التخاطر والاستشعار عن بعد / سيمون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 08, 2012, 10:04:02 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

التخاطر والاستشعار عن بعد


   

شمعون كوسا

يمرّ المرء أحيانا بفترات يجد فيها صعوبة كبيرة في بحثه عن نظرة شاعرية او إلتفاتة رقيقة من الطبيعة . فاذا استنجد بالشمس مثلا في مثل هذه الحالات لا يجد فيها غير كتلة حارقة ، واذا انتظر خروج القمر فانه لا يبصر غير قرص كبير يطل على الارض بنظرات بلهاء،  واذا التفت الى ما حوله يرى نفسه محاطا بطيور قد ملت الزقزقة  واشجار دون حراك تنتظر دون جدوى نسيما يحرك اوراقها ويحييها . خلاصة القول انها حالة يفشل فيها الخيال في ازالة القشور والنفوذ الى بواطن الامور.
أنا على يقين بان بعض من تعوّدوا على قراءتي سيقولون : ولماذا يبدأ صاحبنا مشواره من قعر الوادي متوجها الينا بهذه الاساليب والطرق المتعرجة والملتوية ، وما حاجته لهذه المسافة البعيدة ، في الوقت الذي كان بمقدوره توفيرالوقت على نفسه وعلينا ايضا بالاعتراف مباشرة بانه لم يعثر على موضوع جديد ؟
فعلا كنت في هذه الحالة ، فوجدت نفسي امام احتمالين : إمّا تناول احد مقالاتي السابقة واخراجها بثوب جديد ، او القيام بجمع فقرات من هنا وهناك ، واقتباس أسطر وعبارات من بعض مقالاتي السابقة ، بالضبط كما يفعل محترفو الطرب في ايامنا هذه . فان  شحّة نغمات اصيلة جديدة تحرك اعماق النفوس ، تقودهم الى اعادة النظر بالدفاتر القديمة لاخراج اغنية  كانت تطرب له الناس فعلا  ، وبعضهم يعمد صراحة الى سرقة نغمة من هنا ونبرة من هناك ومقطعا من هنا ولحنا من هناك للحصول على لحن هجين ، يكون فيه جمال الموسيقى واللحن وحتى جدّية الكلمات من اواخر همومهم،  فيخرجون بلحن غريب يضع ايقاعا يتناسب وصخبَ الحفلات ، وبعض هؤلاء لايتورعون عن سرقة نغمات جميلة ، من اللون التركي وحتى الهندي .

وبينما كنت افاوض نفسي في الاختيار بين هذين الامرين ، أعني تناول القديم او الحصول على الجديد عن طريق سرقة فقرات من هذا المقال وذاك ، سمعت رنينا طويلا صادرا من اذني . كان الصوت اشبه بالصفير الطويل الذي يعلن نهاية الانذار . نداء الاذن هذا قطع خيط افكاري ، فحملت نفسي وعدت الى البيت .
عندما دخلت البيت حدّثت زوجتي عن رنين الاذن غير المألوف وسألتها اذا كانت قد سمعت شيئا لاني تذكرت أقاويل الاولين عن مغزى مثل هذه الاصوات ؟ فنظرت اليّ بحزن وقالت : نعم لقد انبأوني بانطفاء شمعة والدك .  آلمني النبأ ولكن ليس كالنبأ الذي يعلن وفاة شخص شاب . شمعة والدي كان متقدة منذ سبع وتسعين سنة وكانت في ايامها الاخيرة في انتظار نفخة طفل رضيع لتنطفئ وتسلم الراية .

بالرغم من عدم ايماني بمثل هذه الامور ، أتساءل جديا عمّا جعل نداء الاذن يتزامن مع نبأ الوفاة . هل هناك انباء يتولى الاثير ابلاغها  لأشخاص معينين في حالات معينة ؟ لقد سمعت الكثيرين يتحدثون عن مثل هذه الحالات حيث تكون العين التي ترفّ والاذن التي ترن اجهزة مكلفة بايصال الانباء. باعتقادي هناك ظواهر من هذا النوع لا نجد لها تفسيرا .
لا شك في ان كل شئ خاضع لنظرية العلة والمعلول ، ولكنه هناك عمليات لا نفقها اذا اكتفينا بالاعتماد على هذه النظرية . أتذكر قول احد الاباء الدومنيكان ، وهو المؤرخ الكبير،الاب حنا فييّه ،   الذي روى لنا مرة بانه في استعراضه لبعض مهمات كان عليه القيام بها في احد الايام في الستينات ، قرأ ورقته اعماله بصوت خافت ومن ضمن ما قاله كان : (سازورك اليوم يا متي) . وكان متي من احد اصدقائه . قال الاب حنا فييه بان صديقه متي كان قد سمع الكلام الخافت ، وعرف بنية الاب فييه لزيارته !!!!
كل هذا يدعوني للقول بانه هناك حالات تخرج عن المألوف . قد تكون هناك طاقات غريبة لدى فلان لا تتوفر لدى عامة الناس . قد يكون لدى بعض الاشخاص عقلا يصدر موجات او ذبذبات يمكن لشخص عزيز استقبالها ، شخص له قابلية استلام مثل هذا النوع من الرسائل !!

الحياة مليئة بالصدف ، وهذا لا جدال فيه ، ولكن ما هي هذه الصدف الغريبة التي يحس فيها الانسان بحدوث شئ داخلي ، يرى فيه بعض اصدقائه مجرد احتمال او ربما توهما ولكن الشخص المعني يستمر في قناعته ويلحّ على احساسه هذا ، فيكون في النهاية هو المحق ؟
ألا يقال بان القلوب سواقي ؟ وهل قال الناس جزافا : إن  قلبهم دليلهم ؟ كم والدة شعرت بما آل اليه مصير ابنها في الجبهة ، وبالرغم من كافة المظاهر المناقضة لما احسّت به  ، تتحدى كافة الادلة والقرائن والاحداث لان قلبها نطق وقال لها غير ذلك، وفي الاخير يعود اليها المحللون هؤلاء للاعتراف بفشلهم .

أن التخاطر موجود في حياة الانسان ، وفي بعض حالاته يتعدى حدود فهمنا ويندرج ضمن الامور الخارقة . فاذا كان العلم قد توصل الى ايجاد طرق اتصال عبر الاثير ودون اسلاك ، لماذا لا يستطيع الانسان ، الذي ليس مجرد جسد ، التخاطر والتخاطب والاستشعار ،  ألا يشعر التوأم مثلا بنصفه الاخر مهما كان بعيدا ؟

انها مجرد افكار ، وانا على يقين باننا كلنا لدينا حالات غريبة مماثلة عن هذا الموضوع . قصص تخصنا وتخص اصدقاءنا ،  واخرى نسمعها من الناس .
وبما اني في صدد التحدث عن تزامن الاحداث وغرابتها ، بودّي سرد قصة اخرى ، لا اعرف اذا كانت تندرج تماما ضمن موضوع التخاطر او الاستشعار ، ولكن تزامن احداثها يدعو للدهشة .  ففي صباح احد ايام الله في الثمانينات وفي مدينة بغداد ، كنت في طريقي الى العمل ، وقبل وصولي الى الدائرة رأيت شخصا يسير امامي أثار اهتمامي كثيرا لانه يشبه تماما ، شخصا كنت قد تعرفت عليه في مدينة كركوك . قلت في نفسي ما الذي اتي بـ (السيد كولو) الى بغداد بعد هذه المدة الطويلة . غذّيت السير لكي الحق به واسلم عليه قبل الدخول الى الدائرة ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما رأيت  باني توهّمت في توقعي ، لاني وقعت على شخص آخر . الغريب في الموضوع هو انه في نفس النهار وعند الساعة الثانية عشرة ، دخل الى السفارة الشخص الحقيقي الذي توهمته . دخل مسيو كولو الى الدائرة .
لقد رويت هذا الحادث الغريب لمئات المرات ولا زلت لحد الان مندهشا لهذا التزامن . ماذا دعا هذا الرجل للقدوم الى بغداد بعد هذه الفترة الطويلة وفي نفس اليوم الذي توهمت بشخص يشبهه تماما ؟

ان موضوع التخاطر والاستشعار موضوع واسع ومتشعب وقد ينجرف الى عالم الاحلام والتنبؤ بالمستقبل وحتى الهلوسات وغيرها ولكنه باعتقادي هناك حالات موضوعية بريئة تنسب الى شعور الانسان الداخلي او الى انسجام بعض الارواح وتفاهمها فيما ببينها في بعض الحالات .
لست اختصاصيا غير اني تناولت الموضوع لمجرد صفير احسست به في اذني . لقد تطرقت اليه ولم أشأ الاسترسال فيه ، ولا اعرف هل يمكنني ادراجه في عداد المقالات ، ام اعتبره مجرد سرد لنداء الاذن ؟

ماهر سعيد متي

الباراسايكولوجي علم قائم بذاته .. ويتفرع عنه عدة فروع منها التخاطر والأستشعار عن بعد والتنبؤ وسوى لك ..
شكرا لك على المقال المشوق .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

salemsallow

مقالة السيد شمعون كوسا، الجميلة البسيطة الصادقة، ذكرتني بالأيام الخوالي، التي كنت فيها مغرما بالباراسايكولوجي، وبعد التخمر الجيد، وجدت نفسي واقعيا جدا وأحمل معي دائما (مسطرة).
التراث الشعبي يقول بأن الشخص الذي تطن اذنه اليمنى، يوجد هناك من يذكره بالخير، أما اذا طنت اليسرى، فانه يذكر بالسوء. في الحقيقة هناك ظواهر كثيرة متهمة بأنها تحصل في حالة وفاة شخص، كأن تسقط ساعة الحائط مثلا. المشكلة الكبيرة عند الانسان (المتعلق بالعلم) هي انه يتمنى أن تحصل مثل هذه الظواهر (ليطمئن) الى أن هناك أرواح وقوى غير منظورة وحياة ما بعد الموت. أحيانا يتهلوس الشخص ابتغاءً لإقناع نفسه بها، ولكن الواقع (المادي-الفيزيائي) شيء آخر، فنحن لا نستطيع أن نثبت عدم وجود ظواهر خارقة للمألوف، كما لا نستطيع أيضا اثبات وجودها. في الأزمنة القديمة، كان الانسان يؤمن بهذه الحالات اللاطبيعية وذلك بسبب عدم فهمه للطبيعة، فكان عليه أن يفسر ويعطي أسباب (يرتاح اليها) لتطمئن نفسه. قل الايمان بهذه الظواهر في العصر الحديث بسبب قابلية الانسان على تفسير غريب الظواهر، ولكن مع هذا، فان العالم الانساني الحالي مليء بحالات غريبة وخارقة والتي هي بحاجة الى تفسير.
توجد مشاكل كثيرة تعرقل عملية الفهم والتفسير، من بينها المبالغة والكذب والاسترزاق من ادعاء هذه الظواهر او توظيفها في الأفلام السينمائية. سوف يفرض علينا العلم استخدام الرياضيات والاحصاء في تحليل الحدث، مثلا، اننا يوميا نتذكر أصدقاءنا ومعارفنا أثناء المسير والنوم والعمل وغيرها، فاذا تذكرنا 99 شخصا ولم يحصل أن نشاهدهم او نلتقي بهم مباشرة بعد تذكرهم، ولكن شخصا واحدا فقط تذكرناه وصادف أن ظهر فجأة بعد هذا التذكر، فاننا (وبكل بساطة) سوف ننسى التسعة والتسعين ونبوق وننشر ونستغرب لهذا الواحد بالمئة، وطبعا، الكثيرين سوف لن يعجبهم هذا التفسير (لأنه لا يعطيهم الاطمئنان).
نرجع ونقول مرة أخرى: هل نستطيع إثبات حصول هذه الظواهر بالدليل القاطع، وهل نستطيع إنكارها بالدليل القاطع أيضا؟ (كلا) وستبقى هذه (الكلا) قائمة الى ما شاء الله.
سالم بهنام سلو
salemsallow2@gmail.com