تكملة مسرحية طرطرف

بدء بواسطة MAJED, سبتمبر 27, 2012, 09:25:40 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

MAJED


القسم الثاني



المنظر الأول:
[يدخل طرطوف من جهة - تدخل دورين من الجهة الأخرى]
طرطوف: آه...هذه أنتِ!
دورين : أوووه...هذا أنتَ!
طرطوف: ماذا تريدين؟
دورين: لا شيء. لكن، هل علمت بالضجة التي أثارتها فضائحك؟
طرطوف: عمَّ تتحدثين؟
دورين: لا شكّ إنك تعلم، ما دمتَ تتظاهر بأنك لا تعلم. لنفرض أن السيد داميس لم يحسن التصرف، واتهمك بمغازلة زوجة أبيه، أليس من شيمة المسيحي أن يغفر الخطأ، ويكون أكبر من شهوة الانتقام؟
طرطوف: أنا..؟
دورين: كيف ترضى أن يُطرد الابن من بيت أبيه بسبب شجار معك؟
طرطوف: من قال ؟ لو تعرفون كم أسفت لما حدث!
دورين: أسفتَ، وكفى؟ تستطيع، لو كنتَ صادقاً في كلامك، أن تهدئ الأمور، وتمنع الوالد من معاقبة ابنه بهذه القسوة، أليس كذلك؟ تستطيع، لو ضحيت في سبيل الله بغضبك وانتقامك، أن تصلح بين الأب وابنه، أليس كذلك؟
طرطوف: يا ابنتي، أنا أتمنى الصلح من كل قلبي، إني أسامح الشاب في كل ما فعل، ولا ألومه على شيء، أنت لا تعرفين كم أتمنى مساعدته.
دورين: إذن..؟
طرطوف: إذن، بعد عمله المُنكر الذي ليس له مثيل، السماء لم تعد ترضى بمساعدته، لذا عليّ أن أترك البيت حالما يعود هو إليه، لأن وجودي ووجوده في نفس البيت يسبب فضيحة.
دورين : لن تكون أكبر من فضيحة طرده بسببك!
طرطوف: أنت لا تفهمين حقائق الأمور يا ابنتي. ماذا يظنّ الناس إذا عاد وبقيت أنا أيضاً؟، سوف يفسرون عودته بأنها دهاءٌ مني، سيقولون إنني أحسّست بجريمتي، فرحتُ أصطنع الحبّ وأتظاهر بالرضى عمّن يتهمني، وإن قلبي يخاف منه، ويريد محاباته أملاً في سكوته.
دورين: يا إله السموات! أنت تنتحل أعذاراً مزوقة، وتتنطح في حججك. سيد طرطوف، قل لي، لماذا تحمل على كتفيك مصلحة السماء؟ أتعتقد أن الله بحاجة إليك لتدير شؤونه على الأرض؟ هه...؟
طرطوف: (محذراً) لا تتجاوزي الحدود..!
دورين: كيف اختارك الله أنت من دون الآخرين، وهو يعرف كم وجبة تتناول في اليوم، وكم زيارة تقوم بها للتواليت؟ (يهم بالخروج فتقف بوجه). عليك أن تعلمني قبل ذهابك، سيد طرطوف، هل الانتقام واحد من وصايا الله؟
طرطوف: قلتُ لكِ إن قلبي يصفح عنه، وهذا هو العمل بوصايا السماء، لكن السماء لا توصي بأن أعيش معه، بعد الفضيحة التي سببها لي.
دورين: وهل السماء هي التي أمرتك، أيضاً، بالاستماع إلى حماقة أبيه وقبول العقارات والأموال التي كتبها باسمك؟
طرطوف: الذين يعرفونني، لن يفكروا أبداً أن قبولي الإرث وراءه نفس طامعة، إن كل ما في هذه الدنيا من أموال لا يغريني، قبلتُ هذه الأموال حتى لا تقع في أيادٍ شريرة، أو يستغلها أُناس ينفقونها في الإثم، وليس لمجد الله..كما أفعل أنا.
دورين: الأولى بكَ، إذا كنتَ صادقاً، أن لا تقبل أموال هؤلاء الناس، أو ترضى أن يُطرد من البيت الوارث الوحيد!
طرطوف: الساعة الثالثة والنصف يا ابنتي، إن واجباً دينياً يستدعيني إلى الطابق العلوي. (يخرج)

المنظر الثاني:
[أورغون ــ إلمير]
إلمير: بعد الذي سمعتُه، ورأيتُه، لا أعرف ماذا أقول. إن تصرفاتك تثير حيرتي ودهشتي. لقد كذّبتَ ما كشفه لك ابنك عن سلوك طرطوف معي، وكذَّبتَ تأكيدي أيضاً، هذا يعني أنك متأثر به تأثراً كبيراً، وأنه يديرك كيف يشاء.
أورغون: لو حكمتُ على ضوء المظاهر، فأنتِ تجارين ابني الخبيث. خفتِ أن تنكري المقلب الذي دبره لهذا الرجل المسكين، والدليل إنكِ كنتِ هادئة، لو كان الأمر صحيحاً، لظهر الاضطراب عليك يا زوجتي.
إلمير: إذن، لكي تصدق، تريدنا أن نثور ونغضب، نهدد ونشتم لأن شخصاً غريباً اعترف لنا بحبٍّ سخيف؟. لا، لم أكن أريد إثارة الضجة حول موضوع لا يعني لي أي شيء، هذا هو سبب هدوئي.
أورغون: مهما يكن، أنا أدرى بمؤامرات ابني، ولا سبيل إلى تضليلي.
إلمير: هذا ضعف غريب منك!
[يدخل طرطوف ]
طرطوف: جئت أسلّمُ عليك يا أخي (يحيي إلمير بحركة متعالية من رأسه) قبل الذهاب إلى جمعيات الخيير لتوزيع بعض الهبات على المساكين.
أورغون: (إلى زوجته) هل رأيتِ! (ثم إلى طرطوف ) ليدعم الله خطاك يا أخي، أيها التقي العطوف.

[تدخل ماريان خلفها دورين]
ماريان: (تركع) أبي العزيز، أسألك بالله الذي يعلم ألمي، لا تجبرني على خطوة يكرهها قلبي. أُناشد حنانك الأبوي، أن لا تفرض عليّ باسم الشرائع، أو باسم حقوقك كأب، حياةً لا أستطيع تحملها.
أورغون: ما الأمر! (يلقي على دورين نظرة خاصة) يا ابنتي العزيزة، يجب أن تكوني سعيدة بالزواج من هذا الرجل الطاهر..
ماريان: لا يا أبي، أغفر لي جرأتي في الكلام، إنني تعيسة، منكودة...
أورغون: (لنفسه) آه، كن حازماً أيها القلب، إياك والضعف. انهضي يا ابنتي، كلما نفر قلبك منه، زادَكِ جدارة به، انهضي ولا تقلقي رأسك بهذه المخاوف، أياماً قليلةً وتكتشفين السعادة في الحياة معه.
دورين: عجباً، لكن..
أورغون: اسكتي أنتِ.
دورين: إنها تقول لكَ... وهي راكعة...
أورغون: (بحزم) إنني أمنعك من الكلام.
طرطوف: يا أخي العزيز، يجب أن لا تفرض على هذه الفتاة العفيفة شيئاً ... إلاّ إذا كانت إرادة الله وراءه.
أورغون: هل سمعتِ، انهضي واكبحي هذه العواطف الفائرة.
ماريان: أعفني يا والدي من هذا الواجب، لأنني لا أريد.
طرطوف: فعلاً يا أخي، عليك أن تتركها تقرر بنفسها...ما تجده يتوافق مع شرائع الدين.
أورغون: أنا أبوك، وأنا أريد لك هذا الزواج، ماذا يجري في هذه الدنيا!
دورين : عن أي دنيا تتكلم يا سيدي!
ماريان: (تبكي) لا أستطيع يا أبي، أرجوك أن تقبل توسلاتي، وأنتَ أيضاً يا سيد طرطوف، قلْ شيئاً عادلاً من جانبك.
طرطوف: كم أنظر بحنان عظيم إلى توسلاتك، لكن مخالفة الوالدين بمثابة مخالفة لله، كلاهما يثير غضب السماء.
أورغون : هل رأيتِ؟ انهضي...
ماريان: (تنهض ببطء) إذا كنت مصرّاً يا والدي، اسمح لي إذن بالذهاب إلى الدير، سوف أقضي حياتي فيه كراهبة، هذه هي رغبتي.
أورغون: (يضحك) آه، هذه ابنتي المحبوبة تفكر بالزهد، إني فخور بك، ومع هذا الرجل ستعيشين في الزهد الحقيقي، ستكونان مثل الملائكة.
دورين: يا إلهي، أعطني المزيد من الصبر...
أورغون: (إلى دورين) قلتُ...ولا كلمة!
ماريان: أنت تسدّ عليّ كل أبواب الخلاص يا أبي، هذا ليس عدلاً. آسفة إذ أقول لكم، إنني سأترك البيت.
أورغون: ماذا ؟ (في غضب شديد) ماذا تقولين أيتها الفتاة؟ لن يحدث هذا في بيتي. ماريان: إني تاركةٌ البيت (تهم بالخروج) قبل ذلك، سوف أتخلص من هذه الأغطية التي فرضتموها عليّ. (تبدأ بخلع ملابس الحشمة بين دهشة الجميع) سأتركها لكم، لأنني خارجة إلى الحياة. (ترمي الملابس على الأرض وتظهر بتنورة قصيرة).

[تتوزع مشاعر الموجودين بين الاضطراب والغضب والارتياح]
طرطوف: ربي...أغفر لهم (يغطي وجهه بأصابع مفتوحة ليختلس النظر إلى سيقان ماريان وصدرها)
دورين: (تخلع بعض ملابسها هي أيضاً) ما أروع ما فعلتِ يا حبيبتي، هلكنا من الحرّ مع هذه الملابس، بينما تسريحة السيد طرطوف، وأفخاذه، مكشوفة للأنظار ! أورغون: (يصرخ ويتنقل بين الموجودين في ارتباك عظيم) ماذا تفعلين؟ يا للفوضى، يا للعار...(إلى طرطوف) اطلب من السماء أن تفعل شيئاً على الفور.
طرطوف: أنا..يا..أخي..؟ (يسقط على الأرض مغمى عليه)
أورغون: الرجل الطاهر أُغمي عليه، لم يحتمل المنظر، انظروا ما فعلتم! (يذهب ويقف أمام ماريان) أنتَ تخرجين عن الطاعة، تعصين أوامر الله، أنا والدك.
ماريان: (تبتعد عنه) صحيح، لكن ما تفعله معي ليس عدلاً.

[ طرطوف يمدّ رأسه قليلاً ليختلس النظر من تحت تنورة ماريان التي أصبحت قريبة منه]
أورغون : آمرك أن ترتدي ملابسك حالاً.
ماريان: أنا في ملابسي، تلك ملابس طرطوف . (تخرج)
[طرطوف يهرب متسلّلاً]
دورين: (تتبع ماريان لكنها تعود مسرعة وترفع الغطاء عن رأس إلمير) أُقسم بالله يا سيدتي، إذا منعتِ النور والهواء عن شعرك، سوف يتساقط كله بعد خمس سنوات. (تخرج)
أورغون: انظروا ماذا فعل العصيان ببيتي! (يلتفت فلا يجد طرطوف) السيد طرطوف ، ماذا حدث للرجل التقي؟
إلمير: رجلك التقي وراء كل هذه الفوضى، وأنت لا تفكر إلاّ فيه! هل أصابك بالعمى؟ إنه منافق يا سيدي، فاجر، وسأثبتُ لك هذا.(تنادي) دورين..
أورغون: ماذا تنوين؟
إلمير: أجعلك ترى بعينك، وتسمع بأذنك كيف يفكر طرطوف بزوجتك!
أورغون : كلام فارغ.

[تدخل دورين]
إلمير: اطلبي من طرطوف أن ينزل، قولي له إنني أريد محادثته على انفرد.
دورين : حالاً. (تخرج)
إلمير: أنت يا زوجي، تماديت في الضعف والضلال، بالغتَ في اتهام لساني بالمكر والخداع، الآن سوف أريك عملياً ما يُقال لك.
أورغون : مستحيل.
إلمير: إذن إختبيء هنا، تحت هذه الطاولة.
أورغون : لِمَ تحت الطاولة؟
إلمير: دعني أتصرف، في رأسي خطة احكم عليها فيما بعد، اختبئ من فضلك، وأحذر أن يراك أو أن يسمعك. (تدفعه دفعاً ليجلس تحت الطاولة) لا تخرج إلاّ عندما أطلب منك.
أورغون : (من مخبئه) هذا مشين.!
إلمير: أنت وحدك المسؤول عنه، لأنك لا تصدق إلاّ ما في رأسك من أوهام، وحشو. أصغِِ إليّ، سوف أستمر في خطتي إلى أن تقتنع، وعليك أن تظهر وتوقف نزوته الرعناء حالما أسعل لك، أو تراه من مخبئك قد تجاوز الحدّ، لأنني بصراحة أخشى من تهور هذا الرجل.

[يدخل طرطوف]
طرطوف: أبلغوني أنك تريدين التحدث معي في هذا المكان.
إلمير: نعم، لكن لماذا تدير وجهك؟
طرطوف: الله، يا سيدتي، يحرّم علي المؤمن رؤية سفور المرأة. بعد أن انصعتِ إلى كلام الفتيات الصغيرات...وعدتِ ترتدين ملابسك القديمة، أصبح من واجبي أن أتحاشى النظر إلى كل النساء في هذا البيت.
إلمير: اسمع، لدي أسرار أريد أن أكشفها لك، لك وحدك من دون كل الرجال. (ينظر إليها بطرف عينه) لكن.. أغلق الباب، وأنظر في كل مكان، حتى لا يفاجئنا أحد، كما حدث في المرة السابقة. إن تصرف داميس جعلني أخاف عليك كثيراً، وأظنك لاحظت كيف تصرفتُ معك بجفاء، حتى أُفسد عليه خطته، واهدئ ثورته. صحيح إنني ارتبكتُ، فلم تخطر لي فكرة تكذيبه، إلاّ أن سلوكي العفوي نجح، وجاءت النتائج آمنةً. إن الاحترام الذي يكنّونه لك هو الذي بدد العاصفة، ومنذ الآن لا يمكن لزوجي أن يشكّ بك، إضافة إلى ذلك، يريد أن نكون معاً في كل وقت، لذلك أستطيع الاختلاء بك هنا، دون أن أخشى اللوم من أحد، كما أسمح لنفسي أن أفتح لك قلباً، لعلّه تسرّع قليلاً في تقبل حبّك.
طرطوف: هذا القول صعب على الفهم يا سيدتي، فمنذ ساعات كنتِ تتحدثين بلهجة أخرى.
إلمير:(تضحك) إذا كنت مغتاظاً من رفضي الأول، فما أجهلك بقلب المرأة! إن خفرنا يجعلنا نرفض دائماً العواطف الرقيقة، حين تُقال لنا للمرة الأولى، اضافة إلى ذلك ...نحن نجد بعض الخجل في الاعتراف بحبّنا، ترانا نأبى ونتمنع في الظاهر، لكننا نُشعر، في الداخل، إن قلبنا يستجيبُ. لا شكّ أنني أُدلي إليك باعتراف جريء، من غير أن أرعى مقتضيات العفة، لكن...بما أن الكلمة أفلتت مني أخيراً، فأرجو أن تخبرني: هل كنتُ أُصغي بكل رفق إلى حديثك لو لم أكن أهواك؟، هل كنتُ أتلقى الأمر بمثل الهدوء الذي رأيتَ، إذا لم يكن في اعترافك ما يسرني؟ ثم، لماذا تراني أرفض زواجك من ماريان؟، ألا يعني لك هذا إنني أرفض أن تشاركني امرأة أخرى قلباً...أريده لي وحدي!
[يذهب ويلقي نظرة خارج الباب ثم يغلقه]
طرطوف: إن سماع هذه الكلمات يا سيدتي من فم حبيب، هو لذّة عظيمة. إنني أشعر بكلماتك تجري في حواسي، مثل جرعات كبيرة من العذوبة لم يتذوقها إنسان قط. إن السعادة المنبثقة من رضاك هي كل ما أُنشد، وقلبي هذا يلتمس فرحته العظيمة في تلبية رغباتك. لكن، أرجو أن تزيلي بعض الشكوك المتبقية في نفسي، حتى لا أرفض، نهائياً، الزواج الذي يريده لي أورغون، وإذا وجب عليّ أن أُعبر بصراحة عما في نفسي، فأنا لن ألجأ إلى كلمات الحبّ والغزل، إلاّ إذا أكدتِ لي عملياً ما تشعرين نحوي من عاطفة ومودة.
إلمير: كيف؟
طرطوف: تعرفين أنني أحنّ وأشتاق حتى الموت إلى مفاتنك، إن رغبتي فيكِ يا سيدتي لا تُقاوم...
إلمير: تريد أن تمضي بهذه السرعة؟، إنني أخشى أن تنزع بهذه الطريقة المتعجلة الغرام من قلبي!
طرطوف: بالعكس، الغرام يترسخ أكثر بالأفعال الحسّية بين الرجل والمرأة.
إلمير: (تسعل لتنبه زوجها) ألا ترى أنني أرهق نفسي حين أقدم لك اعترافاًً عذباً، ألا يكفيك هذا أيضاً؟
طرطوف: سيدتي، إن شوقي لا تُطفئه الكلمات وحدها.
إلمير: اهدأ قليلاً، ألا يمكن أن نحظى برضاك، إلاّ إذا أعطيناك أقصى ما نملك؟
طرطوف: من الصعب أن تطمئن أمانينا، يا حلوتي، إلى مجرد الأقوال. إن الشكوك تمتلكنا بسهولة في حظوظنا السعيدة، فلا نثق بها إلاّ بعد أن نستمتع بها. دعيني ألمس ، ولو من بعيد، هذا الصدر الجميل.
إلمير: (تسعل أكثر) يا إلهيّ
طرطوف: ماذا ؟
إلمير: أرجوك، أفسح لي مجالاً للتنفس، إذ لا يليق أن تأخذ بقسوة بالغة ما تطلبه من الآخرين، أو تسيء إلى الضعف الذي تجده في نفوس الناس تجاهك!

[يبدأ السيد أرغون يستمتع بالحديث وما يتخيّله من مداعبات يقوم بها طرطوف لزوجته]
طرطوف: إذا كنتِ تنظرين إلى طاعتي وخضوعي بعين مسامحة، فلِمَ تأبين أن تبرهني لي على ما تقولين؟
إلمير: لكن..كيف أوافق على كل ما تريد من دون أن ألقى غضب السماء، التي كثيراً ما حدثتنا عنها؟
طرطوف: إذا كانت السماء هي التي تمنعك من تحقيق رغباتي، فأنا أستطيع إزاحتها بكل سهولة من طريقنا.
إلمير: لكنكم أدخلتم الرعب في قلوبنا عن أحكام السماء، وتعاليم السماء، وعقاب السماء!
طرطوف: بإمكاني تبديد هذه المخاوف السخيفة عنك. إن السماء تحرِّم علينا بعض المسرات، لكننا دائماً نجد ما يوفق بين رغباتنا وتعاليم السماء، هذا علم لا يعرفه إلاّ الأتقياء. اكشفي لي بعضاً من ذراعك المثير يا حلوتي. يمكنني أن أطلعك على بعض أسرار السماء عندما تسلمين إلي نفسك، لا تفزعي، أنا أضمن لك كل شيء، تخلصي، أرجوك، من هذه الثياب الثقيلة، فمن الظلم أن تحتجب مفاتن جسدك وراءها.
إلمير: (تسعل بقوة، بينما زوجها يدخل حالة كاملة من الاستمتاع) أرجوك..
طرطوف: أنت تسعلين بشدة يا سيدتي!
إلمير: إنني أتعذب..
طرطوف: ذلك إنك تمنعين حواسك من التصرف بكامل حريتها. سوف ترتاحين، وتهدأ شهواتك، حالما يصبح صدرك المثير بين ذراعيَّ، اخلعيها كلها، من فضلك...
إلمير: لا. (تسعل، ثم ترفس زوجها بقدمها ليخرج)

[أورغون يمسك كاحل زوجته، يروح يتلمّسه بشهوة وتتغلب عليه لذة إستمنائية عميقة]
طرطوف: أنا واثق أنني سأرى، إلى الأسفل، أسراركِ الفاتنة، وأجمل تكوينات المرأة الناضجة فيك. لا تخافي بعد الآن، ثقي بأن ما يجري سيُحاط بالكتمان التام، فقط لا تثيري الضوضاء حتى لا ينتبه أحد لنا، لأن ما يجري في السرِّ، ليس معصية.
إلمير: (تسحب قدمها بقوة، تخلصها من يد زوجها وتبتعد) يبدو لي أن لا مفر من القبول، لا بد من تلبية كل ما تريد، سوف أُشبِع كل رغباتك، ولو كارهة، وإذا كان قبولي خطيئة، فالويل لمن دفعني إليها، ومهما يكن، لا يجوز اعتباري مذنبة.
طرطوف: لا تهتمي، أنا أتحمل كل الذنوب.
إلمير: افتح الباب قليلاً، وتأكد من أن زوجي ليس في الرواق.
طرطوف: ما حاجتك إلى كل هذا التحفظ، بيني وبينك... زوجك رجل نقوده من لحيته كما نشاء، لقد أوصلته إلى درجة يرى فيها كل شيء، من دون أن يصدق أي شيء.
إلمير: مع ذلك، أخرج لحظة، أرجوك، وأنظر بدقة في بقية البيت، لا أريد فضيحة.
طرطوف: (وهو يخرج) كما تحبّين.
إلمير: (إلى زوجها) ألا تخرج الآن ؟ بحّ صوتي من السعال، لِمَ لا تتحرك!
أورغون : (يخرج مرتبكاً) في الحقيقة..لا يمكنني أن أصدق.
إلمير: ماذا تريد أكثر حتى تصدق، أن أتعرى بين أحظانه؟
أورغون:(في غموض) ماذا ؟ أوووه، لا، أعني نعم، لا، أردتُ القول لا تفعلي. ماذا حدث لي..إنني مضطرب!

[تُسمع خطوات طرطوف]
إلمير: إنك تدهشني. تعال اختبيء ورائي، لقد عاد، وسوف ترى المزيد.

[ يدخل طرطوف ]
طرطوف: كل شيء يا سيدتي يشارك في إسعادي. لقد تأكدت إن الجميع في غرفهم، إنني في غاية السعادة. (يفتح لها ذراعيه) تعالي، بسرعة، إلى أحضاني...(يشاهد أورغون) آه..مَنْ؟
أورغون: مهلاً، لقد بالغت في الانقياد لهواك، وما كان عليك أن تطلق العنان لغرامك. كنتَ تخدعني إذن..أيها الرجل التقي، تريد أن تتزوج ابنتي، وفي نفس الوقت تطمع في امرأتي؟
إلمير: (رداً على نظرة طرطوف) نعم، قمتُ بهذا خلافاً لطبيعتي، لأنني مضطرة إلى تأكيد كلامي عنك.
طرطوف: عجباً، أتصدقها...يا أخي!
أورغون: هيا، من دون ضجة، أرجوك أخرجْ من بيتي.
طرطوف: أعني...
أورغون: لا مجال للمزيد من الكلام. عليك أن تترك البيت حالاً.
طرطوف: أنا؟ لا، لن أغادر البيت، عليك أنت أن تغادره. البيت بيتي، وسأثبت ذلك، سترى أنه من العبث أن تلجأ إلى هذه الحيل الدنيئة لتفتعل مخاصمتي. لدي ما أخزي به الخداع وأقتص منه، عندي ما أنتقم به للسماء التي تُغضبها بألاعيبك هذه. البيت بيتي، وعليك أن تخرج منه عندما أطلب منك ذلك.(يخرج)
إلمير: ماذا يعني بهذا الكلام؟ بيته!
أورغون: الحقيقة، أنا في حيرة واضطراب.
إلمير: لماذا ؟
أورغون: ارتكبتُ خطأ جسيماً يا إلمير، تنازلت له عن أموالي وأملاكي.
إلمير: ماذا ...، هل يمكن لإنسان عاقل أن يفعل هذا؟
أورغون: لم أكن عاقلاً، أعترف لك، كنت أحمق، كنت أعتقد إن وضع أملاكي وأموالي بين يديه، سيجلب ليَّ فوائد كبيرة.
إلمير: أية فوائد كنتَ تنتظر من دجال؟
أورغون: لم أسأل حتى، لم أفهم بوضوح، كان يحدثني عن فوائد من كل الأنواع، فوائد في الدنيا، ومثلها في الآخرة. اسمعي، هناك شيء يقلقني أكثر من الأموال.
إلمير: يا إلهي، ماذا أيضاً؟
أورغون: في لحظة وجدانية غبية، أودعت لديه وثائق مهمة، إذا استعملها ضدي أفقد رأسي، بعد أن فقدت أموالي.
إلمير: لم أكن أعلم، هذا المحتال كان أقرب إليك مني!
أورغون: ليس الآن وقت الغضب، إن محنتي كبيرة.
إلمير: ماذا وراء هذه الوثائق؟
أورغون: آه، أي بليد كنتُ! الوثائق تتعلق بشخص كانت الدولة تتهمة بالعمل ضدها، آويته في أحد بيوتي فترة من الزمن، قبل أن يهرب إلى الخارج.
إلمير: كل هذه الحقائق كشفتها لطرطوف؟
أورغون: وسلمته الوثائق أيضاً، لأنني اعتقدتها ستكون في أمان معه. الشخص المطلوب مات في الخارج قبل أن يثبت براءته.
إلمير: لم تُبقِ شيئاً من أسرارك خارج يد طرطوف !
أورغون: ليس هذا وقتاً للّوم، الحادث جرى قبل زمن طويل، علينا أن نعثر على الوثائق، قبل أن يتذكر طرطوف أمرها.

المنظر الثالث:
[يدخل أورغون]
أورغون: (ينادي) طرطوف، أين أنت؟ يبدو أنه خرج. آه، إذا أخذ الوثائق معه رحتُ في داهية. (يفتش عن الوثائق ثم يتهالك على كرسي). كانت حماقة مني، استهتاراً، غباءً لا شبيه له، والجميع يريدون أن أقول هذا، أكرره أمامهم عشرات ومئات المرات، لكي يستمتعوا باعترافي، لكنهم لا يهتمون بالألم الذي يأكلني، ولا الندم الذي يعضّ قلبي بلا رحمة، أو الخوف الذي يرعد الآن في الداخل. خسرت أموالي، وابني، ابنتي، وزوجتي لم تعد تثق بي، قد تهجرني هي أيضاً، أو تعاملني كإنسان أبله إذا بقيتْ معي. لكنهم على حق، لو كنتُ ذكياً، لو كنتُ أملك القليل من الوعي، لما تعرضت للخداع. يا إلهي، كيف أعرف إن رجلاً يتكلم طوال النهار عن الأيمان والتقوى، يحمل قلباً وسخاً، جشعاً، فاجراً؟؟ لا. كان يجب أن أفهم، كان عليّ أن أنظر إليه نظرتي إلى أي إنسان آخر، أي إنسان آخر يشتهي ويطمع ويكذب. الخطأ كان فيّ أنا، إنه أنا من يقع بسرعة في الخداع، الضعف كان فيّ أنا، وإلا كيف أُصدق كل ما يقوله شخص غريب، فقط لأنه يرتدي ثياب الدين؟

المنظر الرابع:
[تدخل دورين]
دورين: تُرى، أين ذهب سيدي المسكين! بحثت عنه في جميع الغرف.

[تدخل برنيل]
برنيل : آه. من أنت، إلمير؟
دورين: لا، أنا دورين.
برنيل: دورين! ظننتك زوجة ابني. تعالي، سمعت أخباراً مخيفة، وأحداثاً لا تُصدق جرت هنا.
دورين: هذا صحيح.
برنيل: إذن كانوا يخفونها عني!
دورين: خوفاً على سلامتك يا سيدتي، لأن المفاجآت فيها إذا وقعت على الحمار..لقصمتْ ظهره.
برنيل: هاتِ خبريني، ومن دون لف ودوران، رجاءً.
دورين: إذا كنتِ تصرين. لقد كافأ طرطوف البيت، وسيد البيت مكافأة عظيمة.
برنيل: كنتُ أتوقع منه الخير، والعمل الطيب.
دورين: فعلاً. لقد استولى على أملاك ابنك، وطلب منه، ومن عائلته، أن يُخلوا البيت غدا.
برنيل: ماذا تقولين؟
دورين : وطلب من الشرطة أن يفعلوا ذلك، إذا تأخرنا ساعة واحدة.
برنيل: أنت تهذين بلا شكّ.
دورين: ليس هذا فحسب، فقد ترك داميس البيت، ورحلت ماريان لا يعلم إلاّ الله إلى أين، تشردوا من أجل عينيّ السيد طرطوف.
برنيل: لن أصدق كلمة مما تقولين.
دورين: أعرف، لكنك ستصدقين، عندما تحضر الشرطة غداً، وتطلب منك، أنت أيضاً، أن تبحثي عن مكان آخر يؤويك.
برنيل: الرجال الأخيار لا يفعلون أموراً كهذه، أنتم تحسدون السيد طرطوف بسبب طُهرِه، ونقائه.
دورين: ربّما.
برنيل: أنتم تعيشون حياةً غريبة، وتكرهونه لأنه يعمل من أجل خلاص نفوسكم.
دورين: لكن ما علاقة هذا بما أُخبركِ به، وما سمعتِ عنه أنت بنفسك؟
برنيل: لأن الأتقياء دائماً معرضون للظنون الخاطئة.
دورين: سوف أفقد القليل الذي تبقى من عقلي..! [تخرج برنيل]. الأفضل أن أبحث عن الأحياء. (تعثر على أورغون جالساً في زاوية) آه يا سيدي، خلعت قلبي من الخوف. ماذا تفعل في هذا المكان المعتم؟
أورغون: اتركوني لوحدي.
دورين: سيدتي قلقة عليك.
أورغون: من حقها أن تطلب معاقبتي، ليس القلق عليّ. جلبتُ لها الألم والأحزان بسبب غبائي.
دورين: أقول لك الحقيقة يا سيدي، إنها تفكر في صحتك، وسلامتك، رغم كل ما فعلتَهُ.
أورغون: أعرف، أنا الوحيد الذي كان يبحث عن خلاصه الشخصي، و...ليس من الله مباشرة، إنّما من خلال السماسرة.
دورين: يمكنك أن تفعل شيئاً ما ضد هذا النصاب يا سيدي، أليس كذلك؟
أورغون: كيف..؟ دورين : إني أسأل فحسب.
أورغون: آه، اليأس أيضاً عقاب رهيب. كان خطأي، وليس خطأ طرطوف، أنا طرطوف، عنادي، وبلادة تفكيري، وغفلتي هي السبب..نعم أنا طرطوف، طرطوف أنا...
دورين: يا إلهي، سيدي يهذي..! (تنتبه الى طرق بعيد على الباب الخارجي) ما هذا الطرق اللجوج؟ أذهب لأرى.

[يُسمع الحوار التالي من بعيد]
لوبال: نهارك سعيد أيتها الأخت، أرجو أن تأذني لي بمخاطبة سيدك.
دورين: سيدي في اجتماع عائلي، وأشكّ أنه يستطيع رؤية أحد.
لوبال: ليس بودي أن أثقل عليكم، إلاّ أنني جئتُ في أمر مهم.
دورين: ما اسمك؟
لوبال: قولي له إنني هنا من أجل مصلحته، وقد جئت من قبل السيد طرطوف.

[تدخل دورين]
دورين: هذا رجل يقول في لطف، إن السيد طرطوف أوفده في أمر يَسرُكِ.
أورغون: طرطوف ! ربّما جاء ليصلح بيننا. (ينهض) أدخليه.

[تخرج ثم تعود بالسيد لوبال]
لوبال: إني أحمل الاحترام لك يا سيدي، ولأسرتك، أنا هنا أؤدي واجبي، دون تحيّز لهذا الطرف أو ذاك.
أورغون: عفواً، يؤسفني أنني لم أتعرف عليك بعد.
لوبال: اسمي لوبال، وظيفتي مأمور حجز من قبل الدولة، أتيت يا سيدي أُبلغك، بكل احترام، خلاصة حكم صدر ضدك.
أورغون: إذن أنت هنا..
لوبال:لا داعي للغضب يا سيدي، ما هو إلاّ إنذار رسمي، إنه أمر بإخلاء المكان، منك ومن ذويك. (يقدم له الأمر مكتوباً)
أورغون: (يعود إلى حزنه) أنا، أخرج من هنا؟
لوبال: نعم يا سيدي، البيت الآن، كما تعلم، يخص السيد طرطوف بلا جدال، ويريده غداً صباحا فارغاً مما فيه من البشر، بموجب صك أحمل نسخة منه أيضاً في حقيبتي.
أورغون : أية وقاحة!
لوبال: أفهم موقفك يا سيدي، لكن الواجب هو الذي جاء بي إلى هنا. يوجد أمر آخر، إذا سمحت (يمدّ إليه أمراً آخر) يدعوني إلى قضاء الليل هنا، لأتأكد غداً صباحاً من الإخلاء وتسليم مفاتيح البيت إلى مالكه الرسمي.
أورغون: هاتْ، هاتْ كل ما لديك من أوراق، ولننتهِ بسرعة.

[يدخل طرطوف مثل العاصفة]
طرطوف: لم ننتهِ بعد يا صديقي، الأمر الجديد سيحرمك أية فرصة، إذا فكرتَ في التحايل على القوانين. الشرطة تحاصر البيت، ومعها أمرٌ بإلقاء القبض عليك. أنت سجين بجريمة التآمر على سلامة الدولة.

[دورين تخرج مسرعة للتأكد مما يقول]
أورغون : أيها الخائن، كنتَ تدّخر لي سهمك الأخير إذن؟ أيها الشرير، أي روح غادرة تتحكم بأخلاقك؟
طرطوف: لن تستفزني بشتائمك، فقد تعلمتُ كيف أتحمّل كل شيء ...في سبيل الله.

[تعود دورين، تؤكد لسيدها بحركة من رأسها عن وجود الشرطة]
أورغون: ليست الخسارات ما يعذبني في هذه اللحظة، إنّما رؤية الانحطاط الذي جررت الدين إليه، بسبب طموحك الشخصي!
دورين: أيها الجاحد ، كنت تستمتع بالعطالة، وتأكل من هبات وصحون هذا البيت، ألا تخجل مما تفعل؟
طرطوف: إن واجبي المقدس تجاه الدولة، أكبر من واجب الاعتراف بالجميل، ومنذ الآن لن تفتحي فمك بأي كلمة، أنا السيد هنا.
لوبال: أيها السادة، الشجار ليس من مصلحة أحد، دعونا ننفذ واجباتنا في سلام وننتهي.
طرطوف: هذا ما أريده، بكل إخلاص.
دورين: يا إلهي، اسمعوا كيف يتكلم، وهذه المذبحة من صنع يديه!
أورغون: اهدئي يا ابنتي، لم يعد الكلام مجدياً،
دورين: (متأثرة) أول مرة أسمع منك كلاماً حنوناً، وسليماً.
أورغون: عليّ أن أودع ما تبقى من عائلتي، قبل الذهاب إلى السجن.
دورين: (تبكي) لكنني أريد...لو سمحت يا سيدي، أن أقول كلمة واحدة، وأخيرة، للسيد طرطوف، قبل أن يتفرق شملنا (وهي تقترب من طرطوف بينما يبتعد عنها بحذر) كلمة لن أقولها بلساني، أُقسم على ذلك...
(يتعثر طرطوف فيسقط على الأرض، تهجم عليه وتُطبق أسنانها على مؤخرته).

المنظر الأخير:

[طرطوف لوحده]
طرطوف: (يمسح بطرف يده، وبحرص، بعض الغبار من على الطاولة، ثم يقف وسط الغرفة) الآن يجب أن أصلي من أجل نفوسهم، حتى تغفر السماء خطاياهم. [يصلّي بخشوع، ثم يخرج في وقار]

انتهت





[/b]