لا إكراه في الدين، وعدم دستورية فرض الدين على القاصرين هادي عزيز علي

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, نوفمبر 08, 2015, 10:49:08 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي


لا إكراه في الدين، وعدم دستورية فرض الدين على القاصرين


هادي عزيز علي

أستغرب سبب إصرار المشرّع على إصدار قوانين تشرعن للتمييز والكراهية، مع إقراره بأن هذا الوطن يتشكل من مكونات عدة أقرها الدستور في ديباجته ونصوصه. قانون البطاقة الوطنية المصادق عليه برلمانياً بالأغلبية وضع النص الآتي: (يتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الأبوين). ويزيد الاستغراب لدينا عندما يكون هذا النص ذاته موجودا في نص المادة 21/3 من قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل، إذ كان الأخير، ولا يزال، محل نقد وعدم قبول من قبل منظمات المجتمع المدني وفئات عديدة في المجتمع العراقي والديانات غير المسلمة. فقد عقدت بشأنه الندوات واللقاءات بغية الوصول إلى صيغة تلغي التمييز التشريعي وتطبق المساواة أمام القانون.

الموضوع هنا أن أيّاً من الأبوين غير المسلمين إذا أسلم أحدهما فإن أولادهم من القاصرين يسجلون مسلمين في دوائر الأحوال المدنية، استناداً لقانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1072 المعدل. وأمام هذا الوضع المعيب تشريعياً حينئذٍ، وللوعي المبكر لمحكمة التمييز بهيئتها العامة في سبعينات القرن الماضي، فقد اجتهدت للحد من صرامة هذا النص، إذ وضعت مبدأً قضائياً يتضمن ان هذا القاصر الذي أسلم تبعاً لإسلام أحد أبويه، إذا بلغ سن الرشد فبإمكانه أن يرفع دعوى قضائية على المدير العام للجنسية والأحوال المدنية لدى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لغرض الحصول على حكم بالرجوع إلى دين أجداده، ويكون له ذلك بشروط ثلاثة هي البلوغ والأهلية والاختيار. واصدرت محاكم الأحوال الشخصية العديد من تلك الأحكام، واكتسبت درجة البتات بمصادقة محكمة التمييز عليها حينئذٍ، إذ ان الأخيرة تسبب المصادقة على الرجوع إلى دين الأجداد بأنه موافق للشرع والقانون.
وعندما أطلق رأس النظام السابق حملته الإيمانية في تسعينات القرن الماضي، اجتمع مع أعضاء محكمة التمييز في القصر الجمهوري وأعلن توجيهاته لهم بمضمون الحملة الإيمانية، التي انعكست بقرارات جديدة لمحكمة التمييز للطلبات المقدمة إلى محاكم الأحوال الشخصية من الذين بلغوا سن الرشد بطلب العودة إلى ديانة أجدادهم، أصبحت تنتهي برد الدعوى، وتسبيب الرد على الشكل الآتي:
(إن طلب العودة إلى ديانة الأجداد يعني الخروج عن الدين الاسلامي وهذا يعتبر ردة معاقب عليها)، وبذلك فقد أهدر مبدأ محكمة التمييز بهيئتها العامة وضرب به عرض الحائط.
وكنا نأمل ان تعود محكمة التمييز إلى المبدأ السابق بعد زوال أسباب الحملة الإيمانية بعد عام 2003، لكن طغيان المعتقد والموروث الثقافي لدى البعض من قضاة محكمة التمييز جعلهم يبقون على المبدأ الذي اختطته الحملة الإيمانية في النظام السابق، واستمرت الأحكام التمييزية تعتبر من يروم العودة إلى دين أجداده ردة عن الدين الاسلامي معاقب عليها إلى يومنا هذا. ويأتي قانون البطاقة الوطنية بمادته 26/ ثانياً ليزيد الطين بلة، ويكرس التمييز ضد الآخر ويشرعنه.
يشكّل هذا النص مخالفة لأحكام الدستور، وخاصة أحكام المادة 42 منه، التي تنص على: (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة). فضلاً عن أن هذا القانون يشكل اكراهاً، بما تعني هذه الكلمة من معنى، ومخالفاً لنص المادة 37/ثانياً من الدستور التي تنص على: (تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني). إضافة إلى أنه يُعدّ مخالفة صريحة لحقوق الإنسان، وخاصة أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إذ تنص مادته المرقمة 18/1 على: (لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدينٍ ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره...). ومعلوم ان هذا العهد اصبح قانوناً عراقياً بعد المصادقة عليه من قبل العراق بالقانون المرقم 193 لسنة 1970، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 1927 في 7/10/1970، وما زال نافذاً يتمتع بالحماية الدستورية بموجب أحكام المادة 130 من الدستور التي تنص على: (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدّل وفقاً لأحكام هذا الدستور).
لما تقدم، فإن قانون البطاقة الوطنية يتعارض في أحكامه مع قانون نافذ وهو العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، كما لا ينسجم مع أحكام الدستور. ان ذلك يدل على ان القائمين على تشريعه يفتقرون إلى الكفاءة المطلوبة للقيام بالعملية التشريعية ومن ثم الصياغة القانونية، لأن من أساسيات التشريع هو الاطلاع على القوانين النافذة بغية الحيلولة دون تعارض النصوص، هذا أولاً، أما ثانياً فإن المشرع يلزم أن يكون الدستور تحت يد المشرع لكي لا يقع في الخطأ ويصدر قوانين تتعارض وأحكامه، وان عدم الأخذ بأساسيات التشريع تلك، يعني صدور قوانين معيبة تكون عرضة للطعن فيها بعدم الدستورية لدى المحكمة الاتحادية العليا.
إن القانون المذكور لا يشكل تعارضاً مع قانون نافذ أو مخالف للدستور فحسب، بل أنه مخالف لأحكام الشريعة الاسلامية، التي نأت بالنفس عن فرض الاسلام على الآخرين قسراً، فالآية الكريمة 256 من سورة البقرة: [ لا إكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغي ]. وتذكر كتب التفاسير أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم يقال له الحصين، له ابنان نصرانيان وكان هو مسلماً، فقال للرسول الكريم: يارسول الله أيدخل بعضي إلى النار، ألا استكرههما فقد أبيا إلا النصرانية، فلم يأذن له الرسول ونزلت الآية [ لا إكراه في الدين.. ]. وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تبتعد عن فرض الاسلام قسراً على الناس، منها على سبيل المثال: [ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ] يونس 99، والآية: [ لست عليهم بمصيطر] الغاشية 22، والآية: [ وما أنت عليهم بجبار ] ق 45، والآية: [... وما أنت عليهم بوكيل ] الأنعام 107، والآية: [ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ] الرعد 40، وسواها من الآيات الأخرى، فضلاً عن السنة النبوية التي لا يتسع موضوعنا هذا لتناولها بالتفصيل.
لا نعرف ما هي المعايير التي دفعت المشرع إلى اعتبار القاصر مسلماً، وهو على علم ان القاصر فاقد للاختيار بسبب قصره.


http://www.almadapaper.net/ar/news/498358/%D9%84%D8%A7-%D8%A5%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة