دروس مستقاة من قصص ألف ليلة وليلة/ شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 05, 2016, 09:25:44 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  دروس مستقاة من قصص ألف ليلة وليلة   



برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا


الحياة كلها دروس . كان ذلكصحيحا منذ البدء وسيستمرهكذا الى الابد ، أحداث وتجارب وظواهر وقصص وحكايات تتكرر بصور واشكال مختلفة ، والكثير منها يحمل لنا عِبَراً نحتاجها في حياتنا اليومية. منذ سنواتعديدة كنتُ قد قرأت بعض حكايات ألف ليلة وليلة ونسيت الكثير منها ، غير اني قبل ايام وقعتُعلى طبعة منهاباللغة الفرنسية،فاتخذتهامطالعة مفضلة تسعفني في اجتذاب  النعاس ليلا . في غمرة ما قرأته ، مررت على قصة اعجبتني كثيرا لِما تحمله من معانٍ . اختصرتُ القصة ووضعتها في فم راوٍ قصّها عربيّاً على النحو التالي :
كنتُ قد ورثتُ من والديّ  ثمانين ناقةً ، كنت أُعيرها الى تجّار القوافل لقاء مبالغ كانت تساهم في إبقائي على الحياة ، غير اني  كنت اطمح دوماً في المزيد. في أحد الايام ، وبينما أنا أسرّح الابلَبعد انتهاء رحلتها ، إلتقيتُ رجلا مُسنّا ذا لحية بيضاء.بادرتُه بالسلام ودعوته للجلوس لاتخاذ قسط من الراحة. بعد التعرف مليّاً على بعضنا البعض ، أحسستُ في سياق الحديث بان الرجل قد يُفيدني ، فأفصحت له عن رغبتي العارمة في الحصول على مصدر اضافي للعيش .لم أتوقع ان يستجيب زائري لرغبتي ، ولكنه اجابني وعلى الفور: ان طلبكآتٍ في أوانه ، لأني قد عثرتُ ، على خزنة تحوي كنزا مليئاًبالذهب والمجوهرات والاحجار الكريمة ولكن الوصول الى إليها ليس بالأمر الهيّن . طلبتُ من الشيخ الجليل ان يقودني الى ذلك المكان ، ووعدته لقاء ذلك إهداءَه ناقة محمّلة بالذهب. وافق الرجل المسنّ على طلبي وقال :لا أمانعُ من اقتيادك الى هذا المكان ، ولكن ، ألا ترى بأن العدالة تقضي  ان نتناصف الغنائم ؟ يجب عليك إذن التنازل عن نصف النوق بما ستحمله،وتحتفظ أنت بالنصف الاخر ، لأنه وبالرغم من تخليك عن نصف النوق ، ستكون صاحب ثروة طائلة لم تخطر ببالك حتى في الاحلام .
تضايقتُ من طلب العجوز ورأيتُأنّالاذعان له أمر في غاية الصعوبة ، إذ كنت اقول :كيف يمكنني  التخلي عن اربعين ناقة ؟غير انيعند تقليب الموضوع من كافة جوانبهتأكدت من صواب الكلام ، ووجدت نفسي رابحاًفي نهاية المطاف ، وعلى اية حال لم يكن لي خيار آخر. إتّجهنا بنوقنا الثمانين نحو وادٍ بعيد يقع بين جبلين شاهقين ، كان علينا اتخاذ ممرّ ضيق جدا لم يُتِحللنوق المرور إلاّ الواحدة تلو الاخرى .كان علينا تسلق جبل عال، وسلوك طريق وعر جدا. بعد مسيرة أجهدتنا كثيرا ، بلغنا الهدف  ودخلنا مغارة بعيدة عن أنظار النسور. قام صاحبي الشيخ بجمع الحطب واشعل النار ،  وبعد ان أضاف اليه بعض حبات البخور وردّد عبارات لم اقوَ على ربطها بلغةمعروفة ، رأيتُ صخرة كبيرة تتحرك  وتنفتح على كنز كبير جدا من الذهب وانواع المجوهرات والاحجار الكريمة . إنقضضتحالا على الذهب وبدأت بملءالاكياس، وقام الشيخ بدوره بنفس العملية وحمّلنا النوق بالذهب والاحجار الكريمة.
قبل ترك المكان وإعادة الصخرةالى مكانها ، تقدم الشيخ قليلا نحوآخر الخزنة، وتناول علبة خشبية صغيرةوضعها في جيبه .دعاني فضولي لسؤاله بشأنالعلبة ، فقال لي : انها تحوي مادة دهنية أحتاجها أحياناً . تركنا الخزنة والجبل العالي وقطعنا مسافة طويلة ونحن نسير جنبا الى جنب ، وعندما  بلغنا مفترق الطرق ، توقفتُوقبّلته بحرارة وعبّرت له عن امتناني  لصنيع  لن أنساه  ابداً وودّعته . 
لم أكنْ إلاّ في الخطوات الاولى من طريقي الجديد ، عندما شعرتُبندم وحزنعميقين  لتنازلي عن الابل ، وأحسستُ بشيطان الجشع يخيّم على أفكاري، فعدتُ ادراجي وناديت العجوز قائلا : يا صاحبي لقد فكرت بأمرك كثيرا . انك رجل مسنّ وزاهد في الحياة ، وقد لا تقوى على الاهتمام بهذا العدد الكبير من الابل ، لماذا لا تتخلى لي عن عشرة منها ؟ استجاب الشيخ حالا لطلبي دون اعتراض . عندما رأيتهبهذا السخاء، ازداد طمعي ، فبادرته من جديد قائلا : لا زلتُفي نفس قلقي بشأن الصعوبة التي ستلاقيها في تلبية احتياجات هذه النوق ، لماذا لا تتخلى لي عن عشرة اخرى ؟ فقَبِل الرجل المسنّ اقتراحي  واستجاب لطلبي الجديد ، وعندما رأيته في استعداده الطيّب هذا ، كان الشيطان المكلف بالترويج للطمع والجشع والشراهة والنهم  قد أتمّ دقّ أوتاده ، ووسّع خيمته في كافة مساحات جسمي، وجعلني أتجرّأ من جديد وأقول: انا اعرف بانك رجل تقي تٌمضي جلّ اوقاتك في الانزواء والصلاة ، قد تحوّلك هذه الاموال عن التفرّغ لعبادتك ، لا سيّما وانك تعيش لوحدك ولا تحتاج الى كل هذا المال ، لماذا لا تعيد باقي النوق إليّ ؟ بعد تردّد قصير ، وافق الشيخ على طلبي وقال : تمتّع بهذه الاموال، ولكن لا تنسَ بان الله قادر على حرمانك منها بنفس السهولة التي حصلت عليها ، إذا لم تحسن استخدامها .
عند هذا الكلام ، اصبحتُ كالمهووس وكأن الشيطان الذي كان قد وسوسني في البداية تحوّل لمعول لا يكفّ عن دقّاتهداخل رأسي ، وجعلني أشكّ في أمرالعلبة التي اخفاها الشيخ في جيبه ، وقلت في سرّ نفسي لا بدّ انها تحمل سرّا كبيرا. هناكنتُ قد فقدتماء وجهيكاملا وبلغت حدّ الوقاحة، ودون مقدّمات طلبتُمنه أن يهبني العُلبة.نظر اليّ الشيخ وأخرج العلبة وقال : ان العلبة التي تطلبها بإلحاح ، تحوي مادةإذا مسحت بها جفنة عينِكَ اليسرى ، سترىامامك كنوز كثيرة ، ولكن حذارِ ثمّ حذارِ ، لأنك اذا أخطأت ووضعتها على عينك اليمنى ،فانك ستصاب بالعمى .
طلبتُ منه حالا ان يضع القليل منها على عيني اليسرى ، وعندما فعل ذلك ، رأيت نفسي فعلا أمام كنز هائل من الذهب . فقلت في نفسي لا شك ان العين اليمنى ستمكنني من الحصول على محتويات هذا الكنز ،  فطلبت منه وضع المادة الدهنية على عيني اليمنى . رفض الشيخ قائلا : لن افعل ذلك لأني، وكما حذّرتك ،  ستُصاب كلتا عينيك بالعمى . لم اصدّق اقواله وقلت في نفسي :  انه من غير المعقول ان تكون نفس المادة ذات مفعولين مغايرين من عين لأخرى ، لابدّ انه لا يرغب في حصولي  على ثروة اخرى .عندما ألححت عليه ، أقسم الشيخ من جديد بانه يقول الحقّ وبان المادة ستقودني الى  العمى لا محالة ، ولكني لم أشأ تصديقه  بل ركعت على قدميّ أتوسّل اليه .
قبل ان يضع المادة على عيني اليمنى قال لي : إنكبإلحاحك هذا متجّه الى نهايتك المحتومة ، واعلمْ بانك ستفقد كل ما حصلت عليه من كنوز ، وستندم على ذلك طوال حياتك . أمام عدم اهتمامي وتشكيكي بقوله ، قام الشيخ وهو يهزّ رأسه ، بوضع ما تحوي العلبة على عيني اليمنى ، فدخلتُ حالا عالما مظلما لم اتمكن من الخروج منه بالرغم من صراخي وعويلي ونحيبي وندامتي.
قال لي الشيخ : قد انتزع الله منك خيرات لم تكن تستحقها ، لان قلبك كان قد اصيب بعمى قبل عينيك ، قال هذا واخذ النوق الثمانين بما حملت من كنوز  وانصرف.
أما أنا ، سأكون مُشوِّها للقصة اذا اضفت أيّ شرح او تعليق، لان الدروس التي البليغة التي تحملها ، تسيل من كل فقراتها كمطر الربيع الذي يهطل بزخات ، وتبقى بعض قطراتهتبطئ التساقطلمزيد من التفكير والتحليل والتأمل.