(http://www.baretly.org/uploads/14711142391.jpg) (http://www.baretly.org/)
الدواعش مرّوا من هنا
منذ نشوء الدولة الاسلامية قبل اربعة عشر قرنا والى الآن كان للدواعش مكانة وحضور قوي فيها على مر العصور. وكان التاريخ الاسلامي الرسمي واضح كل الوضوح وهو يُشيد بالفتوحات الاسلامية ، ويبرّر القسوة والتطرف كـ "مستلزمات " لفرض الايمان قسرا ( أسلم تسلم ) ، وكان يجعل من الدواعش أبطالا ومن افعالهم قدوة ومن افكارهم عقيدة .
ففي غزوة بني قريظة التي قادها رسول الاسلام في السنة الخامسة للهجرة على يهود بني قريظة في المدينة المنورة انتهت باستسلام بني قريظة بشرط التحكيم ، وجاء الحكم بـ " قتل جميع الرجال وسبي نساءهم وذراريهم وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين ".
وفي حروب الردّة ، كان خالد بن الوليد هو اللاعب الأساسي على هذا المسرح الدموي ، فكان مثال السيف الإسلامي المتوحش لقهر الآمنين ، كان صورة للتوحش في قسوته ، حيث روي أن خالد بن الوليد كان يجمع المرتدين منهم في الحظائر ثم يحرقها عليهم بالنار... ولعل إحدى القصص المشهورة عن دموية خالد بن الوليد ، هي قصته مع مالك ابن نويرة بالبطاح ، فقد أمتنع مالك عن الزكاة ولكنه لم ينكر الإسلام ، وكانت له زوجة في غاية الجمال ، أمر بضرب عنقه ، ووضع رأسه في النار تحت قدر الطبخ ثم دخل على زوجة المقتول في نفس الليلة ... أغضب هذا الفعل الصحابي عمر ابن الخطاب وطلب من الخليفة ابو بكر معاقبته ، لكن الخليفة أجاب : " والله لا اغمد سيفا سلّه الله !!! ".... أما الفجاءة السلمي، واسمه إياس بن عبد ياليل، وقد أسره طريفة بن حاجز و عبد الله بن قيس الحاشي ، فلما قدم مأسورا أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطاً (أي مربوطا)......
في معركة أليس (نهر الدم) أصرّ خالد ابن الوليد على قتل " الاسرى النصارى " النهاركلّه حتى يجري النهر دما !!! والغريب في الامر ان الذين كانوا ينفذّون القتل توسلّوا الى خالد مرارا ان يتوقّفوا بعد ان ملّوا من القتل .
لم ينسَ كاتبوا التاريخ ان يُضفوا أقوالا وأفعالا ذات مسحة انسانية على اولئك الدواعش ليجعل منهم مخلوقات مركبّة من " القسوة والرحمة " وهي صفتان متناقضتان لا يمكن ان تجتمعان في رجل واحد ... وإن حدث واجتمعتا ، فإن حاملها " مزاجي خطر" لا يمكن التكهّن بما سيقدم عليه .
وفي الدولة العثمانية ، التي كانت مركزا للخلافة الاسلامية ، كانت مسألة قتل اخوة السلطان واولاده مسألة قانونية موضوع لها قانون ضمن القوانين التي وضعها الفاتح !!! ,,, اما الاسباب الموجبة لهذا العمل الشنيع فقد كانت لغرض "درأ الفتنة وللحفاظ على الدولة " !!!!
http://ottoman-state.blogspot.ca/2013/04/blog-post_6.html
فإذا كان السلطان ( القدوة ) يرتكب مثل هذه الجرائم بحق العلاقات الاخوية الانسانية ، فما بالك مع الغرباء ؟!... اي درس شرير سيتعلمه الجيش والناس من هذه الافعال ؟!
ولم يقتصر الامر على الدواعش من الرجال فقط ، فمثلا إن (الخيزران) ام (هارون الرشيد)، لم تتوانى عن قتل ابنها الاكبر(الهادي)... ام حنونة تقتل فلذّة كبدها لانه حاول ان يحد من طموحاتها، لتأتي بدلا منه بابنها الاصغر الذي شاركته السلطة.
يخبرنا الراحل د.فرج الفودة ( تم اغتياله من قبل الاسلاميين ) في كتابه " الحقيقة الغائبة " كيف ان العباسيين اخرجوا جثث بني امية من القبور ليمثّلوا بها ويحرقوها !!! .... ثم يروي هذه الحادثة :
" الرواية تبدأ بتأمين السفاح للأمويين الذين زاد عددهم هذه المرة إلى تسعين ، والمأدبة هي نفسها ، وما دام المضيف هو الخليفة فالكرم وارد ، والطمأنينة لا حد لها ، وفجأة يدخل الشاعر ، ويستنكر اكرامهم ، ويدعو للثأر منهم ، فيتغير وجه الخليفة ، ويقوم إليهم ثائراً ، و...وهنا نتوقف لأن هنا شيئا جديدا مفزعا ، فقد أمر السفاح بضرب رؤوسهم بأعمدة حديدية ، بحيث تتلف بعض مراكز المخ ، ويبقى الجسد حياً ، مصطرعاً بين الحياة والموت ، وما أن يرى السفاح أمامه تسعين جسداً منتفضاً ، تقترب مسرعة من الموت ، وترتفع أصواتها بالأنين ، حتى يأمر بوضع مفارش المائدة فوقهم ، ثم يجلس فوق هذه المفارش ، ويأمر بالطعام فيوضع أمامه فوق الأجساد ، ويبدأ في تناول عشائه بينما البساط يهمد هنا ويهمد هناك ، وبين همود وهمود ، يزدرد هو لقمة من هذا الطبق ، ولقمة من ذاك ، حتى همد البساط كله ، ففرغ من طعامه ، وتوجه إلى الله بالحمد "
هنا يطرح الكاتب الراحل تساؤله :
" نحن هنا أمام تساؤل تطرحه هذه الحادثة، وأمثالها كثير، قبل السفاح وبعد السفاح ، ربما ليست بهذه الروعة في الإخراج ، أو الحنكة في التدبير ، أو السادية في التعبير ، لكنها في النهاية تحمل نفس الدلالة وتنقل إلينا نفس الرسالة ، يتساوى في ذلك مقتل حجر بن عدي على يد معاوية أو الحسين على يد يزيد أو ابن الزبير على يد الحجاج أو ( زيد بن علي ) على يد هشام .... ثم يمضي الكاتب في تساؤله فيقول : " وأين كان الفقهاء والعلماء من ذلك كله ، أين أبو حنيفة وعمره وقتها قد تجاوز الخمسين ، وأين مالك وعمره وقتها قد تجاوز الأربعين ، ولم لاذوا بالصمت ولم لاذ غيرهم بما هو أكثر من الصمت ، أقصد التأييد ، والتمجيد ، والأشعار ، ورواية الأحاديث المنسوبة للرسول والمنذرة بخلافة السفاح ومنها ما أورده ابن حنبل في مسنده مثل ( يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، يقال له السفاح ، فيكون إعطاؤه المال حثياً ) ".
والتساؤل عن كنه الخلافة التي يدعون أنها إسلامية وينادون بعودتها من جديد "......
والسؤال الآن هو : " أليست مواقف شيوخ المسلمين الآن هي نفس المواقف في تلك الحقبة من التاريخ ؟ " أليس التاريخ يعيد نفسه ؟
تلك القسوة المفرطة والغير مبررة ، وذلك التفنّن في التعذيب كلما ذهب خليفة ( حاكم ) وجاء آخر .والقتل الذي لا يهدأ لتصفية المعارضين او الطامعين في الحكم ، كل ذلك تم صناعته هنا ... على ارضنا...ولنا الحق ، كل الحق ، بتسجيله في " براءة اختراعنا " ....
الاجيال التي عاشت في القرن العشرين ، القرن الذي شهد سقوط دولة الخلافة الاسلامية عام 1924 ، لكنها لم تسقط إلا بعد ان توّجت افعالها بمذابح الارمن ومذابح سيفو بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 ) ...هذه الاجيال لم تشهد مثل هذه الفضائع ( إلا في حالات محدودة جدا ) .. كان هذا العصر عصر التعليم والثقافة والتنوير ... هذه الاجيال لم تقرأ إلا التاريخ المُبهرج الذي يتناسب وأفكار العصر ...
لكن إصرار شيوخ المسلمين على احياء " الصحوة الاسلامية " والعودة الى تأسيس " دولة الخلافة الاسلامية " تحت رعاية السعودية ، وبعد ان نجحوا ببراعة اموال البترول في أسلمة المجتمعات العربية ، تم ولادة داعش...
لكن هذه الاجيال التي لم تشهد ، وفي معظمها لم تقرأ التاريخ المدوّن في امهات الكتب الاسلامية نفسها ، تفاجأت بأعمال داعش !!! ... أخذت تخمّن وتتكهّن وهي مخدّرة ب " نظرية المؤامرة ".. أخذت هذه الاجيال تضرب " اخماسا بأ سداس " وهي تسمع الاعلام الفاسد ، الاعلام الذي يحاول ان يبرّر وأن يضلّل .. يضلّل في محاولة لتبرأة الاسلام السياسي من كل هذه الافعال الشنيعة ... هذه الافعال التي كانت مألوفة وجذورها ضاربة في اعماق التاريخ الاسلامي .... فالدواعش كانوا هنا ....