موعظة لمثلث الرحمات مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي في عيد القيامة

بدء بواسطة ابو افرام, أبريل 27, 2012, 03:35:36 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ابو افرام

ارتجلت في صباح 30 نيسان 1978 في كاتدرائية مار جرجس بدمشق في اثناء قداس عيد القيامة المنقول بإذاعة دمشق

موعظة للمثلث الرحمات مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي


بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد امين
(عالمين انكم قد افتديتم ليس بما يفسد من الفضة او الذهب بل بدم كريم دم حمل لا عيب فيه ولا دنس وهو المسيح)

أيا عباد الله
بهذه الألفاظ العسجدية وصف مار بطرس الرسول الفداء العجيب الذي منى به كلمة الله المتجسد على البشرية التعساء مبينا ان ما قدمه في هذا السبيل لم يكن ما يفسد من الفضة او الذهب بل كان دما كريما دمه الكريم بالذات ذلك الدم الثمين الذي قال عنه تعال لتلاميذه ليلة الامه ((انه يهرق عن كثيرين لمغفرة الخطايا)). كانت البشرية اسيرة قد سباها ابليس من حضيرة الله القدسية بل كانت مكبلة باغلال الاثم والخطيئة ومحكوما عليها بالموت الزؤام. ولم يكن في مقدور احد من السماويين والارضيين ان يفتديها لذلك نزل كلمة الله واتخذ ناسوتها وتعهدها بعناية فائقة ثم مات من اجلها ثم قام حيا. واصعدها معه الى السماء في شخص ناسوته فتم بذلك ما قاله داؤد النبي (صعدت الى العلى سبيت السبيا) اجل انه مثل شخص ناسوته في عودة البشرية السبية الى حضيرة باريها.   
لقد مرت البشرية قبل ذلك بمرحلتين خطيرتين هما مرحلتا الآباء والانبياء. ولكن لم يستطيع ابراهيم ولا موسى ان يسعفاها اذا كانا هما الاخران ينظران بعين الروح الى فداء المسيح. فابراهيم مثلا راى يوم تقديم ضحية الفادي الكريم وتهلل، وذلك حين امره الله ان يقدم له هو ابنه اسحق ضحية، كما اكد ذلك المسيح نفسه بقوله لليهود :((ابراهيم ابوكم ابتهج حتى يرى يومي فرأى وفرح)). اما موسى فراى في سماء جبل سيناء كلمة الله في حضن ابيه مستعدا ان يتجسد من عذراء ليؤتي البشرية نعمة الفداء، كما دل منظر العليقة التي كانت تتوقد بالنار وهي لا تحترق. فتدخل في الامر وقال:((رحماك يارب ابعث من انت باعثه)). ثم رسم سر ذبيحته العظمى التي كان عتيدا ان يقدمها على الصليب بمختلف الذبائح الحيوانية. بل صور بنفسه صلب المسيح وهو واقف على راس اليفاع ويداه مبسوطتان شبه الصليب حتى انتصر قومه على العمالقة. هذا كل ما استطاع ابراهيم وموسى ان يسعفا به البشرية الساقطة في المرحلتين الأوليين. اما المسيح فضمد في المرحلة الثالثة جراحاتها واخذها الى فندق الكنيسة، بل افتداها بدمه الكريم. وقد مثل له المجد هذه المراحل الثلاث بمثل الرجل الذي كان منحدرا من اورشليم الى اريحا فوقع بين اللصوص، فعروه وجرحوه ثم مضوا وقد تركوه بين حي وميت. فاتفق ان كاهنا كان منحدرا في ذلك الطريق فابصره وجاز. وكذلك لاوي وافى المكان فابصره وجاز. ثم ان سامريا مسافرا مر به فلما راه تحنن، فدنا اليه وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا وحمله على دابته واتى به الى فندق واعتنى بامره. وفي الغد اخرج دينارين واعطاهما لصاحب الفندق وقال اعتن بامره ومهما تنفق فوق هذا فانا ادفعه لك عند عودتي. اجل انه افتدى البشرية من اثمها افتداها من تصرفها الباطل، افتداها من لعنة الناموس، افتداها من ابليس عدوها الالد. واخيرا افتداها من طغيان الموت ووهب لها جسده ودمه الاطهرين قوتا للحياة الابدية. ذلك لانه تحنن عليها. أي ان المحبة هي التي دفعته الى التعاطف عليها كقول مار يوحنا الانجيلي:((لانه هكذا احب الله العالم حتى انه بذل ابنه لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية)).
قال مار بولس الرسول:((وكل شي تقريبا يطهر بالدم على حسب الناموس، ولا مغفرة الا بسفك الدم. وعلى هذا المنوال خصص الناموس ذبيحة لمغفرة كل خطيئة، لا لان مقدور دم العجول والتيوس ان يغفرها، لكن لان ظل ضحية المسيح العظمى كان مخيما عليه. بل ان خروف الفصح الذي ذبحه موسى ليلة خروج العبرانيين من مصر انما ذبح بسر هذه الذبيحة التي سماها مار بولس الرسول ((فصحاً)) بقوله :((فانه قد ذبح فصحنا المسيح)). ليس هذا فحسب بل ان الذبيحة التي قدمها هابيل بالذات عن خطيئة ابويه كانت بالايمان بهذه الضحية العظمى كما اكد هذا الرسول الجليل. ولا بدع، فهي ضحية حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم كما سماه المعمدان، بل ضحية الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس كقول مار بطرس الرسول.
كان المسيح فضلا عن كونه الضحية العظمى، كاهنا ايضا كقول الكتاب العزيز :((اقسم الرب ولم يندم ان انت كاهنا الى الابد على رتبة ملكيصادق)). وعلى هذه الرتبة قري ليلة آلامه ضحيته غير الدموية أي الخبز والخمر اللذان رسم بهما سر جسده ودمه الاقدسين. وكانت هذه الذبيحة قد انحصر تقديمها في ملكيصادق، فاستأنفها له المجد وامر تلاميذه بممارستها حتى مجيئه الثاني. في حين انه ختم الذبائح الموسمية بضحيته الدموية التي قدمها في اليوم التالي على مذبح الصليب.
ونحن حين نذكر هذه الامور، لابد لنا من وقفة نتامل فيها العمل العظيم الذي قام به المسيح تجاه البشرية. لقد اتى له المجد الى خاصته كقول الكتاب أي الى شعب اليهود، شافيا كل ضعف فيهم، منافحا عن شرائعهم وشعائرهم، حتى انه دعاهم بنين وغيرهم كلابا كقوله للمرأة الكنعانية في تخوم صورا وصيدا :((ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب)). ومع هذه فان خاصته لم تقبله، بل كفرت بنعمته، تاملوا لونه الشاحب وهو يساق كشاة الى الذبح واقفا انبوءة اشعيا. تبصروا صليبه الثقيل ثقل الخطيئة الادمية التي ((حملها بعاهاتها واوجاعها)) والتي كان مزمعا ان يسمرها فوقه. انظروا الى راسه المكلل باكليل الشوك، ((مجروحا لاجل معاصينا ومسحوقا لاجل اثامنا))، في حين انه ملك الملوك وعاقد التيجان. ولكنه ابى الا ان يحمل على راسه لعنة الارض ولعنة الاجيال التي سببتها خطيئة الانسان الاول الذي قال له :((ملعونة الارض بسببك... وشوكا وحسكا تنبت لك)). وهكذا ففيما جاء هو ليحرر شعبه من ربقة ابليس والناموس، تكالبوا هم ضده وكبلوه واخيرا سمروه على خشبة الصليب وهم يريدون استئصال شأفته من ارض الاحياء لا تحقيق غايته الشريفة في الفداء. ولكنه ولئن مات ودفن في قبر، فقد قام في اليوم الثالث حيا ممجدا ناقضا الهاوية ولاية ابليس. فكانت قيامته اية للعالمين وتاكيدا لوعده السابق القائل :((ان الجيل الشرير الفاسق يطلب اية فلا يعطى اية الا اية يونان النبي. لانه مثلما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالٍ كذلك يكون ابن البشر في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليالٍ)).
فبما ان هذه التضحية العظمى التي قدمها في سبيلنا كلمة الله المتجسد، كانت منبثقة من حبه الجم لنا كما أسلفنا، لذلك وجب علينا ان نحبه نحن ايضا حبّاً جمّاً بكل قلبنا وكل نفسنا وكل ذهننا، لنحضى بمفاعيل هذه التضحية كاملة غير منقوصة. واذا احبناه احبنا قريبنا كنفسنا. اما قريبنا فهو كل انسان على وجه هذه البسيطة مهما كان دينه ومذهبه كما اكد السيد المسيح في مثل السامري الصالح. لانه هو سلامنا هو وفق بالصليب ما بين السماويين والارضيين وبشر بالسلام البعيدين والقريبين كقول الرسول :
الا هنئاكم الرب الاله واخوانكم في كل مكان بعيد فصحه المجيد، واتاكم نعمة الحضوة بأمثاله اعواماً عديدة وانتم ببرود العافية رافلون، ورفع في العالم الوية سلامه خفاقة، وصان بلادنا العربية الحبيبة من جميع المكاره ونعمته تشمل جميعكم امين.

منقول

الشماس
متي مجيد دانيال