تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

في ذات يوم مشمس / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, أغسطس 28, 2012, 05:43:17 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

في ذات يوم مشمس / شمعون كوسا




   
   شمعون كوسا

برطلي . نت / بريد الموقع

في بلد لم يفلح يوما في إقناع الشمس على الظهور دون انقطاع ولو لعشرة ايام متتالية  ، اشرقت الشمس ذات يوم على غير موعد ، فتهيأ الناس للخروج في نزهات بين الحدائق والاشجار وعلى شواطئ البحيرات .

جمعتني ظهيرة ذاك اليوم في جلسة على الفضاء مع لفيف من المعارف والاصدقاء والاقارب وبعض الاغراب .

في مثل هذه النزهات ، حيث للكأس الدور الاساسي في جمع شمل الناس ، تسمح الخمور لنفسها الانتقال بين الموائد لتسقي بسخاء كل من يبحث عن القليل من الفرح ، تيمّنا بمزمور داود النبي القائل : القليل من الخمر يفرح  قلب الانسان ، او استجابة لقول احد الاجداد واسمه مام شابونا ، والعهدة عليه ، حيث كان يقول ،  : من لا يشرب لا يبصر وجه الله !!!

في هذه الجلسات تنفك عقدة اللسان ، وبعد احتساء الكأس الاول من الخمر ، يتحول الموقف الى مسرح او منبر حر يتيح للجميع الادلاء بآرائهم . كان الجميع يحاولون تجاذب أطراف الحديث في آن واحد ، فكان كل واحد يجذب الحديث من طرفه غير آبه إذا كان ذلك سيؤدي الى تمزق الحديث أم لا . دار أول حديث بانتظام دائري كامل ،  وبعد ذلك تحول الى ما يشبه النابض لانه كان يقفز من الاول الى الثالث ومن الخامس الى السابع ، وفي الاخير إختار نصف القطر مسلكا لايجاد مساحة شاسعة تغطي الجلسة الدائرية كاملة ، دون الحاجة الى نسبة ثابتة !!

في حديث كانت تقوده النساء ، دار الكلام عن الملابس النسائية ، فقالت إحداهن :
- هل رأيتم تقليعة هذه السنة في تنانير تتبارى في قصرها ؟
- نعم رأينا ولكن هذا النوع من الملبس لا يليق بنا.
- ولماذا لا يليق بنا ، هل إن من يرتدونه هم افضل أو اشرف منا ؟
- لسنا اقل مرتبة او شرفا من الناس ،  غير ان هؤلاء بلغوا هذه المرحلة تدريجيا وارتداؤهم لهذا النوع من الملبس هو منطقي وطبيعي جدا ، اما نحن فاننا قدمنا من بيئة لا تقبل بهذه القفزة المفاجئة .

- إنكِ متخلّفة في افكاركِ ولا اعرف لماذا استلمتِ الحديث . لقد تغيرت الدنيا ونحن الان في عالم حرّ ، يجب علينا نبذ العادات القديمة والتوجه الى كل ما هو عصري وجديد.

احتدم النقاش حول التنانير ، وتحول الى فساتين العرس والسهرة وانصاف البناطيل  وانتهي بلباس البحر . قبل ان يتحول النقاش الى موضوع السياسة ، تدخل الرجال لانهم كانوا قد تأخروافي بث برنامجهم الخاص ، فبدأ أحدهم قائلا :

- ألم تلاحظوا بان التأشيرات تُمنح بسهولة للقادمين من منطقتنا ؟ فالامر الذي كان شبه مستحيل في الماضي اضحى اليوم ممكنا وسهل المنال .

- لا اعتقد بان من حصلوا على التأشيرة ، يتّبعون طرقا قانونية ، لاني سمعت عن شخص كان قد استجاب لكافة الشروط المطلوبة وزوّد السفارة بكافة الاوراق ولم يحصل على نتيجة ايجابية ، وعن شخص آخر ، لا اودّ ذكر اسمه ، صدرت له التأشيرة دون ان يبذل جهدا يذكر .
- انا باعتقتدي ، أمواله الطائلة والتوصيات الناجمة ممن هم مغرمون بامواله ، هي التي لعبت الدور الرئيسي في تبسيط أموره .
- نعم هذا صحيح ، بعض الناس لا يبخلون بالمال في هذا المجال ، ان هؤلاء يحتاجون الى فرَصٍ إضافية لإنفاق اموالهم ، لان ما لديهم من سيولة وعقارات  لا يتأثر  بالوجبات اليومية من الكباب والسمك واللحم المشوي والبرياني أوالسيارات، فكل ورقة مسحوبة من دفاترهم ومجلداتهم يحل محلها يوميا اوراق جديدة .
- على ذكر المأكولات ، سمعت بان هناك الكثيرين ، مِمّن يحاولون تخفيف اوزانهم ، قد اقسموا للخروف والعجل بان يكون فطورهم رأس الحيوان وعشاءهم أرجله .
- لا اعرف هل ان ما يقوله بعضهم مزاح أم انهم فعلا مؤمنون بذلك ،  لاني سمعتهم يقولون : الكوارع مفيدة لتخفيف الوزن ، بالضبط كمن يقول وبقناعة ، بان القهوة مفيدة للقلب أو والعسل يعالج مرض السكري !!
أردت التدخل وقلت : ارجوكم لا تفتحوا بابا سوف لن يجد طريقه للاغلاق . إن كل ساكن في منطقتنا هو معنيّ بمثل هذا الكلام الذي يقود احيانا الى التجريح . إن ما يقال،  بعضه صحيح ولكن القسم الكبير منه ينطوي على مبالغات ، وبعض الحديث عن فلان وفلان يندرج ضمن الاشاعات او الاشتباه .
لم يلقَ كلامي وقعا ايجابيا لدى الحاضرين ، فرايت بعضهم يقلّب شفاهه ، وتجرأ احدهم بتأنيبي مباشرة قائلا : اخي نحن نعرف رأيك في مثل هذه المواضيع ، انت لست على بيّنة من خفايا الامور ، واذا كشفنا لك بعضا منها سوف تصاب بصدمة قوية لانه لم يبق على رأسك ما يكفي من شعيرات لتنتصب ، فالافضل لك ان تحتمي بسكوتك .

اغلقت فمي وانسحبت قليلا . وفي حضوري السلبي سمعتهم وقد انصرفوا الى تحليل اوضاع الساعة . كان الحديث قد تعرض الى تمزّق من بعض اطرافه عندما باشروا بالفقرة الخاصة بالطرائف والنكات . كان دويّ قهقهاتهم يبلغ اسماع الكثيرين مّمن يجاورونهم والذين كانوا في غنى عن سماع مثل هذا النوع من الاحاديث . كانت تدور النكات ، وبموجب روح العصر وبرعاية ما تتناقله الحواسيب وتحت اشرافها ، كانت تدور حول الجنس ومشتقاته . كان يبدأ الراوي بتناول بطله او بطلته ويبدأ بنرع ثيابهما قطعة قطعة الى أن يصل الى ورقة التوث ، فيبدأ الضحك الممزوج بالصفير والتصفيق . بعد هذا بات حديثهم ينتقل من المديح الى الهجاء ومن الانتقاد الى التأييد ومن السياسة الى الرياضة ، أعني من الديك الى الحمار كما يقول الفرنسيون ، ولكنه في كافة فصوله لم يرتفع قيد أنملة عن سطح الارض ، كلام لم يتعمّق  ولم يحاول بان يسمو ولو قليلا .
كان النهار قد اوشك على النهاية . كنت اتطلع الى الشمس وهي في دقائقها الاخيرة قبل الغروب ، تخيلتها وهي تتوجه إليّ بالكلام قائلة : لماذا لا يلتفت أصحابك الى منظر غروب لا يتكرر يوميا ، أن السماء صافية وقد رجوت الغيوم منذ الصباح ألاّ تعكر صفو الجو . سوف أغيب بعد قليل ، وإذا رغب أصحابك سوف أرجئ المغيب الى بعض دقائق اضافية لاتيح لهم التمتع  بمنظر الغروب البديع ، فقلت لها عبثا تفعلين لان  جماعتي منصبّون على لعبهم ولهوهم وحديثهم واكلهم ، والكثيرون منهم قد فقدوا كل احساس بجمال الطبيعة .

وفي سلسة خيالاتي ، تصورت احد اصدقائي البلابل يقول لي : انا اغرّد منذ ساعة ونصف  ولم ألحظ أذنا صاغية واحدة ممّن تجالسهم ، هل قد ملّ الناس من سماع اللحن الاصيل الذي كان يحرك جوارح الناس ، فاجبته : كنتُ اسمعك منذ البداية ولكنه وللاسف الشديد اضحى الكثيرون يرون في البلبل عصفورا عاديا ، وانهم يقولون بانه ليس لديهم الوقت الكافي لاضاعته في رؤية الاشجار وسماع العصافير .
وتخيلتُ شاعرا مشهورا يتوجه اليهم وفي يده ورقة يعتز بها لانها تضمّ اشعارا بديعة في نظمها ومعناها. كان يتوقع الشاعر ترحيبا حارا ولكنه لم يجد احدا يبادر لاستقباله ، واستمر الجميع بحديثهم وباصواتهم العالية والمتنافرة ، وبلغت الوقاحة باحدهم كي يقول له : اخي لقد قدمتَ الينا في وقت غير مناسب ، سوف نسمعك في يوم آخر . نظر إليّ الشاعر وهو منكسر الفؤاد وقال : هل فقدت الناس أرواحها ، الا تحتاج الارواح الى السمو والانتعاش الداخلي ؟ قلت له ان ارواحهم قد تخشبت ، وبالاضافة الى ذلك ، فان مخاطبة الروح تقودهم الى بواطنهم وهذا سيقودهم الى مزيد من الاحساس ويقضة الضمير ، والضمير يقود الى التبكيت وهذا آخر ما يبحثون عنه ، لا سيما وأن اسباب التبكيت في ازدياد مطّرد .
واضفتُ قائلا : ان العالم الجديد لم يعد يؤمن الا بالطين والاسمنت والحديد والمال والمكاسب الخاصة والاكل والملبس ، وبمفهومهم كل ما زاد عن ذلك فهو من الشيثطان !!  لم يغادر الشاعر قبل ان يلقى عليّ قصيدته التي سحرتني بما فيها من معان واوزان ، قصيدة حملتني عاليا وجعلتني في نشوة روحية حركت في نفسي اوتار مقام السيكا الذي اختار لي ثلاثة ابيات تغنيّتُ بها . صمتَ كل من كانوا يحيطون بي ، غير اني لم اكن أرى غير الشمس التي كانت في آخر خيوطها والبلبل الذي اطربني ، وايضا الشاعر الذي اسمعني قصيدة تطفي نار كل متعطش الى سحر الطبيعة وجمالها .
قبل ان ينصرف الشاعر قال لي : أليس لهؤلاء ساسة ام مرشدين يوجهونهم ، أجبته وما هذا السؤال الغريب ، ألستَ تعرف مثلي بان الطامة الكبرى في ساسستهم لانهم غارقون لانوفهم في الفساد ، وأما عن مرشديهم ، لا اودّ التحدث عنهم لاني قد تناولتهم في السابق واني على يقين بانهم لا يحتفظون لي في نفوسهم بأيّة مودة ، ولكني ساكتفي باعادة ما قد ذكرتُه لكَ قبل الان  وهو ، ان اغلبية مرشديهم يقومون بواجباتهم ، غير ان القلب غائب عمّا تقوله شفاههم . إذا قام هؤلاء بارشادهم بروح صادقة وقناعة تامة سيناقضون انفسهم لانهم يسبحون في نفس البُرَكِ ويتّئِكون على نفس الارائك. لقد ملّ الكثيرون منهم من التمسك بالغيبيات فتشبّثوا بما هو ملموس من مأكل ومشرب ومكسب ، فمنهم من يتربص الحصول على ارض جديدة ، ومنهم من يهتم ببيع احدى عقاراته ، ومنهم من يتقاضي ايجاراته وهو فاغر فاه ،  ومنهم من يكتفي بالسفر أوالاكل والشرب ، والحديث يطول ،

غير اني بحاجة الى ختام ، والا سيقودني خيالي الى خطوط قانية الاحمرار. فليكن إذن ختامي بالتأكيد التالي : ان ما رويته أعلاه لايتعلق بمكان معين ولا يوم معين ولا جماعته معينة ، فعبثا يحاول البعض ربط الامور . انه نسيج خيال بسيط جدا ، عثر على خيوطه الاساسية في سوق إسمه واقع الحياة .








Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة