ألبطريرك ساكو لرئيس برلمان الاتحاد الأوروبي: الكل يعلم ما فعلته داعش بالمسيحيين

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يناير 27, 2016, 09:47:14 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

ألبطريرك ساكو لرئيس برلمان الاتحاد الأوروبي: الكل يعلم ما فعلته داعش بالمسيحيين واليزيديين على قاعدة: "أسلموا تسلموا"


عنكاوا / أليتيا (aleteia.org/ar) – أرسل البطريرك مار لويس ساكو رسالة الى رئيس برلمان الاتحاد الأوروبي بمناسبة انعقاد البرلمان في النمسا بتاريخ 20/1 وذاتها الى المؤتمر الدولي بشأن حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية المنعقد في المغرب للفترة 25-27/1 وبمشاركة مكونات العراق وقرأها نيابة عنه الأب فادي ضوء.
وجاءت رسالة مار ساكو  بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم بعنوان "كيف نحمي العيش المشترك المتناغم في العراق والمنطقة من خطر التطرف والإرهاب" متحدثا فيها عن معاناة المسيحيين والمكونات الاثنية الأخرى بعد احداث عام 2003 وواقعهم المرير والسبل الكفلية لمعالجة ما آلت اليه الاوضاع نحو انحدار في مستويات الامن والسلام والاستقرار.
وحصل مندوب "عنكاوا كوم" في بغداد على نسخة من الرسالة بعثتها البطريركية الكلدانية .
نص الرسالة :

الحضور الكرام

بيد تمسك القلم ويد تشدّ على لملمة الجراح، وقلب يغص المًا، جئنا لنخاطب الصدر الرحب لذوي النيّات الحسنة والارادة الطيبة في فعل شيء ملموس يخرج البلد وخصوصا الأقليات من هذا النفق الخانق. وفي هذه الكلمة نود ان نعرض الواقع، ونتلمس الحلول، ونمدّ اليد، متطلعين الى غد أفضل.

انسياقات في الداخل
وكأن كلُّ شيء بدأ بين ليلة وضحاها، وكأن أياد خفية خبيثة رتبت كلّ شيء، لما يؤدي إلى الانسياق لتنفيذ ما خطط له، وتأتي ملامح الصورة وفق هذه الخطوط:
ظهور صراعات جديدة في العراق والمنطقة تُشبه حروباً منظمة، ولكن بحبكة ذكيّة لأسلوبٍ مختلف عن الحروب التقليدية.
وجرى بنحو غير مسبوق زرع بذور سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم، مع انتشار مفاجئ لتيارات طائفية ودينية ومذهبية متشددة، تبرر العنف غير المحدود، مع كل ما لا يتماشى مع ايديولوجيتها، فزادت في ارتفاع التوتر والتقاطع.
ظهرت على السطح كتل سياسية اعتمدت المحاصصة في إدارة الدولة بدلا من الكفاءة والمهنية، وهذا أدى الى تغييب الثقة فيما بينها؛ وسرعان ما تميزت بخلافها على السلطة والمال والحدود الجغرافية. وتعمقت هوة هذه الخلافات، بغياب المصالحة الوطنية الفعلية، وبالتالي كان الابتعاد عن أي نوع جدي من الشراكة الوطنية والحلول المنشودة.

أسباب الواقع المرير وتمخضاته المأساوية
لم يعد يخفى على أحد ما حدث من تدخلات جهات خارجية مستفيدة، من تراجع الدولة وضعف أدائها وتشتت ابنائه، فدفعت ببلادنا مع بلدان المنطقة الى الفوضى والإرهاب تحت شعار الديمقراطية والحرية، فسلبت ثروتنا وحريتنا وسلامنا، ووحدة مجتمعاتنا والتعايش البناء بينها! كل هذا ولـّد البيئة المناسبة التي أدت إلى:

الفشل في فرض سلطة القانون، أمام سلطة الغاب، وعدم نجاح النظام التربوي في تربية الناس على احترام بعضهم البعض، وانحدار الثقافة من ضعف الى ضعف، لتستشري البطالة ويتردّى الوضع الأمني والاقتصادي أمام هبوط حاد للخدمات، فيؤول بلدنا العريق مهد الحضارات إلى واقع متفرّد بمرارته: الاف الموتى وملايين المهجرين وخراب البنى التحتية والبيوت. والذي يحزّ في النفس هو هاجس الناس المقلق باستمرار الصراع الى أمد بعيد!

مصارحة بشأن الدين
أيها الإخوة والاخوات المباركون: من المعروف أن في تعدّد الديانات حكمة إلهية، لا بدّ من الاقرار بأنّ الدين، أي دين، بما فيه من تأثير إيجابي على حياة الانسان الوجدانية اليومية، وما يجلبه من سكينة وسلام إلى قلب المؤمن، إلا أنه قد يأتي بتأثير سلبي بسبب جملة عوامل: عندما يغيب النضج الإيماني والروحي والتحليل الواعي السليم والقراءة العلمية الصحيحة للنص، وعند الابتعاد عن الجوهر الحقيقي للدين في التسامح والاحترام والتعاون، وعند التحول الى التشدد وارتفاع صوت التعصب، وعند فرض الشأن الديني على المجتمع من دون الأخذ بنظر الاعتبار وجود مواطنين من ديانات أخرى ومذاهب أخرى مما لا ينسجم مع الواقع الجديد، وقد تجاوزته دساتير دول العالم، كل هذا يتعارض مع التعايش الإنساني وجعلنا أمام ازمة فكر وثقافة، وافتقار الى نظرة واسعة للواقع الحالي، والانتفاض للظلم الذي يطال شعبنا.
وإذ ما زلنا بصدد الدين، فنحن نواجه ممارسات بعيدة عن جوهر الدين ورسالته، وأمام من يحكم على الاخرين بالكفر، سواء كانوا من المذهب الواحد، أو من الأديان الأخرى دون ان يعرف حقيقة ايمانهم، ودون الاكتراث بحسن نواياهم، في التوق الى الخالق والعيش بضمير سليم. وبصراحة تامة اننا نفتقر الى إشاعة قراءة تفسيرية علمية من مرجعيات رشيدة، والى إرشادات قويمة، من مرجعيات عليا موحدة توجه نحو الخير ألعام، وسيادة القانون العادل، والتحرر من السياسة القادمة من الخارج! وأعتقد ان هذا يمكن أن يكون أحد عوامل المصالحة المشتركة، بما في ذلك التنسيق المنسجم بين المرجعيات العليا لدعم الفكر التنويري الايجابي المنفتح.

معاناة المسيحيين والمكونات الاثنية والدينية الأخرى ومستقبلهم

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، أصبحت البلاد تحت انسياق لتوجه عنود متشدد وممنهج، يستهدف المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى في عقر دارهم، وعلى نطاق واسع، ليدمر تاريخنا المشترك وحضارتنا وقيمنا واخلاقنا، ويدفع الى واقع تصاعد موجة الكراهية والتغريب والتهميش ضد المسيحيين. واليكم بعض الحقائق والمؤشرات، تبين كيف ان البلاد تعيش خارج نطاق الدول المعاصرة، وبعيدا عن الحد الأدنى من حقوق الانسان، في احترام خصوصيّة كل جماعة ودين والمحافظة على حرمة اصحابه، وضمان حقهم في التعبير المشروع عنه.

الكل يعلم ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمسيحيين واليزيديين على قاعدة: "أسلموا تسلموا" وتهجيرهم من بلداتهم وبيوتهم الى مخيمات اللاجئين، وقد وصل الاجحاف بحقهم إلى نوع إلغاء حدّي لهم، بل إلى نوع " إبادة جماعية". وهناك جماعات وتيارات لا تقل سوءً عن داعش ظهرت وتعتدي على هذه المكونات قولا فعلا. نذكر على سبيل المثال بعض وقائع حقيقية من دون ان نعممها على المسلمين أو نلصقها بالإسلام حصراً، لكنها انتهاكات صارخة ومشينة.
البطاقة الوطنية الموحدة المزمع اعتمادها المادة 26/2 والتي تكره الأولاد القاصرين غير المسلمين على تسجيلهم مسلمين عند اشهار أحد الوالدين اسلامهم رغم مطالبتنا بترك الخيار للأولاد بالبقاء على دينهم الى بعد بلوغهم السن القانونية.
الدعوة المعلنة مؤخرا من قبل بعض أئمة المساجد والأشخاص، قبل عيد الميلاد بشأن تهنئة المسيحيين، بأن ارتكاب المعاصي "اهون من تقديم التهاني للنصارى"، وقيام بعض المتشددين بتكسير شجرة الميلاد في أكثر من مركز تبضّع (مول) والاعتداء على مقابرهم (في كركوك).
كما ان قاضية في بغداد طردت مسيحيا عندما أراد الادلاء بشهادته امام المحكمة لصالح جارته الارملة المسلمة التي طلبت منه ذلك، واعتبرت القاضية ان شهادة المسيحي غير مقبولة. رفض بعض من عمال البناء العمل في بيوت المسيحيين أو أديرتهم لأنهم كفار.
قيام بعض الميليشيات ببغداد بالاستحواذ على بيوت المسيحيين وأراضيهم وممتلكاتهم.
نشر ملصقات حتى في بعض الدوائر الرسمية تدعو المسيحيات الى ارتداء الحجاب على غرار مريم العذراء، مما يعدّ تدخلا سافرا في الخيارات الفردية للإنسان المعاصر. اننا لسنا في عصر الجاهلية، وفرض تقاليد على الجميع وبدون تميّز.
إن هذه الانتهاكات تتفاعل كل يوم وتنتج مزيدا من الخوف والقلق عند الأقليات وتدفعهم الى الهجرة شبه الجماعية وافراغ البلد منهم مما يشكل خسارة لمهاراتهم واختصاصاتهم، فهل ثمة من يقبل بهذه الانتهاكات وما تنتجه؟ فهل مثل هذا الفكر يوحي بالتعايش؟ وهنا نذكر ايضًا جراح المسيحيين الذي اجبروا على الهجرة الى دول الجوار هربا من وحشية الإرهاب. لقد شهدت الاربعة عشر قرنا المنصرمة، حدودا معينة من التعايش وجوّا من الاحترام المتبادل. هذا النهج لا يخدم دينًا ولا دولة.
لذا ينبغي نستصرخ ضميركم الديني والانساني لبذل المزيد من الجهد لتغيير هذا الفكر الاقصائي ومساعدة هذه الأقليات على العيش الحر الكريم في بلدهم وهم فيه اصلاء، ولهم في تاريخه ايد بيضاء.

ما الذي نحتاجه اليوم؟

نرى أننا نحتاج اليوم الى إشاعة ثقافة جديدة منفتحة تدعو الى المساواة والعيش المشترك، وتتعامل مع المجتمع الدولي المعاصر والحضارة المتطورة والتنوع الثقافي والديني، تعترف بالآخر وتحترمه. نحن بحاجة الى دولة والى مرجعيات دينية عليا تقوم بحملة مناهضة وتصدى لهذا الفكر المتطرف التحريضي-الارهابي فتشعرنا، قولا وفعلا، ان هذه بلادنا وارضنا، كما هي بلادنا جميعا، ونحن اخوة ومواطنون متساوون بالحقوق والواجبات، بدل الصمت المريب، أمام واقع اعتبارنا كفارا يجب طردهم والاستيلاء على أموالهم أو قطع رؤوسهم.

المعالجة: الخيار الصعب

1-الاتفاق على رؤية سياسية جديدة واضحة لقيادة البلد ووضع خطة عملية يتم تطبيقها على ارض الواقع بأفق جديد من علاقات والحفاظ على مدنية الدولة وتكريس روح المواطنة عمليا وضمان وحدة الوطن واحتضان التنوع الثقافي والديني والمذهبي والذي هو ميزة العراق وعامل غنى. ربما يكون نظام الأقاليم او الفيدرالية اليوم هو الحل الأكثر قبولا والذي يحافظ على وحدة البلد.

2– تعزيز سيادة القانون وتبني لغة القانون التي تتسم بالموضوعية والحيادية في التعامل مع المواطنين على حد سواء، وتثبيت حقوقهم كاملة في الدستور ومعالجة عادلة لقضاياهم بعقلانية منفتحة وعلى ضوء الدستور والقوانين والمواثيق الدولية واتخاذ قرارات سليمة تصب في المصلحة العامة لتغدو سبيلا عمليا لتحقيق المواطنة الحقيقية. فمن المعروف أن الدول الاكثر تقدما وديمقراطية، هي تلك التي تحظى فيها الجماعات الثقافية والاثنية ذات العدد المحدد بكامل حقوقها ومكانتها في بناء البلاد وازدهارها.
3 .- تحصين المواطنين على ارض الواقع، من عواقب التطرف والعنف والارهاب من خلال تقديم فكر وسطي – معتدل، ملتزم بتعميق ثقافة المواطنة، اي انتماء العراقيين الى وطنهم وليس الى طوائفهم أو عشائرهم، وفي ظل سيادة القانون، واستخدام التعليم المنفتح كوسيلة تثقيف بعيدة عن بعض المناهج الدراسية التي يتلقاها الطلاب والتي تتضمن أفكاراً متطرفة ترفض الآخر وتقصيه ولا تعترف به.

4-مواجهة التطرف ليس باصطفاف متطرف اخر، انما بتفكيك جذوره الإرهابية وتجفيف منابعه، باعتماد ثقافة التسامح والمحبة وقبول الاخر واحترامه كاخ ومواطن وليس كخصم، وبسلطان القانون، عدم التهاون، مع كل من يدعو الى التطرف ويحرض على العنف.

5- إيجاد صيغة قانونية انسانية ومجتمعية ووطنية ودينية للعيش معا، صيغة شجاعة تضمن احترام التنوع والتعددية والتعايش السلمي تنسجم مع الواقع الحالي، صيغة تكفل التوازن والتعايش الكريم، صيغة تكون بمثابة عهد أو عقد اجتماعي أو فتوى عليا تحافظ على وحدة الوطن وتدعم التنوع والتعددية.

دعوة أخيرة

يقول المثل الدارج "إلحَقْ حالَكْ"... لقد حان الأوان لنتحمل مسؤوليتنا؛ وقبل ان يمتدّ الصراع لسنين عديدة، لنتـّحد ونضع أيدينا بادي بعضنا البعض، مسيحيين ومسلمين ويزيديين وصابئة من اجل إيقاف القتل والهدم والتهجير، والعمل لإحلال السلام والأمان، ولنتعاون في بناء وطن للعراقي العربي الشيعي والسني والكردي والتركماني والشبكي والمسيحي واليزيدي والصابئ، وطن يحترم حقوقهم ويصون كرامتهم ويحمي حياتهم، فنغدو بالتالي صنّاع منعطف تاريخي، وجديرين بتحقيق السلام والاستقرار والأمان لشعبنا.


http://ar.aleteia.org/2016/01/26/%D8%A3%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%B3%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84/
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة