خبيــر .. ولكــــن
(http://im20.gulfup.com/2012-02-11/1328989612651.jpg) (http://www.gulfup.com/show/Xfh1feuxa6)
مال اللــه فــرج
malalah_faraj@yahoo.com في دولة من مجموعة الدول النائمة والساهمة والحالمة والغائمة , في زمن تميز بكثرة سقوط الوزارات وتشكيل اخرى , سارع الوزير الجديد في احدى الوزارات
الحيوية وعلى الرغم من انه لم يمض عليه في عرينه العتيد الا يومين اثنين , الى التكشير عن انيابه وشمر ساعديه وزمجر بعصبية واستدعى على الفور منتسبي الشؤون المالية والعقود والمناقصات , وناقش معهم عبر اجتماع مغلق , تفاصيل خطتهم الستراتيجية , وشروط وتعليمات عقودهم الاستيرادية واسماء وعناوين واختصاصات والتزامات عملاءهم في الدول العربية والاقليمية والاوربية , ومهماتهم اليومية , وتوقف طويلا باهتمام امام المناقصات والصفقات وحجم الطلبيات , وكأنه خبير وليس وزير , بعد ان اذهلته سعة حجم الاستيرادات السنوية , وهزته بعنف حجم الالتزامات والدفوعات النقدية , وقرر وفقا لذلك حاجة الشؤون المالية لتخصصات وخبرة وكفاءة شخصية استشارية تعزيزا للنزاهة والشفافية .
وبعد ان القى محاضرة (تاريخية) حول اهمية الامانة والنزاهة والدقة والرقابة الميدانية في الحفاظ على المال العام وصيانته من عبث وهدر وسرقات واختلاسات الفاسدين اللئام , وعد كادره المالي برفده بخبير ذا مستوى عالي , مؤكدا بان لديه شخصية نادرة متمرسة ذات طراز خاص , دقيقة خبيرة , مرهفة الاحساس , مؤهلة متمكنة مستفزة الحواس , لدعم وقيادة هذا القسم الحساس .
ما ان انفض الاجتماع وهدأت المناقشات وانتهت الاستفسارات , وعاد الموظفون الى مكاتبهم , حتى احتدمت مناقشاتهم , وتوسعت وتعددت تصوراتهم , وتنوعت وتباينت توقعاتهم , حول الشخصية الفريدة لتلك الكفاءة المالية الجديدة التي وعد السيد الوزير باستقدامها لاحداث الثورة العلمية المالية والنقلة النوعية , واستحداث الستراتيجية الابداعية وفق ارفع الستراتيجيات والمعايير العلمية بعيدا عن الهدر والاختلاسات والحصص والرشا والمغانم الشخصية , وبعيدا عن الصفقات الفاسدة والعقود الوهمية , بما يصون الامانة ويحافظ على المصالح الوطنية .
وما بين التصورات والتوقعات والافتراضات حول تلك الكفاءة الفريدة الجديدة , ومحاولة تحديد ملامحها العلمية والخبراتية العتيدة ادعى احدهم بانها لابد ان تحمل الدكتوراه في اصول التعاملات التجارية , وعبر عن اسفه وألمه لان ظروفه العائلية لم تمكنه من الحصول لا على الدكتوراه الطبيعية , ولا حتى الفخرية التي اصبحت من حصة الملوك والرؤساء والمسؤولين , في حين توقع اخر بان تكون هذه الكفاءة المهنية خبيرة باحدى المنظمات الدولية , وتساءل اخر , ربما يكون خبيرنا الجديد مستشارا في الامم المتحدة , او في احدى وكالاتها المتخصصة , في حين توقعت احدى المدققات ان يكون المعني مسؤولا في احدى الشركات عابرة القارات , واضافت زميلتها بانه ربما كان يعمل في الجامعة العربية , في حين افترض اخر ان يكون مستشارا او خبيرا ماليا في الاوبك .
انفض الاجتماع الذي خصص لتشريح شخصية المسؤول المالي الجديد دون ان يتوصل المجتمعون لتحديد ملامحه الحقيقية , وانغمسوا في اليومين التاليين بالمناقشات المستفيضة وبالتوقعات حول راتبه ومخصصاته وصلاحياته ومهماته وطريقة عمله وستراتيجيته , فمنهم من ادعى بانه سوف يستلهم في ستراتيجيته المالية الخطوط العريضة لتجربة السوق الاوربية المشتركة وبما يؤهله لكسب المعركة , وبما يتماشى وتحرير التجارة واقتصاد السوق , بينما شدد اخر على انه سيعتمد التجربة الصينية التي اكدت تفوقها على كل التجارب الدولية بنجاحها في تحويل الصين من دولة متسولة الى دولة مانحة , ورأت موظفة اخرى بان ستراتيجيته المالية ستعكس بالضرورة ملامح التجربة الامريكية لانها توقعت بانه خريج احدى الجامعات الامريكية , ورأى اخر بان تجربة مجموعة العشرين ورؤاها ستكون الاقرب نظرا لحيويتها في احتواء الديون وفي التعامل مع الازمات المالية الدولية .
وفي كل هذه المناقشات والافتراضات واستعراض التجارب العالمية لم تخطر ببال احدهم الستراتيجيات الشرقية لابرز الاسواق المالية والاقتصادية وفي مقدمتها (الحمرا) و (الشورجة ) و(شارع الهرم ) و(مريدي) و(الحميدية) مما يعد اهانة لكل هذه التجارب المالية والاقتصادية العربية العريقة.
بعد يومين من الانتظار والمناقشات والاستعدادات والمناظرات والاراء والمماحكات والنوادر والطرائف والتوقعات , حل رجل المهمات , واستاذ الستراتيجيات , ومذلل العقبات , وخبير التعاملات الدولية والشؤون المالية والاقتصادية , وبعد ان انهى جلسة مجاملة قصيرة مع السيد الوزير , التف المعنيون حول رئيس القسم تسبقهم لهفتهم لقراءة الامر الوزاري المنتظرلتعيينه والذي جاء فيه :
(تقرر تعيين السيد فلان الفلاني مستشارا للشؤون المالية ومشرفا على لجان العقود والمناقصات والمشتريات وفتح العطاءات بدرجة خاصة) .
اندهش الموظفون وعقدت الحيرة السنتهم , فلم تكن هنالك اية اشارة الى شهاداته الدراسية ولا الى درجته العلمية ولا الى خبراته المهنية .
بعد زوال تاثيرات الصدمة , تمالك رئيس القسم اعصابه وحطم حاجز التردد وتوجه الى مكتب الوزير سائلا السكرتير عن شهادة هذا المستشار الجديد العتيد المجيد الفريد السعيد .
اجابه السكرتير بلهجة عتاب اخوية وابتسامة ساخرة على شفتيه كانه يقرر حقيقة لا جدال فيها :
وهل يحتاج شقيق زوجة السيد الوزير الى وثائق وشهادات ؟
(http://im27.gulfup.com/2012-04-28/1335593683493.jpg) (http://www.gulfup.com/show/X91rck8pe01csk4)
(http://im27.gulfup.com/2012-04-28/1335593684134.gif) (http://www.gulfup.com/show/X91rcl6waqqcc40)