مشاكسة المصلخــــة العامـــــة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 17, 2013, 08:39:32 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
المصلخــــة العامـــــة



   مال اللــــه فـرج
Malalah_faraj@yahoo.com



أمسى عصرنا الى جانب الكثير من المميزات التي طبعت بصماتها على نمط الحياة فيه وفي مقدمتها التحولات الديمقراطية والتحررية والتكنلوجية والانتفاضات الشعبية والثورات الربيعية والصيفية والشتائية والخريفية والصقيعية' والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عصر ( المصلحــــة العامـــــــة ) بلا منازع.
فالقادة والملوك والرؤساء والزعماء ورؤساء الحكومات والبرلمانات والوزراء والسفراء والبرلمانيون والمستشارون والمديرون العامون، العادلون منهم والظالمون والاتقياء والفاسدون، والمخلصون منهم والمخادعون، والصادقون والكاذبون، الانقياء والدجالون والنزهاء والمختلسون، جميعهم يسبقون كل اجراءاتهم وقراراتهم وخطواتهم وتحركاتهم وتعليماتهم وتوصياتهم ومواقفهم بعبارة فريدة مجيدة لا تتغير ولا تتحور ولا تغيب ولا تتقهقر تلك هي عبارة ( بنــــاء علــــى مقتضيـــــات المصلحـــــة العامــــــة).
تبعا لذلك فإن قمع التظاهرات السلمية بالقوة في هذه الدولة (الديمقراطيـــــــة) أو تلك، واعتقال المتظاهرين المسالمين واهانتهم وتعذيبهم بأساليب غاية في (الرومانســـــــية) دون اوامر قضائية او مذكرات توقيف أمنية، إنما يتم وفقا لمقتضيات المصلحة العامة. وتوقيع العقود الوهمية، والمصادقة على الصفقات المشبوهة ومن اردأ المناشئ لقاء حصص ( نزيهــــــة ومشــــروعة) ونسب (شرعيـــــة) انما يتم وفقا للمصلحة العامة، وارتباط هذا السياسي او ذاك بخيوط (حريريـــــــة) بهذه الدولة او تلك ومقايضته لكل مصالح شعبه الوطنية بمصالحه الشخصية وتقديم مصالح الدول الاقليمية على مصالح بلاده الحيوية انما تأتي في اطار فهمه (العبقــــــــري) لمتطلبات ولدواعي المصلحة العامة، وعندما يسرق هذا الوزير ويختلس ذلك المسؤول فانه يفعل ذلك طبقا (للمصلحـــــة العامــــــة) وعندما تغض الجهات المسؤولة النظر عن اختلاساته وسرقاته وتيسر له الظروف المناسبة والاوقات الملائمة لعملية هربه بالجمل وما حمل بجوازه الاجنبي للتمتع بما جنته يداه (مــــن المـــــال الحــــلال) فانما تفعل ذلك خدمة للمصلحة العامة، وعندما يبادر هذا المسؤول او ذاك إلى تعيين ابنائه من انصاف الاميين في الدوائر الهامة والدرجات الحساسة لقاء رواتب ومخصصات وصلاحيات ومغريات خيالية، فانما ينبع ذلك التصرف من حرصه على المصلحة العامة، وعندما تتحول العملية السياسية والبرلمانية والأروقة الحكومية الى ساحات حرب والى مؤامرات ومواقف عدائية وتصريحات كيدية واتهامات وكشف وثائق سرية وملفات فساد بدل التوجه لعبور الخلافات السياسية والشخصية وتقديم افضل الخدمات للمواطنين، فانما ذلك يمر وفق (عبقريــــــة) البعض المتفردة عبر بوابة المصلحة العامة.
ووفقا لذلك عندما تهتز الثوابت الامنية بقوة وتسقط معظم التحوطات وتنهار ابسط ضمانات حماية المواطن امنيا ويحول هذا الطرف او ذاك ارواح المواطنين الى رسائل سياسية عبر المفخخات والكواتم والقذائف والعبوات اللاصقة، فإن انهار الدماء البريئة تلك تصب بنظر مقترفيها من المجرمين والقتلة والسفلة والارهابيين والعملاء المأجورين في خدمة (المصلحــــة العامــــة)، وعندما تعجز تخصيصات بعشرات المليارات من الدلارات والتي تفوق مجموع مبالغ الميزانيات العامة لثلاث سنوات متتالية لدولة مجاورة عن توفير الطاقة الكهربائية برغم اطنان التصريحات والخطب والبيانات والعقود والسفرات والايفادات والتأكيدات بالاكتفاء الذاتي بل وتصدير الفائض من الطاقة الكهربائية للدول الاقليمية في الوقت الذي تتسول فيه الدولة المعنية، الكهرباء من الجيران وباعلى الاثمان، فان ذلك كله ينطلق من مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة التي لايفهمها كما يبدو الرعاع والعامة ذوي الافكار السامة، حتى باتت بعض الشعوب في حيرة من امرها في كيفية توصيف وتفسير هذه الحاضرة الغائبة التي تدعى (المصلحـــــة العامــــــــة) والتي امست شماعة لكل اخطاء وفساد واختلاسات وسرقات وآثام وخطايا ورزايا معظم السياسيين والبرلمانيين والمسؤولين.
في ثمانينيات القرن الماضي كان احد المسؤولين (الثورييــــــن) مولعا حد النخاع بالمصلحة العامة، يردد مصطلحها عشرات المرات في الندوات والاجتماعات وفي لقاءاته بالموظفين والمراجعين على حد سواء، ولم يفته ان يجعل عبارة (بنــــاء علــــى مقتضيــــــات المصلحـــــة العامــــة) تتصدر كل الكتب الرسمية والاوامر الادارية الصادرة عن دائرته، بدءا من منح الفراشين اجازة اعتيادية، مرورا بقوائم الصرف الاعتيادية، وانتهاءا بالعقوبات الادارية.
مرة تأخر سكرتيره الشخصي عن الدوام لنصف ساعة مما دعاه لتوجيه عقوبة الفات نظر اليه تسبقها عبارة (بنـــــاء علــــــى مقتضيــــات المصلحــــة العامــــة) ومرة شكل لجنة مشتريات لاقتناء اثاث جديد لمكتبه (وفقـــــا للمصلحــــة العامــــة ايضـــــا) , كما اصدر امرا اداريا بنقل موظفة متفجرة الانوثة من احد الاقسام الى مكتبه وفق امر اداري تصدرته بالطبع عبارته السحرية ( وفقـــــا لمقتضيــــات المصلحــــة العامـــة) ، ليتسنى له مغازلتها ومداعبتها وفقا للمصلحة العامة بالطبع ، بالاخص بعد ان اصدر لها امرا اداريا تم بموجبه تكليفها باعمال اضافية بعد الدوام الرسمي وفقا لمقتضيات المصلحة العامة , وليتسنى له ممارسة (مصالحه الانسانية العامة ) بهدوء واطمئنان , وكانت كل ايفاداته (السياحية) تتم وفقا للمصلحة العامة، وعندما استبدل سيارة الدائرة التي يستخدمها لثلاث مرات خلال سنة واحدة انما فعل ذلك خدمة للمصلحة العامة.
مرة اصدر امرا اداريا حول تغيير اوقات الدوام الرسمي وفقا للتوقيت الصيفي وابتدأ الامر كالعادة بعبارته التاريخية الشهيرة (بناءً على مقتضيات المصلحة العامة) ولست ادري هل كان كاتب الطابعة في مكتبه بريئا ونزيها وغير متعمد عندما ابدل ابدل حرف الحاء بحرف الخاء، وأن الامر كان مجرد غلطة وطبعيةحدث بعفوية , أم ان الأمر كان مقصودا ' بل ومتعمدا؟
ويبدو ان ذلك المسؤول (الثـــــوري) لم يدقق ذلك الامر الاداري جيدا قبل توقيعه ولم وينتبه لذلك الخطأ (الســـــتراتيجي) الذي حول الدائرة الى ساحة لهستيريا الضحك والتندر والتعليقات المختلفة بعد ان تم تعليقه في لوحة الاعلانات ليقهقه الجميع وهم يطالعون عبارة (بنــــاء علــــى مقتضيـــــات المصلخــــــــة العامــــــة).
مع الاسف، فإن بعض السياسيين والمسؤولين والبرلمانيين الفاسدين في كل مكان في زماننا هذا قد حولوا (مصالحهــــــم) الخاصة، الى (مصالــــــخ) او الاصح (مســـــالخ) يسلخون بها جلود شعوبهم دون خجل او حياء.