كم هو هشّ هذا الانسان العظيم / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 06, 2014, 08:50:37 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

كم هو هشّ هذا الانسان العظيم




برطلي . نت / بريد الموقع


سأتناول أمراً عادياً جدا قد يثير استغراب الكثيرين . انها حالة تدعوني للتوقف والتفكير بالرغم من بداهتها . لقد اعتدت على التعبير عمّا يجول في خاطري ويشغل أفكاري ، هذا ما جال في خاطري ولا بدّ لي ان اكتب عنه : 
كلما تلقيت نبأ وفاة احد الاشخاص ، إذا كان من المقربين او المعارف او غيرهم ، أقطع خيط افكاري لدقائق وارفع رأسي  شاخصا بانظاري الى نقطة غامضة بعيدة ، ودون ان أهزّ رأسي اقول صامتا : لماذا ، لماذا وكيف ؟ لماذا بهذه السهولة وهذه البساطة ؟ لماذا في هذا الوقت المبكر من الحياة ولماذا هوَ بالذات . اقول هذا ايضا عن مشاهير لعبوا دورا مهما في حياتهم وخلّدوا آثاراً . إن ظاهرة الاختفاء بسرعة وبسهولة تضعني في حيرة تبقى ساهرة في خيالي لانها لا تلقى جوابا.
الحياة بكافة دقائقها مليئة بمثل هذه الحالات ، وهذا امر طبيعي لان قدر الانسان هو الموت . تتنوع الحالات بتنوع الظروف واختلاف الاجواء ، وبما ان الكلام يطيب دوما اذا رافقته قصص وحوادث واقعية ، ساقوم بتأمين هذه المرافقة عبر بعض حالات بسيطة عشتها أوسمعتها :

كان هناك طبيب في مقتبل العمر يمارس مهنته بهدوء وسعادة . بدأ صيته يذيع بين الناس وهذا اكسبه شعبية كبيرة . كان انسانا لطيفا ، طيب المعشر . ذكاؤه أولد فيه طموحا ودعاه لتوسيع مساحة نشاطاته ،  فوضع العديد من الخطط والمشاريع ومن ضمنها كان بناء مستشفى خاص يديره بامكانياته مستعيناً ببعض الاطباء من اصدقائه .
خرج الطبيب ذات يوم بمعية احد اصدقائه الى مسبح المدينة ، حيث كان قد اعتاد على قضاء ساعة او ساعتين في السباحة . كانت هذه الرياضة توفر له الاسترخاء الذي كان يحتاج اليه في غمرة انشغاله. دخل الطبيب حوض السباحة مرة ومرتين واستلقى بعد ذلك  تحت المظلة على الاريكة المخصصة له بجانب صديقه . استمر صديقه بالسباحة لانه كان قد دخل في مباريات كرّ وفرّ مع بعض السباحين المتواجدين معه في الحوض . في احدى كرّاته ، جلب انتباهه هاتف الطبيب الذي كان يرنّ  مطوّلا ولا يردّ عليه أحد . فكّر الصديق بان الطبيب نائم فتركه واستأنف الفرّ . بعد فترة قصيرة رنّ الهاتف من جديد وتوقف ، ولم يطل كثيرا ليعاود الرنّة ثالثة ورابعة ، فقام الصديق بمناداة الطبيب من وسط الحوض ، فلم يلقَ ردّة فعل . خرج من حوض السباحة وبدأ  يؤنب صديقه الطبيب بصوت عال قائلا : الا يكفيك نوما ، الا تسمع الهاتف ، لماذا لا تجيب ؟ ، معتبرا الطبيب غائصا في نوم عميق ، امسك به وهزّه وقلبه على ظهره ، ففوجئ برؤية جسم بارد ووجه مصفرّ، امسك بيده ليفحصها ، وعندما افلتها وسقطت متدلية ايقن بان صاحبه كان قد فارق الحياة . بقي حائرا من امره لان الطبيب فارق الحياة دون سابق إنذار . كيف اختفى هذا الطبيب الشاب ، ولماذا تبخر بهذه السرعة وهذه السهولة وهو ممتدّ على الاريكة ، وتبخرت معه كافة طموحاته ومشاريعه ؟
وفي حادثة اخرى سمعتُها يوم وقوعها ، كان الامر يتعلق باصدقاء توجهوا في نزهة قرب نهر يقع في احدى بقاع الشمال . بعد ان انهى الاصدقاء جلستهم التي بدأوها أكلا وشربا وأنهوها لهوا وطربا ورقصا وغناء ، أحسّ احدهم برغبة شديدة لتلطيف جسمه بماء النهر . دخل الشاب النهر بارتعاش تحول الى انتعاش واستمر في سيره الى ان بلغ منتصف النهر واذا به يرى نفسه منجرفا في دوامة ، لم يعرللتيار اهتماما في البداية معتبرا ان النهر يمازحه ، واذا بالتيار يكتسب  قوة لا يمكن مقاومتها،  فبدأ بالصراخ مستنجدا ، هرع احد اصدقائه الى نجدته دون ان يعرف ما ينتظره ، واذا بالصديقين تلتهمهما الدوّامة ، وكأنهما اللقمة التي كان يتربص بها وحش مفترس . شابان في مقتبل العمر ، يتنفسان السعادة في حياة بدأت لتوّها ، كانا يبتسمان لكل شئ لانها لم يكونان يبصران غير الفرح ،  اختفيا بسرعة البرق ، واختفت معهما آمالهما وامّحى مستقبلهما. اظلمت الدنيا واختفت لان الشابين الممتلئان حياتا زالا عن الوجود . لدى سماعي الخبر المؤلم في يومه ،  تساءلت بيني وبين نفسي ، واتجهت بالسؤال الى الجرف قائلا : لماذا يا نهرُ ، لقد كنتَ جميلا بجريانك ، لقد انجذب هؤلاء الشباب لخرير مياهك وصفائِها ، لماذا غدرت بأناس اغريتهم فدنَوا منك ؟  توقّف النهر ، ورمقني بنظرة ازدراء من طرف عينه اليسرى وكأني به يقول :  إن استفهامك غريب جدا ، انا لا اعرفك كما لا اعرف أيّ من هذين الشابين . أنا لم أصنع نفسي ، أنا مجرد سرير لمياه تسرع وتبطئ أو تتموج في جريانها ، طريقي تفرضه المنبسطات والمنحدرات وأيضا التجاويف التي تتميز بمغامراتها الخاصة ، كل هذا  طبيعي بالنسبة لي ، ويؤسفني ان تجدوا انتم الهلاك فيه ، كانت الدوامة هذه ستبتلع كل ما يصادفها من شجر وحيوان واجسام اخرى .

بعد هذا أنتقلت بتفكيري الى العظماء الذين تركونا ،  رؤساء خدموا الناس بتفانٍ ونزاهة ، كتّاب أبدعوا باشعارهم ورواياتهم ، فلاسفة اهتدت الاجيال بنظرياتهم وتحليلاتهم ، أو اصواتا جميلة أصيلة ، لم تفقد رنتها وبقيت تطرب السامع ليومنا وكأنها في أولى انطلاقاتها . توقفتُ هناايضا وقلت بنفس التأوّه الصامت : لماذا اختفى هؤلاء الخالدون ، انهم كانوا عظماء وكانوا يفيدون العالم بافكارهم وكتاباتهم ومشاريعهم واختراعاتهم واصواتهم الجميلة، اختفوا عن الانظار بسرعة وبسهولة ، اصبح مصيرهم مصيرالجهلة والاغبياء والمجرمين الذين يتبرم منهم المجتمع او يرغب في التخلص منهم .
انتقل الفكر بين العقود التي عشتها واستعرضتُ حالات لا تحصى وقلت : يا لهشاشة هذا الانسان العظيم . كائن يستوعب العالم كله ويحتضنه بعقله ، كائن يفكر ويبدع ويصنع العالم ويطوره ، كائن عبقري يضع خططا مستقبلية ، يختفي هذا العبقري العظيم  على حين غرّة لمجرد شهقة ، يختفي مختنقا بقطرة ماء ، يختفي لعسر تنفسه ،  واذا لم يمت يدخل في غيبوته او يشلّ الى الابد . هذا الكائن العظيم القوي بعضلاته وبأسه ، هذا القوي الذي بامكانه قهر اشرس الاعداء ، يختفي لانه بالغ بطعامه مثلا ، او وقع ضحية اصطدام ، او اصبح هدفا لضربة طائشة او سقوط شجرة ، وملايين اخرى من الاسباب التافهة التي تودي بحياة هذا العملاق العظيم .
ختامي سوف لن يكون مختلفا عن تكراري المملّ ، لاني ساقول ايضا :  الانسان عظيم جدا غير انه سريع العطب . ففي الوقت الذي يمكنه الافتخار بعظمة عقله الخلاق ، يجب ان يتصف هذا العملاق بالتواضع العميق لانه في النهاية هو لاشئ بكل ما تعنيه الكلمة ، لا يجب ان تدعوه عظمته للعنجهية والتعالي والانانية ، لان احقر الاسباب واتفهها يمكن ان تمحوه عن الوجود الى الابد وبسرعة البرق . هذا كل ما جال بخاطري . ألم اقل بان ما ساقوله شئ عادي وبديهي جدا ؟!!
اريد ان اتوقف عند هذا السياج ، لاني اذا تجاوزت هذه الحدود سأقع في ارض النُصح والإرشاد ، عقار يحتكم على سند ملكيته إخوتُنا رجال الدين !!!


ماهر سعيد متي

الموت .. وما ادرانا ما هو .. ان فكرنا به لتركنا خلافاتنا واحقادنا خلف الظهور .. شكرا لك على المقال .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

simon kossa

مقتبس من: ماهر سعيد متي في فبراير 07, 2014, 04:24:46 صباحاً
الموت .. وما ادرانا ما هو .. ان فكرنا به لتركنا خلافاتنا واحقادنا خلف الظهور .. شكرا لك على المقال .. تحياتي
[/quote

ارجو ان اتوفق في كتابة كلمة شطكر لك ايها الاستاذ ماهر
شكرا لمداخلتك واهتمامك بما اكتبه
وفقك الله]