(حريق كرمليس ) ,واقعة اليمة من تاريخ كرمليس ,للاب الدكتور يوسف حبي , عن كتاب (تا

بدء بواسطة وسام موميكا, مايو 03, 2013, 06:57:15 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

وسام موميكا

(حريق كرمليس ) ,واقعة اليمة من تاريخ كرمليس ,للاب الدكتور يوسف حبي , عن كتاب (تاريخ كرمليس ),,




وسام موميكا _ بغديدا


كان الربيع في كرمليس عام 1927 مزدهرا يانعا ,تساقطت الامطار وذلك الشتاء بغزارة وتواصل ,فأرتوت الارض واخضرت الحقول :تعلق الفلاحون بأرضهم الطيبة المعطاء التي منحوها كل جهدهم ,وتطلعت اعينهم الى سنابل القمح وهي مثقلة بالحبوب ,فانتعشت قلوبهم ..لقد حرثوا الارض خريفا ,قلبوها مثنى وثلاث .بذروها شتاء , وحفظوها من الطيور بكل وسائلهم البدائية .ونظروا الى السماء يسترحمونها الغيث المدرار ,فما خيبت املهم :بل كانت سحبها العالية سخية معهم كل السخاء وسقت ارضهم حبا,وانبتت بذرهم زرعا فشمخت سيقان القمح تحمل خبز الحياة .وكان الفلاح واهله واولاده مع السنابل يوما بعد يوم ....هذه البقعة من الارض اصفرت وتلك يبست .لابد وان قوارض تعيث في الارض فهب واهله يذعرون الحقول جيئة وذهابا :يبحثون عن منافذ الجرذان والفئران ينفخوها بمنافخهم القديمة دخانا يخنقها في جحورها فينقذون الزرع من افاتها .ثم تبدا سنابل القمح تصفر ايذانا بالحصاد ,فتملأ النشوة نفوس اهل القرية ,وتدور الافكار حلوة لذيذة في رؤوسهم ...سيحصدون غلتهم ,وينقلونها من الحقل الى البيدر ويدقونها ثم يبذرونها ,وعندما تتراكم اكوام الحنطة والشعير على ارض البيدر وتختلط رائحة القمح والتبن برائحة التراب ويكون الفلاح انذاك قد امن على كده  وجهده السنوي ,,وسيملأ مخازنه بالغلة ,وسيبيع مازاد عن حاجته ,فيشتري بثمنها لوازم بيته ...سيبني غرفة اخرى لولده الكبير ,وسيجد له عروسا ,ومن ثم يقيم له عرسا قل ان صار مثله ...هكذا كانت الافكار تدور في رؤوس كل الناس ,فالعام عام خير والغلة كثيرة ...ومع بدء موسم الحر بدأ الحصاد وكم كانت المعاناة صعبة يومذاك لكن الفلاح الطيب قهر كل الصعوبات بعزمه ,فأنكب مع اقرانه يحصد الارض حصدا بمنجله ثم ينقل الحصيد بحيواناته ,وتكدست اكوام الحنطة والشعير في بيادر القرية ,لكل عائلة بيدرها الخاص بها تنقيه من الاتربة والحجارة والحصى ووتكوم الهشيم كدسا فوق كدس على شكل حذاء الفرس (حذوة الفرس ),ليبقى باطن الحذاء فارغا يستعمل للدق ,وبدأت قلوب الناس تتضرع الى الرب ان يحفظ هذا الهشيم المتوج بالسنابل من عاديات الزمن ,فاكثر ماكان يخشاه الفلاح ان تأتي النار على زرعه اليابس سواء في الحقل ام البيدر ,,فتلتهمه وتتركه رمادا ,وامتلأت البيادر كلها بالحصيد حتى لم يبق من محل فيها ,فقد كانت السنة متميزة عن باقي السنين بوافر الخير ,وكان اهل القرية يحملون احلاما فضية ,يمتطون السحب ,ويشمخون في العلى , ويضربون الاخماس في الاسداس عما سيفعلوه بهذا الخير العميم .ستشبع مواشيهم وحيواناتهم وابقارهم علفا وشعيرا,وستملأزيرهم جبنا ,ودنانهم دهنا ولحما مملحا وتنتفخ جيوبهم دنانير .كانت القرية تكاد تطير من الفرحة .وكان ذلك النهار عيد الرسولين بطرس وبولس ,التاسع والعشرين من شهر حزيران ,وكان يوم بطالة .فلا عمل في الاحاد والاعياد فهذا يزور ذاك .وعرائس القرية يقضين نهارهن في دور ذويهن فلا يعدن الى مساكنهن الا مع المساء .والكل ذهب مهنئا اولئك الذين يحملون اسمي يطرس وبولس ,فهذا النهار عيدهم .والقرية امضت صباحا جميلا مليئا بالبهجة والمسرة ,ومادام النهار بطالة .فقد استمتع الجميع بقيلولة هادئة بعد الغداء وهجع الناس من دورهم هربا من حر الظهيرة ,ولم تعد تسمع الا اصوات بعض الصبية يلهون في هذا الممر الظليل او ذاك ويلعبون ببراءة الاطفال ..كانت الاقدار في سرها تخبيء لهؤلاء الامنين شيئا كبيرا ,عندما شقت سكون تلك الظهيرة من يوم 29/حزيران /1927 صرخات متعالية جاءت من اطراف البيادر الشرقية تستغيث من النار التي اتت اول الامر على بضعة بيادر قريبة من دور القرية ...هب القوم من نومهم مذعورين مصدومين ,كل يحمل شيئا بيده ,,,هذا يتناول مسحاته ,وذاك يفتش عن اغطية صوفية سميكة ليضرب النار بها علها تهدأ.والنساء يولولن ويحملن جرار الماء ,وتوجه الكل الى مصدر النار ,ارادو ان يحاصروها بالتراب والماء والاغطية الصوفية السميكة ,لكنهم كانوا اضعف منها ,حاولوا ان يرفعوا الهشيم ويبعدوه عن السنة النار الى مكان اخر ,لكن النيران كانت اسرع منهم .وتعاونت عليهم زوبعة من ريح شرقية متربة ,زادت في النار ضراوة واشتعالا .فأنتقلت النيران الى كل حدب وصوب ,وغلب الناس على امرهم ,فلم تعد ترى غير الصغار يبكون والنساء يلطمن الخدود .والشباب يرمون بأنفسهم في قلب الاتون علهم يستطيعون اخماد بعضها فما يكسبون غير حروق في اجسامهم ,تعالت النيران في السماء ,واصبحت البيادر كلها جحيما يشوي الوجوه.وشاهدت القرى المجاورة  السنة النار تتعالى من بيادر كرمليس فهبت نجدات منهم تغيث القرية المنكوبة ,لكنها هي الاخرى لم تستطع ان تفعل شيئا ,,القرية بعيدة عن الموصل مسيرة ساعات ولاسيارات فيها ولا هاتف كيف ياترى تستطيع دفع المحنة ,,,ظل الناس حتى العصر يركضون وراء النار يحاولون عبثا ان ينقذوا شيئا من تلك الاكداس المتراكمة من حصيد الحنطة والشعير والعدس لكنهم كانوا يفعلون المستحيل ,فقد اتت النار على البيادر كلها وتحولت تلك السنابل الصفراء الى اكوام من الرماد والنار واصبحت البيادر قطعة سوداء .تختلط فيها الاتربة والمياه والجرار المكسورة وبقايا الاغطية المشتعلة..نعم عم الخراب وحلت المصيبة ,وستأتي الكارثة بعد ذلك ,ستجوع القرية لبضعة اعوام ,وماذا سيأكل الناس ؟ ومن اين سيأتي الفلاح ببذاره وقوته ,لقد خرجت القرية من مأتم كبير شيعت فيه امالها وامانيها ,وبقيت ايامها مشدوهة لاتصدق ماجرى ,او حقا انتهت تلك المسيرة الشاقة مع الارض من اوائل الخريف وحتى مطلع الصيف الى هذه النهاية المأساوية ,واصبحت الامال الحلوة قبضا من الريح ؟من اين جاءت النار في تلك الظهيرة ,ومن الذي سولت له نفسه ان يفعل تلك الفعلة المشينة فيقتل الناس جوعا ...اسئلة ظلت تدور على السنة الناس لكنها لم تجد لها جوابا ,وهكذا داوت القرية جراحها ,وبدأت الاغاثات العينية من حنطة وشعير تترى عليها من جيرانها ومن قرى اخرى بعيدة ابت الا ان تساهم في مد يد العون لها ,,,
وقد كان لهذه الكارثة صدى كبير في الاوساط الشعبية والرسمية اذ جاء في مجلة (لغة العرب ) لصاحبها الاب انستاس ماري الكرملي مايلي :(حريق بيادر كرمليس ) :كرمليس قرية من اقدم قرى الموصل واسمها القديم في التاريخ  جوجمالا  Gaugamela    او جوجميلا ,وهي واقعة في شمال غربي اربيل ويعنون اهلها الزراعة وقد وقعت النار في 29 من حزيران في بيادرهم وافنتها عن اخرها ويقدر ثمنها على ما يعادل 500000 (نصف مليون ) ربية ,فأصبح اهلها _وبيوتهم اكثر من 150 بيت _افقر الناس في متصرفية الحدباء كما جاء في نفس المجلة :
اسعاف منكوبي كرمليس :رأف اصحاب الحل والعقد بمنكوبي كرمليس فأنشئت لجنة بأسم (اسعاف منكوبي كرمليس ) واعضاؤها :

1-   جعفر باشا العسكري رئيس الوزراء , رئيسا لها .
2-   رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية ,نائبا للرئيس .
3-   امين عالي باش اعيان ,وزير الاوقاف .
4-   المستر سوان وكيل مستشار المالية .
5-   يس الخضيري .
6-   عبد الحسين حلبي .
7-   يوسف غنيمة ,معتمدا لها .
8-   عزرا مناحيم دانيال
وتؤلف لجان فرعية في بقية الالوية فعسى ان يسعف المنكوبون احسن اسعاف .كما جاء في الجزء الخامس من السنة الخامسة من نفس المجلة :
بلغ مجموع المبالغ المقبوضة الى 22 اب (6378 )ربية و(5 )انات لتوزع في الحال على منكوبي كرمليس وقد اعلنت اللجنة انها تمدد اعمالها حتى نهاية ايلول من هذه السنة كما جاء في الجزء السادس من نفس السنة مايلي :
(لجنة التوزيع لمنكوبي الحريق في الموصل )
اوفدت لجنة التوزيع الى منكوبي الحريق في الموصل الى قرية كرمليس اربعة من اعضائها وهم حضرات ناظم افندي العمري .ومحمود افندي النائب ,ورؤوف افندي شماس انلوس نائب الموصل ومعتمد اللجنة برئاسة غبطة بطريرك الكلدان ,لتوزيع التبرعات التي وصلت من بغداد لاسعاف اهالي كرمليس ,وتوزيع قسم من تبرعات الموصل ولدى القيام بالتحقيقات الدقيقة وزعت اللجنة مايقارب تسعة الاف ربية على المنكوبين فجاءت الاعانة بنسبة  انة واحدة الى ربية واحدة من الخسائر والاضرار التي حلت بأولئك الفلاحين ,وقامت اللجنة بأعمال التوزيع يومي الخميس والجمعة ,الثامن والتاسع من ايلول وبلغت الاكتتابات لمساعدة منكوبي كرمليس الى الخامس من تشرين الاول من هذه السنة 1927 ماقدره (161ر14 )ربية و16 انات ,,

وشكرا جزيلا ,,,وهذا اهداء مني الى ابناء شعبي الطيبين في كرمليس وكل من ينتمي الى هذه البلدة الجميلة ..

واتمنى اني قد وفقت في اختيار هذا الموضوع من كتاب تاريخ كرمليس (للاب الدكتور يوسف حبي ) ,,,


وسام موميكا _ بغديدا السريانية
Wisammomika
سرياني آرامي