سؤال لا علاقة له بالواقع – قصة قصيرة جداً

بدء بواسطة صائب خليل, سبتمبر 17, 2013, 05:06:23 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل



إتهم رجل، رجلاً آخر بأنه سرق منه ألف دينار وطالب على هذا الأساس بإعادتها ومعاقبة المتهم بقطع يده. لم يستطع المدعي أن يثبت للقاضي التهمة، وتبين أن في إفادته الكثير من الأكاذيب التي كشفها بعض من تطوع للإدلاء بشهادته، فرفض القاضي التهمة، واستعد ليقرأ الحكم.

لكن المدعي المفتول العضلات، والمحرج من انكشاف كذبه وزيف شهوده، استمر بالصراخ والتهديد، وهو يتمايل يميناً ويساراً ليكشف أنه يحمل خنجراً تحت حزامه، وإن القضية قد "تسوى" خارج المحكمة، إن لم يعجبه حكمها!

وبعد لحظات صمت حائرة، إنحنى المحامي على أذن المتهم ليشاوره، ثم اقترح على القاضي أن يحكم على موكله بدفع مئة دينار وبالسجن لمدة سنة!

وافق القاضي فوراً، فهتف المتهم: "يحيا العدل"، قافزاً من السعادة بنجاته برأسه ويده ومعظم أمواله، وبسرعة أخرج من جيبه مئة دينار ووضعها في يد المدعي الذي بقي ينظر حانقاً ثم راح يعد النقود وهو يتمتم متذمراً من خيبة أمله لقلتها.

شاب يجلس في المقعد الخلفي يستمع إلى الراديو بسماعتي الأذن، ويبدو غارقاً في عالم آخر ولا يدري بما يدور حوله، رفع يده مستأذناً القاضي ثم قال:

- سيدي القاضي، أنا لم افهم...!!

صمت الجميع مستفزاً من هذا الإعتراض غير المنتظر، فأكمل الشاب..

- ما هو الأساس الشرعي الذي فرض بموجبه على سوريا أن تتخلى عن أسلحتها الكيمياوية، مقابل كف يد أميركا عنها؟

اطرق القاضي لحظة، ثم أجابه وهو يجمع أوراقه لينصرف:
- يا ولدي..على أساس المادة الأولى -  أولاً، والتي تقول: "للقوي إن كسب أجران، وإن خسر فله أجر واحد"..

تضاحك الحاضرون "للنكتة"، ثم تهامسوا أسفاً على شاب مختل يطرح أسئلة "لا علاقة لها بالواقع" (1) .

****

(1) تعريف: السؤال الذي لا علاقة له بالواقع هو السؤال عن الأسس التي أتخذنا قراراً بموجبها، ويتيح لنا بين الحين والآخر، الفرصة أن نفهم أنفسنا وما يدور حولنا.
أمثلة: هل ماتزال منظومتنا تتحرك وفق التصميم الذي وضعناها عليه أصلاً؟ هل ما تزال في مكانها الذي قررناه لها حين نصبناها، أم أنها تدحرجت مع الزمن دون أن ننتبه إلى حيث قد لا نرجو؟ وإلى أين يتجه ذلك التدحرج؟ أين وصل؟ أين سيكون بعد سنة؟ عشرة سنوات أخرى؟ كيف سيكون عالمنا عندها، وهل سيعجبنا؟ ما شكل العالم الذي سنتركه لأطفالنا، وهل سيعيشون كرماء وسعداء به؟ هل سيلعنوننا بسببه أم سيشكروننا عليه؟