المؤامرة والإعلام 1- بناء الريبة- ماذا لو قتل مسؤول الآن؟

بدء بواسطة صائب خليل, ديسمبر 30, 2012, 10:23:42 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

يتعرض العراق هذه اللحظة لمؤامرة كبرى، أطلقت بانفجار أزمة العيساوي، ثم بدأت تتكشف خيوط مقلقة أخرى شيئاً فشيئاً، أهم ظواهرها انتشار الخطاب الطائفي غير المسبوق الصلافة الذي جاء على لسان كتاب وبرلمانيين معروفين وكذلك دخول كردستان على الخط بشكل مباشر، ليس فقط من خلال التأييد الكامل لمتظاهري الأنبار وإنما من خلال رفع علم كردستان (مع علم العراق القديم وعلم "الجيش العراقي الحر"). ويبدو السيناريو كإعداد لقيام "إنتفاضة" مشابهة للإنتفاضة السورية المرتبطة قيادة بالناتو وإسرائيل ومعتمدة على الوهابية من داخل سوريا وخارجها وطائفة من السوريين الممتعضة من الحكم.

لقد كشفت هذ الأحداث أن الحكومة العراقية، وطيلة هذه الفترة لم تستطع أن توصل صوتها إلى الناس في المناطق الغربية. لقد اتصلت هذا اليوم بالعراق وتبين لي أن الكثير من الناس الطيبين غير الطائفيين هناك تتبنى بشكل عام القصص التي بثها الإعلام بالضد من الحكومة، من قصص السجينات إلى تلفيق التهم الباطلة والحصول على الإعترافات بالتعذيب. ولا نعلم كمية الصدق في هذه القصص، لكنها بالتأكيد ليست صحيحةً كلها وبالدرجة التي يصدقها الناس في مدن محافظة الأنبار، مما يعني أن الحكومة سجلت في تلك المناطق فشلاً إعلامياً ذريعاً.
والحقيقة أن الحكومة لا تبدو مدركة أنها تخوض معركة إعلامية شرسة مع القنوات الأمريكية – الإسرائيلية التي تركتها أميركا خلفها في العراق، والتي تهدف بطبيعة الحال إلى تحقيق الأجندة الأمريكية في البلد، وهي أجندة بعيدة كل البعد عن إرادة الخير له. إنها لا تبدو مدركة لكثافة عملاء أميركا وأجهزة إعلامها العلنية منها والسرية من محطات تلفزيون وراديو ووكالات أنباء ومواقع إلكترونية وعدد كبير من الكتاب والصحف. فهذه قناة "الموصلية" يقول مديرها صراحة بأنها "قناة امريكية في الادارة والمعدات وكل شيء، وهو اداري فيها فقط"، (1) وقد استندت نينوى على اقواله لرفض طلبه لتمويل أجورها، بل أكدت أن القناة تقوم بالتحريض ضدها!
وانظروا إلى خبر عجيب من "شفق نيوز" تؤكد فيه، ومن خلال "مصدر طلب عدم الاشارة إلى اسمه" بأن "مشروع انهاء أزمة الكهرباء في العراق وضعت له واشنطن خطة خاصة وجدوى اقتصادية "، ينتهي عام 2015 وأن "الحكومة العراقية حاولت تخفيف أزمة الكهرباء لحين انتهاء المشروع ولكن جهودها لم تكن ذات جدوى". (2)
هل يمكن أن يكون هذا غير تلفيق أخبار لحساب السفارة الأمريكية؟ اللطيف أن موقعاً آخر هو "الحل نيوز" نشرت نفس الخبر بعد إسمها، وحذفت منه عبارات "شفق نيوز"، (أو العكس)، فلم نعد نعرف من هو صاحب "الشرف" في هذا الخبر الفاضح!

كما لابد أن لاحظتم كثرة الافلام والمسلسلات التي تسلط الضوء على الفنانين اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل، أو المتوفين من بين كل العراقيين، مثل الإهتمام المفاجئ بسليمة مراد(3) والموسيقار "صالح الكويتي"، وإنتاج مسلسلات عنهم ومتابعة تاريخ حياتهم وتسليط الكثير من الضوء على المجتمع اليهودي العراقي (4)
كذلك نلاحظ اهتمام إعلامي مميز بالشخصيات الأكثر عمالة للإنكليز والأمريكان وتلميع تاريخهم مثل نوري السعيد، الذي حظي بمسلسل يزيف التاريخ بوقاحة تامة لصالحه، وفي كل ذلك لا يذكر الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم الذي تتفق جميع الفئات العراقية على تقدير دوره في بناء العراق وأمانته وعصاميته النادرة، فلم يحظ لا بفلم ولا بمسلسلة ولا حتى باسم شارع في بغداده، بينما ينتصب تمثال الشخصية المفضلة للإحتلال الإنكليزي محسن السعدون وليس اسمه فقط، على ثاني أهم شارع في بغداد حتى اليوم! فمن الذي يعيد كتابة التاريخ العراقي ومن أجل ماذا؟

في تقديري، أن "رأس الحكمة" لكي نفهم ما يجري، أن ندرك التأثير الأمريكي والهدف الأمريكي في العراق، وبشكل خاص لحكومة المالكي لتفهم وتحدد تصرفها بشكل سليم، أن تدرك، أنه رغم تماهيها مع المشروع الأمريكي إلى درجة الإستسلام أحياناً، فهي ليست الحكومة المفضلة لأميركا ولن تكون ابداً، وبالتالي فأن أميركا تنتظر الفرصة المناسبة لإزاحتها. إنهم يريدون مجموعة من الغنم يقودها "سافل" بكل ما في الكلمة من معنى، فهم يعلمون جيداً أن ما يريدونه للبلد لا يستطيع تنفيذه إلا سافل. لذلك فخيارهم المفضل هو "العراقية" بقيادة "سافلهم"، كما سمي بعض المسؤولين الأمريكان أياد علاوي. والأدلة على ذلك كثيرة وواضحة. فحتى إن نسينا أنه كان الخيار الذي لا يناقش للأمريكان كأول رئيس حكومة، ونسينا التزوير المفضوح الذي انتهجته مفوضية فرج الحيدري (الذي عينه بريمر) في الإنتخابات الأخيرة من أجل فوزه، وتدخل السفير الأميركي وضغوطه على اللجان الحكومية والقضائية لفرض قبول مرشحي قائمته الممنوعين من قبل لجنة المساءلة والعدالة، حتى هدد المالكي بطرده. وأخيراً فقد كشفت الصحافة الأمريكية مؤتمراً بين قادة إدارة أوباما (بما فيهم جون بايدن وكلنتون) يعلن فيها أوباما خياره الأكيد لعلاوي. لكن خيار إزاحة المالكي بالطريقة التي أزيح بها الجعفري لم تكن سهلة، فاضطر لـ "القبول" بالمالكي على مضض، بشرط أن يجلس علاوي في مكان قرب القمة! أي في مكان يتيح لأميركا تجاوز المالكي متى شاءت. فعندما يكون هناك شخصان في القمة، فأن من تفضله أميركا، هو الذي يصبح القمة الحقيقية. لقد لاحظت أن أميركا كانت تهمل الرئيس (غازي الياور) عندما كان علاوي رئيساً للوزراء، وكانت تهمل رئيس الوزراء (وتتعامل مع الرئيس طالباني) عندما كان الجعفري رئيساً للوزراء. بهذا الشكل كانت الولايات المتحدة تحدد القائد الفعلي للعراق!
شرط أوباما لقبول المالكي لم ينفذ، ولذا فأميركا تريد إزالة هذه الحكومة، مهما تحدثت لغة الدبلوماسبة بالعكس. السؤال هو: متى؟

في الموقع الثاني من الأهمية هو إدراك دور كردستان في المؤامرة. فالعلاقة الطيبة بين إسرائيل وكردستان لايمكن أبداً أن تمر دون أن تستغلها إسرائيل لتمرير أجندتها المخيفة في العراق، وبالطرق المعروفة لإسرائيل والتي لا تتورع عن أي شيء! هذا فضلاً عن العلاقة المميزة التي بين الأمريكان وكردستان، والتي يحاول طرفاها بين الحين والآخر التشكيك بمتانتها لأسباب مفهومة. ويكفي أن كردستان لم تكن قلقة أبداً من صفقات السلاح الأمريكية، لكنها فقدت صوابها من العقد الروسي، مما لا يعني سوى ان هناك تفاهماً مع أميركا بأن تلك الأسلحة لا يمكن ان تستعمل في صراع مع كردستان. فبإمكان أميركا تعطيل أجهزتها عن بعد، إن لم تكن موافقة أميركا على استعمالها مضمنة ضمن الإتفاق. بالمقابل فأن لا ضمانة أن أسلحة الجيش العراقي التي استولت عليها كردستان لن تستعمل ضد بغداد، وقد استعملت بالفعل.

ويشرح موقف "قناة الحرة عراق المدعومة من السفارة الامريكية" من الصراع الحالي بين كردستان وبغداد، بتبنيها موقف كردستان من تلك المناطق، والإشارة إليها بـ  "المناطق المقتطعة من الاقليم"(5) حسب ما نبه إليه الناطق باسم مركز الحريات الصحفية زياد العجيلي. ومن حقنا ان نعتبر أن تلك القناة المدعومة أمريكيا بشكل علني، تمثل الموقف الأمريكي الحقيقي من الصراع، وليس العبارات الدبلوماسية المحايدة للسفير.

إن أدركت الحكومة هاتين النقطتين وانتهت منهما بلا أوهام، ستعرف كيف تحدد أصدقاءها من اعدائها وتحدد طموحها، وسيكون الطريق مفتوحاً للنقطة الثالثة وهي إدارة تلك "المعركة" على مختلف الجبهات لتنظيف العراق من التركة الأمريكية من "الخلايا النائمة" وغير النائمة وتحديد سياستها في التسلح، والأمن والحدود والإرهاب والإعلام وغيرها، ومراجعة المؤسسات التي وضعت بقرارات أمريكية ووضعت قياداتها بقرارات أمريكية. وعليها أن تضع خطة لاصطياد عملاء أميركا وإسرائيل من الجهاز الأمني والجيش بشكل خاص، وتنظيفهما منهم. وأخيراً وليس آخراً، تنظيف منظومة الإعلام العراقي. طبيعي أن كل هذه الأجهزة ستدافع عن نفسها ولن تستسلم بسهولة، لكن هذا هو الطريق الوحيد إن لم ترد الحكومة أن تترك المبادرة لتلك الخلايا لتحدد بنفسها لحظة المجابهة. 

مهمة تنظيف الإعلام مهمة دقيقة وحساسة لخصوصيتها وارتباطها بالديمقراطية، وسهولة اتهام من يحاول إزالة تلك النقاط السوداء، بانه يكمم الأفواه ويمارس الدكتاتورية. إنها مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، فهناك قوانين تحكم حرية العمل الصحفي في الديمقراطية فتحاسبه بشدة على الكذب، ويمكن إن تم استخدامها بشكل دقيق، ان نصل إلى النتيجة المرجوة دون إثارة الكثير من القلق. لذلك فأن من المفيد جداً للنجاح أن يتمتع من يقوم بتنفيذ هذه المهمة، بسمعة ممتازة كديمقراطي ذو مصداقية مبرهنة، فيقطع الطريق على الهجوم المضاد لأجهزة الإعلام المأجورة. لا نستطيع أن نقول أن المالكي معروف بالديمقراطية خارج دائرة مؤيديه، ومن هنا تبرز صعوبة إضافية.

المعركة الإعلامية يجب أن تكون معركة إظهار الحقيقة الجيدة، وليس معركة أكاذيب إعلامية تحاول تحسين صورة الحكومة بالحق والباطل. ولكي يمكن ذلك يجب أن تبدأ الحكومة ببناء تلك "الحقيقة الجيدة" من خلال حملة حقيقية لمراجعة ومناقشة وبحث شكاوى المواطنين السنة والبحث بصدق عن ما هم محقين فيه ودراسة أسباب اقتناعهم بما ليسوا محقين به، والبحث عن طرق مجابهة هذا التضليل وتصحيح الصورة. أن اللجوء إلى الإعلام لوحده دون تصحيح الأخطاء والخطايا لن يكتب له نجاح طويل العمر، إن نجح أصلاً. كذلك فأن استسهال اتهام كل من يشكو أو يعترض بأنه يعمل بأجندة أجنبية، طريقة فاشلة واستفزازية لمن يعترضون بصدق، ويحولهم إلى الخندق المعادي بشكل أكثر ثباتاً.

قرأت أثناء كتابة المقالة خبراً إيجابياً ، مفاده ان المالكي دعا الى "تشكيل لجنة تضم علماء الدين وعدد من القضاة لتحري السجون والمعتقلات وتأشير مواطن الخلل ليقوموا هم بإصلاحها فورا، مؤكدا ان بعض مطالب  المتظاهرين مشروعة وإنه سيتابع تنفيذها بنفسه وبالأخص مايتعلق بقضايا المعتقلين والنساء"(6) والتفاتة المالكي الممتازة تبشر بالحل، وفي نفس الوقت تؤكد ما ذهبت إليه من أن ليس كل الشكاوى كاذبة، وأن القفز إلى اتهام المشتكين بالكذب كـ "حل" سهل لكل مشكلة سوف يتسبب في الكثير من الضرر والإحراج، وهذا الإحراج قد وقع فعلاً. فكيف سنفسر الآن قول رئيس وفد الامن والدفاع الى السجون النائب اسكندر وتوت ، بأن "مزاعم انتهاك النساء تمثيلية كبرى"؟ وأنه لا يوجد اي اعتداء؟(7)
هل أنه فعلاً لم يوجد اعتداء وأن المالكي قال ماقال مضطراً لتهدئة الوضع؟ ممكن جداً، ولكن هذا الإشكال كله لم يأت من الفراغ وإنما من تراكم لعدم الثقة سببه عدم قيام الحكومة بواجبها في طمأنة المواطن وكسبه إلى جانبها.

ولكي تكون للحكومة مصداقية حقيقية فعليها أن تتصرف كحكومة وتحاسب من قام بتلك الأخطأء أو الخطايا المتعمدة لإثارة المشاكل، وإلا فلا يعدو الأمر أن يكون تأجيلاً للمشكلة، ولن يرى السنة أن المالكي قام بالخطوة لإحقاق حق، وإنما لأنه خشي من الضغط الذي سلطته عليه التظاهرات. في رأيي أن الخلل الأكبر يتمثل في ثقة المالكي الواضحة بالأجهزة الأمنية رغم أنها من تركة الإحتلال الذي لم يرد للعراق الخير، ولا يريده رئيساً للحكومة. ورغم كل الدلائل الكثيرة التي يصر المالكي على تجاهلها، مثل قصة أجهزة فحص المتفجرات المثيرة للعجب والإحباط، وقصص الإرهاب العديدة المليئة بالثغرات التي تؤشر الخلل والإختراق الخطير. إنني أثق أن مجرمي كنيسة سيدة النجاة تم تهريبهم من قبل قوات الأمن المهاجمة وأنهم لم يعدموا كما قيل، لا هم ولا مجموعة جريمة عروس الدجيل، وأن هؤلاء كانت لديهم مهمة إثارة الشقاق بين مكونات المجتمع العراقي وتقديم تمثليات اعترافات ثم تهريبهم إلى دولة أخرى وإعلان إعدامهم، وقد يجري إعدام فعلي ولكن لآخرين أو لا يجري أي إعدام. إن سهولة اعترافاهم واطمئنانهم وحدهما كافيان كأدلة، ولا أحداً يدري ما يجري وراء الكواليس أو يحقق بشخصية المعدومين.

فإن كنت أنا المتابع للتفاصيل من مصادر مختلفة وخاصة الحكومية، وبحيادية عالية أدعيها، لا أستطيع تصديق الرواية الرسمية لتلك القصص، واصر على وجود الثغرات الجدية فيها والتي تتجاهلها الحكومة بشكل ملفت للنظر وتصر على الثقة بما تركه الإحتلال من أجهزة أمنية، فكيف سيصدقها بسطاء السنة المعزولين نسبياً عن الإعلام الحكومي والواقعين تحت التأثير الإعلامي الطائفي المشبوه، وتأثير القلق الطائفي والخوف من الحكومة وغيرها من المؤثرات؟ إن انطباعي أن الحكومة ما أن تحصل على تصديق وتأييد ناخبيها أو مؤيديها أو التابعين لمذهبها، حتى تعتبر أنها أنجزت المطلوب وأنها في أمان، وأن الباقين لن يقتنعوا مهما بذلت من جهود، أو أنهم لا يستحقون الجهود، فتهمل رأيهم وموقفهم منها، لتكون هذه هي النتائج.

لننظر إلى قصة قضية العيساوي، والتي تبدأ بأحد المتهمين الهاربين الذين تم الإعتراف عليهم في قصة الهاشمي ، فيذهب هذا بنفسه إلى عرين الأسد، المنطقة الخضراء، ليلقى القبض عليه ويعترف على حماية العيساوي. هل نلوم أحداً إن وجد في القصة ما يصعب تصديقه؟ التفسير الذي قدمته أعلاه عن تهريب المتهمين إلى الخارج بعد إكمالهم لدورهم، يمكنه تفسير هذا التصرف. ولذلك على الحكومة أن لا تتغافل عن هذه الأمور وتتركها تبني الشكوك في رأس المواطن السني الذي لن يعود يشعر بالأمان.

عدا هذا، هناك قضايا ليس لها علاقة بالإجرام، لكن تنفيذها يثير الإحساس بالغربة وعدم الأمان والإقصاء لمن هم خارج إطار مجموعة الحكومة أو مذهبها، مثل الهجوم الذي نفذته الشرطة للإستيلاء على مواقع للوقف السني وتحويلها للوقف الشيعي بعد إصدار قانون بذلك، وبشكل عنيف ومهين ليس له اي مبرر في عملية تنفيذ يفترض أنها إدارية بحتة! وصاحب تلك العملية تصريحات في غاية العدوانية والتحدي من قبل رئيس الوقف الشيعي. مرت دون أن يتم البحث عن سببها ومعاقبة من تصرف فيها بشكل خاطئ، بل دون أن يسأل أحد، لا من الشرطة ولا رئيس الوقف الشيعي عن الضرر الذي تسببوا فيه لمشاعر السنة وللوحدة الوطنية. وهناك أيضاً الإعتداء على المسيحيين من قبل الشرطة التي أغلقت النوادي، وبلا أي مبرر، بل نقل عن أحد الناس أن ضابطاً قال له لماذا أنتم باقون هنا في البلد؟ اليست هذه هي الخطة الإسرائيلية للمسيحيين؟ فأين التحقيق وأين الحساب؟

هناك مؤشرات كثيرة على ان الحكومة مستهدفة بشكل مدروس من قبل وسائل الإعلام في المشكلة الأخيرة مع العيساوي بشكل خاص وأن الهدف منها إثارة مشكلة لها ومحاولة إسقاطها أو إضعافها من أجل ضربة قادمة قاضية. فالتهجم غير الطبيعي الوقاحة للنائب أحمد العلواني كان واضحاً جداً أن الغرض منه استثارة المقابل وقطع الجسور.

ولقد استهدف الهجوم مراكز الإعلام المدافعة عن الحكومة أو الناقلة لوجهة نظرها، أو الميالة إليه ولو بشكل غير رسمي. فموقع "عراق القانون" المستقل والمؤيد بشكل واضح للحكومة وخاصة المالكي، لا يعمل منذ يومين بعد تعرض السرفر لهجوم تخريبي قوي هو الثاني من نوعه خلال الفترة الماضية، ويقول صاحبه الأستاذ مصطفى الحسيني أن الهجومين جاءا من أربيل.

للتوضيح أبين أن السرفر هو برنامج يوضع على حاسبة في مكان ما من الشبكة. وعندما تنقر كمستعمل للمتصفح (إنترنت إكسبلورر أو فايرفوكس أو كوكل كروم) على عنوان معين لصفحة معينة، فأن هذا العنوان يصل من خلال شبكة الإنترنت التي تعرف أين يوجد سرفر أي موقع، يصل إلى الحاسبة التي تشغل السرفر المناسب فيقوم الأخير بإرسال الصفحة المطلوبة إليك من خلال الإنترنت. التخريب يحدث عادة من خلال حاسبة تقوم بـ "قصف" السرفر المعني بعدد كبير جداً من الطلبات الأوتوماتيكية، بلغ في حالة عراق القانون الأخيرة عدة ألاف طلب في الثانية الواحدة، مما يجعل السرفر يعجز عن تلبية الطلبات ويتم إسكاته، ويمكن معرفة مكان القصف من خلال الآي بي الخاص بالحاسبة التي ترسل القصف.
ولم يستطع فريق موقع "عراق القانون" إعادته إلى العمل حتى ساعة كتابة هذه الأسطر. وسبق لهجوم مماثل أن احتل موقع "المثقف" ووضع على صفحته الأولى صورة للبارزاني مع علم كردستان. (8)

من الواضح أن هناك "محور" تقوده كردستان وتأتمر بأمرتها العراقية وإلى حد ما الصدريين، ضد المالكي ودولة القانون. ومن الواضح أنه رد فعل على الضغط الذي يمارسه المالكي على كردستان حالياً لوقف أو تحديد إبتزازها للعراق. هناك أيضاً هجمات أخرى كثيرة من أنواع أخرى قام بها هذا "المحور"، منها الهجوم البائس الذي قام به فخري كريم تجاه المالكي، والذي أصر أثيل النجيفي على تكراره، في محاولة لإستعادة مكانته والتغطية على أرتباط إسمه بفضيحة الإتفاق على بيع نفط نينوى إلى أكسون موبيل وتأمين عملها في أراضي نينوى وتقاسم الحصص مع لصوص كردستان. لكن الخطة فشلت لأنه بعمله فقد كل قيمة لدى أبناء الموصل، وبالتالي فقد قدرته على التأثير، فطرده شركاؤه الجدد كما يبدو لعدم فائدته، فعاد "وطنياً" يدافع عن نينوى والسنة!

إذن هناك هجوم إعلامي غير اعتيادي لكن فرص الحكومة في النجاح جيدة إن تصرفت بشكل مختلف وشفاف يبث الثقة، خاصة وأن خصومها يعانون من ثغرات يمكنها استغلالها بكفاءة. فكما كتب حارث حسن: "من الصعب اقناع الكثير من العرب السنة الذين يعيشون التوتر اليومي مع الكرد في المناطق المختلطة ان صراعهم الاساس هو مع الشيعة." (9)
فكيف سيقنع مسعود الذي يستولي على أراضي السنة أنه يدافع عنهم؟ كذلك أن مثل هذه الحملة التي تعتمد الطائفية المفرطة القسوة والهابطة الألفاظ، سوف تحرج الذين قد يقفون معها من الجانب الشيعي تصفية لحساباتهم مع المالكي، مثل الصدريين وتضطرهم للتخلي عنها. وبالفعل جاء رد الفعل الصدري سريعاً في استنكار تلك اللهجة الطائفية الموجهة بوضوح ضد مذهبهم. (10) وبما أن تلك اللهجة الإستفزازية ضرورية لإستثارة الناس، فسيكون من الصعب على محور "العراقية" – كردستان أن تحل هذه المشكلة.
ونجد أيضاً تناقضاً لدى العراقية، التي تجد نفسها في موقف محرج. فهي التي انتخبها سنة "المناطق المتنازع عليها" إستناداً إلى وعدها بالدفاع عنهم ضد تجبر الكرد واحتلالهم اراضيهم، وتجد مصالحها اليوم مع الكرد والهجوم على المالكي في الوقت الذي يطالب فيه بتصحيح موقف كردستان من تلك الأراضي ونسبة حصته من الميزانية! ويمكننا أن نقرأ مثلاً في بعض تصريحات النائبة عن العراقية ميسون الدملوجي ذلك التخبط المثير للضحك والأسى، وهي تحاول جاهدة أن تجد موقفاً من قضية "الأراضي المتنازع عليها" ونسبة الـ 17% يصلح لمهاجمة المالكي دون أن تخسر ناخبيها السنة.

إسمحوا لي أن أشير في نهاية هذه المقالة إلى تجربة شخصية صغيرة في هذه الحرب. فقد وصلني قبل يومين إيميل يشير إلى مقالة طائفية استفزازية قبيحة كتبها المدعو هارون محمد، المعروف بمقالاته الطائفية الإستفزازية المشبوهة، تحت عنوان "رافع العيساوي الى الامام سر.. المالكي مرعوب!" يتهجم فيها الكاتب على نائب الإئتلاف سعد المطلبي ويزور كلامه ليدعي أنه يهدد السنة. وتنتهي المقالة بالعبارة التي تكشف الكثير عن نوايا كاتبها والموقع الذي ينحط إلى قبول نشرها (موقع العباسية نيوز، وهو موقع ينشر صور صدام ويسوق لحرب أهلية في العراق مماثلة لحرب الناتو على سوريا) فيختتم هارون مقالته بالعبارة: "وهل يستوي اولاد المتعة مع ابناء الاصالة والعراقة؟" فاستثارتني العبارة وكتبت معلقاً للدفاع عن الأستاذ المطلبي رغم ترددي، فكتبت: "هناك سؤال أهم: هل يستوي عملاء الموساد مع الشرفاء؟" فقام موقع العباسية نيوز بتغيير تعليقي ليصبح " هناك سؤال أهم: هل يستوي عملاء الموساد امثال سعد المطلبي مع الشرفاء؟"! فأرسلت احتجاجاً قاسي اللهجة لكنهم تركوا التعليق كما حوروه. وهذه أول مرة اتعرض أو أسمع بمثل هذا التزوير، ففي العادة يحتج الناس على تحيز المواقع لأنها لا تنشر تعليقاتهم إن لم تكن مناسبة للموقع، أما تغييرها لتقلب معناها، فربما كان موقع "العباسية نيوز" رائداً في هذا الهبوط!
يتساءل المرء، لماذا هذا التلفيق لكلامه والهجوم الشرس على الأستاذ سعد المطلبي بالذات، وهو المعروف بأدبه وهدوء حواره وثقافته؟ من يراجع تصريحات الأستاذ المطلبي، يفهم السبب فوراً، فهو أكثر نواب الإئتلاف الوطني صراحة في كشف ومواجهة الإبتزاز الكردستاني والمطالبة بتعديل حصة الإقليم إلى ما يمثل نسبة سكانه، وبانفصاله إن لم يتصرف كما يفترض بإقليم أن يتصرف. ومن الواضح أن ذلك لم يرق للإقليم فوجهوا هذا القلم الرخيص ليهاجمه بهذا الشكل. أتمنى أن يطلع الأستاذ المطلبي على هذه المقالة ليفهم حقيقة ذلك التعليق إن كان قد رآه.

لقد وصفت في مقالتي السابقة النائب أحمد العلواني بـ "السرسري" الذي فشل أهله في تربيته، لكني أميل اليوم إلى أن يكون شخصاً مدسوساً يجب سحب حصانته ومحاكمته ليس فقط على إهانته للشعب العراقي وترويج الطائفية، وإنما التشجيع على العنف، وأن يحكم عليه بأقسى عقوبة من يثير الإضطراب في وضع خطر على البلاد. وكذلك يجب ردع هارون وأمثاله من الكتاب بأية طريقة ممكنة فأمثال هؤلاء الغام وضعت تحت المجتمع بغية تفجيره في الوقت الذي يناسب من يعملون لصالحه، ويجب جعلهم عبرة لمن اعتبر. كذلك يجب توجيه تحذير شديد اللهجة إلى البرزاني ليوقف مؤامراته الدنيئة على الشعب العراقي ومقاطعته هو وأعضاء حزبه في البرلمان والعمل سريعاً على فصل كردستان، فقد صار واضحاً أنها تمثل تآمراً دائماً على البلاد، وأنها مركز الخطر الأكبر في العراق.

أما الحكومة فالمطلوب منها ليس فقط أن تحل هذه المشكلة وإنما أن لا تسمح لها أن تصل الأمور ثانية إلى ما وصلت إليه من خطر. عليها أن لا تسمح ببناء الريبة بينها وبين أي جزء من شعبها، لأن الريبة تهيء الجو لكل الأخطار وقد تخرج عن سيطرة الحكومة مهما حاولت. فلنتخيل أن مسؤولاً قد قتل اليوم، سواء كان العيساوي أو العلواني أو أحد أعضاء دولة القانون، وخاصة إن كان من الفعالين في هذه الأزمة، فهل سيمكن إقناع الناس من جانب الضحية بأن المقابل بريء من دمه، مهما قدمنا من براهين؟
إن اية حادثة إرهابية أو عفوية ستشعل ناراً قد تأتي على العراق! والحقيقة أن مثل هذا الجو قد لا ينتظر حادثة عفوية، فهو يغري من يريد إثارة الفتنة بتنفيذ تلك "الحادثة"، وسيتكفل الهياج بالصاق التهمة على الطرف المقابل ويشتعل الحريق! لذلك ادعو بشكل جاد لتكثيف الحماية على المعنيين هذه الأيام كإجراء إضافي.

الحماية ضرورة مؤقتة، لكنها ليست حلاً، والمطلوب هو منع مثل هذا الإحتقان الخطر بأي شكل. قد يجيب قارئ: وهل على الحكومة أن تمتنع عن محاسبة المجرمين لكي تتجنب الإحتقان؟ طبعاً لا، فلو كانت الحكومة قد كسبت ثقة الناس بالأمور الأخرى، لأمكنها محاسبة كل المجرمين دون أن ينزعج أحد، لكن الحكومة لا تبدو مهتمة بذلك إلا حين تحدث مشكلة. الناس لا تدافع عن المجرمين. لقد أكد كل من تحدثت معه، حتى أشدهم حماساً للتظاهرات، بأنه إن كان العيساوي قد ارتكب جرماً فليذهب إلى الجحيم، لكنه يشكك بالإجراءات الحكومية في التحقيق. وهذا يضع الحكومة أمام واجباتها في كسب رضا مواطنيها وثقتهم. ولو قارنا بعض الأمور لوجدنا أن الحكومة حريصة على طمأنة أميركا ودول الخليج والأردن والأمم المتحدة وكل أجنبي، وكسب ثقته، أكثر مما هي حريصة على كسب ثقة مواطنها، فتسمح للريبة أن تنمو تدريجياً لتصل إلى مرحلة خطرة، وهنا الخلل الكبير.


في الحلقة التالية سوف اعرض مجموعة من أمثلة من الأكاذيب والتشويشات الإعلامية التي غرق بها المواطن العراقي خلال الشهرين الماضيين، جراء تعرضه لقصف إعلام مدسوس بناه الإحتلال الأمريكي ليوم يعلم أنه قادم.

(1) http://www.4.hathalyoum.net/iraqnews.php?action=sit&cd=0&sid=85915 
(2) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=838218
(3) http://www.startimes.com/f.aspx?t=30411705
(4) http://www.uragency.net/2012-03-11-16-31-52/2012-03-11-16-34-10/11730-2012-10-22-10-26-12.html
(5) http://www.chakooch.com/news_view_1143.html
(6) http://xendan.org/arabic/drejaA.aspx?=hewal&jmara=10290&Jor=2
(7) http://www.alsaymar.org/all%20news/01122012akh2378.htm 
(8)https://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:KmVmf4DRKgMJ:http://www.almothaqaf.com/index.php%3Foption%3Dcom_content%26view%3Darticle%26id%3D66582%253A
(9) http://www.albadeeliraq.com/article22465.html
(10) http://www.alliraqnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=63123