بين المكتبة المتجولة و أكداس القمامة

بدء بواسطة حكمت عبوش, مايو 09, 2013, 07:41:19 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

بين المكتبة المتجولة و أكداس القمامة
                                                                    حكمت عبوش
يحز في نفسي كثيرا و أنا اربط في مقالي بين نقيضين يتقاطعان ابدأ الأول وهو المكتبة التي تعني مكان السمو والارتقاء الفكري والتعامل مع أرقى ما ينجزه العقل البشري والثاني وهي القمامة التي لا تعني سوى العفونة و التقزز من الروائح الكريهة المنبعثة منها، ويحز في نفسي و أتألم كثيرا عندما أرى أطفالنا وفتياننا و هم يتوجهون نحو أكوام القمامة للبحث في أحشائها عن قناني معدنية فارغة عله يجمع الواحد منهم ما يكفيه ثمنها ليسد بها جوعه وجوع عائلته بينما في مجتمعات ودول أخرى نرى الاهتمام بالطفولة يكون عكس ما عندنا تماما وهذا ما جاء في مقال الدكتورة تارا إبراهيم والمنشور قبل حوالي الشهر في موقعي (برطلي) و(عينكاوا ) الموقرين وقالت فيه إن في مدينتها الفرنسية الصغيرة التي تعيش بها الآن والتي يبلغ عدد سكانها 61000 ألف شخص يوجد مكتبة متجولة وان هذه المكتبة هي بالأساس (باص) حول إلى مكتبة تتجول في مناطق تتواجد فيها الاعداديات و الثانويات غايته تشجيع الشباب الصغار على القراءة ونحن في زمن المعلوماتية الذي تنهمر به المعلومات المفيدة للمجتمع والفرد بشكل غير مسبوق وتقول إن في كل مدينة يوجد مكتبة عامة، ونظام المكتبات بالإضافة إلى سماحه باستعارة الكتب والمجلات فهو يتيح استعارة الـ CD للاغاني وهو لا يقتصر على الكبار فقط بل يشمل الأطفال أيضا منذ عمر الثلاثة أشهر وهناك ما يسمى (مكتبة الألعاب ) (والتي يستطيع الوالدان أن يستعيرا منها ألعابا من شأنها أن توقظ حس الطفل وتعلمه بشكل ترفيهي )1 ويتعدى الأمر ذلك ( إذ يتم تخصيص مكان في المكتبة العامة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2-4 سنة حيث تتم دعوتهم مع الوالدين للاستماع إلى قصص تقرأ لهم من قبل أشخاص مختصين للغوص في أدب الأطفال)2 وهذا التباين الكبير بين واقع أطفالنا و أطفالهم هو انعكاس للبون الشاسع بين التقدم الذي أحرزوه هم في مختلف مجالات الحياة ومحدودية تحقيقنا لأي تقدم للخروج من واقعنا المأزوم عموما وكأننا نراوح في مكاننا بسبب العجز و التلكؤ في إحداث التغيير النوعي والحاسم في أوضاع أطفالنا و هو السائد الآن بسبب انتشار مرض الفساد الوبيل في الجسم العراقي وما يتبعه من زيادة الإهدار في المال العراقي وما يعنيه هذا من استمرار بطالة أولياء أمور الأطفال و تسريبهم من المدارس اثر ذلك و من هنا تمتلئ الشوارع و الأزقة بهؤلاء الأطفال المتسربين و تبدأ معاناتهم بلجوء الكثير منهم إلى أكوام القمامة و ممارسة التسول والعمل بأعمال لا تنسجم و أعمارهم الصغيرة والتجوال على غير هدى في الأزقة والشوارع مما يجعلهم عرضة للضياع والانحراف و بشكل لا ينسجم مع ابسط حقوق الطفولة و الإنسانية عموما كما تجهض جهود إكمال بناء المدارس التي نحتاجها في العراق عامة و التي يشكل نقصها في مناطق كثيرة احد أسباب التسرب ناهيك عن تخلف جهود الدولة في بناء المكتبات العامة وتوفير مستلزماتها الضرورية وعلى حد معرفتي المتواضعة فان مكتبات عامة للأطفال غير موجودة في بغداد و اربيل ولا حتى في السليمانية أو في المحافظات العراقية الأخرى واقتصار وجودها باعتقادي في بعض النوادي ومنظمات المجتمع المدني ومكتبات الأطفال الخاصة والذين يمتلك أهاليهم القدرة على توفيرها لهم وكل هذه لا تلبي ما يحتاجه ملايين الأطفال من مكتبات عامة وكتب و لا نقول (سيديات ) الأغاني والموسيقى الكلاسيكية(لتؤجل هذه الآن) كما قالت الدكتورة تارا إنها متوفرة في مكتبات الأطفال الفرنسية وهنا يطرح السؤال نفسه.. من يكون باستطاعته أن يزرع لنفسه ولوطنه مستقبلا سليما وزاهرا الذي تكون المكتبة أمامه وتصبح احد عناصر البحث والتنوير والصقل لفكره أم الذي حشر بحيث لا يرى أمامه سوى أكوام النفايات التي يفتش فيها- رغم نتانتها ومنظرها البشع- باحثا عن ما يسد جوعه؟ هذا ما نريد الإجابة عليه عند المتصدرين لحل قضايا التربية والتعليم في بلادنا.



*1و 2 نصوص مجتزأة من مقال الدكتورة تارا ابراهيم (فن القراءة في فرنسا)

نشر في صحيفة طريق الشعب في العدد 174 يوم الاثنين 29 نيسان 2013

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة