تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

التناول الاول / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 12, 2016, 02:33:55 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

التناول الاول     
   

برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا


قبل أكثر من عام ، دار حديث بيني وبين امرأة فاضلة كانت قد انضمّت ابنتها إلى المتناولين للمرة الاولى . المتناوِلة كانت صبية وُلدت خارج العراق وتبلغ الثانية عشرة من عمرها . كانت الصبية قد تعلمت بعض المفردات والعبارات الكلدانية ولكنها على بعد أميال من اللغة العربية . شرعت الام تسرد لي بهدوء تسلسل أحداث تهيئة الطلاب للتناول الاول ، وأثارت هذا الحديث  لانزعاجها الشديد من المشرفين على المشروع ومنفّذيه.
قالت بأن من تولوا التعليم كانوا جلّهم رجالا.في غالبية الصلوات والتراتيل الخاصة بالتناول، تمّ فرض العربية كلغة لمخاطبة الله. كان عالَم اللغة العربية غريبا تماما عن هذه الطفلة إذ كان عليها ان تحفظ وتتلفظ بكلمات وجمل لا تقوى على لفضها ولا تفقه معناها . تقول السيدة ، كانت المجموعة المشرفة تقود المتناولين والمتناولات بأسلوب يخلو تماما من الابتسامة وبعيد عن التفهم والرقة والوداعة التي لا بد منها لتوجيه الاطفال بهذا العمر وتعليمهم  .
بالرغم من كل ما كانت تبذله الطالبة من جهود ، كانت تخرج صلواتها مشوهة ومقطّعة وغير مفهومة. مثلا في قانون الايمان الذي تمّ تلقينه حصراً باللغة العربية ، كانت تلفظ الكلمات كالتالي  : نومِنبي لاهٍنوا ، هيدٍزا ، بيتيلكول  ،وخا ، ليقي السامَوال ،آريز ،وبيره بين وا، حيدن ياسوء مسيه ، ابني لاه واهيد ......وصُوليبا وكام فيل يوميس ، اليس كامفيلكوتوب ......في عادي بلا توسبانتي..وبي كانيسا واهد ، جامي آ راسوليا ... وهكذا دواليك الى نهاية قانون الايمان .وكان على الطفلة ليس فقط قراءة هذه اللغة الصينية،ولكن حفظها !!
كلمات مبتورة من نصفها او ربعها ، وغريبة الى درجة أنّ الجمل لا تتعرف على نفسها ، فالمضاف يستغرق وقتا طويلا ليعثر على المضاف اليه ، لان  اللفظ المشوّه قد مزّق ثيابه ، ناهيك عن ترمّل المبتدأ لان خبره استشهد ، او الفعل اللازم الذي فُرض عليه مفعول به ، إحتار في كيفية نصبه !! فاذا كان ولا بد من اختيار لغة شرقية ، ألم يكن  من الافضل ان تكون اللغةُ الكلدانية هذه اللغةَ ؟ السنا من الطقس الكلداني أم اضحى طقسنا الكلداني يُدعى طقسا عربيا ؟ وهل الله لا يفهم اللغة الاجنبية ؟
كانت والدة المتناولة قد احتجّت على الصعوبة التي تلاقيها طفلتها في حفظ قانون الايمان ،خصوصا  وانها لم تكن يوما على  صلة بالعربية  ، فكان  الجواب الفوري أتاها كالتالي : وإذا كانت ابنتكِ يوما امام أغنيةٍ لمطرب بأية لغة كانت ، ألم تكن تحفظها بسهولة ؟ المرأة الفاضلة لم تردّ احتراماً لمقام رجل الدين ، ولكني انا سأجيب عنها : يا شماس ، يا ابونا ، يا سيدنا  : هل يُقارن قانون الايمان الذي يختصر العقيدة المسيحية بأكملها ، والذي يجب ان يتأصل في أعماق الطفلة ، هل يقارن  مع اغنية أحبتها الطفلة للحنها الجميل ولعذوبة الصوت الذي تسمعه ؟ انها تنطرب للّحن وللإيقاع، ولا يهمها اذا كانت قادرة على حفظهما ام لا ،ومن جهة اخرى إنها غير مكلفة بتردديها في محفل رسمي.
بكل بساطة نقول ، الم يكن من المنطقي ان تُتلى هذه الصلاة باللغة الاجنبية التي يعرفها الاطفال ويتحدثون بها ويفهمونها ، ام إن الموضوع هو مجرد الانصياع لرغبة شماس او كاهن ؟ ألا نقول بان الصلاة هي مناجاة الله بحرارة تنبع من اعماق القلب ، ألا يفترض ان يكون  المصلّي واعيا لما يناجي به ؟
وأضافت المرأة معرِبةً عن امتعاضها الشديد من اسلوب القائمين مباشرة على التدريب والتعليم . لقد تمّ اختيار هؤلاء لمجرّد تطوّعهم لهذا العمل أولأنه يعجبهم ذلك ، ولكن هل كانوا مهيئين له ؟ في غابر الازمان كانت الراهبات ، المكرسات لله ، يَقُمن بهذه المهمة وينقلن روحيتهنّ وقناعتهن للأطفال بأسلوب رقيق ، وبتواضع ومحبة وصبر،  فيتابعن كل طفل او طفلة بصورة منفصلة ، لأنهن كنّ على بيّنة من قدسية الموضوع . أمّا هؤلاء الشباب ، يبدو بانهم كانوا مكلفين بمهمة ليس إلاّ ، وكل واحد منهم عبّر عن نفسه بأسلوب يتيح له الامر والنهي والتوبيخ .
كان احد المسؤولين قد أفهم المرأة الفاضلة هذه بانه  لا حاجة للصور او المصور ، ولكنها فوجئت باتصال مباشر أتاها من المصوّر الذي نفى تماما كل ما قيل لها وافهمها بصورة قطعية  بان الصور اجبارية ،  وقال لها أيضا بان عدم التصوير يَحرِم الطفلة من الشهادة التي يجب أن تحمل صورتها . كانت قد سكتت المرأة وقالت في نفسها ، هل المتناوِل لا يُعتبر متناولاً حقّاً ،  إلا اذا تمّ إثبات ذلك بشهادة رسمية مختومة تحمل صورته الشمسية وبمقاسات معينة ؟ خشية رؤية ابنتها مشطوبةً من سجل المتناولين وتواريخه ، انصاعت للأمر صاغرة .
اين نحن من قدسية هذه العملية وروحانيتها . لقد اضحى التناول الاول ، مناسبة ينتظرها الناس لحجز القاعة والمصوّر ، وابتياع الملابس الجديدة. حتى في القداس ، على الكاهن احيانا انتظار المصور ،قبل المبادرة بوضع البرشانة داخل فم المتناول ، وهل كان سيرضى ذوو المتناول ان تفوتَهم هذه اللقطة ؟!!  هل فعلا لنا ايمان بما نقوم به ، ام ان كل شيء اضحى مجرد حركات تندرج ضمن مراسيم واجراءات ظاهرية لا سبيل لتجاوزها ؟
ولا اريد ان اتطرق لموضوع الاحتفال الكبير بمناسبة التناول الذي صار يُباري حفلات الاعراس والزواج بفخامته وماديّته ، حفلات دنيوية بأطعمتها ومشروباتها ورقصاتها وصباحياتها ، لقد سبق لي وان نوهت عن هذه المواضيع ، فتعرضت في حينه للتقريع والنهر والتوبيخ والانتقاد . برأيي انا كانسان متخلـّف أقول :  بعد اقامة احتفال بسيط للتعبير عن الفرح بهذه المناسبة الروحية  ، يجب ان ينتهي الامر بتقدّم المهنئين من المتناول الجديد ،  بخشوع واحترام لتقبيله والتبرّك به لأنه تقدّس بتناوله المسيح ؟ انها مجرد امنية ولكني اراها بعيدة جدا عن واقعنا المتجذّر .
آخر فقرة يجب ان اضيفها قبل ان انساها ، لان السيدة الجليلة اكدّتها لي وهي تعرب عن أسفها الشديد : قالت  بان ابنتها ، التي كانت من روّاد الكنيسة سابقا ، لم تعد الان ترغب في دخول الكنيسة لأنها تخشى العودة في ذهنها الى أوقات أزعجتها وآلمتها . لعلها طفلة حساسة جدا، ولكن هذا الذي جرى.