ذكريات أنصارية بعد ربع قرن من الأنفال/ الجزء الثاني / يوسف شيت

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 22, 2013, 09:09:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

ذكريات أنصارية بعد ربع قرن من الأنفال/ الجزء الثاني


برطلي . نت / بريد الموقع

يوسف شيت

الجزء الثاني
توجهت أول مجموعة يوم 2/9 من 14 نصيرا (أغلبيتهم من بغداد والمحافظات الجنوبية) إلى منطقة دوسكي وبمسؤولية ر.أبو سلوان (عضومحلية نينوى) ودليلها ر.ألند (من أهالي المنطقة سابقا) , بعدها تتوجه إلى الحدود السورية عبر الأراضي التركية . المجموعة الثانية من 14 نصيرا من أهالي مدينة عقرة , باستثناء الرفاق سالم ساجت وهوبي (من قاطع أربيل) وأنا, على أن تتوجه لعبور نهر الزاب الكبير وبمسؤولية ر.كروان عقراوي ,عضو محلية نينوى (مدير فضائية كردستان التابعة لحدك حاليا) . أمّا اللجنة المحلية والباقون من الأنصار بدورهم يبحثون أيضا عن طرق أخرى ومواصلة حديثهم مع الناس لتأمين الإنسحاب . لم يكن إيجاد الطرق سهلا بسبب الإنتشار  الكثيف لقوّات النظام ومرتزقته , لذا توجّب على كل مجموعة القيام بالاستطلاع ٌقبل أيّ تحرّك لتأمين الطريق أولا ثمّ مواصلة السير .
توجهّت مجموعتنا نحو الزاب الكبير يوم 3/9 قبل غروب الشمس . قبل وصولنا إلى قرية "باني" فاجأنا كروان بأنه سيترك المجموعة ليتوجّه مع أحد أنصارها إلى مدينة عقرة , وعندما استفسرت عن كون القضية لم يطرحها أبو سالار عند الحديث معه حول مهام المجموعة, فردّ , بأنّه اتّفاق مع سكرتير المحلية وبدون علم الرفاق الآخرين, كونها تخصّ التنظيم المدني, وسيكون ر. هوار مسؤول المجموعة , واستفسر منه ر.سالم مدى معرفة هوار بالطريق . فكانت إجابته بالإيجاب . ودّعنا الرفيق مع مرافقه , واتّخذ كلّ منّا مساره نحو هدفه.
ملاحظة 2 : "كان الشهيد هوار مريضا وبطئ الحركة لايقوى على السير لمسافات طويلة , وأعدمه النظام الفاشي بعد الأنفال في مدينة عقرة" .
بعد غروب الشمس واصلنا مسيرتنا باتجاه قرية باني التي وصلناها حوالي منتصف الليل بعد استطلاعها والتأكّد من عدم وجود أية خطورة . كانت القرية خالية من سكانها, ولكن يظهر بأنّهم تركوها بعد الغروب, لأنّ الجمر في بعض البيوت لا يزال مشتعلا. أخذنا شيئا من الأكل المتوفر وقرع فارغ ويابس يصلح للعوم في الماء أثناء عبور الزاب . غادرنا القرية بعد حوالي ساعة نحو قمة الجبل المطلّة على القرية , وارتمينا في مكان "آمن" قبل الفجر مفترشين الأرض وغطاءنا السماء الصافية كبقية الأيّام الفائتة, وفي النهار تناولنا الأكل وجلبنا الماء من عين قريبة. قبل مغادرتنا المكان أثناء الغروب يوم 4/9 , كلّف هوار كلّ من الرفيقين كمال (مهندس مدني خريج جامعة براغ الجيكية ومن أهالي مدينة النجف الأشرف) ورزكار (معاون طبيب وخريج المعهد الطبي في الموصل ومن أهالي مدينة العقرة), لإستطلاع الطريق . لم يحدّثنا هوار عن الاتفاق مع الدليلين , ولكن اعتقدنا بأنّ كلّ شئ يسير بسلاسة. واصلنا المسيرة صعودا ونزولا مع استراحات متكررة تقديرا لوضع مسؤول المجموعة . سألنا هوار عن مكان اللقاء مع الدليلين , ثمّ إلى متى وأين نسير, فكان يجيبنا بتشنّج وبدون أن نفهم شيئا منه , ولكن لا يلام على ذلك لأنّها كانت ورطة من قبل منظمي المجموعة . اختفى أثر كمال ورزكار, ولم نستطع أن نتحرك نهارا لإقتفاء أثرهما. أصبحنا في حالة يأس ومنهمكين بدون أكل ولا شرب, وخاصة هوار لأنّه كان يشعر بفقدان رفيقين وفشل مهمّته , ولم يقو أحد من المجموعة على مواصلة الطريق لأنّه هلاكها. اتفقت مع هوبي وسالم أن نأخذ المهمّة على عاتقنا لإرجاع المجموعة من حيث أتت بسلام ولكن بدون رزكار وكمال.
ملاحظة 3 : "استشهد النصيرين البطلين كمال ورزكار على يد جلاوزة النظام الفاشي بعد نصب كمين لهما من قبل قوّات النظام ومرتزقته من الجحوش على طريق عقرة , وحاول البعض من الجنود إخلاء سبيلهما , إلاّ أنّ استخبارات النظام رفضت وتمّ قتلهما تحت التعذيب , ولم يتم العثور على رفاة البطلين" .
كان طريق الرجوع أصعب علينا بسبب التعب والجوع وعدم العثور على أي أمل في الانسحاب عن طريق الزاب . بعد بدء "المسيرة المعاكسة" ليلا بدأ هوبي يحث المجموعة في الإسراع باتجاه كرم العنب , وعندما سألته من أين له هذه المعلومات , فردّ بأنّها "كلاوات" لنصل إلى عين الماء قبل الفجر. بعد مسيرة حوالي ساعتين وقعنا في كرم العنب , ولم يصدّق أحدنا ذلك, وبدأنا بالأكل وعصر العنب في الزمزميات للحصول على عصير طبيعي 100% . بعد استرجاع المعنويات والأكل "بشراهة" بدأ البعض بتقيؤ الزائد "الغير مدفوع الثمن". ونحن في خضمّ الصراع مع العنب طرقت أسماعنا, من بعيد, صيحات رجال غير مفهومة , ولكنها تقترب , واعتقدنا بأنّهم جنود تائهين أو مجموعات من الجحوش تتعقب الأنصار والبيشمةركة . بعد حوالي ساعة انسحبنا إلى مكان الإختفاء حتى مساء يوم 6/9 , حيث رجعنا إلى قرية باني وغادرناها مباشرة بعد حصولنا على قليل من الخبز باتجاه مقرّ محلية نينوى .
ملاحظة 4 : "بعد عشر سنوات من الحدث ,إلتقيت النصير أبو أحرار (من قاطع أربيل) في مدينة مالمو السويدية , وتبادلنا الذكريات حول العمل الأنصاري , ومنها فشل مجموعتنا في شقّ الطريق عبر الزاب للمساهم في إنقاذ الناس المحصورة في سلسلة جبل كارة . وأكدّ أبو أحرار بأنّ صيحات الرجال الآنفة الذكر كانت مجموعته من إنصار قاطع أربيل,حيث تمكّنوا من عبور الزاب باتجاه منطقة سوران" !
مكثنا ليلة أخرى في إحدى "كبرات  الرعاة"(وهي سقيفة وقتية من أغصان الأشجار يقضي فيها الفلاحون صيفيتهم مع ماشيتهم) قبل وصولنا الى مكان تجمع أنصارنا يوم 7/9. أثناء سيرنا لم نلتق بأحد من تلك الجموع الغفيرة من الناس , كيف وأين اختفت؟ وكان أنصار الفوج قد انتقلوا إلى مكان قريب من مقرّ الفوج لترقب الأحداث , ثمّ عرفنا بأنّ رأس النظام أصدر عفوا عامّا يوم 6/9 واستسلمت تلك الجموع لسلطات النظام مستغلة قرار العفو . ولكن من الغريب بأنّ عائلات رفاقنا استسلمت هي الأخرى . سألت ر.أبو سربست, وبدون مقدّمات, عن سبب تسليم العائلات, فكان ردّه : "بعد نقاش مستفيض في اللجنة المحلية حول الأوضاع, وخاصة وضع عائلاتنا, وجدنا بأنّ أفضل طريق هو أن يسلّموا أنفسهم للسلطات, ربما يسجنون فترة من الزمن, ولكنه أفضل من المصير المجهول" . كان ردّي قصيرا : "لقد سلّمتم الخروف للذئب". فكان ردّه : "كنت ستوافقنا لو ناقشت الموضوع معنا". عندما تحدّثت مع الرفيق أبو عمشة حول الموضوع, كان عصبيا وقال: "كنت المعارض الوحيد لهذا القرار , ولكن لا يمكن أن أتصرّف لوحدي , ليست عائلتي أفضل من بقية عائلات رفاقنا". صحيح بأنّ القرار اتّخذ بالأكثرية للخروج من المأزق , لكنّه كان خاطئا , إلاّ أنّه اتّخذ في ظروف خطرة وحرجة سادها التخبّط في اتخاذ القرارات. 
تحدّثت مع سكرتير المحلية عن أسباب فشل مهمّة مجموعتنا, وكوني غير مقتنع بقرار تسليم عائلات أنصارنا. تحدّث بتفصيل أكثر حول القرار وأنّ الحزب سيتابع وضعهم مع الأمل بأن لاتطول فترة احتجازهم , كما يمكن للأنصار التحرّك بحرية أكثر من ذي قبل . أما عن الحلول الجديدة, قال بأنّ الاتّصال انقطع تماما عن قيادة الحزب , وليس هناك خبر عن مجموعة أبو سلوان, وهناك مجموعة من أنصار مدينة العمادية ستتحرّك قريبا مع أبو عمشة باتجاه الحدود التركية, وستبقى مجموعة من حوالي 35 رفيقا بمسؤولية الرفيق...وستساعده بمهمته مع بعض النواظير لرصد تحركات العدو , أمّا البقية سنتجه إلى سهل الموصل لمحاولة الوصول إلى سوريا. غادرت مجموعة أبو عمشة في اليوم التالي ودليلها أبو زياد (من بغداد) على أن تتحرّك مجموعة أبو سالار مع توفيق وأبو أمجد وأبو سربست بعد يوم . قبل مغادرته, أبلغني أبو سالار بأنّ الرفيق ...اعتذر عن مسؤولية مجموعتنا على أن أتولى أنا مسؤوليتها وأختار بنفسي من يساعدني بذلك, وأكّد بأنّ أبو زياد سيعود بعد اسبوع ليكون دليل مجموعتنا للإنسحاب على نفس الطريق . بعد يومين ودّعنا مجموعة أبو سالار التي كانت أكبر المجموعات. معظم مجموعتنا من العرب والبقية من الأكراد وآشوريين .   
بعد يومين من مغادرة مجموعة سهل الموصل رجع نصيران من مجموعة أبو سلوان برسالة إلى أبو سالار. من قرائتي للرسالة المكتوبة من قبل أبو سلوان يتّضح بأنّ هناك خلافات بينه وبين ألند , ولكن يؤكّد بإنّ المجموعة ستواصل مسيرتها رغم ذلك. بعد حوالي اسبوع قدم ثلاثة من الأنصار إلينا أرسلوا من قبل أبوسالار لتقصّي أخبارنا , ولكنهم فاجأونا بخبر محزن وهو استشهاد الرفيق الفنّان الكبير أبو أيار (فؤاد يلدا من ناحية ألقوش – معهد الفنون في إيطاليا) في اليوم الثاني من مغادرتهم , حيث لم يستطع اللحاق بالمجموعة بعد محاولة مداهمتها من قبل قوّات النظام بسبب التعب وأصابته السابقة في قدمه أثناء إحدى المعارك, ليسقط شهيدا بعد يوم من توديعه .
ملاحظة 5 : "ترك الشهيد علبة معدّات الحفر على الخشب والجبس قبل حوالي شهرين من الأنفال, على أمل السفر للعلاج في الخارج بقرار من المكتب السياسي , لأحتفظ بها لحين عودته.. هل هو "الحظّ ", أم الأخطاء والبطؤ بتنفيذ القرارات! أودعت العلبة ومحبس ذهب (هديّة من أم ناتاليا جلبتها أثناء زيارتها لي مع ناتاليا التي كانت في ربيعها الثاني في مدينة لينينغراد) ومسجّل خاص دوبل كاسيت (كنت أسجل أشرطة لبعض محتويات طريق الشعب لإرسالها إلى الداخل ضمن البريد الحزبي الذي كان الشهيد الرفيق عامل - عضو محلية نينوى يحمله معه) ,وضعت هذه الأشياء في حقيبة وأخفيتها في مكان آمن في مقرّ الفوج" .
أمّا الخبر الآخر هو كشف أحد الناشطين في التنظيم الحزبي كان يعمل لحساب مخابرات النظام , ألقي القبض عليه من قبل المجموعة  المختفية في سهل الموصل واعترف بكل ما قام به لكشف الأسرار التنظيمية  , وآخرها محاولة الإيقاع بالمجموعة لتصفيتها من قبل مخابرات النظام. أمّا أخبار عائلات الأنصار ,وهي مجرّد دعايات, كانت تشير بنقلهم إلى معسكرات الاعتقال في أربيل . والمجموعة نفسها لازالت مخفية وتبحث عن طريق للإنسحاب بعد أن انقسمت إلى مجموعات صغيرة ومنتشرة في أكثر من مكان . وكانت مجموعات صغيرة من سهل الموصل تتوافد إلينا بين فترة وأخرى لتبادل الأخبار , وأخيرا علمنا بمغادرتهم سهل الموصل إلى منطقة سنجار. إنقطعت نهائيا أخبار عائلات الأنصار , وبعد أن دارت الأيّام , تأكّد خبر تصفيتهم من قبل جلاوزة النظام الفاشي , ولم يتمّ العثور على رفاتهم , واستشهد بذلك  195 فردا, معظمهم من الطائفة الإزيدية ثمّ الآشورية, ومنهم : 82 طفلا, (من بينهم 17 رضيعا, عمر أصغرهم 40 يوما وهي بنت الرفيق أبو سربست) , و 40 إمرأة و16 من الصبايا والصبيان و32 من الشابّات والشباب و 25 مسنّا .
لتفادي مخاطر التصادم مع مفارز قوّات النظام التي تتردد على مقرّ قاطع الفوج , إنتقلنا إلى مكان أبعد وأكثر أمانا , قريبين من عين ماء كانت ملتقى استراحة الأنصار القادمين من وإلى الفوج الأول ومقرّ القاطع والسريّة المستقلّة (سرية العيمادية). مرّت حوالي عشرة أيام ولم يظهر الدليل , وأصبحنا منقطعين تماما عن الكلّ . حتى جهاز اللاّسلكي لا يمكن استخدامه , وأخفي وأتلفت الشفرة من قبل الرفيق كريم دويا (مسئول الاتصال) لتفادي انكشاف موقعنا من قبل العدو . للتقليل من مخاطر احتمال اكتشاف موقعنا وتطويقنا من قبل قوّات النظام قمنا بتقسيم مجموعتنا إلى ثلاثة فصائل صغيرة وبمسؤولية كلّ من ملازم كرم (يوسف أبو الفوز) وأبو عشتار ومخلص الصغير , وكنت ضمن الفصيل الأخير , وأصبح لكل فصيل مكان اختفاءه وليست متباعدة عن بعضها لضرورة الاتصال فيما بينها . أكّدنا على أهمية الحراسات ليلا ونهارا. في الصباح الباكر كنت ومخلص الصغير نجوب المنطقة مع نواظيرنا حول الفصائل لرصد أي تحرك للقطعات العسكرية , وكنا نسمع من بعد أصوات تفجيرات بيوت القرى ونشاهد الدخّان المتصاعد منها . لم تكن هناك مشكلة في الأكل , حيث كنّا نتسلل إلى مخزن مقر الفوج الأول لجلب الطحين والرز والبرغل والسكر والشاي والحليب المجفف وبعض المعلّبات والعدّة المطبخية البسيطة, هذا بالإضافة إلى ماتركه أهالي القرى من مواد غذائية وبعض الأفرشة الخفيفة بعد هروبهم من بطش النظام . 
طال الانتظار أكثر من اسبوعين ولم يظهر الدليل . بدأ الاستياء يدّب بيننا بعد أن انتابنا الشكوك في قدوم الدليل , وأخذنا نفكّر بمجموعة أبو عمشة عسى أن لايمسّها أي سوء, كالوقوع في كمين . لم تكن كلّ أيامنا هادئة بدون مشاكل رغم العلاقات الجيّدة بين الرفاق , ولكن المنغصّاة لابدّ منها , ولم تكن لتشكل عائقا أمام تعاوننا أو أن تؤدّي إلى المقاطعة بين الرفاق , لأنّ وعيهم لايسمح بذلك, وهذا كان أحد أسباب صمود الأنصار دائما. وما يخصّ الأمان , صادفتنا حادثتين , الاولى , عندما سمعنا صوت إطلاق رصاصة  , فاسرعت باتجاجها مع سالم ومخلص , ثمّ تبعتها رصاصة أخرى باتجاهنا فتهيّانا لإطلاق النار وتبعنا رفاق آخرين , فجأة ظهر الرفيق أبو... وسألته عن سبب إطلاقه الرصاص فلم يردّ, وأراد سالم أن يوبخه فلم أسمحه بذلك ,لأنّ وضعه كان مرتبكا بسبب تياهه الطريق إلينا . أما الحادثة الأخرى , وفي جوّ ظهري , شقّ الهدوء صوت طائرة عمودية تبعها رشقات دوشكا كثيفة باتجاه فصيل أبو عشتار. إستنفر الفصيلين واتجهنا بحذر نحو الفصيل الآخر , فشاهدنا الطائرة تغادر , وفي اتجاهنا رفيقان مسرعان , فسألنا قبل كلّ شئ , إذا كانت هناك إصابات , فطمأنونا بدورهم بعدم وجود أيّة إصاب