حديث هادئ بين أسقف وأحَدِ كهنته / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, أبريل 26, 2013, 05:36:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

حديث هادئ بين أسقف وأحَدِ كهنته






برطلي . نت / بريد الموقع


سبق لي وأن تناولت موضوع رجال الدين في بعض مقالاتي ، كنت افعل ذلك دوما مدفوعاً بحبّي للمسيح وبغيرتي على تعاليمه السامية وحرصي على ان أجد سيماء هذا المعلم العظيم في وجوه من يمثلونه . ولقد سمحت لنفسي بكتابة هذه المقالات أيضا بحكم إمضائي احدى عشرة سنة بين ظهراني هؤلاء أوبرفقة الكثيرين من القدامى الذين ارتقى بعضهم مراتب متقدمة في سلم المسؤولية . لم اتقبل الكهنوت لظروف شخصية خاصة ، ولكني احتفظت بالروحية الصادقة التي كنت قد اكتسبتها هناك . واليومَ في نطاق نفس الحرص ، وضعتُ حواراً تخيلته بين أسقف وأحد كهنته . كنت قد تصورت الحوار الوهمي  هذا في البداية بين بطريرك وأحد اساقفته ، ولكني تراجعت واكتفيت باتخاذ المقعد المتواضع البعيد خشية ألاّ اطرد من الوليمة التي دُعيت اليها . كما خطر ببالي أن اطلق اسم لوقا على المطران واسم مرقس على الكاهن ، ولكني هنا ايضا استبعدت الفكرة تجنبا لأيّ التباس ، لان حديثي عام ولا يتناول أي مسؤول ديني معيّن . فالحديث الذي جرى بين سيدنا المطران وابونا القس رأيته كالتالي :

- أبونا القس : طاب نهاركم سيّدنا ، لقد بلّغني الساعور برغبتكم في رؤيتي ، فتركت كل شئ وأتيت .

- سيدنا المطران : ولماذا استعجلت في المجئ ، هل حملتَ القربان بعد القداس الى مرضاك الذين يترقبون زيارتك ؟

- أبونا القس : كلاّ ، ظننت بانك على عجل من امرك ، فاتيت حالا بعد اقامة القداس .

- سيدنا المطران : اريد ان تعلم يا ابني ، بان للمؤمنين الاولويةَ في كل شئ . نحن رعاة قطيع يتألف من أناس مؤمنين ، والذهاب بجسد المسيح للمعذبين من بينهم ، هؤلاء الذين يتوقون لتناوله بشوق عارم واثقين بانهم ، إن لم يشفوا من مرضهم ، فان القربان سيخفف من آلامهم ويكون مصدر سلواهم ، هو عمل مقدس جدا .

- أبونا القس : حال رجوعي ساقوم بهذا الواجب المقدس .

- سيدنا المطران : لقد فكرتُ بلقائك ولقاء زملائك من بعدك ، كل كاهن على انفراد ، رغبةً مني في سماعكم تكلموني عن حياتكم وما يدور في خلدكم من مشاريع ومشاكل وغيرها . فاليوم سابدأ معك ، وأوجّه اليك السؤال التالي : هل لديك مشاكل في حياتك الكهنوتية ؟

- أبونا القس : كلاّ سيدنا ليس لدي أية مشكلة ، وكيف يكون لنا مشاكل بوجودكم ، انكم تتحيّنون أبسط الفرص لتشملونا برعايتكم  وتغمرونا باهتمامكم .

- سيدنا المطران : لا تجاملني يا ابني وتكلم . لقد دعوتك وانا اعرف بانك تعاني من بعض الامور ، افتح قلبك وتكلم بصدق وصراحة ، وعليك ان تعلم بأني هنا بمثابة ابيك ، ومسؤوليتي تدعوني لسماعك في كل ما تقوله لاحاول ايجاد الحلول الممكنة لها.

- أبونا القس : لا اعرف ماذا اقول ، انا اشعر بالخجل  لكشف موضوع يشغل فكري كثيرا ، وبما انك طلبت ان اتحدث بصدق ، اقول  : باني ارى بعض زملائي يمتلكون اراضي وبيوت ، وكلما انظر اليهم اتحسر لاني لا املك أي شئ ، الا ترى بعض الخلل هنا ؟

- سيدنا المطران (بعد برهة صمت) : كم كنت اتمنى أن نبلغ يوما جميعا درجةً من الوعي تجعلنا نفكر راسخين بان رسالتنا روحية محضة وباننا قد كرسنا ذواتنا لملكوت الله وبأن مملكتنا ليست من هذا العالم . ابني انك تحتاج الى مكان تسكن فيه ، ألا تكفيك الغرفة الواسعة التي تسكنها وايضا الخدمات التي تؤمّن كافة احتياجاتك اليومية ، ماذا ينقصك في حياتك الكهنوتية ؟

- أبونا القس : اعذرني سيدنا ، ولكن عندما ارى البعض يتمتع بثروات ويتقاضى بدلات ايجار ، اشعر بنوع من الغيرة دون ارادتي ، واقول بكل صراحة هل انا افرق عنهم ؟

- سيدنا المطران : لقد اتيتُ بك هنا لكي اضعك وزملاءَك في المسار الصحيح . يجب ألاّ يغيب ابدا عن بالك بانك قد كرّست نفسك للمسيح وقطعت عهدا شخصيا مع المسيح بذلك . لقد اخترت بكامل وعيك طريقا محطاتُه تحمل اسماء الفقر والتجرد والتفاني والتسامح ونكران الذات ، هل هذا صحيح ؟

- أبونا القس : نعم هذا صحيح ، ولكن ..

- سيدنا المطران : لاتقل لي ولكن ، كُفّ عن مراقبة غيرك ، كل شخص مسؤول عن تصرفاته خاطئة كانت أم صحيحة ، ولكل شخص ظروفه التي لا نستطيع الحكم عليها أو ادانتها . انا سالتقي كل واحد منكم وساحاول وضع النقاط على بعض الحروف . تعلّم في حياتك ألّا تنظر كثيرا الى ما يفعله الاخرون ، لان هذا سيشغلك عن اداء مهامك المقدسة . إذا كنت في الطريق الصحيح ، لماذا تفتش عمّا يلهيك عنه . وحتى اني اضيف واقول :  اذا سمعت أوقرأت بانه كان للمسيح يوما عقارات ويتقاضى عنها ايجارات شهرية ، إتصل بي فورا !!

- أبونا القس : لا اعرف هل سأمتلك الجرأة لطرح موضوع آخر قد تجده انت تافهاً ، ولكنك قد دعوتني للتحدث عن كلّ ما يخالج صدري . ساقول : سيدنا ، أرى نفسي مغبونا في موضوع السفر . ارى زملائي هنا وهناك ، يسافرون كثيرا ، وانا لم احضَ بالسفر لحدّ الان إلا مرتين .

- سيدنا المطران : إبني ، أبونا ، يا عزيزي ، ارى بان الامور المادية قد اثرت فيك كثيرا . ارى من واجبي ان اسألك السؤال الصريح التالي : عندما اقتبلت الكهنوت هل كان هدفك الحصول على مكاسب مادية بما فيها السفر أم التفرغ  لخدمة الناس ؟

- أبونا القس : خدمة الناس طبعا .

- سيدنا المطران : إننا نمرّ بظروف قاسية جعلت الكثيرين من رعايانا يربطون الليل بالنهار للحصول على ما يسدّ رمقهم أو أحيانا يكتفون بوجبتي طعام في النهار لتأمين بدلات ايجارهم الباهظة . هل تقبل ، انت الذي اتيت لتخدم هؤلاء ، ان تتركهم يئِنّون تحت اثقالهم هذه وتذهب ؟ اليس من واجب الراعي ان يهتم باصغر خرافه ولا يتركه الا اذا اطمأنّ عليه  ؟ أنا لا انكر عليك الحق في البحث عن الراحة التي تحتاجها لتأدية واجباتك بصورة صحيحة ، ولكن لا يجب ان يستحوذ هذاعلى افكارك ، فالخلود الى الراحة او السفر يأتيان في وقتهما .   أدعوك الان لترك هذه الامور الدنيوية جانباً ، لاني أرغب في سماعك ايضا على الصعيد الروحي ، هل استطيع ان اساعدك في بعض حالاتك الروحية الصعبة ؟

- أبونا القس : سيدنا ، بما اني بدأت بالصراحة ، اود ان اقول لك بهذا الشأن : أنا أمرّ احيانا بجفاف روحي وبحالات شك توصلني الى درجة الاحباط ، انها ساعات صعبة جدا.

- سيدنا المطران : هذه هي المشاكل الحقيقية التي كان بودي سماعها منذ البداية . اسمعني يا بنيّ إن هذه الحالات التي تذكرها لا تقتصر عليك وقد يمرّ بها كل رجل دين ، لان رجل الدين كائن بشري ولا يسيطر على كافة ساعاته. معالجة هذه الحالات تقتضي الكثير من اوقات الرجوع الى النفس والتأمل . يجب ان نقتنع بالصميم باننا اخترنا طريقا صعبة ، وبعين الوقت يجب ان نتذكر بفرح باننا اخترنا ايضا النصيب الاوفر ، أي نصيب تمثيل المسيح ابن الله ، هل هناك اسمى من هذا الشرف ؟ إن ادامة هذا الشعور وهذه الحقيقة تدعونا للرجوع دوما الى المعين الذي نهلنا منه الحياة لاول مرة   .

- أبونا القس : انا احاول ولكني بكل صراحة اجد نفسي  احيانا كالهشيم الذي يلتهب عاليا ولكنه يخمد بسرعة .

- سيدنا المطران : من المهم جدا ان يرجع الكاهن يوميا الى داخله في خلوة تأمل وفحص ضمير ، كما يجب عليه ألاّ يهمل قراءة الكتب المقدسة وغيرها من الكتب فالمطالعة والاطلاع اساسيان للكاهن . من المهم جدا ان تتمّ صلاته وتأمله  بحضرة المسيح ، امام القربان ، لتخصيص حالات صمت يفتح فيها الكاهن نفسه كاملا ويستسلم كليّا امام من قال انا النور والحق والحياة والذي سيغمره بالسعادة الروحية التي يحتاجها لانجاز مهامه الكهنوتية بقوة واندفاع . ولكي لا يعود الى حالة اليبوسة هذه ،  يجب ان يعيد الكاهن العمليىة الروحية كل يوم ، كمن يشعر بعطش شديد ولا بدّ له ان يرتوي يوميا ليعيد نشاطه ويستمر في الحياة . هذه القوة المتجددة هي الكفيلة بابعاده عن الروتين الذي يحوله الى آلة تعمل او مجرد موظف ينفذ الواجبات دون روح او حرارة . وبغية تنشيط افكاره وانعاشها ، يجب عليه ايضا الخروج بين أحضان الطبيعة ، اوقات تكون الشمس قد انتهت من ايفاد اشعتها بكل الاتجاهات وتكون السماء في اقصى درجات ازرقاقها ، واوراق الشجر قد بدأت تتمايل مع النسيم والزهور قد افترشت الارض وكأنها تنتظر زائرا رفيع الشان . هذه كلها تساهم في انعاش النفس وفتح اسارير الوجه ، وما اجمل ان ينقل الكاهن فرحه وسعادته الحقيقية الى المؤمنين .

- ابونا القس : سيدنا نصائحك ثمينة جدا ، وهي تشجعني للبوح بآخر مشاكلي لهذه المرة وهي : انا اشعر بان الناس يتربصون بنا كثيرا ، ويرشقونا بسهامهم لاتفه الزلات.

- سيدنا المطران : إنك قد اخترت الشفافية ، ولاجله فان اتفه الشوائب ستظهر عليك ، وبما انك المثل والقدوة ، سيقارن الناس بين الكاهن وبين مثله الاعلى ، اعني المسيح .

- ابونا القس : اننا عرضة احيانا لاشاعات لا اساس له نهائيا .

- سيدنا المطران : نصيحتي بصورة عامة هي ان يحرص الكاهن على ألاّ يكون حجر عثرة ، ويتجنب الاسباب أو الظروف التي قد تقود الى ذلك . لا بدّ من الاعتراف هنا بان الكاهن شخص أعزب لانه قد تفرغ لخدمة المؤمنين  ، لذا عليه ان يكون دقيقا في معاشراته وزياراته . يجب ان يعرف حدوده ويزن الامور ، لان بعض الحركات حتى البريئة منها قد يفسرها الناس بشكل آخر . ولكن هذا لا يعني بان يتأثر الكاهن للكلام التافه والاشاعات المغرضة . على الكاهن مشاركة الناس افراحهم واحزانهم ولكنه يجب ان يعرف حدوده . فالمبدأ هو ان يتوصل الكاهن الى جذب الناس ورفعهم الى العلى وليس العكس .

- سيدنا المطران : اننا في لقاء اليوم سوف لن يكون في مقدورنا تغطية كافة الامور ، لذا ادعوك الى العودة . اذهب ابونا وتهيّأ لقداس يوم الغد ،  وحاول ان ترفع الناس بصوتك الجميل الذي هو موهبة من الله ، فالصوت الجميل يرفع القلوب نحو الله ويملأ الانفس فرحا ، لانه يقرّبهم الى مشارف الملكوت حيث تمتزج تراتيل الارض بـألحان الملائكة.

الان وقد انتهى اللقاء ، اقول : حضرت هذا الحوار الشيق والارشاد الروحي . لم اتدخل فيه ، وسانقله كما ورد دون حذف او اضافة . لقد وجدته لقاء بنّاء جدا ويمكن القول ايضا : اذا كان هذا الكلام لم ينفع فانه  سوف لن يضرّ ، واذا أهمله المعنيون سيشق حتما طريقه نحو بعض القلوب البسيطة .




kossa_simon@hotmail.com






Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

نصيحتي بصورة عامة هي ان يحرص الكاهن على ألاّ يكون حجر عثرة ، ويتجنب الاسباب أو الظروف التي قد تقود الى ذلك . لا بدّ من الاعتراف هنا بان الكاهن شخص أعزب لانه قد تفرغ لخدمة المؤمنين  ، لذا عليه ان يكون دقيقا في معاشراته وزياراته . يجب ان يعرف حدوده ويزن الامور ، لان بعض الحركات حتى البريئة منها قد يفسرها الناس بشكل آخر . ولكن هذا لا يعني بان يتأثر الكاهن للكلام التافه والاشاعات المغرضة . على الكاهن مشاركة الناس افراحهم واحزانهم ولكنه يجب ان يعرف حدوده . فالمبدأ هو ان يتوصل الكاهن الى جذب الناس ورفعهم الى العلى وليس العكس .

حوار جميل .. شكرا لك  .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة