حتى الجبن الفرنسي فقد طعمه ؟! / د . تارا ابراهيم علي

بدء بواسطة matoka, نوفمبر 15, 2012, 04:18:52 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

حتى الجبن الفرنسي فقد طعمه ؟!






د . تارا ابراهيم علي
الخميس 15 نوفمبر، 2012‏




من المعروف عن الشعب الفرنسي أنه يعشق التذمر، ولكن هذه السنة بدأت أعراض مرض آخر تنتشر في الكتب المطبوعة والسينما والمذياع وهو مرض الكآبة، لقد كان شعار الرئيس السابق (نيكولا ساركوزي) في حملته الأنتخابية "فرنسا القوية" أما شعار الرئيس الحالي فرانسوا هولاند فكان "تحقيق الحلم الفرنسي" ولكن منذ عودة الفرنسيين من عطلتهم الصيفية وهم يشعرون بالكآبة. فالسمة القمرية هي السمة المميزة لهذا البلد، وهذه السمة في اللغة الفرنسية هو تعبير يطلقه الفرنسيين على شخص يتغير مزاجه كما يتغير وجه القمر، حيث تتناوب الفترات المظلمة والمحبطة لمعنويات الشعب الفرنسي مع فترات الحلم بالعظمة، فهذا الشعب بعيد كل البعد عن شعب "عادي"، ولكن هذا الخريف هو خريف محبط ومثير للحزن في خضم ما تعانيه فرنسا من الأزمة الأقتصادية وعدد العاطلين عن العمل الذي تجاوز 3 ملايين عاطل، وعملة اليورو التي تعاني من التدني والهبوط والخسائر أمام العملات الاخرى والاقتراب من موجة طرد لعمال من مصانعهم التي سيتم الأعلان عنها عما قريب.

أما الضرائب ، فإنها باتت عبأ ثقيلا على الفرنسيين وخصوصا أن الحكومة الجديدة فرضت أضعافا مضاعفة للضرائب للخروج من الأزمة وخصوصا على الأغنياء، فنسبته المفروضة على دخلهم أرتفعت الى 75%  مما أدى الى ترك الكثير من الأغنياء لفرنسا بل والأسوأ من ذلك هو أن بعضهم بات يفر من فرنسا ويطلب جنسية بلد آخر تقل فيه نسبة الضرائب (على الرغم من أنه فخور بالجنسية الفرنسية)  كما حدث في الأونة الاخيرة مع ملياردير فرنسا الأول الذي ألتجأ الى بلجيكا وطلب الجنسية البلجيكية بسبب قرار الحكومة الجديد.

أن موجة الكآبة هذه لاتشمل فقط الأغنياء بل والفقراء ايضا وجميع طبقات المجتمع من الشباب المراهقين الى المتقاعدين، فالشبان الصغار يلتجأون الى الكوكائين والمخدرات والكحول لنسيان هذه المحنة بسبب تخوفهم من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم، فيما تعد فرنسا بطلة العالم الآن في تناول المهدئات و عقاقير ضد القلق والأرق ..الخ.

على الرغم من أن (فرانسوا هولاند) في مقدمة الفرنسيين الذين يرفضون الاعتراف بأن حكمه الأشتراكي غير موثوق به، فهو بات يخسر شعبيته شيئا فشيئا، فالاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن 44% من الفرنسين فقط هم من المناصرين والمؤمنين بسياسته، وهو ليس مسؤولا عما يحدث لأنه ورث المشاكل والأزمات الاقتصادية عن الحكومة السابقة، فهو في حيرة و أزمة  في تبني الفكر الذي يمكن أن تخرج فرنسا من وضعها الحالي.

المستقبل القومي غير مشجع بتاتا، فقد نشرت آخر الاحصائيات أن 68% من الفرنسيين هم متشائمون في رؤية مستقبلهم، فالأدب الذي لايزال يحتفظ بروحيته في هذا البلد عكس البلدان الأخرى يعكس التعب الذي يشعر به الفرنسي فمنذ شهرين أجتاح تسونامي الروايات رفوف المكتبات، فقد شهد هذا الموسم ظهور 500 عنوان، في مقدمتها كتاب نال نجاحا ساحقا ومرشح لجوائز أدبية، وهو بالطبع كتاب متشائم تم بيع 70,000 نسخة منه في شهر آب والذي يسمى "الحافات" لكاتبه "أوليفيه آدم"، والذي يعكس نفسية و شخصية الكاتب.

الكتاب يتكلم عن شخص ينفصل عن زوجته التي تعيش في غرب فرنسا كي يرحل الى مسقط رأسه في إحدى الضواحي الباريسية وهنا يفاجأ برداءة الخدمات وهشاشة البنية الاجتماعية ,فهناك يكتشف أن والدته أصابها الجنون، ووالده الشيوعي السابق التحق بالحزب اليساري المتطرف، والضواحي امتلئت بأناس من الطبقة الوسطى الذين تحولوا الى فقراء، أما الفقراء فقد أبتعدوا جدا عن العاصمة ليعيشوا في أماكن مزرية ، بينما شاشات التلفزيون تعرض صورا عن فوكوشيما وتسونامي.

أما السينما فهو صدى لهذا الحزن أيضا، فالى جانب الأفلام السينمائية النصف الكوميدية، فالأمراض الجسدية والاجتماعية والبطالة واليأس والعنف في ضواحي المدن الكبيرة بات يغزو الشاشات الكبيرة، حتى الأغاني باتت مستسلمة لفايروس القلق، فالأغاني الحزينة لها رواج أكثر من الأغاني الأخرى.

وفي فرنسا، البكاء على المصير كان رياضة قومية سابقا ولكنه اليوم تحول الى مرض معدي، الكاتب الفرنسي (ميشيل اونفراي) يشرح في مقالته كراهية الذات الفرنسية)  ان الفرنسيين الذين كانوا سابقا ديكة المزابل، أصبحوا اليوم دجاجات قابلة للذبح"، وهذا واضح حتى من قبل الدول الأخرى التي تراقب المشهد الفرنسي عن كثب.



برطلي . نت / بريد الموقع
Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة