مشاكسة يــوم العــراة العالمـــي

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 28, 2014, 09:06:29 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
يــوم العــراة العالمـــي



مال اللـــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com

ضوء احمر اضاءه الزميل العزيز سعيد يحيى رئيس تحرير مجلة (صـــوت الاخـــــر) من خلال الصرخة المكتومة التي اطلقلها عبر قصته التي حملت  عنوان (مـــاذا لـــو تحـــول هــــذا الكابـــوس الـــى حقيقـــــة) وهو يستعرض تفصيليا دقائق حلم   بطل روايته (ســــيروان) الميسور جدا الذي يعيش في دولة نفطية غنية والذي يفاجأ ذات يوم بمندوبي مختلف الدول الشرقية والغربية وحتى الاقليمية منها وهم يطرقون بوابة منزله ليستعيد كل منهم ووفق قرار اممي ملزم منتجات البلد المعني, ليفاجأ اخيرا وهو في دولة نفطية تتباهى بتلك الثروة وحيدة الجانب بانه لم يعد يملك الا ما يستر عورته فقط بقطعة قماش بيضاء, على الرغم من ان حتى قطعة القماش تلك قد كانت هي الاخرى من صناعة دولة اقليمية الا ان مندوبة الدولة المعنية تنازلت عنها لقذارتها والا لكان قد امسى بعريه الكامل احد ابرز فضائح نشرات الاخبار في جميع الفضائيات.
وبعيدا عن الخوض في غمار النقد الفعلي للحبكة الدرامية والبناء القصصي وبعض الاخطاء التي شابت القصة هنا وهناك, فانني اتوقف امام القيمة الايحائية والجوهر الفلسفي لهذه القصة التي تطرح الواقع محذرة من تداعيات المستقبل في ان واحد, وهي بين هذا وذاك تشعل ضوءا احمرا امام البلدان الغنية بثرواتها الطبيعية وبعائداتها المادية لكنها الافقر بانتاجها الحقيقي وبقدراتها على توفير حتى اولويات ارغفة الخبز لشعوبها, لتطلق عبر تمازج الخيال القصصي بالواقع الحياتي صرخة مكتومة للشعوب المعنية وحكوماتها (انكم بدون الانتاج الوطني الحقيقي عراة وان غطت عوراتكم الان الثروات النفطية لكن ماذا عن المستقبل لو نضبت هذه الثروة مثلا, او  لو ان العالم توقف عن استهلاك النفط  وتحول الى مصادر بديلة؟ الن تصبحوا عراة؟).
في القفز من تلك الاجواء القصصية وايحاءاتها والاقتراب من الواقع وملامسته يبدو ان تلك القيم القصصية تبدو وكأنها قد فصلت تماماعلى مقاساتنا الوطنية في بلد يتباهى مسؤولوه بامتلاكه لثاني اضخم الاحتياطات النفطية في العالم وفي حال تأكدت الاستكشافات الاخيرة ومقادير احتياطييها سيقفز بلا شك الى المرتبة الاولى في احتياطيات هذه الثروة المهولة التي هي في جميع الاحوال كما وصفها الفلاسفة (ان كانت بايدي العقلاء فهي نعمة .. اما بيد الجهلاء فهي نقمة) وما بين النقمة والنعمة هبط الظلام في بعض البلدان وحلت العتمة.
بيد ان المفارقة تكمن في اننا استطعنا (بقوة انتاجنا النفطي) ان نرصد هذا العام اكبر ميزانية مقترحة في تاريخ البلاد تجاوزت الـ(145)  مليار دولار بخمسمائة مليون وهي ربما تعادل الميزانيات السنوية لست دول شرق اوسطية مجتمعة من بينها مصر بكثافتها السكانية المعروفة , ومع ذلك ما يزال الفقر في هذا البلد الغني يمثل نسبة عالية بلغت في عام 2012 مثلا  (38%) وفقا للجنة الحكومية للتخفيف من الفقر الى جانب ما نسبتهم (23%) من المواطنين مازالوا يعيشون تحت خط الفقر اضافة لاكثر من مليون مشرد, في حين يقدر حجم الفساد  وفقا لاحد المواقع الالكترونية بحدود(250) مليار دولار فضلا عن تردي الخدمات وغيابها احيانا وتكدس النفايات ومسطحات المياه الاسنة في بعض الاحياء السكنية.
اما على الجانب الانتاجي الفعلي الذي يمثل احد المعايير الاساسية لقياس مستويات التطور والاكتفاء والرفاهية الاجتماعية ورقي مستوى الحياة, فاننا والحمد لله ما نزال ننعم بمنتجات معظم الدول في العالم بدءا من رغيف الخبز والملابس الداخلية والاحذية والبقدونس والطماطم والزيوت والصوابين وحقن البوتوكس والتاتو وموانع الحمل والمنشطات الجنسية والالات الجراحية وادوية اعادة الشباب وزراعة الشعر الى جانب السيارات بالطبع والطائرت والمخدرات واجهزة التنصت والموبايلات  والماء والكهرباء ومعاجين الحلاقة والبارفانات والمثلجات والبسكويت ولعب الاطفال وشوربة ماجي الدجاج والبقر والساعات السويسرية والحاسبات والشاي والقهوة والجواريب واصباغ الشعر وسواها.
اما انتاجنا الفعلي فلا يشابه اي انتاج دولي اخر فقد تخصصنا بانتاج الازمات وفي اشعال الحرائق بين المكونات وفي كيل الاتهامات وفي شرعنة الفساد وفي تعميق الفروقات الطبقية من خلال الامتيازات الحكومية والبرلمانية بل حتى النفط بدل ان نستخدم فيه سياسة الفوائد الجمعية والوطنية عبر التوافقات الدستورية جعلناه سببا للازمات والتراشقات والخلافات الاقتصادية.
ازاء ذلك يبرز تساؤل (سيروان) الذي استيقظ من كابوسه ذاك مرعوبا (ماذا لو تحول ذلك الكابوس الى حقيقة؟) واصدرت المنظمة الدولية قرارا تاريخيا ملزما يمنح الدول وممثليها حقوق استعادة منتجاتها من الدول التي لا انتاج لها؟ وتم تنفيذ القرار فعلا؟
حتما سيتحول ذلك اليوم في جميع الدول غير المنتجة الى (يوم العراة العالمي) حيث ستجد الشعوب النائمة والغائمة والمتسولة والمتوسلة انفسها عارية تماما حتى من ورقة التوت وسيتاح للدول الصناعية فرصة التمتع بمشاهدة فضائح عروض العري الجماهيرية تلك مجانا.
اما السياسيين والبرلمانيين والرؤساء والوزراء والمستشارين واصحاب الدرجات الخاصة حاملي الجنسيات المزدوجة والولاءات المزدوجة في تلك الدول فانهم بالتاكيد سيتركون شعوبهم تواجه مصائرها لوحدها وتتعرى وتتحول الى مادة دسمة لفضائح الفضائيات بينما هم ورغم انهم السبب المباشر في تلك الفواجع والمواجع سيحتمون بجنسياتهم الاجنبية وسيتركون شعوبهم تواجه لوحدها مصائرها الماساوية وربما تردد نشيدها الاممي الموحد وهي تحاول سترعريها  دون جدوى (يااهـــلا بالمواجــــع .. يا اهــــلا بالفواجــــــع).