رشيد الخيون في المجلة: برطلة المسيحية وأخواتها ذوات الباء

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 30, 2013, 11:28:07 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

رشيد الخيون في المجلة: برطلة المسيحية وأخواتها ذوات الباء


برطلي . نت / متابعة
عشتارتيفي كوم- المجلة/

عقدنا ليومين (23-24 نوفمبر/ تشرين الثَّاني 2013) مؤتمرًا بأربيل وبرطلة تحت عنوان: "أصدقاء برطلة"، كانت قضية المؤتمر هي ما تتعرض له هذه المدينة التاريخية بطابعها المسيحي لتغيير سكاني، مقصود أو غير مقصود، لكنه جارٍ على قدم وساق، والمواجهة بين الشبك والمسيحيين مازالت تحت السيطرة، فالجميع يحرصون على عدم التَّصعيد، لكن الأعصاب مشدودة، وتحت هذا الظرف قد لا يتمكن العقلاء مِن التحكم لجم الجهلاء.

حضر المؤتمر نحو ثمانمئة شخصية، وكان المطارنة يتقدمون الصف الأمامي بألوان ثيابهم الدينية، المختلفة حسب اختلاف مذاهبهم، كانوا قلقين من الإزاحة السكانية، فبرطلة الآن تتوشح بسواد أعلام ورايات لا علاقة للمدينة وأهلها بها، وفي مدخل المدينة لافتة عريضة كتب عليها الوقف الفلاني، ولافتة أخرى تشير إلى مركز إسلامي تتقدمه صورة كبيرة لرئيس حزب ببغداد، محاطة بالأعلام الخضر والسُّود، وفي المناسبات الدينية، غير المسيحية، تدور سيارات بمكبرات الصوت، والأذان يعلو فوق كنائسها، وكأنها ساحة معركة.

أكثر بيوت برطلة فيها سراديب، تعثر بفتحات لتهويتها على جوانب الطرقات، تستعمل لحفظ الحيوانات من السرقات، هذا في السابق، أما الآن فغدت مهملة، فالبيوت التراثية آيلة للسقوط، مع أنها ذات طراز معماري قديم، كان يمكن المحافظة عليه، كخصوصية لهذه المدينة، لكن الكنائس نفسها علتها الأتربة، فتراها مثلما ترى خرائب بابل وآشور. بطبيعة الحال ليس برطلة هي الوحيدة التي غلبت عليها عاديات الزَّمان، إنما أكثر مدن العراق أصيبت بطاعون الخراب، ومَن يفكر في إعادة إعمارها لا يمتلك رؤية ولا فكرًا للمحافظة على أطرزتها.

مازال البرطليون يقاومون تلك العاديات بإصلاح دار عبادة، أو الاجتماع لإعمار منزل قد سقط على رؤوس ساكنيه، لكنهم يشعرون بالمحاصرة والزحف السكاني على بلدتهم، وعليهم مداراة هذا القادم، فعندما يعلن الآخرون الحزن فعلى أهل برطلة كبت أفراحهم، وعلى وجه الخصوص إذا تزامنت المناسبات، واقترن الهجري بالميلادي، فالأول لا يتقيد بمواسم الفصول بينما وفق الثاني تتداول الأيام ثابتة.

يضاف إلى ذلك، تعرض أهل برطلة إلى التهميش المركب، القومي والديني. قال لي أحد الشباب، ونحن أمام داره وسط برطلة: لماذا عليَّ المجاملة وتقدير ظرف الآخر في مواسمه، بينما لا يقدر هو مشاعري؟! فهذه المدينة أمامك فرغت من قراها الأصيلة، ولم تبقَ لسكانها الأصليين سوى قرية واحدة مقابل اثنتي عشرة قرية لغيرهم! سمعت مِن سكان المنطقة أن هذا النزوح لم يكن بريئًا بشكل مِن الأشكال، فشراء البيوت متواصل، وبمبالغ مغرية، وكأن هناك إعدادًا لخارطة مستقبلية لهذه المنطقة، فما معنى الدار التي لا تتجاوز قيمتها أربعين ألف دولار يُدفع فيها مئتا ألف مثلاً؟!

الباء من برطلة، وكل ذوات الباء من مدن العِراق، تعني بيت، أو بيث الآرامية أو السريانية، فهما شقيقتان.. وقلما تجد مدينة عراقية خالية من تعشيقها مع الباء: بغداد: بغدادو، أو بغدادي، الباء وغداد أو كداد، وتعني بيت أو دار الغنم، وقيل بيت العنكبوت..

تتبع برطلة لمحافظة الموصل، والسفر إليها من أربيل يوجب الحذر؛ وذلك للعمليات الإرهابية التي تنفذ في سهل نينوى، وبرطلة من قصباته، وهي ناحية تتبع قضاء الحمدانية، وأعجب من هذا السَّهل أنه يحتضن خليطًا من الأقوام والأديان والمذاهب المتشابكة، فلعلّ عزلة المكان قديمًا صار ملاذًا لمَن لا قدرة لهم على دفع الأذى عن أنفسهم. لا نبالغ إذا قلنا: كلُّ حجرة مِن أحجار برطلة وأديرتها فيها أثر مِن الآثار.

الباء من برطلة، وكل ذوات الباء من مدن العِراق، تعني بيت، أو بيث الآرامية أو السريانية، فهما شقيقتان، ومَن ترجم كتاب الصابئة المندائيين المقدس "الكنزا ربا" كان أحد المتضلعين بالسريانية يوسف قوزي، والكتاب مكتوب بالمندائية، اللغة الدينية لدى هذه الطائفة القديمة، وهي الآرامية الشَّرقية، وأخبرني الأستاذ قوزي أنها خليط من السريانية والآرامية.

قلما تجد مدينة عراقية خالية من تعشيقها مع الباء: بغداد: بغدادو، أو بغدادي، الباء وغداد أو كداد، وتعني بيت أو دار الغنم، وقيل بيت العنكبوت.. إلخ. البصرة: «بيث اوصرى» الآرامية أي بيت الجداول، وهذا ما يدل عليها. بعقوبا: بيث عاقوبا، بيت المفتش أو الحارس، ولفترة طويلة سميت بخريسان؛ لأنها واقعة على طريق خراسان.

باطنايا: شمال الموصل، بيت الطين. باعذرا من قضاء الشيخان: بيت العماد أو المساعدة، وكان فيها دير كبير، وعُقدت فيها مجامع كنسية. باعشيقا من نواحي الموصل: بيت المظلومين. بامرني من نواحي العمادية: البيت المنيع. بدرة: أقصى حدود مناطق الكوت الشرقية، تتكون من الباء: بيت ودير، فخففت إلى بدرة. باصخرا من نواحي الموصل: بيت سحرايا، أي بيت أصحاب القصور. باحزاني من نواحي الموصل: بيث حزياني، أي محل الرؤية أو الشاهد. أبو صيدا من نواحي ديالى، وتعني: بيت الصيد. أبو جسرا: من نواحي شهربان أو المقدادية، وتعني: بيت الجسر.. إلخ.
يتضح أن حرف الباء، المقتضبة من بيث الآرامية، كثيرة الاتصال بأسماء المدن العراقية، وهي حلقة الوصل بين تاريخها الآرامي وما أتى بعده. أما برطلة أو برطلي فتعني بيث صناعة الأوزان أو الأطال.

جئت بتلك المفردات عن بحوث أقلق أصحابها من قبل أمر العراق ووحدته الثابتة المهتزة، مثل: "أُصول أسماء الأمكنة العراقية" للباحثين القديرين: كوركيس عواد وبشير فرنسيس، ومحادثات مع قساوسة ورهبان تضلعوا بالعربية والآرمية.

عبر النزوح السكاني، بين الكراهة والقبول، غدت معظم هذه المدن والنواحي مختلطات بالأديان والمذاهب، وصار العديد من الأماكن المقدسة مشتركًا بينها، والنَّاس ليست لديها مشكلة بهذا التجاور، لكن لم يعد هذا التجاور مقبولاً ببرطلة؛ لأنه مبني على قصد الإزاحة والاستيلاء على المكان، مثلما فرغت ذوات الباء الأُخر من قبل، واستبدل ناسها بآخرين، مع بقاء الاسم، ومحاولة إيجاد معنى له غير المعنى الأصل.

فمثلاً براثا ببغداد تعني بالسريانية "العذراء"، إلا أن الغالبية من الكتاب يتناولون على أساس أن براثا اسم لأحد أصحاب الإمام علي بن أبي طالب، فهذا مسجده "مسجد براثا". فمازال السريانيون يقولون عن البنت العذراء: (براتا) أو (براثا).

لنا إعادة ما قاله أبو العلاء المعري (ت 449 هـ) قبل ألف عام، مع حرفه إلى برطلة، محاذراً من اختلال الوزن: "في برطلة ضجة ..."! هذه الضجة لمستها بنفسي، كان يوم الأحد والناقوس يدق، بينما المساجد ترفع الأذان، وإذا لم يكن ما يحصل بقصد التغيير الطوبغرافي ما كانت ضجةً! فقد قدم شباب وشابات برطلة مسرحية فيها هذا الدعاء: "يا إلهي يا شافي من التغيير الطوبقرافي"، فكم هو مؤذٍ!


عامر بهنام شمني

 كل ماكتب في  مفال رشيد الخيون صحيح وأؤيد له ذلك وعلينا الكل التكاتف وبذل الجهود لأجل ان تكون برطلة مسيحية لا للطابع الديموغرافي