معرض أربيل للكتاب يستذكر فائق بطي ومشاركون يصفوه بالجوهرة التي أرخت للصحافة العر

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 07, 2016, 11:26:59 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

معرض أربيل للكتاب يستذكر فائق بطي ومشاركون يصفوه بالجوهرة التي أرخت للصحافة العراقية     



برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم | (صوت العراق) - أربيل

هكذا وبدون سابق إنذار يرحل بهدوء مثلما كان يعيش بهدوء بعيداً عن كل صخب وضجيج الحياة بكل تفاصيلها، فائق بطي الوجدان الذي لن يخفت بريقه، ولن يغيب عن ذكر وبال كل من إلتقاه أو عمل معه، في الدورة الماضية لمعرض أربيل للكتاب، كان نسمة عذبة تطل علينا في المركز الإعلامي بين فينة وأخرى، يتفقدنا بكل شيء، الطعام والشراب والسكن، في ذات الوقت كان يقدم النصح والتوجيهات كي يخرج ملحق المعرض بالشكل الملائم، مثلما لم يخف سروره للجهد المبذول وجودة الملحق... لكن هذه الدورة رحل عنا المعلم والعميد والأب والصديق، رحل عنا وترك كل التفاصيل الأخرى للحديث والاستذكار الذي تبنته الجلسة الاولى لمعرض اربيل الدولي للكتاب...

هي زاوية حرجة جدا وضعت بها اليوم في تقديم جلسة صديقي واستاذي الراحل فائق بطي هكذا بدأ الكاتب داود امين تقديمه الجلسة. عاداً الحديث عن الفقيد ليس بالشيء السهل لانه بحق رجل استثنائي بكل المقايس فهو إلى جانب انه صحفي بارع فهو مؤرخ من الطراز الاول.

جوهرة في زمن الحجر

بعدها دعا أمين المشاركين في جلسة الاستذكار الصعود إلى المنصة، اول المتحدثين كانت زوجة الفقيد الاديبة والاعلامية سعاد الجزائري التي وصفته بالجوهرة في زمن الحجر متحدثة عن تاريخ علاقتها به والتي تمتد لاكثر من اربعة عقود في درب العمل قرابة عقد ونصف منها في الحياة الزوجية. الجزائري توقفت عند بعض المحطات في حياة الراحل وكيف كان يذكر اصدقاءه بكل طيب ومحبة ولم يسئ لاحد منهم او يتحدث عنه بسوء بإستثناء ساسة البلد الذين اوصلونا لهذه الحالة. كما ذكرت جوانب مهمة من حياته على الصعيدين الشخصي والمهني. حيث كان الراحل مهتما كثيرا بالنظام لدرجة انه يكرر (منذ 20 سنة وأنا) اعمل الشيء الفلاني.

كما كانت له طقوس خاصة في الكتابة تبدأ من التاسعة صباحا لما بعد الظهر. ولم ينقطع الراحل عن الكتابة والقراءة الا ما ندر والدليل غزارة نتاجاته، حتى انه عكف على اصدار كتاب لكل سنة.

كما اشارت الجزائري الى ان الراحل كان انيقا جدا، اناقة الروح والجسد والاخلاق. فلم يستطع احد ان يراه (بزي) البيت باستثناء احدى اخواتي. كان يردد دائما ان في حياته ثلاث (سينات) (سكارة، ستات، سياسة) مستدركة: لكنني استطعت من افطامه عن سينين الا انني لم اتمكن من السين الثالثة وهي السياسة. لدى الراحل مجموعة من الاصدقاء اقربهم الى قلبه الاستاذ (فخري كريم) حيث امتدت الصداقة التي جمعتهم الى أكثر من (45) عاماً.

تطوير الصحافة العراقية

الكاتب بطرس نباتي وبعد إن استذكر بطي ذكر انه دوّن معظم تاريخ وشخصيات الصحافة العراقية من خلال اصداراته في هذا المنحى والتي بلغت احد عشر مؤلفا. وركز نباتي بحديثه على مشروع الكتابة عن الصحافة السريانية من خلال اصداره لمجلد ضخم تحت عنوان موسوعة الصحافة السريانية في العراق تاريخ وشخصيات والذي هو من منشورات المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية مسلسلة الثقافة السريانية ويحمل الرقم 39 ويقع المجلد بـ 462 صفحة من الحجم الكبير طبع في مطبعة الثقافة في اربيل.

نباتي ذكر بسياق حديثه انه بتاريخ 24/1/2013 كنا منشغلين في المديرية العامة للثقافة السريانية باعداد احدى الحلقات الدراسية والتي كانت بعنوان (دور السريان في الثقافة العراقية) التي كان الراحل د. سعدي المالح مدير عام المديرية يحرص على انعقادها سنويا اذ ارتاينا ان تحمل تلك الحلقة اسم حلقة رفائيل بطي ورشحنا فائق ان يكون اول المتحدثين عن والده في الحلقة، وكذلك ان يسهم في الفيلم الوثائقي والذي كان عن والده ايضا، ولكن فوجئنا بأن للراحل فائق دراسة بعنوان دور السريان في تطوير الصحافة العراقية 1929 -1945 ويريد القاءها في الحلقة الدراسية ايضا.

تاريخ الصحافة السريانية

كما وتطرق نباتي إن الفقيد اقترح اعداد موسوعة تضم جميع اصدارات الصحافة السريانية برموزها وصحفها. قلت له استاذ ابو رافد اذا اردت ان تكتب عن الصحافة السريانية فهذا تاريخ طويل يبدا منذ 1849 وانت لا تعرف القراءة والكتابة باللغة السريانية.

اجابني: اتدري بطرس كان والدي يتقن هذه اللغة مثلك فقد كان شماساً وكنا نتكلم بها في البيت ولكني نسيتها للاسف، واذا ما ساعدتموني في بعض ما كتب بهذه اللغة اتمكن من انجاز هذا المشروع. مضيفا: في صباح اليوم التالي بدأ سعدي بالاعداد لهذا المشروع حيث تم تأجير دار تراثية في عنكاوا لابي رافد في محلة شعبية وهذا ما اراده واتخذ من المكتبة السريانية مكانا لعمله. مبينا: ان د. فائق كان يداوم يوميا كأحد موظفي المكتبة منذ الصباح ولحين انتهاء الدوام الرسمي تعاونه في ذلك السيدة جاندارك هوزايا في قراءة العناوين والكتابات السريانية.

وبين الكاتب السرياني: إن الموسوعة مقسمة الى ثمانية فصول بـ(462) صفحة عمل الراحل ابو رافد عليها منذ 24/10/2013 ولغاية بداية شهر حزيران عام 2014. يتضمن الكتاب الفصول، دور السريان في تطوير الصحافة العراقية / السريان بين السياسة والصحافة /السريان يواكبون تطور الصحافة /نمو وتعدد اصدارات الصحافة السريانية /صحافة الحركات والاحزاب السياسية /الصحافة السريانية بعد سقوط نظام صدام /الصحافة السريانية في المهجر والمنافي وهذا الفصل لم يكن ضمن الموسوعة ولكن ابو رافد اصر على كتابته واضافته للتعرف على صحافتنا في دول الشتات.

موت العصافير

واسترسل نباتي: إن الفقيد فائق بطي سبق وان ذكر له إن لا احد ارسى اسس الصحافة العراقية غير السريان وحتى الذين ارخوا للصحافة كانوا سريانا امثال رزوق عيسى روفائيل بطي ماجد الكرملي هؤلاء كتبوا تاريخ الصحافة في العراق. مبينا: اهم الصحف التي صدرت في العراق منذ 1926 ولغاية الانقلاب الاسود كان على راسها السريان. وتابع نباتي: في احدى كتابات بطي ذكر إن صديقه اميل اسحق من لبنان عندما سأله عن عائلته واخواته فأخبره فائق بأن الوالدين واخوته الثلاثة قد غابوا عن هذه الدنيا بسبب مرض القلب الذي لا يرحم ولم يبق غيره. حيث ردت سعاد الجزائري عن كيفية اصابتهم بالسكتة القلبية وهم جميعا صغار السن، اجابها ابو رافد نحن نموت كما تموت العصافير دون سابق انذار نسقط من الاعلى بهدوء. عندها يقول الفقيد تألمت سعاد لحديثي وبعد ايام حولت سعاد هذه المحادثة الى قصة بعنوان (موت العصافير).

ثروة وطنية

المتحدث الاخر كان الكاتب الصحافي فؤاد عوني الذي بين ان علاقته مع االراحل د. فائق بطي ابتدأت بعد عام ثورة تموز 1958 اذ كان كان يقرأ اسم الراحل في الصحف العراقية التي تصل الى مدينته (كويسنجق) حيث اثرت كتابات الراحل في نفس عوني كثيرا. لكن اللقاء المباشر جرى بينهما بعد العام 1971 يوم كان عوني يشغل منصب سكرتير اتحاد طلبة كردستان، لكنه لم يدم طويلا. ليتكرر في العام 1991 بعد منح الاقليم حكما ذاتيا حيث ان كان الراحل يزور الاقليم بشكل مستمر. لتستمر اللقاءات التي أسهمت في اكتشاف المناقب الحميدة لهذه الشخصية. والتي خسرناها جميعا كونها ثروة وطنية يصعب تعويضها حسب وصف عوني.

موسوعة حب العراق

ختام الجلسة كان مع الشاعر زهير بهنام بردى الذي قرأ نصا نثريا عنوانه (في باب الذكرى والوفاء والحب وليس في باب النعي). وآخر فرعي (ليس نعيا ولكن محاولة اخرى في النعي) حيث قرأ بردى ...

نموتُ في كلِّ مكان / في البيوتِ وعلى الارصفة / في المشفى والحديقةِ والسرير / في الحربِ والسلم / في كلّ مكان / لكننا لا نموت / فتاريخُنا عراقٌ لا يموت / تصوّر أنّنا نعملُ بجديّة ٍحتى في الموت / نموتُ مزدحمين بالحياة / فيا فائق لا تتركنا بإفراط / أخرجْ الينا كفَاك / لا تنشغلَ بالموتِ كثيرا

وبرغم أننا لم نلتقِ إلا نيفاً. إلا انّي أخالُ كأنّكَ كنتَ معي. تمشي بأبجديةِ عناوينَ قامتِك في أكثر من ثمانينَ عامٍا من الجمال ,نحنُ نتصفحُك وأنتَ تمشي دائما ًالى أمام. وتنظرُ الى الشمسِ وتبتسمُ كزهرة بيبون, أقولُ لك الآنَ أسمعني كراهبٍ في معبد الكلمة يا فائق أنّك كنتَ حقّاً إرشيفاً من الحروفِ والورقِ الأخضرِ والحبِّ والحياة. لمَ يا فائق لم تكملْ مشروعَك الارشيفي الموسوعي الصحفي؟ موسوعتَك الشاملة التي تشبهُ طولَك. كنتُ أتصفّحُ وأقرأُ قامتَك الشامخة. أجل يا فائق قامتُك موسوعةٌ أخرى لم تنجزْ. هي موسوعةُ حبِّ العراق والناسِ والشعبِ الابهى. وكنتُ وفيما أنا أبحثُ عن صمتِك السريِّ أنّما أبحثُ عن قيثارةِ بابل والجنائن وزقورةِ أور ومكتبةِ آشور وشمسِ الحضر, أبحثُ عن المناشيرِ السريّةِ والسجون التي نمتَ و الليلِ في عينِ النصيرِ أثناءَ نوبة ِالخفير. عن الطريقِ وكفاح الشعب والثقافةِ الجديدة عن أشياءٍ فيك .من روفائيل بطي. عن البلادِ وبانيبال وإكليلِ الورد, لم أنسَ أبداً ونحن نحتفي بوالدِك في الحلقة الدراسية (دورة روفائيل بطي) التي اقيمت عام 2013 وكنتَ بصحبةِ الدكتور المرحوم سعدي المالح وحينَ تحدثتَ كنتَ متواضعاً كحمامةٍ تهدلُ كنت كتواضعِ النبات في الحقولِ وابتسامتُك سمةُ من سماتِ الدخول الى القلوبِ وفيزا صداقة ابديّة لم تقلْ سوى ما كنتم حقاً وإستحقاقاً. لأنّك كنتَ أشعةَ شمسٍ من الحروفِ تنثالُ بجماليةِ فكرٍ ورهافةِ أحساس.

لم أتذكّر اننا كنّا على موعدٍ في الجمعية الثقافية الكلدانية في المحاضرةِ التي اغتالتْها يدُ الظلاميين, الذين حرمونا منكَ وأنتَ تتهيأ للمجيءِ الينا .لكنَّ التفجير قربَ الجمعيّة حالَ دون ذلك. وفيما مضى وقبلَ عامٍ وفي هذا المكانِ الرحب تحديداً معرض المدى كنتَ تتنقلُ كملاكٍ بدلتِك البيضاء الحليبية. التي كنتُ أرى العصافيرَ تتركُ مناقيرَها فيها وشماً حليبياً وسعاد جنبِك كأميرةٍ تسيرُ في شارعِ الموكب. وكنتُ ألاحقُك لأناولَكَ قداسَ المرايا مجموعتي الشعرية. أجل كنتَ دائماً يا فائقُ كأنّكَ في مناولتِك الاولى وكانتْ شفتاكَ بابتسامتِها المعهودةِ تضعُ القربانَ في فمِ من يمرُّ اليك عربونَ محبّةٍ وصداقةٍ وألفةٍ. كنتُ أراك كمرآة وكتابٍ. نرسلُ من خلالِك رسائلَك. التي كنتَ تكتبُ وتُرسلُها كأحلامٍ بيضاء. وها نحن هنا نبحثُ عنك في كلِّ عنوانٍ يضيءُ فضاءَ معرض المدى في اربيل نوروز الربيع الازلي.

وفي عينِ سعاد الوفيّةِ ودموعِ فخري كريم. التي قال انها لا يقدر كبحَ جماحها لو تحدثَ عنكَ في اربعينيتك التي اقيمتُ في عنكاوة.

و تحدثَ فيها الاساتذة زهير الجزائري وبطرس نباتي وفرهاد عوني. فيا لسعاد. كيفَ تحملتْ ظلامَ تلك اللحظة؟ ولكن من هزّةِ الحبِّ ارادتْ أن تتوغّل في الألم ِأكثر. وربّما كانتْ قد توزّعت بين دهشةِ الموت والغياب والوحدةِ وفراقك الاليم . نمْ يا فائق أنتَ كما كنتَ وستبقى جنينةَ الصحافة ِوالكلمةِ الحرّةِ الشريفة فوق ترابِ أرضِ الرافدين.

توفي اليومَ 25 كانون الثاني في أحدى مشافي لندن. وتوقفتُ كأنّما كتيبةٌ من الحزنِ دهمتني, وأنا أحاولُ أن أدفعَ أصابعي لتصلَ الى القلمِ لأحكي معكَ. ببعضٍ ممّا لم نقلْهُ بعد, يا فائق. الدمعُ ما كان مفاجأةٌ لي أن يسبقني ويسقطَ حارقاً الورقة وأنا أتمتمُ .كم أنت إستعجلتَ يا موت؟ دائماً أنت تختارُ الخضرةَ والحدائقَ والكلماتِ جنبك. فأوصيكَ أن ترعى ما أخترتَ لأنّك كما يبدو دائماً تختارُ البهاءَ وتكتبُ في لوحِ الجمالِ فارسَ موتِ المقبرة هذا. يا فائق لا اقولُ أنّنا سوف ننساكَ لأنَك دفنتَ في مقبرةٍ بعيدةٍ ظنّا منكَ أن لا تؤلمنا. وكي لا نتذكّر أنّكَ متَّ لكنّنا صدقاً نتوقّعُ دائماً أنّك ستطرقُ البابَ ونراكَ كلماتِ حبٍّ تسيرُ وتمشي معكَ الشمسُ.

لسنا نحبُّك ميّتاً

لكنْ أن إعتذرَ الموتُ

وحاصرَنا بغيابِك

فإنّنا حقاً

نظلُّ نحبُّك كما كنتَ حيّاً

يا فائق

في ثمانينَ من العصافيرِ تطوفُ الآنَ

وتصعدُ وجهَك القمح

ويدَك الورد الرقيق

وأجنحةَ الفراشة

لا نحبّ الإنتظارَ أكثر

كي نحبّك ميّتاً

أقلَّ مما نحلم

أن تكونَ حيّاً

من ...حسين رشيد