اقــــوى مــن الحــب قصة قصيرة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مارس 02, 2013, 11:49:31 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

اقــــوى مــن الحــب
قصة قصيرة



مال اللـــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com




حاصرته ' وتساقطت عليه امراض الشيخوخة وهو يقترب من  الثمانين , ورغم مكابرته واصراره على قهرها وعدم رضوخه لنصائح والحاح ورجاء والتماس وحتى توسلات احب الناس اليه بمراجعة المؤسسات الصحية واجراء التحليلات اللازمة والتقيد بنصائح الاطباء وتوصياتهم وعقاقيرهم ' الا انه كان دائما يصل بمكابرته تلك حد العناد , وكان يبذل كل جهده ويكبت الامه واوجاعه وحتى احزانه ويهمل علامات المرض غالبا من اجل التمسك بمظهر الشباب وحيويتهم ' الا ان الامراض هذه المرة تكالبت عليه وكادت ان تسقطه بالضربة القاضية في ذلك اليوم ,لولا لطف الرب ورحمته , ورجاء اعز الناس لديه وهي تضعه امام الامر الواقع وجها لوجه 'هامسة له ( ان اصابك مكروه لا سامح الله اين اذهب ؟ ولمن اذهب؟بل لمن ستتركني؟) وأضافت (ان كنت تحبني فعلا دعني اخذك الان الى المستشفى).
هزته تلك الحقيقة المضمخة بالمشاعر الجياشة , ولم يملك الا الرضوخ لارادتها '  فخلال أكثرمن خمسين عاما من مسيرة زواجهما بكل افراحها واتراحها وصعوباتها ومشاقها , لا يتذكر انه خاصمها او عنفها او تجاوز عليها الا مرات قليلة ' فقد كانت مثالا للرقة والحنان والعطاء والتفاني وعدم التذمر أوالشكوى في اصعب الظروف , والاهم انها كانت تحرص على توفير كل اسباب الراحة واجوائها له ومشاركته وجدانيا في كل تفاصيل حياته وحتى في هواياته, بل وكانت تقوم بتدليله  كما تدلل الام وحيدها الصغير وتمسح تعبه اليومي باناملها الحانيات وتجفف قطرات العرق عن جبهته وتحتفظ  له بتسجيلات الاغاني التي يحبها وتسهر بجانب سريره ان اصابته وعكة صحية حتى الصباح , كأنها ممرضته الخاصة ' وتذكره بمواعيد الدواء .وتقتني له معظم احتياجاته ' وتختار له ربطة عنقه وتحتفي باعياد ميلاده كانها اعياد ميلادها هي وتفاجأه بالهدايا بين فترة واخرى , وتوفر له افضل العطور وارقاها ' بل كانت تحفظ المعلومات التفصيلية عن كل تقاريره الطبية , وكانت بالنسبة له الف امرأة في انسانة واحدة , وكان ازاء ذلك كله يشعر بزهو عميق وهو يحس بأنه اشبه بطفلها المدلل.
ابتسم مع نفسه وهو مستسلم لاصابع الطبيب وسماعة الفحص الباردة على صدره تشعره بالقشعريرة ,بينما كان الطبيب يتنصت عبرها لدقات قلبه المتعب , وخلال ذلك راح يستذكر مئات المحطات المضيئة من مسيرتهما المشتركة المزدانة بعطاء ومحبة ورعاية هذه الانسانة الرائعة التي اقدمت بوعي وارادة واصرار وايثار قل نظيره على اذابة كل خصوصياتها بقناعة في ميدان رعايته ومن اجل توفير ما تستطيع توفيره من السعادة والراحة له , فقد تعلمت كيف تشاركه اهتماماته غير العادية في متابعة مباريات كرة القدم رغم انها لاتحس باية علاقة بينها وبين الرياضة , وتعودت على سماع اغاني فيروز لانه يحبها وحرصت على ان تحتفظ بمعظم تسجيلاتها , وتمرنت على لعبتي الشطرنج والطاولة من اجل ان تنافسه فيهما خلال مساءاتهما الجميلة واحبت اكلات بعينها لانه يحبها وجهدت على ان لايخلو البيت من الفواكه والحلويات التي يفضلها ' بل انها تعلمت تربية البلابل وكيفية الاعتناء بها واقتنت كراسا خاصا لتتعلم ذلك من اجل ان ترضي هوايته تلك , فاية امرأة تشابهها في هذا الزمن ' فرغم انه تزوجها بشكل تقليدي بعيدا عن قصص الحب الملتهبة التي تزخر بها الافلام والمسلسلات والتي كثيرا ما تنتهي على ارض الواقع بالفشل والافتراق رغم عنفها, الا انها عرفت كيف تملأ كل تفاصيل حياته بحضورها وباهتماماتها وبرعايتها له حتى ايقن بانها امست عنوان حياته وان مشاعره تجاهها امست اكبر من الحب التقليدي واعمق واسمى ' ذلك هو العشق الناضج المبني على التفاهم والتناغم والرضا والاشباع 'فقد استحقت حبه الناضج ذاك بجدارة بعد ان امست الزوجة والصديقة والعشيقة والممرضة والمربية والاهم المستعدة دوما للعطاء وللتضحية من اجله.
وحيث تلمس الطبيب المختص تذبذب ضغطه وعدم انتظام دقات قلبه فقد نصحه بالرقود في العناية المركزة حتى الصباح , وقبل ان تغادره مسحت على راسه بحنان كطفل مدلل وتمنت له الشفاء ' بل وسردت على مسامعه طرفة كانت تضحكه دائما رغم انه سمعها عشرات المرات , واضطرت مرغمة لمغادرة المشفى بعد ان اوضحوا لها عدم جدوى بقائها لعدم امكانية مكوثها الى جانبه في صالة العناية المركزة.
ما ان وصلت الدار وانهت اعمالها المسائية حتى اوقدت شمعة تحت صورة كبيرة للسيدة العذراء وركعت تصلي بحرارة وتدعو له من اعماق اعماقها بالشفاء وعيناها مخضبتان بالدمع,  فقد كان حبها وحبيبها وزوجها ورفيق حياتها والقلب الذي احتواها بدفئه وكنز الاحاسيس الذي اغرقها بفيضه فازهرت مشاعرها وتحولت حياتها الى ربيع دائم برغم كل الصعاب والتحديات والاحزان التي تقاسماها سوية ' باختصار كان كل شيئ في حياتها بل كان فعلا حياتها بدمعها وبابتساماتها.
ما ان انتهت من صلواتها الضارعة وقبل ان تضع رأسها على الوسادة حرصت على ان ترسل له عبر الموبايل رسالة مقتضبة زاخرة باروع الاحاسيس واعمقها قالت له فيها (ما اروعك..كم انت جميل فعلا , حتى في مرضك .. سأصلي من اجلك كي تشفى وتنام بعمق وسلام).
عندما قرأت له الممرضة المكلفة  بمراقبة تطورات حالته الصحية نص الرسالة , شعر بالزهو والسعادة , وبالرغبة في البكاء , فقد كان يكاد ان يتلمس عددالدمعات التي ذرفتها تلك الانسانة الرائعة وهي تكتب كل حرف من تلك الكلمات المفعمة بصدق ونبل اروع الاحاسيس المرهفة , وشعر في تلك اللحظة بان كل الامراض قد غادرته وذهبت بعيدا 'وان ضغطه استقر وخفقات قلبه انتظمت وبانه عاد شابا بكامل قوة الشباب وحيويتهم واندفاعهم , وتمنى لو يستطيع في تلك اللحظة بالذات ان يطير اليها ليحيطها بذراعيه بحنان وليضمها لصدره المتعب وليمسح دموعها واحزانها وقلقها وتوجسها وخوفها بشفتيه , وليهمس لها , ما اروعك ..احبك.. احبك .. احبك بكل ذرة في كياني , احبك كما لم يحب احد مثلي من قبل , فانت مصيري وقدري وجنتي وعالمي الخاص.
في الصباح والطبيب يراجع تفاصيل التقارير المختلفة حول اوضاعه الصحية تعجب وامتلأ دهشة لاستقرار حالته دون ان يتناول حبة دواء واحدة , وعندما علم من الممرضة بنبأ تلك الرسالة الليلية التي اعادت له ابتسامته واستقراره , اجابها بسخرية بان ما تقوله خرافة لا تصدق فقد ولى زمن الاحاسيس التي تصنع المعجزات , واضاف مستهزءا , لو كان الامر كذلك فعلينا ان نتوقف عن معالجة المرضى بالعقاقير المختلفة , وسنكتفي بمنح كل مريض كلمة(ما اروعــــــك) ما دامت هذه الكلمة تمتلك كل هذه القدرة السحرية على الشفاء.


 


ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة