تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

نحن والخوف من طائفية المقابل -2

بدء بواسطة صائب خليل, أبريل 30, 2011, 10:26:07 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نحن والخوف من طائفية المقابل -2

إذا اعتبرنا أن تعريف الطائفية كمرض إجتماعي، ليس تجاوزاً كبيراً على حقيقتها، فيبدو لي أننا أمام مرض من نوع خاص لا يكتفي بطريقة واحدة للإنتشار. فمن المعلوم أن بعض الأمراض تنتشر من خلال إصابتها ضحاياها مباشرة بانتقال العدوى إليهم من المصابين بالمرض أو من الجو، او الأطعمة الملوثة.. الخ.
لكن أمراضاً أخرى تفضل طريقاً ملتوياً حين تجد أن الطريقة المباشرة غير فعالة بشكل كاف، وهي أنها تنتقل بواسطة "وسطاء" لا تصيبهم بالمرض، وإنما تستعملهم كناقل للمرض، يحملون الجرثومة التي تكمل دورة حياتها لديهم دون أن تؤثر عليهم مباشرة، استعداداً لتوجيه ضربتها التالية، لذلك فلا تجد أية أعراض مرض على ذلك "الوسيط الناقل"، لكنه مع ذلك يخدم المرض كأنه مصاب به.
يبدو أن الطائفية صارت تستعمل هذه الطريقة في كثيراً، فهي حين تعجز عن اختراق مقاومة الشخص وإصابته بالطائفية، بسبب وعيه أو لإحتقار المجتمع لكلمة طائفي، فإنها تحاول أن تجعله على الأقل ناقلاً لها لتصل بواسطته إلى من هو أضعف مقاومة منه لجراثيمها. إنه لا ينتج أي كلام طائفي بنفسه، ولا يجد نفسه طائفياً في مشاعره، ورغم ذلك فهو ينقل كلاماً طائفي التأثير، ويسهم في زيادة المشاعر الطائفية  دون أن يحس بذلك.

كل "ظلم" أو تحيز طائفي يتسبب في دفع الطائفية خطوة إلى الأمام، وليس من الضروري أن يكون الإنسان طائفياً حقاً لكي يمارس الظلم أو التحيز الطائفي. يكفي أن يكون محاطاً بجماعة طائفية لكي يعتقد أو يميل إلى التحيز الطائفي، فمن ناحية هو لا يكاد يسمع من الأخبار والآراء إلا ما يزيد اعتقاده بخطأ الطائفة الأخرى، ومن ناحية ثانية فالميل الطبيعي للإنسان لإرضاء المجموعة التي يعيش فيها، تجعل أسهل عليه أن يقول كلاماً متحيزاً بدرجة ما، أو أن يعتقد بأفكار متحيزة بشكل ما دون أن يحس بذلك التحيز. الطائفية بشكلها السافر ليست قادرة على اختراق اخلاق وعقل هذا الشخص، فهو سيرفض أي تمييز ضد شخص معين من الطائفة الأخرى، أما بشكلها المموه والمخفف، بشكل خبر قادم من مصدر آخر، أو رأي لكاتب آخر، فيمكن لهذا الشخص أن يقع في الفخ ويتحجج بأنه إنما يرسل خبراً، أو ان من "حرية الرأي" ان يكتب كل شيء، حتى لو كان الفحص البسيط يكفي لتفنيد ذلك الخبر أو الرأي.

وهناك أمر آخر مثير للإهتمام، فقد اكتشفت أن أصدقائي هؤلاء ليسوا فقط غير طائفيين، بل يسيطر عليهم الخوف من الطائفية، طائفية الجانب المقابل، وتبدوا افعالهم وكأنها تحذير للطائفة التي ينتمي إليها هذا الشخص من طائفية المقابل التي تمثل "خطراً" عليه وعلى طائفته، ويحاول بكل الطرق ان يسعى لإقناع طائفته بذلك الخطر، بعد أن اقتنع به بنفسه.

قد تتصور ، يا قارئي العزيز أنك منيع عن الطائفية تماماً، بشكليها الصريح وكناقل للطائفية، لكني أدعوك لمراجعة نفسك فالمرض بشكله الناقل، منتشر بيننا إلى درجة لا يسهل ان تجد من أفلت منه. وهذه كارثة وبائية بكل المقاييس. إلا أن هناك في هذا النفق بعض الضوء، فاكتشاف الإصابة بهذه الأعراض ليست عسيرة. فيكفي أن يراجع الشخص نفسه متسائلاً: كم هي نسبة الرسائل التي اعدت إرسالها إلى معارفي، من تلك التي تدعم الطائفة المقابلة، و "تبرهن" انها خطأ وفاسدة وتعمل بالضد من مبادئ الإسلام مثلاً، مقابل عدد الرسائل التي تدعم موقف طائفتي وتظهرها بأنها صحيحة وتمثل الإسلام الحقيقي؟ أثنان مقابل عشرة؟ واحدة مقابل عشرة؟ أراهن أنها لدى الأغلبية "ولا واحدة" مقابل الكل!

ربما ستقول: وماذا افعل، طائفتي هي بالفعل صحيحة وليس الموضوع موضوع تحيز من قبلي؟ هل أخالف ما أعتقده صحيحاً لكي أثبت لنفسي وللآخرين أني غير طائفي أو ناقل للطائفية؟

وهنا أسألك، هل من المعقول أن اي من الطائفتين صحيحة مئة بالمئة أو 90% والثانية خطأ مئة بالمئة أو 90%؟ هل مكوناتها نوعين مختلفين من البشر؟ هل برهن أحد أن السني أذكى من الشيعي أو أن الشيعي أطيب من السني؟ دعك من السياسيين وخذ الناس الذين تعرفهم، أصدقاءك، زملاءك، هل يمكنك أن تحدد السني والشيعي من خلال مقدار صدقه أو ذكائه مثلاً؟ لا... إذن لماذا يعتقد هذا الآخر بكل ما هو خطأ وتعتقد أنت بكل ما هو صحيح؟

نعم هناك اختلافات، وانا لا أطالب أحداً باستقلال مثالي، فيرسل نفس العدد بالضبط من الرسائل لكل من الجانبين، فبعض الفرق أمر طبيعي، لكن حين يكون الفرق كبيراً جداً ، فهناك خطأ كبير، ولا توجد أية أسباب معقولة لهذا الفرق وكل تبريراته مراوغة للحقائق. وحين يكون الفرق كاملاً، أي كل الرسائل لصالح جهة واحدة هي جهتك، فأنك تعمل بشكل أكيد كناقل للطائفية ومحفز لها دون أن تدري..

قلنا أن الخوف من الطائفية المقابلة هو ما يدفع إلى ذلك غالباً، لكن الخوف نفسه يصبح خطراً عندما لا يكون دقيقاً, وعندما لا يكون بحجمه الطبيعي، لأن المقابل لن يفهم مخاوفك وشعورك بأنه يهددك، فهو يعلم أنه لا يهددك، لذلك فهو يفسر تحيزك ليس على أنه نتيجة خوف بل نتيجة طائفيتك، وبالتالي يشعر هو بالخوف من تلك الطائفية ويبدأ بنشر الرسائل بدوره محاولاً تحذير طائفته من خطر طائفية الطائفة المقابلة، وندخل في دائرة تصاعد خوف وطائفية لا نهاية لها، الطائفية تزيد الخوف والخوف يرفع الطائفية فيزداد الخوف ليزيد ثانية من الطائفية وهكذا، تتدحرج كرة ثلج الخوف والطائفية ويكبر حجمها مع كل تمريرة إيميل يقوم بها شخص، دون وعي بتأثير تراكم ما يفعل ..

من أين تأتي كرات الثلج أصلاً إن لم يكن بيننا من يخلقها أو يتحمل مسؤولية ما يجيء بها؟ المصادر متنوعة بالطبع، من الناس الأبرياء الذين يعبرون عن رأيهم ، ولكن ايضاً وبشكل أهم وأكبر وأكثر من جهات متخصصة في الأمر، فليس من الصعب أن تكتشف أن بعض المواقع تكاد تكون متخصصة بانتقاد الطائفة الأخرى، وان بعض الكتاب لا هم له سوى أكتشاف أخطاء وخطايا الطائفة الأخرى والكتابة عنها. أن ما يكشف حقيقة هؤلاء هو السؤال: لماذا لا يكتشفون أيضاً بعض أخطاء طائفتهم؟ ولماذا لا يثير اهتمامهم أي موضوع آخر؟

كيف نتصرف؟ إن وصلنا إلى الإعتراف بالمشكلة ، فأن الحل لن يكون صعباً. أن يراقب كل منا "الميزان التجاري" الطائفي لرسائله، لنبحث عن صحيح الطائفة الأخرى وننشره. ربما لن نجده في ما يحيط بنا وحيث اعتدنا أن نقرأ. لنبحث عنه في أماكن أخرى، فأنت وأنا نعلم أنه موجود، فليس من المعقول أننا ملائكة وهم شياطين، فلنكتشفه ونكشفه وننشره بين جماعتنا فنخفف غلواء الطائفية فيها، وبين الطائفة الأخرى فنقلل خوفهم من طائفيتنا.

إننا إن فعلنا ذلك، نخلق كرات ثلج مضادة لكرات الخوف والطائفية، كرات من "الثقة واللاطائفية"  فعندما يقل الخوف يستطيع الناس ان يروا بشكل أفضل ويطمئنون فلا يمتنعون عن تصديق الجانب الإيجابي للمقابل و نشره أيضاً، وهكذا تعمل كرات الثقة واللاطائفية، كمظادات حيوية تسري في المجتمع لتشفيه من ميكروبات الطائفية الخطرة.

الخوف من طائفية المقابل إذن، لا ينتج نشاطاً مضاداً لتلك الطائفية بل على العكس، يعمل على انتعاشها بإثارة الخوف في المقابل من طائفيتنا نحن. فلتكن لنا الشجاعة اللازمة لإيقاف سلسلة الخطأ، ولنكبح كرات الطائفية عندما تمر بنا في المرة القادمة، ولنرسل بدلاً منها كرة ثقة شجاعة، تعبر عن التزامنا بخلق المجتمع الذي نرجوه، وثقتنا بالإنسان المقابل.

(ملاحظة : رفعت الروابط لأنها تعرقل النشر على ما يبدو)

د.عبد الاحد متي دنحا

شكرا استاذ صائب على الموضوع القيم والمعقد جدا, حتى بالنسبة للفئة التي تعتبر نفسها مثقفة, تراها في معظم الاحيان تنحاز بدون وعي الى طائفتها.

مع تحيات

عبدالاحد
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير

ماهر سعيد متي

                           السياق العام يحتم على من ينظر بحيادية الأمور ان يكون طائفيا .. ان اردنا فعلا معالجة الطائفية علينا ان نعالج الأسس ... ويجب ان لا ننسى القمة ومثال ذلك المحاصصة الطائفية التي قتلت العدالة
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

د. عبد الأحد و الأستاذ ماهر المحترمان،
آسف لأني لم انتبه لتعليقيكما الكريمين، شكري لكما وأرجو ألمعذرة