مشاكســـــة الكارثــــــــــــــــة /مال اللـــه فـــــرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 04, 2016, 10:20:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

    مشاكســـــة

الكارثــــــــــــــــة   
 



برطلي . نت / بريد الموقع

  مال اللـــه فـــــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



فجأة دوى انفجار الغضب الجماهيري العارم نتيجة الشحن السياسي والاعلامي من جهة، والتصدع البرلماني والفشل الحكومي من جهة اخرى، ليزلزل أركان المنطقة الخضراء بقوة وعنف وهو يقلب الطاولة في وجوه الطبقة السياسية، مطيحا بكل المعادلات والرهانات والتوقعات والتحالفات الكتلوية، جاعلا من الفوضى العارمة سيدة الموقف في قلب مجمع المراكز القيادية وصناعة القرار، فاستبيح البرلمان وقاعاته وأثاثه وموجوداته وتعرض برلمانيون الى الاعتداء والاهانة والشتائم، وهرب منهم، ومن الموظفين، من هرب، وحوصر من حوصر، واحتمى البعض بالسفارات الاجنبية وحمل آخرون حقائبهم التي ربما كانت معدة مسبقا وتوجهوا نحو المطار واضطر آخرون لعبور دجلة، لتجد المنطقة الخضراء الغبراء نفسها في حالة فريدة وخطيرة من حالات فقدان الوزن والتوازن يدور حولها اعصار الغضب من كل الجهات مطوحا بها ذات اليمين وذات الشمال ليجعلها رهينة لأسوأ التوقعات لاسيما في ظل الغياب اللافت لدور القوى الامنية والقطعات العسكرية مما سمح للفوضى غير الحضارية ان تمارس اعمالها التخريبية هنا وهناك على الرغم من الشعارات والهتافات والتأكيدات الجماهيرية بان تلك الاعتصامات والاجتياحات سلمية.
إزاء تلك الفوضى العارمة التي هددت وما تزال بأسوأ الانحدارات الكارثية، يبرز تساؤل منطقي وملح، كيف تفجرت الازمة فجأة؟ ومن الذي سحب مسمار الامان منها ليضع الجميع وجها لوجه امام الكارثة؟
هل هي وعود الاصلاحات عديمة الشكل واللون والطعم والرائحة التي مافتئ رئيس الحكومة يلوح بها منذ أشهر دون ان تنجب عبر مخاضاتها الصعبة الا كائنات مشوهة مشلولة عقيمة من الانكسارات والانهيارات التي الحقت الضرر بالموظفين والمتقاعدين والاغلبية الفقيرة المعدمة؟ أم هو الفشل البرلماني في التمثيل الحقيقي للشعب والاستحواذ على حقوقه وثرواته عبر الرواتب الخيالية والامتيازات الفضائية والقصور الفارهة واساطيل السيارات والحمايات، بدل انصافه. حيث أكدت برلمانية، على سبيل المثال، ان مكتب رئيس البرلمان، وحده يمتلك (123) سيارة عدا عدد من السيارات المصفحة الاخرى، في وقت تطحن فيه الازمة المالية بقسوة عظام الموظفين والمتقاعدين والنازحين والمهجرين والمعدمين ويصل فيه عدد الذين يرزحون تحت خط الفقر الى حوالي (7) ملايين مواطن؟ أم هو انهماك معظم المسؤولين والسياسيين بجني المليارات بدل الاهتمام بخدمة الشعب وبناء المؤسسات وتبني الاصلاحات وتخفيف المعاناة؟ حيث ادعت تقارير اجنبية ان ثروات عدد من المسؤولين العراقيين في الخارج تبلغ (300) مليار دولار، أم هو الفشل القضائي في مساءلة حيتان الفساد الكبيرة ومقاضاتها؟ أم هي المحاصصة السياسية التي لم تنجب الا اجيالا من الوزراء والمسؤولين الفاشلين؟ ام هي المظلات السياسية التي حمت وتحمي رؤوس الفساد الكبيرة وتمنحها الحصانة ضد المساءلة والحساب مهما احدثت من سلب ونهب وخراب؟
في الواقع، لم يكن انفجار الازمة مصادفة أو مفاجئا أو وليد اللحظة التي فشل فيها رئيس الحكومة كعادته في تقديم اسماء تشكيلته الوزارية (التكنوقراطية) الى مجلس النواب مما ادى الى تأجيل جلسة البرلمان إلى أجل غير مسمى، لكن الواقع الشعبي كان أشبه ببركان هائل من الغضب الجماهيري العارم الذي كان يواصل تفاعلاته بصمت ويزداد قوة وعمقا وسخونة واتساعا مع كل اخفاق حكومي او انهيار أمني او صفقة فاسدة او معاناة جديدة باحثا عن منفذ للانفجار والتعبير عن ذاته احتجاجا على حالة التردي التي هوت اليها البلاد بفعل الفشل الحكومي في ادارة كل الملفات الحيوية من جهة، والازدواجية البرلمانية التي أدت لاغناء البرلمانيين واهمال الفقراء والمعدمين وغض الطرف عن المسؤولين الفاسدين.
بذلك فإن اعصار الازمة الذي انفجر كبركان مجنون، كان تعبيرا عن احتجاج ملتهب على مسيرة من الفشل المتراكم منذ ثلاثة عشر عاما اضاع المسؤولون خلالها قرابة (1000) مليار دولار كان بامكانها ان تبني عراقا حضاريا جديدا ينتشل الفقراء من تحت خط الفقر ويوفر الخدمات ويبني قاعدة اقتصادية واسعة وحيوية ويحدث الزراعة ويشجع التنمية ويمنح القطاع الخاص فرصته ويقلص البطالة ويعزز الديمقراطية وسلطة القانون ويقيم مؤسسات صحية متطورة ويرفع من مستوى دخل الفرد ويحل أزمة السكن ويحدّث اساليب التعليم ويحقق الامن والامان والاستقرار ويحل الازمات بين بغداد واربيل وفقا للقيم الدستورية ويضع حدا للميليشيات المنفلتة ويمنع المحاصصة ويضع الشخص المناسب في المكان المناسب الذي يستحقه بغض النظر عن انتمائه الديني أو القومي أو الطائفي، وأن يقيم علاقات نموذجية حيوية متكافئة مع الدول الاقليمية والعالمية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وبعيدا عن سياسة إحناء الرؤوس وتلقي الاوامر والتوجيهات من هذه الدولة أو تلك، لكن الذي حصل كان على النقيض تماما، وخارطة واقعنا الوطني الملتهبة بتضاريسها المؤلمة خير شاهد ودليل، ولعل من المضحك المبكي في هذه الازمة (مبادرة) رئيس الحكومة إلى توجيه القوى الامنية بالقبض على كل من اعتدى على البرلمانيين ومارس التخريب ضد الممتلكات العامة في الوقت الذي كان يتوجب عليه توجيه هذه القوات لاحتواء التظاهرات واحترامها وتوفير ضمانات سلميتها الحضارية والحيلولة دون حدوث مثل هذه الخروقات والاعتداءات بدل انتظار حدوثها ومن ثم السعي لاعتقال مرتكبيها، المشكلة أن في مقدمة اخطائنا القاتلة الوقوف ازاء نتائج الاحداث ومحاولة احتوائها بدل مناقشة اسبابها ومعالجتها لضمان عدم تكرارها.
يقال إن رئيس احدى الدول المتسولة والمتوسلة رغم ثراء مواردها حل ضيفا على رئيس احدى الدول الاوربية وخلال استضافته في شقته الجميلة رغم تواضعها وصغر مساحتها، اعجب بها وسأل مضيفه (كم كلفتك هذه الشقة الجميلة؟) اجابه (لم تكلفني شيئا فهي هدية من الدولة) سأله (لماذا) اجابه مضيفه (اترى ذلك الجسر على النهر لقد وفرنا بالقدرات الذاتية مبلغا محترما من تكاليف بنائه وقد كرمتني الدولة باهدائي هذه الشقة).
وفي السنة التالية عندما قام ذلك الرئيس الاوربي برد الزيارة لنظيره ذاك دهش بشدة من سعة القصر الفاره باثاثه الخرافي الذي يسكنه ذلك الرئيس ولما سأله (كم كلفك بناء هذا القصر الخرافي؟) اجابه (لاشيء) سأله مستغربا (كيف؟) اجابه (هل ترى ذلك الجسر؟) نظر مليا حيث اشار واجاب مستغربا(لا اشاهد اي جسر) قال له (كنا قد خصصنا ملياري دولار لبناء  جسر هناك لكننا شيدنا بدله هذا القصر).
شتان بين من يجعل من نفسه جسرا لخدمة شعبه، وبين من يجل شعبه جسرا لخدمة نفسه.