المدارس(الصديقة للطفل) بين الواقع المؤلم و الطموحات الكبيرة

بدء بواسطة حكمت عبوش, نوفمبر 21, 2013, 03:51:14 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

المدارس(الصديقة للطفل) بين الواقع المؤلم و الطموحات الكبيرة
                                                                         

   
حكمت عبوش

يفرح أهالي التلاميذ و المهتمون بالعمل التربوي كثيرا عندما يقرأون عن جهود وزارة التربية في فتح المدارس(الصديقة للطفل) والتي سيتولى التعليم فيها معلمين أكفاء ادخلوا دورات خاصة يحسنون التعامل مع التلاميذ في صفوف وقاعات وساحات مهيأة لممارسة أنشطتهم المختلفة و شمولهم بنظام التغذية والمنح المالية البالغة(30 ألف) دينار لكل تلميذ ولكن سرعان ما يصدمهم الواقع المدرسي المؤلم والذي لا بد من الرجوع إليه. هذا الواقع المؤسف الذي كثيرا ما تحدث عنه المتابعون عن مظاهره البارزة والمتمثلة بنقص عدد المدارس وقبل فترة قصيرة أكد وزير التربية حاجتنا إلى 5000 مدرسة وطبعا هذه الحاجة ليست آنية بل هي معلن عنها منذ سنوات ما بعد السقوط إضافة إلى 700 مدرسة سيحتاجها العراق سنويا بسبب الزيادة السكانية الطبيعية و لكن التلكؤ والتباطؤ بسبب سوء الإدارة والفساد جعلا مدارس كثيرة غير مكتملة البناء بل بعضها الآخر لم يتم وضع حجر واحد في أساسها وانعدام المدرسة في منطقة سكن التلميذ يجعله و أهله أمام خيارين أحلاهما مر، الأول هو التسرب من المدرسة و هو الأمرّ والثاني هو الذهاب إلى المدرسة البعيدة  و تحمل الطفل الصغير متاعب النقل و تحمل أهله ما يثقل كاهلهم من نفقات ناهيك عن وجود مشاكل كبيرة أخرى داخل الكثير من المدارس حيث تعاني من الزحام في صفوفها(صف يضم 60 تلميذا و أكثر) و انعدام المرافق الصحية و الماء و الكهرباء و مقاعد و شبابيك مكسورة و ازدواج الدوام ليكون ثنائيا و ثلاثيا و تدني مستوى التعليم فيها بحيث التلاميذ في صفوف متقدمة لا يعرفون قراءة و كتابة الأحرف الأبجدية و هذا يذكرنا بحال المدارس سنوات الطاغية صدام و قد تناول كثيرون سلبيات المدارس هذه و لكن رغم ذلك فان التباطؤ و التلكؤ في القضاء على هذه السلبيات هو الذي يطغي على عمل الوزارة فتسبب في نفور التلاميذ منها و جعلها مدارس طاردة و ليست صديقة و جاذبة لهم وهنا علينا التأكيد على بديهية معروفة و هي: إن زيادة راتب المعلم- رغم أهميتها- ليست العامل الوحيد في جعله أكثر إخلاصا أو اندفاعا في عمله بل يأتي هذا من خلال رفع مستوى شعوره بالمسؤولية وثقافته ورفع مستوى قدرته التعليمية من خلال الدورات وغرس الأساس عنده بان عمله ليس عملا روتينيا بل عمل اجتماعي هام ذو خصوصية إن كل هذه العيوب التي تزخر فيها الكثير من مدارسنا ساعد على زيادة التلاميذ المتسربين من المدارس وهذه تضاف إلى مئات آلاف التلاميذ الاخرين المتسربين في السنين القريبة الماضية وتسرب التلاميذ من ابرز مظاهر الفشل في العملية التربوية وفي سياق عمليات التلكؤ في بناء المدارس، نذكر إحداها حيث تكلم عنها النائب(جواد الحسناوي) عضو(لجنة الخدمات) في مجلس النواب يوم 26/9/2013 من قناة البغدادية وقال انه خصص لبناء المدارس في ميزانية 2010 (600) مليون دولار وخصص لنفس الغرض عام 2011 (800) مليون دولار أي أصبح المجموع (1400) مليون دولار وكلفت شركتان من وزارة الصناعة إحداهما شركة الفاو لبنائها واستلمت الشركتان 60% من المبلغ المخصص لها ولكنها لم تنجز لحد الآن سوى 800 مدرسة وكانت نسبة انجازها في بغداد وكربلاء وبابل هي(صفر) علما إن مدرسة بـ(24) صفا تكلف (900 ) مليون دينار فقط.
إن التردي المهلك الذي أوصل(العهد المباد) المدارس إليه و بشكل غير مسبوق أبدا كان يستوجب أن يتولى قيادة وتوجيه مسارات العملية التربوية بكل مفاصلها منذ ما بعد السقوط كوادر عراقية متخصصة ذات كفاءة ونزاهة من رأس الهرم التعليمي إلى قاعدته و بمثل هذه القيادة و الكوادر كنا نستطيع حل ومعالجة كل المشاكل والصعوبات التي تعترض العملية التعليمية وحتى محاصرة الفاسدين في كل ثناياها والتي يبرز فيها الآن بناء المدارس و إعادة إصلاح ما يمكن إصلاحه منها.
إن هذا اللون الرمادي الذي يغطي جزءا كبيرا من خارطة العراق التعليمية كان يجب أن يكون ممسوحا لتعود الى بياضها الناصع بفضل الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها العراق(بشرا و ثروات مادية) و من العيب أن تهدر وتسرق أموالنا أمام عيوننا و كأننا نحن غافلون فلننظر إلى دول العالم الناهضة المتطورة و إلى ما فعله التعليم والعلم فيها بحيث جعلها ترتقي إلى مستوى الوصول إلى اكتشافات وتحقيق مبتكرات هي بمصاف العجائب. لنكف عن إبقاء مدارسنا طاردة و هي كذلك منذ بدء الحصار عام 1991 إن لم نقل قبله و إلى الآن في 2013 أي عقدين و نيف و هي كافية لإحداث تغيير جذري و حاسم في العملية التربوية بكل عناصرها، المعلم و طرق التدريس و المناهج و المدرسة المتكاملة وصولا إلى التلميذ محور العمل التعليمي في هذا العصر العلمي العاصف التي يجب ان يكون طموحنا كبيرا و حتى عاصفا لينسجم معه و لا يكون محدودا بنشر(المدارس الصديقة) في مناطق صغيرة أو لبضعة مئات أو آلاف من التلاميذ بل لملايينهم في كل مدن العراق و أقضيته و نواحيه و ريفه و بواديه و أهواره و ليدخل الطفل البريء و النقي هذه المدارس فيلقى المعلم أو المعلمة المبتسمة و يتلقى العلم والتربية و المتعة البريئة في الصف وساحة اللعب وقاعات الرسم والخطابة و التمثيل والموسيقى مبتهجا فتصقل مواهبه وتغني شخصيته ليصبح مواطنا سعيدا قادرا على الإبداع في العمل و البناء في هذا الزمن المتوثب السريع.