مشاكسة .. ســــــياسـة جـــــر الحبــــل/ مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 15, 2012, 09:20:21 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
ســــــياسـة
جـــــر الحبــــل




مال اللـــه فـرج
malalah_faraj@yahoo.com



   اعادتني المعركة السياسية الساخنة لسحب الثقة من الحكومة والتي اصبحت اشبه بلعبة جر الحبل الرياضية بين فريقين متنافسين , رغم بعد بعض أطرافها عن الروح الرياضية , نظرا لسعة وتنوع الاتهامات من جهة , ولخطورة الاسلحة المستخدمة فيها من جهة اخرى , اعادتني هذه الازمة وتداعياتها الى اكثر من نصف قرن الى الوراء , يومها كنا طلابا في المدرسة المنذرية الابتدائية الواقعة في محلة المكاوي في الموصل الحدباء , قريبا من نهر دجلة الخير الذي يوشك ان يجف , وربما سيجف حتما وفق تأكيدات التقارير البرلمانية بعد عقدين من الزمن بفضل سياستنا الوطنية الاقتصادية (الحكيمـــــة) وبفضل (المواقف الانســــانية النبيلـــــــة) لبعض الاشقاء والاصدقاء في محيطنا الاقليمي الذين يحاولون تأكيد مشاعرهم (الانسانيـــــة النبيلــــة ) تجاهنا بحجبهم وتقليصهم لحصتنا المائية من جهة , بينما يحاول اخرون صرف المليارات لتحويل مسار نهرنا العظيم الى دولة شقيقة اخرى انتصارا للقيم والمبادئ والاهداف (القوميـــــــة) الشريفة , وبهدف ابادة شعبنا بطريقة انسانية حضارية ناعمة بسلاح العطش الرومانسي بدل الاسلحة الهمجية الفتاكة , بينما نحن ما نزال نحتفل بالعرس القومي التأريخي الكبير الخطير الذي نجحنا باقامته رغم انف المزايدين والاعداء المارقين ممثلا باستضافة القمة العربية التي فشلت كالعادة في عبور او على الاقل تجميد الخلافات العربية العربية , متناسين ومكابرين ومتغاضين عن انصال بعض الخناجر العربية (الاصيلــــــة) القصيرة منها والطويلة التي ما تزال تطعننا في الظهر بارادة عربية خدمة للاهداف القومية.
     أعود لاستذكر مسابقة جر الحبل التي نظمها بيننا انذاك معلم الرياضة صباح يوم شتائي قارص , موضحا لنا قبل تلك المباراة الحاسمة  بان تلك  المسابقة ستكون بين الناجحين من جهة وبين الراسبين من جهة اخرى , ولست ادري اية حكمة في ذلك , لكن المفاجأة كانت ان اعضاء فريق الراسبين كانوا طوال القامة وممتلئي الاجساد واصحاب قوة وبأس تفوق فريقنا الذي كان فريق الناجحين والمستضعفين بامتياز , فقد كنا جميعا صغارا وقصار القامة او متوسطيها في احسن الاحوال , وربما كنا نمثل الفقراء والمعدمين , بينما كان الفريق الاخر اشبه بالسياسيين الاغنياء والمسؤولين المترفين .
      قبل بدء تلك المباريات الحاسمة وبينما كان المعلم يستعد لصنع عقدة في وسط الحبل كان اعضاء الفريق  الاخر يتوعدوننا بالفشل والعذاب وينصحوننا بالانسحاب ويهددوننا بهزيمة ساحقة ماحقة , بل ويسخرون منا , حيث تساءل احدهم (متى كان بامكان العصافير هزيمة الاسود ؟).
       بينما كانت الاستعدادات تتواصل  لاعداد ساحة المنازلة , كنا مصرين على الفوز  او الصمود لاطول فترة على الاقل رغم ان  معادلة القوة كانت تميل الى جانبهم محتكمين الى ثقتنا بأنفسنا .
     ولان مفاجأت اللحظات الاخيرة كثيرا ما تقلب كل التوقعات وتعيد ترتيب موازين القوى , وكثيرا ما تخرج المنافس الاول من ساحة الصراع خائبا , فقد كانت عقولنا الصغيرة تعمل بطاقتها القصوى , ومع قناعتنا بالهزيمة لو خضنا تلك المعركة غير المتكافئة باطرها التقليدية , الا اننا ووفق اقتراح اللحظة الاخيرة الذي خرق مخيلتي بقوة وسرعة وعنف وحط في دوامة انفعالاتي في البحث المشروع عن مخرج مشرف من الازمة , لم يبق لنا مجالا  للمناقشة ولا  لخيار اخر , وكانت سرعة الموافقة عليه كسرعة موافقة البرلمان على قانون تقاعد البرلمانيين وعلى تخصيص قطع اراض سكنية مميزة لهم على ضفاف دجلة وعلى منحهم وعوائلهم غير الدبلوماسية جوازات سفر دبلوماسية , أما نسبة الموافقة على ذلك القرار المصيري فقد اطاحت بنسب فوز بعض الرؤساء والحكام العرب في الانتخابات الرئاسية (الديمقراطية) التي غالبا ما تتجاوز نسبتها الـ 90% من شعوبهم التي لا تطيقهم , حيث كانت الموافقة 100من اعضاء الفريق % وبمنتهى الديمراطية والشفافية والروح الرياضية بعيدا عن التهميش  والابعاد والقسر والتنديد والاقصاء او التلويح بالاعتداء اوالاعتقالات الليلية و بالسجون السرية , وكانت الخطة الوحيدة العتيدة الفريدة , خطة اللحظات الاخيرة في مواجهة القوة الشريرة تتلخص في اشهار سلاح  الحكمة  في مواجهة القوة ' والفكر مقابل الكر والفر وصمود الارادات في مواجهة غرور العضلات .
     ما ان حلت اللحظة الفاصلة والمعركة الشاملة ,وامسك كل فريق باحد طرفي الحبل , وبينما ارتفعت قهقهات السخرية والتندر من الكبار الفاشلين ضد الصغار المتفوقين المستضعفين ,وما ان اطلق معلم الرياضة صافرة البداية , حتى تجذرت اقدامنا بقوة خارقة في الارض الترابية ونحن نبدأ مبارياتنا المصيرية , بينما كان الفرق الاخر يحاول سحبنا اليه بشدة وكانه يطلبنا ثأرا تأريخيا , وحسب خطتنا الستراتيجية , كنا جميعا نردد بصوت جماعي , (واحـــد , اثنيــــن ,  ثلاثـــــة) , وما ان وصلنا للرقم خمسة حتى فاجأنا خصومنا بافلاتنا الحبل من بين ايدينا ,ليسقط الفريق الاخر على الارض , مذهولا مصعوقا في الفخ الذي رسمناه له بحكمة , وسط قهقهات معلم الرياضة الذي اعلن فوزنا الاكيد على خصمنا العنيد , رغم اعتراضات الخائبين الاقوياء على فخ المتفوقين الضعفاء .
      يومها اطلق معلمنا الجليل جملته المشهورة (الحكمة غلبت القوة) ,مضيفا  ( كنت ادرك الفارق الكبير بين الفريقين , لكنني اردت ان اعلمكم ان القوة ليست كل شيئ , وربما لا تمثل شيئا امام الحكمة , وان الحكماء لا بد ان يغلبوا الاقوياء مهم كانت المعركة غير متكافئة ومهما كات المواجهة شرسة) .
      فهل يحتكم اطراف المعركة السياسية التي تعصف بالبلاد الان الى الدستور والحكمة لازالة هذه الغمة ؟ ام سيصرون على دفع البلاد والعباد الى مزيد من الظلمات والعتمة ؟

 

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة