تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

خواطر روسية / د. تارا إبراهيم

بدء بواسطة matoka, يناير 10, 2013, 08:35:50 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

خواطر روسية








برطلي . نت / خاص لبريد الموقع

                       
فرحتي كانت غامرة لدى قبول بحثي في احد المؤتمرات العلمية في سان بطرسبورغ في روسيا فقد زرت العديد من بلدان العالم سائحة وباحثة ومحاضرة في مؤتمراتها ولكن هذا البلد الذي كان يوما ما أعظم دولة في العالم لطالما حلمت بالسفر اليه لمكانته الخاصة في قلبي ، فقراءاتي  لروايات دستوفسكي وشولوخوف وكوركي وتولستوي ..الخ جعلتني مولعة به بشكل لا يوصف.

لذا بدأت باعداد مستلزمات الرحلة وفي مقدمتها طلب الفيزا من السفارة الروسية في باريس،وزرت السفارة وما أن أتى دوري في تقديم المستمسكات المطلوبة ،حتى اثارت إنتباهي نظرات الموظف الذي تفقد أوراقي وجواز سفري العراقي ونظرالي كأني قادمة من المريخ  وقال : عذرا سيدتي، فأنا لاأجد إسم بلدك في قائمة البلدان من أجل  تحديد أجور الفيزا يبدو أن السفارة تستوفي أجورا تختلف من بلد الى اخر مما يعتبرغريبا كون جميع سفارات الدول تحدد نفس المبلغ ولرعايا جميع البلدان، السبب ربما يعتمدعلى البعد الجغرافي أومتانة العلاقات الدبلوماسية. 

اعتقد الموظف أنني لاأصدقه، فأطلعني على القائمة ، بعدها أقترح علي مبتسما: سيدتي هل لديك مانع أن تدفعي أجورألفيزا كالايرانيين، ففي كل الأحوال إيران بلد مجاور لبلدكم ؟ فأشرت بالموافقة فهدفي الوحيد هو الحصول على الفيزا مضى اسبوع  واستلمت الفيزا وحجزت للرحلة وحان أخيرا وقت المغادرة، مضت عدة ساعات ونحن نحلق في الجو وأخيرا وصلنا الى مطار(سان بطرسبورغ)  وكالعادة كان لابد لنا أن نمر بموظفي التفتيش وفحص الجوازات، ووقفنا  في طابور طويل وما أن أتى دوري حتى قام الضابط بتصفح ألجوازمن الغلاف الى الغلاف وطلب مني أن أقف جانبا، وبعد ان أنهى تدقيق أوراق جميع المسافرين خرج من كابينته وقام بإستجوابي : عراقية ؟! ماذا تفعلين في روسيا ؟  فأجبته بأني مدعوة  للمشاركة في مؤتمرعلمي في بلدكم ، بدت على وجهه الحيرة والقلق في كيفية التصرف تجاه هذه المعضلة كما يبدوله ! فقام بإستدعاء ضابط آخر والذي بدوره قام بتكرارالأسئلة ذاتها وتفقد الجواز وأتى ثالث ورابع حتى أصبحت محط أنظار المسافرين ( وفرجتهم ). أما آخرهم تفقد الجواز من اليسار وقال لي : سيدتي أنا لاأجد أسمك؟ ، فقلت له : إن هذا الجوازعراقي  تتم قراءته من اليمين ، فقهقه بضحكة ساخرة وناولني الجواز وقال : مرحبا بك في روسيا.

  واسرعت الخطى خوفا من ان يتراجعوا عن قرارهم وركبت الباص الذي يقلني الى المدينة الامر الغريب لم تكن هنلك بطاقات لشرائها لدي ركوب الباص بل كانت النقود تنتقل بين ايدي الركاب  لتصل في النهاية الى السائق وهذا أمرغيرمألوف في اوربا ,مما  ذكرني بركوب باصات الكوستر في العراق ولدي وصولي الى الفندق تركت حقيبتي وبدون اخذ قسط من الراحة رحت أتجول في  المدينة الامر الغريب الاخر الذي شعرت به هوان شوارعها وبناياتها كانت مالوفة وكانني رايتها من قبل وتذكرت المؤسسات  الحكومية العراقية التي  لها نفس الطرازالمعماري  يبدو (ان العراق لم يكن يشتري ويستورد الاسلحة فقط بل خرائط وتصاميم المباني ايضا) .!

أنهيت تجوالي وقررت العودة الى الفندق وإنتظار صديقتي الجزائرية التي أتت لتحضر المؤتمر أيضا  وقبيل  بدء المؤتمرانتهزنا ،   الفرصة لزيارة موسكووالتجوال فيها من الصباح الى المساء،  و انطلقنا في اليوم التالي في الساعة الخامسة صباحا الى المطار كي تقلع بنا طائرة روسية محلية الصنع لساعتين. وصلنا بعدها الى موسكو ووجهتنا  الساحة الحمراء وأماكن اخرى كانت  عالقة باذهاننا ، فاستقلينا قطارالأنفاق أوالميترو الذي بدوره كان متحفا بل وشبيها بالقصورالملكية من حيث الديكور و اللوحات  ألمرسومة على جدرانه. عند الوصول الى الساحة الحمراء، أرتأينا شرب الشاي في مقهى فلكلوري  وهناك ارتشفت اطيب شاي تذوقته في حياتي ، وأنطلقنا بعدها للتوغل في الساحة الحمراء التي بدت لي أبنيتها المشيدة كقصور ألف ليلة وليلة بل وتخيلت نفسي في بلاد العجائب كـ (أليس)، قصورحمراء ملونة بأجمل الألوان وأشخاص متنكرين بزي القياصرة الذين حكموا روسيا في الماضي وخصوصا (نيكولا وكاترين) يجوبون بين السياح لالتقاط صور تذكارية معهم .   

    وبعدها توجهنا لزيارة ضريح لينين الذي يقع وسط الساحة وفوجئنا بصف طويل من السياح الذين قدموا لزيارته ، ووقفنا في اخر الطابور رغم معرفتنا قد نبقى ساعات طويلة بالانتظار، قدم ضابط  نحونا وقال لنا: سيداتي، وقت الزيارة انتهى ولن يسمح لأي شخص الوقوف منذ الان، اصبنا بخيبة أمل كوننا  قادمتين لرؤية الضريح بالدرجة الأولى، قلنا له أننا يجب ان نعود الى سان بطرسبورغ في هذا المساء وليس لدينا متسع من الوقت، ولكنه لم يصغي الينا ولم يولي ما قلناه أية إهتمام رغم الحاحنا  واصرارنا .

أبتعد الضابط ليقترب منا رجل في الخمسينات من العمر ذو ذقن أبيض ونظارات شمسية سوداء، وقال لنا بإنكليزية أمريكية :هل  ترغبان في زيارة الضريح؟ وأومأنا بنعم، فقال:  لتعطني كل منكما 500 روبيه وأنا سأحقق امنيتكما، تبادلنا النظرات انا و صديقتي ودون تردد اونقاش أعطيناه المال، فقادنا الى بداية الصف الطويل وتحت أنظارالزائرين والضابط الذي منعنا من الزيارة, كانت المسرحية متقنة منذ البدء أبطالها (المذكورون) وكنا نحن الضحايا الا أننا اعتبرنا أنفسنا الفائزتين في النهاية فزنا بالوقت الثمين الذي نحتاجه كما تفادينا التعب والارهاق جراء الوقوف الطويل ولم تمض دقيقتان حتى كنا  في الداخل. 
 
بناية الضريح كانت من المرمر ذي اللون الأحمرالمرجاني، أما في الداخل فكانت الجدران من المرمر الاسود تشع منها فصوص بيضاء متلألئة وبراقة، يقال أنها من ألماس ، لدى دخولنا رأينا لينين مستلقيا في ضريحه وسط المبنى الصغير وكأنه نائم بكل هدوء وسلام، بلحية خفيفة كما عهدناه  في الصوروالتلفاز و بسترته السوداء المعروفة انتابني الذعر في البداية بل وشعرت بالرهبة، أهذا هو لينين الذي غير تأريخ روسيا بل امتد تأثيره ليشمل ألعالم كله ؟ أهذا هو الثوري الذي لطاما قرأت عنه في الروايات التي كانت تلقبه بـ (الرفيق)؟. كان علينا أن ندور حول الضريح بسرعة، ولكنني حاولت التلكؤ والتباطؤ بخطواتي الا أن أحد الحراس الذين يتواجدون في زوايا غرفة الضريح أشارالي بعينيه وبايماءة من رأسه أن اتحرك ولم تدم الزيارة الا بضع دقائق ،ألغريب أنني خرجت متجهمة بل وحزينة، وانتابتني الكابة التي لم أستطع ان أجد لها تفسيرا وكذلك صديقتي تملكها ذات الشعور .

ما أن ابتعدنا قليلا ، حتى ادارت صديقتي رأسها نحو الضريح وبدأت  تدمدم وتشتم  وتومئ برأسها ، فقلت لها مابالك ؟  قالت : هذا الرجل نشر الخراب في العالم وفي المقدمة أوطاننا، ياليت أن هنالك قرارالزامي لكل من يزور الضريح أن يشتمه في نهاية المطاف ومن ثم يغادر, لم أعلق على قولها بشيء فهناك ملايين من انصار الرجل حول العالم لازالوا يذكرونه بكثير من القدسية  وبعدها قمنا بزيارة المتاحف المتبقية الموجودة حول الساحة.   
 
انتهت زيارتنا للساحة ومتاحفها بعد أن شاهدنا مراسيم تغيير الحرس ومن ثم الكرملن الذي يقع الى جوار الساحة والذي يعتبر أروع وأجمل ما تراه العين ومن بناء مدهش حيث الكنائس ذات قبب ذهبية ساطعة, وبقينا هناك الى المساء لنستقل بعدهاالقطار المتجه الى المطار متعبتين  وتخيم على نفوسنا مشاعر مليئة بالتناقضات.













Matty AL Mache

صائب خليل

الدكتورة تارا المحترمة،
وضعت مقالك هذا ضمن نشرتي لأصدقائي، إن أحببت أرسلت لك نسخة منها، وشكرا لك
صائب خليل