تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

والآن إضحكوا!....

بدء بواسطة صائب خليل, يونيو 14, 2013, 02:54:50 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل


في فلم الكارتون المعروف "شرِك"، يقيم الأمير الشرير احتفالاً في الكنيسة لزواجه (زواج مصلحة) بالأميرة "فيولا"، ويقف قبالة الجمهور جلاد يحمل الخواتم و مهرج يحمل لوحات كتبت عليها كلمات تناسب ما يريد الأمير من الجمهور أن يفعلوا في أية لحظة، فواحدة كتب عليها "إحترام" والثانية "إضحكوا" وهكذا، وبإشارة من الأمير، يضع المهرج اللوحة المناسبة فيبدي الجمهور إحتراماً مهيباً، أو يغرق في الضحك أو أي شيء تعلنه اللوحة....
في السينما حيث شاهدت الفلم.. يخالف المشاهدون قواعد السينمات ويغرقون في الضحك مستغربين من هذا الجمهور الأحمق الذي يقبل أن توجه "مشاعره" وتقلب بلا مبرر، وبالشكل وفي اللحظة التي يريدها الحاكم...

اللقطة تستحق المشاهدة، أدعوكم إلى ترك قراءة هذه المقالة للحظة ومشاهدتها هنا أولاً: (1)


ما شهدناه في الأيام الأخيرة في العراق لا يختلف في حقيقة الأمر عن هذا الكارتون.. السياسي يبقى يشحن جمهوره ضد غريمه شهوراً وسنيناً طويلة و "يفضح" نواياه و  "حقائقه" ويتهمه بتهم قد تؤدي إلى السجن بل إلى المشنقة، ويفترض الجمهور أن الغريم إنسان قذر ابتلى البلد به لا يصاحبه إلا من هو على شاكلته.. ويتجمع زخم كبير لدى المواطنين ضده ربما كاف لإشعال حرب أهلية.... وفجأة ... يختفي كل شيء! تختفي التهم وتختفي معها البراهين والتحذيرات والشتائم ... ويتوجب على الجمهور أن يدوس الفرامل لإيقاف زخمه ليحول اتجاهه بإشارة من "القائد" تتغير فيها اللوحات، وما ينتظر من الناس أن تتصرف، وهذا ما حدث في صلح المالكي والنجيفي...
فبعد سنوات من الإتهامات الخطيرة المتبادلة التي وصلت أحيانا حد الإتهام بالإرهاب والدكتاتورية والتخريب والدعوة إلى الإسقاط المتبادل، تصافح، أسامة النجيفي ونوري المالكي وهلل جمهورهما بالصلح الذي هو "سيد الأخلاق" بين "الأخوة"!

فجأة لم يعد هناك دكتاتورية ولم يعد هناك عميل لتركيا، كما صور لنا الرجلان الأمر سابقاً، بشكل مباشر أو من خلال اعوانهما وإعلامهما والمقربين منهما. على "الجمهور" أن ينسى كل تلك "الحقائق"، أو ما "كانت حقائق" ويصفق للوضع الجديد، أو يبكي او يضحك، حسب ما تقوله اللوحة، والتي بتغيرها تغير كل شيء. وهذا ما حدث فلم يعد هناك "مسؤولين كبار" يشجعون الإرهاب ويعرقلون عمل الحكومة ويريدون الخراب للبلد لأغراض إنتخابية ويطالبون بالإستقالة لإساءة استخدامهم المنصب ولم يعد من الضروري إلتخلي عن حكومة الشراكة لصالح حكومة أغلبية. ونسي "عدم احترام ممثلي الشعب" والدعوة المقامة لعرقلة عمل البرلمان ومسحت الأدلة التي بذل جهد كبير في إقناع الناس بها،على دكتاتورية رئيس الحكومة وأختفت معها الحاجة إلى إسقاطه، التي كانت قبل أيام "لا بديل عنها" ، وراهن الكثيرون عليها وأحرقوا أوراقهم وأعصابهم فيها.

تعانق الخصمان واختفت "الشروط" .. ولم يبق في المسرحية إلا شرط واحد، لعله أريد له أن يكون رمزاً، وهو بالفعل رمز كبير ذو معنى عميق...
الشرط الوحيد الذي وضعه النجيفي لمصافحة الدكتاتور، هو أن لا يذهب هو إليه بل "أن يلتقيا في منتصف المسافة"! حفاظاً على "البرستيج" طبعاً. فالدكتاتور "المتمرد على الدستور" ، "المتمادي بالتهاون بدماء الشعب" قبل بضعة أيام، يصبح مقبولاً في "منتصف المسافة" كما يبدو، وسيتم الغاء الدعوة المقامة ضده بالتأكيد!
ولم يكن لدى الدكتاتور اللطيف مانع في أن يلتقي مع المسؤول الذي يشجع الإرهاب و يقف كـ "أكبر عقبة في طريق الحكومة" ويخرب علمها، في منتصف المسافة! فكان اللقاء، ليس للمصافحة فقط، بل للعناق أيضاً. وفي هذه اللحظة التاريخية أحاط بالطرفين عدد من "الخطّابة" يحملون خاتم زواج المصلحة، ويدفعون بالعريسين إلى حضني بعضهما البعض، في مشهد "مؤثر"!

شرط "منتصف المسافة" الرمزي، يذكرني بمصافحة صدام حسين مع شاه إيران واتفاقهما على أن يعطي الأول نصف شط العرب للثاني مقابل أن يسحب الثاني دعمه للكرد في العراق. حين عاد صدام حسين تفاخر أكثر من مرة في التلفزيون بتلك الحادثة التي ضمته مع الشاه في مؤتمر في الجزائر.

قال صدام أن الرئيس الجزائري ألح عليه أن يبادر هو بالنهوض من كرسيه ويتجه إلى الشاه ليصافحه، باعتبار أن الشاه ملك، او "ملك الملوك"، وصدام لم يكن سوى "نائب". أضاف صدام مباهياً: رفضت بإصرار وقلت له نقوم من كرسيينا في نفس اللحظة، ونسير كل تجاه الآخر ونلتقي في منتصف المسافة بيننا، وهذا ما كان وحفظنا كرامة العراق من أن تهان!!
التفت خالي إليّ، وكنا نشاهد الحديث في التلفزيون معاً، وقال وهو يهز رأسه: " أن يقوم من كرسيه أولاً، يحس بإهانة له كممثل للعراق، لكن التبرع بنصف شط العرب لا يحس به كإهانة!"
مازال بالإمكان أن نشاهد لقطة كرامة برستيج صدام في "منتصف المسافة" والتنازل عن كل شيء آخر من خلال اليوتيوب...إفعلوا ذلك الآن من هذا الرابط رجاءاً، ولاحظوا التلكؤ المحسوب بدقة في سير القائد الذي كان ضرورة، لإلا يكون اللقاء أبعد من "منتصف المسافة" بخطوة، وتقع الكارثة الكبرى، ويصيب دولة العراق العار الأبدي! (2)

بعد توقيع الإتفاق فوراً، أبدل الإعلام العراقي – (مهرج صدام) فجأة اللوحات أمام الجمهور العراقي وأمره "أن يضحك"، فقد تحول بسحر ساحر، ذلك الفارسي المتغطرس، العميل لأميركا وإسرائيل إلى صديق، وزارت بغداد فرق موسيقى وثقافة ورقصت قلوب العراقيين طرباً على حركات كوكوش وغنج صوتها! لا شك أنه مهرجاً في الجانب الآخر أشار إلى الجمهور الإيراني "أن يضحك" أيضاً بالمقابل، فمثل هذه الألعاب ثنائية في الغالب.. ولا بد أن صدام أصبح "جاراً" والكرد لم يعودوا "مناضلين".. فهذا ما تقوله لافتات المهرجين الجديدة.

إن شعرت أيها العراقي بأن كرامتك محفوظة حيثما كنت، فاعلم أن الفضل في ذلك أما لصدام أو النجيفي أو كلاهما، وشرط "منتصف المسافة" الذي اشترطوه لتقديم أية تنازلات. 

بعد هذا جاء دور حفلة المالكي ومسعود، ويبدو أنه تم تجاهل مبدأ "منتصف المسافة" هذه المرة، فقد اختير لها أن تكون في أربيل، ، لكن بقية الإجراءات بقيت ثابتة، بل وأكثر إبهاراً من حفلتي صدام والنجيفي. فإن كان الخلاف الوحيد بين صدام والشاه، هو دعم الأخير للكرد العراقيين فنستطيع أن نفهم التغير فور انتهاء تلك النقطة، والخلافات بين المالكي والنجيفي شعاراتية وغير محددة، وبالتالي فيمكن أن نتفهم اختفاؤها. لكن خلافات المالكي – برزاني كانت محددة وبالأسماء والأرقام أحياناً، وكانت ستعصف بالبلاد في حرب داخلية، كان كل من "أبو مسرور" و أبو إسراء" قد أقنع جمهوره بضرورة استعدادهما لخوضها إن لم يتراجع المقابل عن "غيه"! بعد سنوات من الصراع حول تفسيرالدستور أكد الرئيسان عليه مرات عديدة كمرجع لحل كل الخلافات، وأختفت أيضاً الخلافات حول  "قانون النفط" و "مستحقات الشركات" و "النفط المهرب" و "رواتب البيشمركة" و "المادة 140" و "الإحصاء السكاني" و "الـ 17%" و "حدود الإقليم" و "كركوك" وغيرها اختفت جميعاً وراء ابتسامتين مشرقتين للقائدين الضرورة الجديدين، ولم يعد أحد يرى الآخر يبتزه ويحرض الشركات عليه ويحتل اراضيه بالقوة، ولا عاد الآخر يرى فيه دكتاتورية صدام حسين ويشم منه "رائحة الخردل"!  بل وإضافة إلى كل ذلك وعد الرئيس المالكي بدعم جعل حلبجة محافظة، رغم أنه قرار يعطي كردستان قدرات إضافية لمنع تغيير الدستور!
هذا الكرم الجميل شجع البعض من النواب الكرد على طرح مشروع محافظة جديدة أخرى هي "سنجار"، التي قالوا أنها تمتلك نفس ميزات حلبجة وأكثر، دون أن يذكروا طبعاً أن سنجار تابعة لمحافظة نينوى وأنها من المناطق "المتنازع عليها"، ربما افترضوا من الجو الودي، أو علموا من مصدر موثوق، أن جميع "المناطق المتنازع عليها ستصبح كردستانية.

المشكلة التي كشفتها المسرحيتان الأخيرتان، أن الجمهور العراقي لم يعد "يضحك" ولا "يبكي" مهما شاهد في بلاده من مسرحيات الكوميديا والتراجيديا، ومهما تغيرت اللافتات أمامه. إنه ينظر فقط. فأما أن يكون قد اعتاد كل شيء فلم يعد يرى النشاز في ساسة يريدونه بهلواناً يغير مواقفه من الإحترام إلى الضحك وبالعكس، لا على أساس تغير الأسباب، بل على أساس مزاجهم وتقلب مصالحهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، وتلك مصيبة...
أو أنه يرى كل شيء، ويدرك كل شيء، لكنه يئس من كل شيء، وعندها، فالمصيبة....

(1) http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=LTXdLC1PzCE#t=32s
(2) https://www.youtube.com/watch?v=J9n4vmJXPYQ

[/size]