفاهته ورفع الحيف عنه وتضميد جراحاته التي نزفت ونتنت وتقيّحت. ولكنْ، ما مِن طبيب حكيم أمينٍ يداويها ويشخّص حقيقة مرض هذا الوطن وشعبه، بل الأمراض التي تغافل ويصرّ على تغافلها سلاطينُ الحكم المنتفعون من الفوضى الخلاّقة التي أرسوا دعائمَها بمشورة من الغازي الأمريكي وغيره. والسبب، هو إصرار مَن يحكمون الوطن بلا كفاءة وفي غياب الوازع الوطني الصادق، على تغييبِ أساطين مبرّزين في العلم والثقافة والفنّ والحكمة والأدب والسياسة والنصح من المستقلّين النجباء من أجل المشاركة في إدارة الدولة المتهالكة وإنهاضها من كبوتها.
مَن يريد قول الكلمة الحق، حتى على ذاته وبني جلدته وأهلِه ومقرّبيه حبًّا بالوطن ورحمةً بالشعب المقهور وعطفًا بالأطفال والثكالى والشيب ومفترشي الأرصفة من جيوش العاطلين ومن المتسكعين استجداءً في التقاطعات والساحات، فلا جُناحَ عليه ولا خوفٌ ولا هم يحزنون، لأنّه متحسسٌ بعمق المعضلة، ومنطلِقٌ من نبض الشارع الذي يزداد غليانًا، ومن المرجعية الرشيدة التي بحّ صوتُها، ومن صوت الشعب الذي طال انتظارُه لفعل رحمة وخدمة آدمية ولسماع كلمة عطف وراحة أمينة. فالقلم الحر المستقلّ، منطلقًا من وجدان الشعب ومقتضياته ومآسيه وويلاته، لم يعدْ يخشى جبروت الطغاة ولا سطوة المافيات ولا تهديد الميليشيات ولا زعيق الزعامات وما يصدر عن هذه ومنها من خطابات طنانة في البلاغة والفصاحة والوقاحة بالكذب على عقول البسطاء وفي استمالة جوانب المقهورين وفياستدرار عواطف الشارع وإثارة مشاعر أتباع هذا التيار وهذه الطائفة، سواءً من أجل الإبقاء على مكاسب قائمة أو لتسويف الإنصات لصوت الشعب والمماطلة بتنفيذ مطالبه المشروعة بالعيش ضمن دولة مدنية خالية من الفساد والمفسدين ومن الظلم والظالمين ومن المتسترين بجلباب الدّين ومظاهرِه والمتزلفين بالشعارات الشعائرية في المناسبات المناسكية. فمثل هذه الخطابات الرنانة أصبحت أسطوانة مشروخة، ولم تعد تنفع سوى للاستهلاك الديني والمذهبي والطائفيّ لفئة فقدت الأهلية والمصداقية، وبها يحاول أصحابُها إنقاذ مراكبهم الغارقة وكراسيهم الآيلة للسقوط في أية هبّة أو موجة عارمة، وهي قادمة من دون شك!
نحن مع الإصلاح الجذري، ومع ثورة الشعب، ومع انتفاضة الشارع الوطنية، وقلوبُنا وأفكارُنا ومشاعرُنا مع تظاهراته واعتصاماته ومطالباته الوطنية المشروعة، ومع صحوة النواب الصادقين وليس الراكبين للموجة تزييفًا وتسترًا وإكساءً لعورة الذنب.
ونعود للقول: إلى متى يبقى الوطنُ رهنًا بأيدي أعدائه والطامعين به وغير المكترثين لمصيره ومستقبله، في الداخل والخارج؟ وحتّى مَ يظلُّ أهلوهُ بين فكّي سلطانٍ فاسدٍ وطامع أثيمٍ ودخيلٍ ربيب يستقطع لقمة الفاقة من أفواه اليتامى وحلوق المقهورين وأكتاف المتعَبين وظهورِ ثقيلي الأحمال؟ ومتى يصحو الغافلُ من سبات تبعيتِه، والشعب من طول غفوته، ليمسك الفأس والمعول بيد والمحراث والمنجل بيدٍ أخرى كي يبني ويعمّر ويعدّ الأرض ويقوّم السبل المعوجّة التي دمّرتها أيادي الشرّ والفساد والخذلان منذ نشأة الدولة العراقية، والتي زادت حدّةً بعد الغزو الأمريكي وأعوانه وتشدّقهم بحجة نقل الديمقراطية الممسوخة وتصديرها لشعوب بحاجة إلى مرحلة إعداد أخلاقية وعلمية واجتماعية زادًا، قبل الرفاهة المزعومة لهذه النظرية التي لا تتقبلُها أرضية المنطقة الدينية والإتنية بالصورة التي جُلبت إليها؟ وعودٌ متتالية ومزيفة من رعاة العملية السياسية وأدواتها المنفذة في الداخل، بتحسّن الأوضاع وبانتقالة هادئة نحو السلم والاستقرار والأمان والديمقراطية. طال انتظارها وساءت التقديرات بشأنها عندما كُشفت النوايا وبان المستور وتواصلَ هضم الحقوق وبقيت المماطلة والتسويف والضحك على ذقون الشعب البائس.
رحم الله شاعر العراق والعرب محمد مهدي الجواهري في رثائه للوحدة العربية الممزقة، وهذا ما ينطبق على واقع ومآسي الحكم في العراق أيضًا:
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ           وإلام كتم الابراقُ والارعادُ
أنا إن غصصتُ بما أحسُّ ففي فمي        ماء وبين جوانجي إيقاد
يا نائمينَ على الأذى لا شامُكم           شامٌ ولا بغدادُكُمْ بغداد
تلك المروج الزاهراتُ تحولت           فخلا العرينُ وصوّح المرتاد
هُضِمت حقوقُ ذوي الحقوق، وُضيِّعت        تلك العهودُ وخاست الآساد

تلكم بعض ما نتصارحُ به، وجزءٌ ممّا نقولُه تبيانًا للحقيقة من دون مجاملات ولا مهاترات ولا سفاهات لما صار وحصل في الفترة ما بعد السقوط الدراماتيكي في 2003. ولأركان السلطة ومَن في الحكم، ومَن يرنو ويلهث إليه اليوم وغدًا جهادًا مستميتًا وصراعًا لجني مكاسب غير مشروعة، أن يدير لسانَه سبع مرّات ويحكّم عقلَه أربعة عشر مرّة، ويقرأ التاريخ ويتعلّم بعضًا من دروسه سبعين مرّة سبعَ مرّات، لكي يتبوّأ الحكمَ ويكون أهلاً له في خدمة الوطن ورعاية الشعب. فمَن شاءَ الردُّ إيجابًا أفلَحَ وفازَ، ومَن لجمَ الرّسن وراجعَ المواقف خدمَ وفاقَ، ومَن نصحَ وانتصحَ ارتاحَ وأراحَ، ومَن لا يقوى على هذا أو ذاك، فليغادر دارَ الأخيار ومواقع الأئمّة ومزارات القديسين وبيوتات الطيبين من الآباء والأجداد في بلد العزّ والحضارات! فالحال لم يعد يتحمّل نظام المحاصصة المقيت وامتيازات تجار الحروب ومكاسب مافيات الفساد وحيتان سرقة السحت الحرام والمال العام في عزّ النهار وفي عتمات الليالي السوداء.
في العراقيين جميعًا:
-   إذا أرادوا بناء الوطن والعيش في دولة المواطنة وفق نظام حضاري ومدني، وشاءوا عودة السلام والأمن والاستقرار لهذه الأرض الطيبة ولنفوسهم وبلداتهم ومناطقهم، عليهم بالولاء له دون غيرِه، والإصرار على نبذ الفاسدين والمفسدين وإخراجهم من صفوفه وليس التستّر عليهم. فهو جريح مطعون بحرابٍ مثخنة أثقلت كاهلَه، وهو بحاجة لحكيم ناصح يداويه، وليسَ مَنْ يُنجد! كما عليهم ألاّ يقبلوا بغير الكفاءة والجدارة معيارًا للمواطنة الصالحة، والديمقراطية الصحيحة وليس الفوضوية طريقًا سالكًا للحرية الفردية والمجتمعية، وحرية الفكر والعقيدة والدّين، وحرية الملبس والسفر والارتباط وما في خوافي وبواطن وفروع هذه جميعًا من دون أدوات "الإكراه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". فالمنكر معروفٌ وهو أشدُّ قساوة وضراوة وجرمًا ممّا يطالبُ به بعض أصحاب هذا الفكر الجانح.
-   إذا أرادوا تقويم الذات وإعادة بناء الشخصية العراقية الوطنية على أسس اجتماعية متمدنة ومتحضّرة ومعاصرة، عليهم بترك الازدواجية في السلوكيات اليومية، بدءً من مدرسة البيت الأولى، فالروضة، فالابتدائية، ثمّ الثانوية حتى التحصيل العالي، والارتقاء نحو ما يتاح للجميع للنهل من أشكال العلوم والآداب والفنون، عبر مناهج معاصرة جديدة تخدم العملية التربوية حصرًا وتحشّد لمواقف وأهداف وطنية مدنية شفافة، بعيدًا عن اختلاجات الأفكار الدينية الزائغة والمتزلفة التي تمزّق وتدمّر وتفرّق وتحرّض.
-   إذا أرادوا لملمة الجراح وغلق شرايين النزيف ووأد الفتنة، عليهم بإخراج كلّ فاسد ومفسدٍ وطائفيّ في أرض العراق الطيبة من أي دين أو ملّة أو طائفة أو عرقٍ، في حالة رفض هذا العنصر التناغمَ مع الصحوة الوطنية الجارفة التي قويت هذه الأيام وباتت أقربَ إلى التحقيق من أي وقت مضى في حالة تواصلها واشتدادها والالتزام بها لحدّالاِستِماتة.
-   إذا أرادوا الصلح وتنفيذ مشروع المصالحة الوطنية، على أسس رصينة وبنيّة صافية وإرادة صالحة، عليهم الكفّ عن إلقاء التصريحات المتشنجة وإطلاق تهم التخوين غير المسؤولة التي لا تبني ولا تقدّم جهدا، بل تزيد النار احتراقًا وتواصل صبَّ الزيت على ما هو قائم من حرائق وما نعاني من مصائب وويلات ونكبات وتخلّف.
-   إذا أرادوا طيّ صفحة الماضي وعزل الفاسدين والوصول إلى برّ الأمان بإعادة اللحمة المجتمعية للنسيج المتفكّك بفعل الأغراب عنه وبفعل ما حصل في 2003 ولغاية اليوم، عليهم بتوحيد الصفوف، ونكران الذات حبًا بالوطن ومستقبله، والتنازل لبعضهم البعض حين الضرورة، وتعزيز حوارات مجتمعية وعشائرية وثقافية وتنظيمية لتضييق الاختلافات ومواقع الفتنة التي خلقتها أطراف طائفية وانقادت لها تيارات هزيلة تفتقر للكفاءة في الحكم والإدارة والاقتصاد والتربية والتعليم والثقافة وما سواها. وهذا يتطلب أيضًا، الحثّ على قبول واحترام التعددية التي تُعدّ غنى وطنيًا للدولة والشعب والمنطقة والعالم. ومنها يتوجب العمل أيضًا، على تغيير العقلية والثقافة المجتمعية غير المستقيمة التي تستخفّ وتنظر بازدراء إلى مكوّنات دينية وإتنية قليلة العدد، بل وتعدّ كلّ ما تمتلكه هذه حلالاً يمكن الاستيلاء عليه، وكلَّ مختلف دينيًا عن دين الأغلبية هدفًا وكفرًا قابلَ الاستهداف.
-   إذا أرادوا بناء اقتصاد البلد واستنهاض قدراته الإنتاجية من جديد، عليهم بقبول العمل بنزاهة وإخلاص في دوائر الدولة التي يعملون فيها، أو في مؤسسات القطاع الخاص، الجهة الساندة للدولة والمؤازرة لتنويع الموارد وتعزيز الإنتاج والإنتاجية، وليس التكاسل واللامبالاة والاستنكاف والاستعلاء في تنفيذ المهام الموكلة لكلّ فرد في القطاعين المذكورين، كلّ حسب قدراته ومؤهلاته.
-   
في سنّة العراق:
-   إذا أرادوا العودة بقدراتهم الوطنية المعهودة، إداريًا وسياسيًا ومهنيًا، عليهم الاستقلال في الرأي وفي الفكر وفي المنهج بعيدًا عن أجندات دول الجوار والإقليمية الطامعة التي لا ترضيها وحدة الصف والكلمة والرأي، ولا تريد التصفيق لوحدة الوطن وترابه وأهله، ولا ترضيها عودة نسيجه الاجتماعي إلى عهده المعروف واقتصاد البلاد نحو الازدهار. كما ينبغي عليهم الكفّ عن أدوات التخوين ضدّ المختلفين عنهم، مع ضرورة فتح صفحات جديدة من الثقة بالنفس وبالغير، ومن المصداقية في العمل الوطنيّ الصادق مع الأغلبية الحاكمة، وليس الإبقاء على كبرياء الحكم والسلطة التي خرجت عنهم.
-   إذا شاءوا تنقية الشوائب في سلوكهم الدينيّ والمذهبيّ، عليهم التخلّي عن خطاب الكراهية في خطب رجال دينهم أيام الجمع والمناسبات، والكفّ عن التهجّم على المختلفين عنهم دينًا ومذهبًا، واتّباع سلوك السلم والتسامح التي سار عليها رسولهم أيام الدعوة الأولى، ومنع أدوات التحريض بكلّ أشكالها، ومنها فتاوى القتل التي تصدر عن شيوخ الظلام والتطرّف من المعتمدين على أحداث وأشخاص مضى عليها أكثر من 14 قرنًا خلت على أيام الجاهلية والتخلّف ووأد البنات وحياة البداوة وركوب الجمال وما رافق المرحلة الثانية المثيرة من الرسالة المحمدية في زمن ما بعد الهجرة.
-   إذا شاءوا استدراك ما تعرّضوا له أو بالأحرى ما عرّضوا له ذواتهم ومشاريعهم وقدراتهم في الابتعاد عن الحكم الرشيد منذ السقوط في 2003، عليهم بوحدة الصف والفكر والرأي ونبذ أسلوب التخوين وسوء النيّة في الآخرين والالتزام بمنهج وطني واضح غير انتهازيّ. فهُمْ أكثر دراية بشعاب الإدارة والحكم والأفضلُ في استنهاض المجتمع الدولي ودول المنطقة لصالح الوطن وأهله. وهذه حقيقة لا غبارَ عليها. ومن حقهم استعادة ذلك وفق الدستور والقانون والجدارة.
-    إذا أرادوا إعادة كسب ودّ أبناء الشعب من زاخو إلى الفاو، عليهم بنبذ خلافاتهم ومماحكاتهم البينية والعشائرية والمذهبية، والتصريح الواضح والعلنيّ برفضهم للهجمة الإرهابية الشرسة التي استباح بها تنظيم "داعش" الإرهابي المحسوب على ملّتهم لأرض العراق، ومَن على شاكلته، وهتكه لأعراض مواطنين أبرياء وتهجير الملايين الآمنين من مناطق سكناهم والاستيلاء على أموالهم وعقاراتهم ومساكنهم، وليسَ بالسكوت عمّا يقترفه من جرائم أو التستّر على خلايا نائمة ودعم مجموعات مسلحة من أجل تقويض العملية السياسية المتهالكة أصلاً.
بغداد، في 10 أيار 2016
يتبع- ج 2