ما هو الفرق بين " مسيحي عربي " و " مسيحي مستعرب " ؟
(http://www.baretly.org/uploads/14480379081.jpg) (http://www.baretly.org/)
لقد إنتشر في الآونة الأخيرة مصطلح " المسيحي العربي "و يكاد يطغي على" المسيحي السرياني" و هو من اول الشعوب التي إعتنقت الديانة المسيحية و هو الشعب الأصيل في الشرق و كان يشكل أكثرية السكان في سوريا و العراق و لبنان لأكثر من 2000 سنة رغم الإحتلالات الأجنبية المتعاقبة من فارسية و يونانية و غيرها...
من المؤسف أن أكثرية المسيحيين في شرقنا الحبيب "تجهل أو تتجاهل" جذورها الآرامية الحقيقية ، مما يسمح للبعض إستغلال هذا الجهل المتعمد إذ نرى بعض القساوسة الإنجليين (البرتستانت ( يسمون كنائسهم " عربية " للسماح لهم بالتبشير (مع مساعدات مالية ( بين المسيحيين سكان الشرق الأصليين .
لم تهتم الكنائس الكاثوليكية الشرقية و خاصة الكنيسة السريانية المارونية في نشر الدراسات العلمية حول تاريخ المسيحيين في الشرق و إنصبت دراساتهم حول تواريخ الطائفة المارونية، بدون تحديد "هوية" هؤلاء الموارنة. نشر أحد الإخوة مقالا تحت عنوان "الغالبية الساحقة من السريان اليوم مسلمون" و يؤكد فيه أن الموارنة هم عرب.
تجدون المقال على هذا الرابط
http://www.syriane.com/forum/showthread.php?t=3058
أرجو من القارئ أن "يكتشف" من خلال ردي الفوارق بين" مسيحي عربي " و " مسيحي مستعرب "و أطرح السؤال التالي: هل يحق للمسيحي المستعرب أن يدعي بأنه من سكان الشرق الأصيلين أي قبل دخول العرب المسلمين إلى شرقنا الحبيب ؟
سلام و محبة إلى الأخ Hani و إلى الإخوة المحاورين إنني أفتخر بهذا الموقع الذي يغار على لغة أجداده الأرامية، و أشكر المسؤلين على تطويره و على إهتمامهم بالتاريخ الأرامي .لن أتدخل في مشكلة " الهوية " إحتراما لطلب أحد الإخوة المعلقين كي يبق هذا الموقع بعيدا عن الطروحات السياسية.
أحب أن أعلق على مقال الأخ Hani الذي يعترف "دفعتني فعلا نحو اللهجة الغاضبة للأسف". لذلك أرجو أن يتقبل الأخ Hani هذه الملاحظات برحابة صدره لأن غايتنا الأولى هي النقاش من أجل المعرفة و لا أحد منا يملك "المعرفة" في كل المواضيع المطروحة.
أولا - من هم الغساسنة ؟
الغساسنة ينتمون إلى قبيلة عربية مشهورة جدا ، إذ طلب منهم البيزنطيون الحفاظ على جنوب سوريا من غارات القبائل العربية. و كان الفرس قد طلبوا من قبائل اللخميين العرب و عاصمتهم الحيرة مراقبة الحدود مع الإمبراطورية البيزنطية. تسلط هذه القبائل في العراق و سوريا يدفعنا إلى الظن أن " نسبة كبيرة " من سكان سوريا و العراق كانوا من العرب !
بعض الملاحظات :
أ - إن البيزنطيين قد أوكلوا مهمة الدفاع الى الغساسنة في البادية السورية لأنها تعيش حياة قبلية و تعرف كيف تحارب في البادية و ترد غارات القبائل العربية الأخرى . أي أن البيزنطيين قد أوكلوا الغساسنة لأنهم ضليعون في هذه " المهمة " و ليس لأنهم يشكلون" أكثرية " السكان في سوريا .
ب - التاريخ العلمي يستند على براهين: نحن نملك عشرات و عشرات الرسائل السريانية من القرن السادس الميلادي. هذه الرسائل ( وثائق ( تتكلم عن إنتشار الأديرة و الخلافات بين السريان الملكيين ) كنيسة الروم اليوم ) و بين السريان المناهضين لمجمع خلقيدونيا ) السريان الأرثوكس) و عندنا أسماء و تواقيع عدد كبير من الرهبان و هي بأكثريتها الساحقة أسماء سريانية.
ج - في أواسط القرن السادس، طلب أمير الغساسنة من الأمبراطور يوستينيان و زوجته تيودورا أن يسمح للكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا أن ترسم مطرانين لهذه الكنيسة. لقد ساعد الغساسنة في إستقلال الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا و تدخلوا لحل مشاكلها الداخلية. كان الغساسنة يؤمنون بالعقيدة التي يؤمن بها السريان الأرثودكس اليوم. و يظهر أنهم بدلوا "عقيدتهم" قبل دخول العرب الى الشرق أي صاروا يؤمنون بعقيدة السريان الملكيين أي إخوتنا الروم .
د - معلوماتنا قليلة عن الغساسنة بعد دخول العرب الى سوريا. من المؤكد أن الغساسنة قد دخلوا الإسلام أسوة بجميع القبائل العربية المسيحية. عدد كبير من القائل العربية كانت تدين بالديانة المسيحية في العصر الجاهلي، و لكن كل هذه القبائل قد أسلمت على مراحل خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه العرب المسلمون في طرد البيزنطيون من الشرق و أفريقيا و القضاء على الإمبراطورية الفارسية .
ه - "أكذوبة" كبيرة في عقول الناس: إن أكبر أكذوبة في تاريخنا هي إدعاء وجود مسيحيين عرب. للأسف الشديد بعض المسيحيين يدعون أنهم "عرب قبل العرب أنفسهم" و طبعا بدون أي براهين. هنالك فرق كبير بين " مسيحي عربي " و " مسيحي مستعرب " . المسيحيون العرب كانوا متواجدين في العصر الجاهلي و قد دخلوا الإسلام لأسباب عديدة . المسيحيون الذين " يدعون " اليوم أنهم " عرب أقحاح " هم بأكثريتهم الساحقة سريان مستعربون . ملاحظة أخيرة : نحن نؤمن إستنادا إلى التاريخ أن الشعب الأرامي الذي صار يعرف بالشعب السرياني ، هومن أقرب الشعوب إلى الشعب العربي، فموطن الأراميين القدامى كان البادية السورية و موطن العرب القدامى كان شبه الجزيرة العربية. إستنادا إلى التاريخ لا يحق لنا " خلط " الشعوب و تواريخها ، و يجب التفريق بين المسيحي العربي و المسيحي المستعرب. لا يحق لأحد تجاهل الدور الذي لعبته القبائل العربية المسيحية و لكن لا يحق للمسيحيين المستعربين إنكار جذورهم السريانية ( بحجة أنهم يجهلونها ) و الإدعاء ( بدون براهين) أنهم أحفاد الغساسنة و القبائل العربية كي يتقربوا من العرب الحقيقيين!
ثانيا -هل الموارنة هم سريان ؟
أ - ينطلق الأخ هاني من فكرة خاطئة و هي وجود مسيحيين عرب بعد دخول العرب المسلمين الى الشرق فهو يكتب " بل حتى أن كثيرا جدا من مسيحيي لبنان - موارنة وغير موارنة- ما زالت أنسابهم إلى قبائلهم العربية معروفة إلى الآن ". لقد إنتشرت هذه الفكرة " أنساب الى قبائل عربية " في أواخر القرن التاسع عشر و القرن و أوائل العشرين بين" المسيحيين المستعربين ". هنالك حقيقة لم ينتبه لها الأخ هاني وهي أن المسلم لا يحق له أن يدخل الديانة المسيحية خاصة في العصور الوسطى. بعض العائلات المسلمة خاصة الدروز قد دخلوا الديانة المسيحية في القرن التاسع عشر.
ب - من المؤسف إن بعض المسيحيين المستعربين لا يزالون يفضلون" الأنساب العربية" المزعومة بدل أن يدرسوا و يتعرفوا على جذورهم الحقيقية. لو فرضنا أن أنسابهم العربية هي صحيحة فهذا يعني أنهم دخلوا إلى سوريا بعد سنة 636 م بينما " الحقيقة التاريخية " تثبت أنهم أهل سوريا ( بلاد أرام ) منذ 3000 سنة !
ج - كتب الأخ هاني عن الموارنة " أقرب الناس في منطقتنا إلى العرب في لغتهم وفي كل شيء. وهذا أمر سهل الإثبات،" .
عفوا يا أخ هاني لقد هاجر السريان الموارنة من منطقة سريانية أرامية منذ 3000 سنة و إستوطنوا في جبال لبنان في الشمال أي في منطقة سريانية أرامية . لغة السريان الموارنة الأم هي اللغة السريانية الأرامية و لا تزال اللهجة اللبنانية التي يتكلم بها السريان الموارنة مليئة بالمفردات السريانية لا بل أن الموارنة يتكلمون اللهجة اللبنانية بقواعد اللغة السريانية.
من المؤسف أن الأخ هاني لا يجيد اللغة السريانية و بالتالي لا يرى مئات و مئات التعابير السريانية التي يستعملها إخوتنا الموارنة . لقد ناقشني أحد الإخوة من المسلمين اللبنانيين و قال "هذه أول مرة في حياتي أسمع أن اللهجة اللبنانية مليئة بالمفردات و التعابير السريانية" أجبته ربما أنت لا ترى التعابير السريانية لكونك تجهل اللغة السريانية فقاطعني قائلا" طالع على بالي أن ...
"قلت له فورا" ها إنك تتكلم اللغة السريانية بدون أن تعلم، تعبير (طالع على بالي ) غير موجود في اللغة العربية و هو مأخوذ من اللغة السريانية" . ثم ذكرت لذلك الأخ أنني وجدت نصا سريانيا من القرن السادس الميلادي حيث ورد" أي" طلع على باله". و فعل أي سلق هو قريب من تسلق أي صعد و طلع.
د - إن مجرد بعض العائلات العربية قد إنضمت إلى الكنيسة السريانية المارونية في القرن التاسع عشر لا يعني أبدا أن أكثرية الموارنة ينتمون الى القبائل العربي. كما أن الدراسات العديدة حول اللهجة اللبنانية أو حتى لهجات المدن في سوريا مثل اللهجة الحلبية، تثبت أنها لهجات سريانية أكثر من أن تكون عربية لأن أغلب الكلمات تلفظ حسب قواعد اللغة السريانية.
ثالثا - من هم سكان سوريا ولبنان؟
أ - ذكر الأخ هاني بعض المعلومات و هي بمجملها غامضة مثل "والكل يعلم أن المناطق الناطقة بالسريانية اليوم هي في غالبيتها مسلمة، وأما المسيحيون فلا ينطق بها أحد منهم إلا رجال الدين ... ولولا ضرورات الدين لما كنت وجدت أحدا فيهم يعرف حرفا من السريانية ". هل يتكلم الأخ هاني عن ضيع بخعة و جبعدين و معلولا أم عن سوريا بأكملها؟ و إذا كان يقصد الضيع الأرامية الثلاث فهل صحيح أن المسيحيين في معلولا لا يتكلمون اللغة الأرامية؟ أما إذا كان المقصود سوريا بكل مناطقها، فلا شك أن أغلبية المسيحيين تجهل اللغة السريانية و تجهل أن اللغة السريانية كانت لغتهم الأم .
ب - من هم السريان الحقيقيون ؟
كتب الأخ هاني " فإذا إذا أردنا أن نتكلم بمنطقهم العنصري هذا ، فالسريان الحقيقيون اليوم هم مسلموا سوريا ولبنان ". بصراحة نحن لا نعرف لمن يعود الضمير المتصل " هم " في الكلمة ( بمنطقهم ) ؟ لقد تعرفت على الشعب السرياني الأرامي من خلال سفري و محاضراتي و هو شعب منفتح لا يوجد عنده " منطق عنصري " هذا الشعب هو من أقدم الشعوب في الشرق يكافح من أجل معرفة تاريخه الحقيقي كي لا يذوب في الغرب و ألا يهمش في الشرق. الأخ هاني يعتقد أن السريان الحقيقيون هم المسلمون في سوريا و لبنان. السؤال هل السريان المسيحيون هم مزيفون بنظرك؟ لا شك أن" قسما كبيرا" من المسلمين يعودون بجذورهم إلى الشعب السرياني الأرامي و أغلبيتهم تجهل هذه الحقيقة. السؤال يا أخ هاني كيف يصبح - بنظرك - السريان الحقيقيون هم المسلمين في سوريا و لبنان )و هم لا يعملون شيئا من أجل سريانيتهم) أما السريان الأراميون الذين يجاهدون من أجل الحفاظ على هويتهم التاريخية يتحولون - في ساعة غضبك - إلى " عنصريين "؟
يذكر الأخ هاني في خاتمته " الحقيقة هي أن الكل عبارة عن شعب مختلط من العرب والسريان وغيرهم. فلا يحق لأحد أن يحتكر لنفسه النسب السرياني الآرامي ، خاصة إذا كان نسبه مزورًا ". لا شك أن سكان سوريا هم خليط من شعوب عديدة، يطغى الطابع العربي و السرياني الأرامي بين المسلمين ، بينما حافظ المسيحيون منهم على جذورهم السريانية الأرامية :
نحن اليوم نعلم أن العنصر اليوناني كان خفيفا قبل دخول العرب الى سوريا و البقية منهم هربت مع جيوش بيزنطيا المنهزمة . بعد دخول العرب و تحويل دمشق إلى عاصمة الخلافة الأموية ظل المسيحيون يشكلون أكثرية السكان في الشرق . في القرن السادس عشر كان المسيحيون يشكلون أكثر من ثلث سكان سوريا . السريان المسيحيون لا يحتكرون الإنتماء الأرامي ، فهذا موقع جبعدين المسلم حيث نتلاقى و نتحاور يكافح من أجل الحفاظ على تراثه الأرامي. أخيرا أن "المسيحيون المستعربون" هم الذين ينتسبون زورا إلى العرب و ليس الموارنة ينتسبون زورا إلى الأراميين كما نفهم من مقالك .
صورة
هنري بدروس كيفا باريس – فرنسا
الاختصاصي في تاريخ الآراميين
http://www.nesrosuryoyo.com/forums/viewtopic.php?f=182&t=7453