مخاطر إنزلاق العراق في دوامة حرب أهلية جديدة

بدء بواسطة matoka, نوفمبر 23, 2012, 04:19:48 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

مخاطر إنزلاق العراق في دوامة حرب أهلية جديدة










برطلي . نت / متابعة
روسيا اليوم
23.11.2012


تنذر تطورات الأحداث الداخلية بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد في الأيام الأخيرة بانزلاق العراق في دوامة حرب أهلية بين مكونات الشعب العراقي الإثنية والطائفية كتلك التي شهدتها البلاد عامي 2005 و2006. وتلقي الأوضاع الملتهبة في سورية، والمواقف التركية من الأزمة الداخلية بظلالها على المشهد المحتقن لعوامل لا تخلو من أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وطائفية وإثنية.

وخلال اليومين الماضيين تكرر حديث متواتر عن إحتمال اشتعال نيران حرب أهلية في العراق. رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، اتهم تركيا بمحاولة إستثارة تلك الحرب عبر محاباته للأكراد رغم أن العراق هو ثاني شريك لتركيا بعد ألمانيا. أما رجب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، فلا يفتأ يتهم المالكي في لقاءاته مع المسؤولين العراقيين، كرداً وشيعةً وسنةً، بإذكاء التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد في العراق من خلال تصرفاته مع شركائه في الائتلاف الحاكم، وبأن التطورات في العراق لا تبشر بخير ولا سيما سلوكيات رئيس الوزراء الحالي تجاه شركائه في الائتلاف الحاكم.

شعور السنة بالغبن وأشباح الطائفية
بلد مثل العراق لا يبدو بعيداً عن الوقوع في براثن الحرب الأهلية، فقد عاش مثلها بعيد الاحتلال الأمريكي – الغربي لبغداد العام 2003، ولاسيما عامي 2005 و2006، فقد سمح التدخل الأجنبي، الذي نجح بالإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين، بفتح أبواب الجحيم الطائفي، وتسريح الجيش العراقي، وجعل العراق واحة خصبة للإرهابيين الذين دُمر العراق بحجة محاربتهم. وكان على العراقيين الانتظار حتى صيف العام 2010 قبل أن يشعروا بالأمان النسبي بعدما خفت، لحد الانعدام، الهجمات الإرهابية. لكن ذلك تغير في ديسمبر/ كانون الأول من العام الفائت حين تمت محاكمة نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، والحكم عليه بأربعة اعدامات غيابيا. وليس خافياً أن توقيت المحاكمة لم يكن مناسباً، وهي نفسها شابتها الشبهات، حيث جرى الحديث عن تسييس العدالة كي يتسنى للمالكي النيل من خصومه السياسيين، وإبعادهم عن المشهد السياسي العراقي.

وجاءت المحاكمة لتزيد من شعور السنة بالغبن والإحباط، ولتدخل البلاد في دوامة جديدة من التفجيرات والاغتيالات. كما أنها زادت من غضبهم على التحالف العراقي – السوري – الإيراني، والذي يعتقد خصوم المالكي أنه الداعم الأكبر لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي تشهد بلاده نزاعات دموية تطال معظم الأراضي السورية، وهي مرشحة للامتداد إلى الداخل العراقي، ولاسيما في الشمال العراقي حيث ضاق الأكراد ذرعاً بتصرفات المالكي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وباتوا مطالبين بالأفعال تجاه ما يجري في سورية، بعدما فقدت الدولة السورية سيطرتها على أراض متاخمة لكردستان العراق وذات أغلبية كردية.

كراهية الحكم المركزي منذ عهد صدام
ولا يشعر أكراد العراق بالود تجاه رئيس وزراء الحكومة المركزية، نوري المالكي، تماماً كما كانوا يشعرون تجاه صدام حسين. ومنذ أن ضمن لهم التحالف الغربي الذي قاد حرب تحرير الكويت العام 1991 حدوداً آمنة صاروا يتطلعون للاستقلال وبناء مؤسساتهم الوطنية. وبعد حرب 2003 زادت طموحاتهم. وعلى الرغم من أن رئيس العراق هو مسلم كردي سني، إلا أن ذلك لم يخلق رغبة لدى القيادة الكردية في أربيل للانصهار في بوتقة دولة العراق الجديدة التي طالما تغنى من احتلوها بأنها ستكون واحة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. لكن ذلك لا يزال رهن الاختبار.

وفي هذا المجال تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في طريقه ليصبح دكتاتوراً للعراق مساوياً للرئيس الراحل صدام حسين، وإن الولايات المتحدة لا تحرك ساكناً لقطع هذا المسار. وأشارت إلى أن هذا التوجه سيعيد العراق إلى الحرب الأهلية. مضيفة أمثلة على المالكي في كل شيء، فقوات العمليات الخاصة العراقية، والتي توصف بأنها الأفضل في الشرق الأوسط أصبحت حرساً إمبراطورياً يُطلق عليه اسم "فدائيو المالكي" (يذكرنا هذا بفدائيي صدام)، والأمر نفسه يسري على أجهزة الاستخبارات وجهاز القضاء.

وفي الاقتصاد أطاح المالكي بمحافظ المصرف المركزي العراقي ما اعتبره البعض خطوة منه للتحكم بالسياسات النقدية والمالية في العراق. وفيما يخص الأكراد فقد ضيق عليهم في مجالات استخراج النفط وتصديره، وحاول ربط العملية برمتها بحكومته المركزية، بل إنه عاقب بالحرمان كل شركة عملت مع الأكراد في هذا المجال. ويعلق بعض الخبراء على هذا الأمر بأنه ناجم عن قناعة المالكي بأنه قادر على تهديد الحكم الذاتي في شمال العراق، بعدما استطاع إرغام السنة في بلاده على ترك السلاح، والدخول في العملية السياسية عام 2010.

غضب كردي وحسم المالكي
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي شكلت حكومة المالكي قيادة عسكرية تحمل اسم "قيادة عمليات دجلة" لتتولى مسؤوليات أمنية في محافظات تضم مناطق يدور التنازع عليها في الشمال وهي كركوك وديالى وصلاح الدين. هذه الخطوة أثارت غضب القادة الأكراد حيث اعتبر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، أن "تشكيل ما يسمى بقيادة عمليات دجلة في مناطق كركوك وديالى خطوة غير دستورية من قبل الحكومة العراقية". وقال: "منذ البداية كانت لدينا شكوك ومخاوف من تشكيل هذه القيادة، ومن أنها تأسّست بنوايا وأهداف ضد الأكراد والعملية الديموقراطية والتعايش في المناطق المستقطعة من كردستان". هذه التصريحات رفضها المالكي موضحاً أن القيادة "لا تستهدف مكوناً أو محافظة أو قومية"، وشدد على أن تشكيلها يندرج في إطار "الصلاحيات الدستورية" التي يتمتع بها. ولم ينس أن يحذر القوات الكردية (البشمركة) بعد إرسالها تعزيزات قرب المناطق المتنازع عليها. علما ان قيادة الاقليم لا تسمح لوحدات الجيش العراقي بالمرابطة فيه او لحراسة الحدود الخارجية العراقية.

الأتراك على خط الخلافات العراقية
الدبلوماسية التركية لم تكن بعيدة عن خط التجاذبات السنية – الشيعية الحالية، كما لم تكن بعيدة عن حالة التوتر بين المالكي وأكراد الشمال العراقي. ففي الخط الأول استضافت أنقرة نائب الرئيس العراقي المحكوم بالاعدام، طارق الهاشمي، محاولة أن تبدو المدافعة الكبرى عن سنة العراق، وهو ما حاولت فعله في سورية خلال شهور الأزمة بطبيعة الحال. ومع احتدام الخلاف بين البرزاني والمالكي تصرفت انقرة بمرونة عالية، فهي وإن كانت لا توافق على إقامة دولة كردية في شمال العراق، إلا أنها لا تجد بأساً في حكم ذاتي لهم تسعى لتطبيقه على أراضيها مع أكراد ترك تحاربهم منذ سنوات، وازداد نشاطهم ضدها حين انقلبت سنوات العسل السورية – التركية لتصل إلى حافة الحرب، فالأتراك فتحوا بلادهم أمام المدنيين والجنود الهاربين من سورية، وثمة من يقول بوجود معسكرات تدريب، والسماح بتهريب الأسلحة إلى معارضي الرئيس الأسد.

أما الحكومة السورية فلم تنتظر طويلاً قبل أن تعود لتسمح لأحزاب كردية تركية مسلحة بالعمل على أراضيها لمهاجمة أهداف تركية. ومعروف أن دعم سورية لتنظيمات عسكرية كردية تركية في الماضي كاد أن يوصل كلاً من أنقرة ودمشق إلى حافة الحرب العام 1998 لولا وساطة مصرية حالت دون ذلك.

وفيما ينأى البرزاني، ولو في العلن، إقليمه الكردي عن الأزمة السورية، ويفضل الحديث عن أكراد سورية كأشقاء ينبغي مساعدتهم في الأوضاع الصعبة، فإنه في الوقت نفسه متفق مع أردوغان بخصوص التمرد الانفصالي الدائر منذ وقت طويل لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا، ويرى أن الحل ليس عسكرياً بل بإنهاء الصراع عبر التفاوض تحت سقف الحكم الذاتي على غرار ما تم في شمال العراق.

فساد لم يشهده التاريخ البشري
المرونة التي مارستها أنقرة مع أربيل لا يبدو أن المالكي يجيدها سواء مع حلفائه أو معارضيه. وعلى سبيل المثال كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد خططت لإقامة سفارة يعمل بها 16 ألف موظف ومحطة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) قوامها 700 موظف، لكن المالكي أصر على أن يكون مكتبه مسؤولا بشكل مباشر عن الموافقة على أي تأشيرة لأي دبلوماسي أمريكي. وقد تجلى عناده بالتصريح عن إلغاء صفقة بمليارات الدولارات لشراء أسلحة روسية بسبب فساد شابها، ثم تبين أن الحديث لم يكن يدور عن صفقة بل عن عروض أسعار لا أكثر.

ويقول خصومه إن ذريعة الفساد إنما هي حيلة يستخدمها للنيل من خصومه، ففي سنوات حكمه بات المال العام في العراق مجالاً للنهب بمئات المليارات. وبحسب "منظمة الشفافية الدولية" فإن الفساد الذي شهده العراق طوال السنوات السبع الماضية لم يشهده التاريخ البشري كله.

وبغض النظر عن ملفات الفساد التي ستبقى مدار اهتمام كل غيور على العراق وشعبه، فإن الحديث عن حرب أهلية في العراق يبدو أكثر أهمية في الوقت الحاضر. ففي ظل الحرب الأهلية الناشبة في سورية ثمة مخاوف حقيقية من انتقالها إلى العراق، وإن تم ذلك بشكل غير مباشر. ويرى مراقبون أن العراقيين ينضمون لطرفي المعركة، وهذه المسألة بدأت تثير احتقاناً مذهبياً في العراق ولا سيما في ظل التقارير التي تشير إلى أن سنة وشيعة عراقيين يحاربون إلى جانب طرفي الصراع في سورية، وهو ما دفع البعض للقول إن سورية أصبحت ساحة معركة إقليمية طائفية.

الديمقراطية لا تجلبها القسوة والدبابات
وفي الحق فإن قرابة ربع قرن قضاها العراقيون وهم يعانون من الحروب والحصار، والاختلافات المذهبية التي وصلت حد القتل على الهوية، كفيلة بأن تمنعهم في المستقبل القريب، وربما البعيد، من الوقوع مجدداً في فخ دوامة الحروب المجانية، فالديمقراطية التي لم تستطع دبابات واشنطن وحلفائها جلبها للعراق قد تكون منالاً سهلاً بعد سلسلة الآلام والدماء، فالاعتراف بالآخر والعيش المشترك ونزاهة الانتخابات هي صمام الأمان كي لا ينجر العراق نحو دوامة القتل والتقسيم. فالشرق الأوسط يكفيه الآن ما يجري في سورية من فصول ستكشف قادمات الأيام قصصاً وفصولاً عن بشاعتها وعنفها ولا انسانيتها لن تمحى من الذاكرة الإنسانية .

سامر الياس

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)





Matty AL Mache