سكان الحاويات ( الكرفانات ) النازحين ، وخيار ما بين الهجرة والشوق الى بلداتهم وا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مارس 14, 2015, 03:59:48 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

سكان الحاويات ( الكرفانات ) النازحين ، وخيار ما بين الهجرة والشوق الى بلداتهم والواقع المرير




برطلي . نت / خاص
هي اشبه ما تكون بحاويات البضائع او تلك التي تستخدم كمخازن لحفظ المواد اقرب من ان تكون كرفانات يسكنها اناس من الذين يسمون بالنازحين . قاعة كبيرة بجدران عالية مسقفة بالصفيح ( جنكو ) لها مدخل من الامام ومن الخلف ، قسمت بقواطع على شكل خانات ، وُضِع عليها سقف من طبقة خفيفة من البلاستك ، ومن الامام وُضع عليها بابٌ لتسمى ( كرفان ) . الخانات تمتد على طول القاعة وعلى جانبيها ليترك بينهما ممرا صغيرا هو المكان الوحيد الذي يؤدي الى هذه الحاويات .
المشروع انجز من تبرعات الجالية المسيحية في ولاية مشيكان ومدينة ديترويت ومن خلال مطرانية ديترويت الكلدانية ومنظمة ( تاتوري في جي بروكرام ) . نُفذ على عجل لايواء العشرات من العوائل التي كانت تسكن الحدائق وساحات الكنائس في خيم وتحت المطر .





كل شيء هنا مشترك

الخصوصية هنا في هذا المكان لا وجود لها فهي مفقودة ، لا يوجد هناك ما تقول انه شخصي لا يشاركك فيه احد ، حتى الحديث العائلي تقول ( وسن نبيل ) ربة بيت ومهجرة من بغديدا ، فهو ليس بملكك ، بامكانك ان تسمع كل ما يتحدث به جارك . فهذه التي تشاهدها والتي تفصل بين غرفة واخرى  ما هي الا جدران لا تمنع الا الرؤية فقط ، وهي عبارة عن قواطع بلاستيكية نسمع من خلالها حديث بعضنا البعض .
اما ( سوزان فرج ) مهجرة من برطلة تقول . الحمامات هنا مشتركة ، المطابخ مشتركة ، وحتى هذا التنور الذي تخبز عليه جارتي الان هو مشتركٌ ايضا ، تجد ايضا عدة عوائل تشترك في ثلاجة واحدة لحفظ بعض المواد الغذائية القابلة للتلف . هذا الاشتراك ما يخلق بعض النزاعات والمشاكل بين العوائل ، نزاع على الاولوية في الطبخ في الاستحمام في الحصول على الماء الحار ، تصور نزاعٌ حتى على مكان نشر الملابس ، نزاع على المرور في هذا الممر الضيق ، كل هذا بسبب الازدحام في المكان ، ولكن نقدر الوضع فلا تصل نزاعاتنا هذه الى القطيعة .





المكان بيئة مشجعة لتكاثر الاوبئة والامراض

تعود ( وسن ) لتضيف اننا هنا في هذه الحاويات نعاني من ارتفاع نسبة الرطوبة فيها حتى انني يوميا اقوم بمسح جدرانها من الرطوبة والتعفن ، حيث لا تهوية فيها وهي داخل مكان يكاد ان يكون شبه مغلق ، كما انه بالاضافة هي مكان للنوم ، فهي ايضا مكان للطبخ ومكان للاستحمام ، فقلة الماء تقول جارتها ( سوزان ) نضطر الى الاستعاضة عن الحمامات المشتركة بالاستحمام في داخل هذه الغرف . نفرش قطعة من ( المشمع ) على الارض تقول ( وسن ) واحمم اطفالي داخل هذه الغرفة ، لانني لا أطمئن على صحة اطفالي اذا ما استخدمت الحمامات المشتركة ، فهي غير نظيفة وربما هناك امراض معدية . تؤكد ذلك جارتها الاخرى التي تقول انها دائما ما تعاني من الاختناق اثناء الليل بسب قلة التهوية .اما ( سهام حنا ) مهجرة من بغديدا . تقول ان الكرفانات التي نعيش فيها غير صحية فدائما ما تجدنا نحن واولادنا مرضى بسب الازدحام في المكان .
( متي يوحانا ) احد سكنة هذا المجمع يقول . ان الشمس لا تجد طريقا لها الى هذا المكان لانه مقفل ، وهذا ما سيساعد في انتشار الامراض . جارته ( وسن ) تقول دائما ، كلما اجد الشمس مشرقة خلال ايام الشتاء هذه ، اصطحب اطفالي ، احتضنهم واجلس خارجا في المكان الذي تشرق عليه الشمس لنتمتع قليلا باشعتها الذهبية . اما اذا انقطع الكهرباء ودائما ما يحدث يقول ( متي يوحانا ) تجدنا في ظلام دامس نتلمس بعضنا البعض حتى خلال ساعات النهار .



تصطحبني احدى الساكنات في هذا المجمع الى مكان نشر ملابسهم المغسولة خارج القاعة ، خطوط متقاطعة من الحبال منشورة عليها قطع الملابس بمختلف الالوان والاحجام ، مشكلة كالمتاهة اذا ما دخلت بينها فلن تستطيع الخروج منها . تقول هذه المرأة والضحكة تعلو وجهها من غرابة المنظر ، يوم تكون الشمس مشرقة فهذا هو عرسنا نحن النسوة ، نجمع كل ما لدينا من ملابس متسخة ربما هي لاسبوع فيبدأ الهرج والمرج في المكان مستغلين فرصة شروق الشمس لنشر ملابسنا المغسولة .
هناك الى جانب هذا المكان وبمحاذاته بركة من المياه الاسنة تقول ( سوزان ) انها مكان لتجمع مياه الحمامات والمغاسل وربما حتى المياه الثقيلة التي تفيض خزاناتها الارضية ، هذا ما يشكل بيئة لتكائر الحشرات والامراض .







عائلتان تشتركان في السكن في ( حاوية ) كرفان واحد

ما يثير العجب والاستغراب في هذا المكان ، ان هناك اكثر من عائلة تشترك في كرفان واحد .
( عائدة صليوا ) مهجرة من بغديدا تأخذني الى مكان سكنها لاشاهد بام عيني ذلك ، تفتح لي الباب رائحة المكان غير مستحبة تختلط ما بين روائح الرطوبة والعفونة والطبخ ، تقول لقد تعودنا على ذلك ولم نعد نحس به ، لكن الصدمة اكثر عندما وجدت الكرفان مقسم بقطع من القماش الى قسمين ، مربع صغير عند المدخل لا يتجاوز الثلاثة امتار مربعة وبجانبه من الباب ممر صغير يؤدي الى مربع ثان في الخلف ، تؤشر بيدها وتقول هذا هو مسكن عائلة وذاك الذي في الخلف مسكن عائلة اخرى . هكذا تم توزيع هذه الكرفانات العوائل التي يقل عددها عن الستة افراد تسكن كل عائلتين في كرفان واحد . تصور الوضع المأساوي الذي نعيشه ، اية خصوصية نملكها في هذا المكان ، لسنا وحدنا الذين نقتسم الكرفان بهذا الشكل في هذا المجمع ، فهناك كثيرون غيرنا . قالوا لنا ان الامر مؤقت وها قد مرت ثلاثة اشهر ونحن على نفس الحال .
الحاويات ( الكرفانات ) هي بابعاد ( 7 × 3 )م2 واحيانا ( 6 × 3 )م2  . هذا كرفان آخر تتقسمه عائلتان تقول ( براء لبيب ) احداهما مكونة من ثلاثة افراد والاخرى من اربعة .




اما زياد الشاب الذي عقد قرانه قبل شهر من الزمان ، اقتطع الجزء الخلفي من الكرفان ليكون عشه الزوجي ، قطعة من القماش تفصله عن باقي اجزاء المكان ، ترفع الستارة زوجة اخيه ( وسن ) لترينا غرفة نومه التي هي عبارة عن سرير بطابقين ، سُلِم للعائلة من قبل اللجنة المشرفة على المجمع ، ربما يستخدم الطابق العلوي من السرير لنوم اطفاله في المستقبل .



ضغوطات نفسية وظروف معيشية صعبة

تقول ( وسن ) كان زوجي كاسبا هناك في بلدتنا بغديدا ويعمل باجور يومية لكن وضعنا المعاشي كان جيدا استطعنا ان نؤمن لنا مسكنا خاصا بنا ، صحيح كان يأتي متعبا من العمل ، الا انه كان يعود الى بيته فيجد كل شيء منظما ومرتبا يخلد الى سريره ليريح جسده ثم يحتضن اطفاله ويلاعبهم . اما هنا الامر اختلف تماما ، هنا وكأنك تعيش في وسط السوق صراخ وضجيج وضيق في المكان وقلة في العمل بالكاد يعثر على قليل منه . احيانا ، تضيف ( وسن ) ما أُصابُ بنوبات عصبية بسب الوضع الذي نعيشه ، انتقم من اطفالي لمجرد خطأ بسيط يقومون به . كأن يخرجون للعب خارج الغرفة وانا اخاف عليهم كثيرا من الامراض ، أو يعودون متسخين مما اضطر الى دوام ثان للغسل والاستحمام ونشر الملابس وهذه امور صعبة القيام بها باستمرار خلال النهار . فلا غسالة ولا مكان لنشر الملابس غير الخرابة في الخارج فالمكان يضيق بنا . تُكمل ( وسن ) حديثها ، أجلس في اكثر الاوقات وافكر كيف كنا نعيش سعداء آمنين في بيوتنا والان نعيش في هذه الحاوية . لا شمس تصلنا ، كل حركة محسوبة علينا .



( براء لبيب ) ربة منزل زوجها عاطل عن العمل أمٌ لطفلين ، أجريت لاحدهما عملية خلع ولادي كلفتهم مليونا ونصف المليون من الدينار . تقول توجهنا الى عدة جهات لمساعدتنا ولم يُستجاب لطلبنا ، تحملنا تكاليف العملية لوحدنا . يقطع حديثها صراخ الطفل ولكنها لا تُعير لذلك اهمية فايصال الشكوى والمعاناة الان اهم من صراخ طفلها . تقاسم ( براء ) الكرفان مع عائلة اخرى من اقاربها . ورغم هذه المأساة التي تعيشها هذه السيدة الا انه ما أثار انتباهي قولها ( نعيش والحمدلله ) ، تشخص بعينيها نحو صورة للعائلة المقدسة معلقة على حائط غرفتها ، تطبطب على طفلها محاولة اسكاته وكأني بها تقول ، يا رب ساعدنا على اجتياز هذه الضيقة .



اختلافٌ في الرأي ما بين الهجرة والعودة الى الديار

رغم كل الاخبار الغير المشجعة في العودة السريعة والاخبار المؤلمة التي تُسمع عن البلدات التي أُستُبيحت من قبل محتلّيها الا ان الشوق الى العودة اليها لا زال هو الغالب لدى الكثيرين من ابنائها .
تقول ( سوزان ) والتي ينتظر زوجها الالتحاق في معسكرات التدريب ، ان تراب برطلة لا أبادله بكل دول العالم حتى لو عدنا لنرى اكواما من الحجارة ، الانسان لا يجد نفسه وراحته الا في داره ، نتمنى الرجوع في اقرب فرصة لاننا سئمنا التنقل من مكان الى آخر .
( سهام حنا ) من بغديدا العودة عندها مشروطة بتوفير الامن والحماية ، تشاطرها الرأي جاراتها جميعا وتقول احداهن . نتمنى الرجوع والعودة للجلوس على تراب بغديدا وفي بيوتنا وحدائقنا . أخرى تقول اني اريد العودة الى بغديدا حيث دورنا وكنائسنا وذكرياتنا هذه لمن نتركها وتؤكد كلامها بانها لا تملك جواز سفر هي وعائلتها . بينما تقول ( وسن ) أريد العودة الى بيتي لأشبع نظري منه .
( ساهرة عزيز ) تقول لقد تأثرنا كثيرا بتأجيل موعد تحرير الموصل ومناطقنا ولكننا مع ذلك سنصبر مهما طال الامر بنا ، العودة الى بلدتنا افضل من العيش في الغربة حيث هناك اعمالنا وبيتنا واهلنا واصدقائنا .
اما ( متي يوحانا ) فيقول ان هاجس الخوف اصبح مسيطرا علينا ، لم يعد لنا ثقة بالوضع الامني ، فالاعتداء علينا وعملية تهجيرنا يمكن ان تتكرر بعد سنة او سنتين او حتى خمس سنوات ، بينما لو كنا في الخارج فهذا بالتاكيد لن يحدث لنا لذا افضل الهجرة ولكن كيف ؟ هذا هو السؤال .
( رعد خضر ) يفضل الهجرة ايضا وما يشجعه ولده المقيم في المانيا ، يقول لقد سئمت الوقوف في طابور الحصول على المساعدات وهذه قد لا تأتينا كل شهرين مرة .
( عزيز ججو ) يقول يبدو ان التهجير مكتوب علينا فاصول عائلتي من تركيا وقد هُجِر والد جدي من هناك ويذكر اسم بلدته في تركيا ( الرمانة الحمرة ) ، وها نحن نُهجَرُ مرة اخرى . الى متى نبقى يستفسر ( عزيز ) نقضي حياتنا في التهجير لذا افضل الهجرة الى اية دولة اخرى اعيش فيها بأمان .
يبقى النازحون في حيرة من أمرهم بين واقع مرير يعيشونه مُرغمين اما لضيق اليد بسبب البطالة وقلة العمل أوعدم اهتمام الدولة والجهات الانسانية في توفير سكن لائق بهم وبين قرار حاسم بتحرير مناطقهم واعادتهم الى بلداتهم مع توفير الامن والحماية ما بعد التحرير أو البحث عن هذا الامان في بلاد الغربة .         













































المادة خاصة بمنتديات برطلي دوت نت . عند نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة ، يرجى الإشارة الى
" منتديات برطلي دوت نت "