سدّ الموصل والتهويل الأمريكي/لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 28, 2016, 05:55:38 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

   سدّ الموصل والتهويل الأمريكي   



برطلي . نت / بريد الموقع
لويس إقليمس



كثر الحديث مؤخرًا، وزاد اللغط حول وشك انهيار سدّ الموصل وما سيترتب على ذلك من مخاطر وأضرار في البنية التحتية وفي ممتلكات المواطنين، في حالة حصول الكارثة التي تحدثت عنها جهات أمريكية بشيءٍ من التهويل الذي لا مبرَّرَ له. فالسدّ المذكور، كما نعلم جميعًا، يخضع منذ إنشائِه في عام 1986، لسلسلة يومية من عمليات الصيانة والحقن والتقوية في الأساسات عن طريق التحشية بمواد اسمنتية خاصة نتيجة التآكل في طبيعة أرضه الجبسية -الكلسية التي لا تصلح لبناء هذا النوع من الخزانات المائية، وبالضخامة التي هو عليه هذا السدّ بالذات، نظرًا لطاقته التصميمية التي تبلغ بين 8-11 مليار متر مكعب من المياه. لذا من الطبيعي، وبعد مرور سنوات تشغيلية فعلية، أن تعاني أسسُه شيئًا من الاستهلاك والتآكل، بحسب المقوّمات الفنيّة والاعتبارات الطبيعية، في التصميم والتشغيل والصيانة، وأيضًا في ظلّ ما تعرّض له من تأثير العمليات العسكرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
في اجتماع أخير دعت إليه اللجنة النيابية للزراعة والمياه والأهوار، في 3 شباط 2016، ضمّ خبراء ومختصين وجهات أمنية للطوارئ، تم التطرّق إلى مشاكل السدّ بصورة مسهبة. وطُرحت في اللقاء آراء ومقترحات معالجات ومعوّقات، إضافة إلى تقييم الوضع القائم بعد إنذارات الفريق الأمريكي التهويلية. ولم تنكر اللجنة ما قد يترتّب من مخاطر وخسائر في حالة تعرّض السدّ إلى انهيار أو حدوث تصدّعات صعبة المعالجة، بحيث يخرج الموقف عن سيطرة الجهات المكلَّفة بأعمال الصيانة والتحشية والمراقبة. فمسألة ظهورالتخسّفات والتشققات، كانت متوقعة منذ اختيار الموقع للبناء في بداية الثمانينات. كما أنّ الفريق الاستشاري السويسري أورد في تقييمه آنذاك، تحذيرات عن هذه الوضعية الواقعية موصيًا بضرورة استمرار أعمال التحشية لإدامة قدرة السدّ على المقاومة وتحمّل أسباب الضغوط المتنوعة التي قد تلحق بإنشاءاته وبوّاباته التي تنظم الانسيابية والتوزيع والتخزين.
وحين تعرّض السدّ لبعض الأضرار عقب فيضان نهر دجلة في 1988، بحسب البيانات الحكومية المنشورة، تم استدعاء فريق فرنسي متخصّص، وطُرحت آنذاك فكرة تحشية التخسّفات بمواد قادرة على سدّ الثغرات، ومنها تجربة استخدام قطعٍ من اللّباد المصنَّع محليًا من صوف الأغنام في مناطق سهل نينوى آنذاك. وبحسب ما أتذكر، زار أعضاء من الفريق المذكور قصبة قرقوش بمحافظة نينوى، وقد رافقتُهم في حينها في الترجمة، حيثُ كان هذا النوع من المنتج الصوفيّ المحليّ يُصنّع في هذه المنطقة على نطاق واسع للاستخدامات المنزلية فيها وفي أطرافها. وكانت الفكرة، أنّ هذا النوع من صناعة الفرش المحلية الصنع من الصوف، قد تنفع في تحشية التخسّفات وفي امتصاص الإفرازات الجبسية والطينية والحدّ من توسعتها.
ومقصد الذكر هذا، أنّ مخاطر السّد هذه ومجمل التحذيرات المتلاحقة، كانت وما تزال قائمة منذ اختيار الموقع، كما سبقت الإشارة، وخلال مراحل بناء السدّ ولغاية يومنا هذا. فما الجديد في هذه التوظيفة الإعلامية التهويلية لفيلق المهندسين الأمريكي، في هذا الوقت بالذات؟ ألمْ يتحدث هذا الأخير، كما تشير تقارير رسمية، عن مخاطر الانهيار منذ غزوه للعراق في الأعوام 2005 و2006 و2007؟ في حين كان ردّ الاختصاصيين العراقيين باستقرار حالة السدّ، بالرغم من أسابيع الإهمال الاضطرارية لهيئته بسبب قدوم عصابات داعش في صيف 2014 وسيطرتها على منشآته. أمّا ما رُصد من معوّقات أو من خلل،فإنّه يتعلّق بإحدى البوّابات المعطّلة لأسباب فنّية وأخرى بسبب أعمال التخريب، بحسب تقارير. فيما جميع أجهزة التحسّس المنصوبة على طول موقع السدّ عاملة بشكل طبيعيّ، بحسب مصدر في وزارة الموارد المائية. وهذه الأخيرة، في طريقها لإحالة أعمال الصيانة إلى شركة إيطالية متخصصة فازت بالعرض المقدّم مؤخرًا، علاوة على اتخاذ تدابير احترازية بتخفيض منسوب الماء فيه وتصريفه إلى مواقع أخرى للحدّ من الضغوط عليه.
ممّا لاشكّ فيه، أنَّ ما تعرّض له البلد من كوارث سياسية واقتصادية متلاحقة، قد أثرتْ بدورها على أعمال الصيانة واجبة المراقبة والمتابعة والمعالجة من دون توقف، بسبب الحاجة لذلك، لاسيّما وأنَّ مثل هذه السدود الضخمة معرّضة دومًا للتقادم لأسباب فنّية وأخرى تلحق بالطبيعة الجغرافية والطوبوغرافية للأرض التي أُنشئت عليها، ومنها سدّ الموصل بالضخامة التي نعرفُها عنه. فالوزارة المختصة بحسب المتيسّر من المعلومات، لم تدخّر جهدًا في أعمال المراقبة والمتابعة والمعالجة والاستشارة عبر أجهزة تحسّس موضوعة على امتداد السدّ، بحسب المتوفر من الأموال المرصودة. إضافة إلى استخدامها أفضل الوسائل المتاحة في رصد مكامن التخسّفات والثغور، بحسب مستشارها المتابع عن كثب لأحوال السدّ. وقد أورد التقرير النيابيّ، زيادة كفاءة المعالجة هذه في السنوات الأخيرة من نسبة 59% إلى 70%، وهذا بحدّ ذاته إنجازٌ جيّد، بالرغم من الظروف غير الطبيعية للبلد وضعف الإدارةفي العديد من مرافقه والنقص في الكادر المتخصّص والتخصيصات المالية المتعثّرة.
وبحسب مصادر الوزارة، هناك وجهات نظر متباينة، حول الطبيعة القائمة لأحوال السدّ ومكامن الخطر المتوقعة فيه. فالأمور الفنية في منشآت السد تسير بشكل طبيعيّ، ما عدا ما رُصد من عطل في البوابات التي منه تنفذ كيات المياه. فالموضوع برمّته يحتاج إلى فهمٍ أعمق للمشكلة وإلى قراءة توقعات المقابل وتحديد نسبة الخطر بموجب هذه التوقعات، ومن ثمّ إيجاد حلول واقعية درءً للخطر المشخَّص. ومن هذه الحلول المتاحة، ما يتعلّق بنوعية المعالجات التي تتطلب تقنيات جديدة عالية وفاعلة، سواء ما يتعلّق منها بطريقة الرصد أو المواد التقليدية المستخدمة في أعمال التحشية أو ببناء حاجز صدّ لموجات الفيضان، هذا إن حصل ذلك، كما كان مخطّط له ببناء سدّ بادوش على مقربة منه، ليكون عاملاً مساعدًا في التخفيف من الأعباء الكبيرة التي تحيطُ بتركيبة سدّ الموصل ومصيرِه. كما بادرت وزارة الموارد المائية لتخفيض منسوب المياه الخزنية في السد احترازيًا، وهذا من شأنه زيادة الاطمئنان بتخفيف الصدمة من التسونامي المتوقع من قبل الأصوات المثيرة للموضوع.
خلاصة القول، أنَّ ما يثيرُه فريق الفيلق الهندسي الأمريكي، ليسَ جديدًا على الجانب العراقي. فهذا الأخير، له كلّ التصورات، كما أنّ الرؤى عنده واضحة، وجهودُه ليسَ عليها غبار من أجل تأمين وضع هذا المنشَأ الكبير والتقليل من الخسائر والمخاطر، فيما لو حصلَ ما لا تُحمدُ عقباه، بحسب ما يرد من الجانب الأمريكي والغربيّ. فأهلُ مكّة أدرى بشعابِها! وضمن جهود الجهات المختصة، جاء طلب وزارة الموارد المائية من الحكومةالعراقية أن تحثَّ الخطى وتسرع في منح عقد الصيانة إلى الشركة الإيطالية "تريفي"، المرشحة لمتابعة أعمال المعالجة والصيانة والتحشية والمراقبة، تأكيدًا على اهتمامها ومتابعتها للموضوع، بالتعاون مع خبراء الوزارة والجهات الساندة وبالاستعانة بالخبرات الدولية. وهذا بحدّ ذاته حرصٌ إضافيّ منها لتهدئة القلق الذي ساور المواطن العراقي، والذي في الغالب تعوّد على ما يصدر من تهويلٍ خارجي، سواءً بشأن ما يجري أو ما تريدُ جهات خارجية الوصول إليه في سياساتها بالعراق.
وبالنتيجة، فإثارة المسألة في هذا الوقت بالذات، قد يكون فيها مقاصد وغايات سياسية ترى فيها أمريكا، الوصيّة على سياسة العراق، مناسبَةً لتحقيق هذه الغايات. ومنها إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة المهمّة بسبب قربها من عصابات داعش الإرهابية التي تسيطر على الموصل وسهل نينوى، كي تبقى على تماسٍ قريبٍ مع قيادات هذا التنظيم ومَن يمسك الأرض، من أجل تمرير ما تراهُ مناسبًا من عمليات وانشطة سرّية، في حالة قدوم ساعة الصفر المنتظَرة بفارغ صبر، وإقدام الأجهزة الأمنية على تحرير المنطقة من دنس هذه العصابات. فمعروفٌ عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، تواصلُها مع عناصر هذا التنظيم والتعاون مع قياداته ومع مّن يُمسك الأرض معًا، من أجل تحقيق أهدافٍ لصالح مصالحِها القومية العليا.كما تشيرُ أنباء مسرَّبة عن استعدادٍ وجهوزية لبعض أجهزتها الأمنية واللوجستية في مواقع القتال، للتدخلفي عمليات عسكرية سرّية لا تستبعدُ مشاركة أمريكية فاعلة بإجراء تنقلات بين عناصرِ التنظيم، سواء بعلمٍ من الحكومة العراقية وإدارة إقليم كردستان، أو من دون علمهما. وهذا ما يفسّرُه العديد من السياسيين، وهو ما صرّح به مرارًا أعضاء في اللجنة الأمنية البرلمانية برصد تحركات مشبوهة للأجهزة الأمريكية وطائراتها من أجل تنفيذ أجندة معينة. فقد سبق قيام طائرات مجهولة بمناقلة عناصر من داعش وتنظيمات إرهابية غيرها، وتجهيز أسلحة ومؤن وذخائر لعناصرِه والقيام بعمليات نوعية خاصة، دون الإفصاح عنها.
كما أنّ عدم الاستقرار الواضح في الشأن الأمني ووجود أجندات داخلية لكتل سياسية وأحزاب وأشخاص متنفذين، هي عوامل أخرى تضفي على هذا التهويل صفة الخطورة القاهرة التي تتطلب إجراءً طارئًا في استخدام ما رصدته الحكومة من أموال، تسعى جهات طامعة الاستفادة منها لصالحها. فالمسألة مركبة إذن، فيها شيءٌ من هذا التهويل، وجزءٌ من الحرص بتقليل الخسائر، في حالة حدوث ما يخشاه أولئك وما تستبعدُه جهاتٌ محلية وخبراؤُها وكادرُها.
وفي كلّ الأحوال، سدّ الموصل، باعتباره من أكبر سدود المنطقة ومن أكثرها خطورة، يستحق العناء والاهتمام المفرط، كونُه أكبر خزينٍ مائيّ بالمنطقة بحجم 11،11 مليارمترمكعب، يرفد البلاد ويسقي البشر والشجر ويسندُ مشاريعَ الإرواء.هذا إلى جانب ما ينتجه تشغيل المحطات الكهرومائية من طاقة كهربائية ضرورية تتجاوز الألف ميكاواط، وإمكانية الاستفادة من حوضه في تربية الأسماك. لذا، أيًا كانت التحذيرات، أو التطمينات، أو التشكيكات، فالسدّ المذكور، يبقى من رموز العراق ومعالمِه، برفد البلاد بطاقات وثروات تسهم بطريقة أو بأخرى في دعم اقتصاده وتطوير بنيته والاستفادة من مياهِه الخزنية في العديد من الأغراض والغايات والفوائد.



بغداد، في 11 شباط، 2016