النفط للأردن والغاز لإسرائيل – من يتآمر على الشعوب؟

بدء بواسطة صائب خليل, سبتمبر 14, 2012, 10:11:51 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نشر مؤخراً خبر يقول "العراق يبيع للأردن النفط الخام بـ 70 $ للبرميل(1) وفيه يبرر النائب فرات الشرع ذلك بأن الاتفاقيات المبرمة بين العراق والأردن منذ زمن النظام السابق تتضمن تصدير النفط العراقي للأردنيين بأسعار تفضيلية مناسبة نظراً لمراعاة حال البلد غير النفطي.!!
لقد مر إعلان هذا الخبر بهدوء غريب وكأنه لا يقول شيئاً، بينما هو فضيحة كبيرة لكذبة مستمرة للحكومة العراقية بشأن ذلك الملف المبهم الغريب، ملف دعم الأردن. فالفضيحة الكبيرة لا بد أن تستمر بولادة المزيد. ما الجديد في الموضوع اليوم؟ الخبر يقول من جهة أن نفط العراق يباع للأردن بأسعار تفضيلية تقل عن السوق العالمي بمقدار 18 دولارا للبرميل الواحد. لكن عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية عن التحالف الوطني فرات الشرع يقول، وفي نفس الخبر، أن الاتفاقيات تنص على أن يكون سعر البرميل الواحد 30% من سعر البيع الحالي. وبين أن العراق يبيع برميل النفط الواحد حالياً بـ (100) دولار أميركي ، مما يحدد سعر الـ (70) دولار للبرميل المصدر إلى الأردن!
أي أن مسؤولينا الحكوميين كذبوا علينا، وأنهم يكشفون الحقيقة المرة تدريجياً لكي لا نصاب بالصدمة، ربما خوفاً من رد الفعل وربما خوفاً على العراقيين من أن تصيبهم القرحة من هذه الحكومات! هكذا يكشف فرات الشرع أن الإتفاق على مبلغ الدعم يختلف عما أعلن سابقاً وأنه  الآن 30 دولار للبرميل وليس 18 كما قال علي الدباغ الذي اضاف 4 دولارات عن الإعلان السابق، والذي يزيد بدوره بأربعة دولارات أخرى عن الإعلان الأول المتمثل بـ 10 دولارات! ويبدو أن لصوصنا تعبوا من الزيادات الصغيرة فقرروا القفز فوراً إلى الـ 30% - أو 30 دولار مقطوعة - لا ندري دور من سيكون بإبلاغنا أنه 50%، وأن الكمية ربما تكون ضعف المعلنة أو أكثر! (*)

النائب فرات الشرع لا يقول أن هذا البلد غير النفطي وقف دائماً بالضد من شعبه كما لم يقف بلد عربي آخر، ولم يقل أن الناس في هذا "البلد غير النفطي" في وضع  أفضل بما لا يقارن من أوضاع شعب العراق الذي يمثله، وأنه مازال يطالب بلده النفطي بديون تزيد على مليار دولار! عن ديون دفعها الأردن للدكتاتور ليساعده في إثارة الحروب وقمع شعبه!

لقد كتبنا كثيراً عن هذا الموضوع، لكن الفضائح المتتالية تجبرنا على إعادة طرقه، لنعرف ما يراد لهذا البلد ومن يتآمر على شعبه، والحرص على تبديد ثروته. إنه موضوع محرّم مليء بالأسرار، ومن جهة علوية ولا يسمح لعراقي أن يمسه! إنه ليس "مساعدة" إلا بمثل ماهي "السفارة" الأمريكية في بغداد سفارة! لا شيء فيه يشبه المساعدة: لا طرفي "المساعدة" ولا العلاقة بينهما ولا الشفافية حولها ولا المبررات التي تقدم لتفسيرها ولا نتائجها! وفي كل المساعدات الدولية المعروفة تستفيد الدولة المقدمة للمساعدة بعض الشيء من خلال إعطائها تنفيذ المشروع مثلاً، أو تشترط نوعه، أما في قضية نفط الأردن، فحتى النقل لم يترك للجانب العراقي، بل يشترط أن تفرغ الشاحنات العراقية في الحدود في شاحنات لشركات نقل أردنية لإكمال الطريق!

لا يشبه هذا الأمر إلا ابتزاز إسرائيل للغاز المصري، وشراءه منها بسعر تافه، في الوقت الذي يقتل الفقر المصريين ويضطرون لمزاحمة الموتى في المقابر، بينما يعيش الإسرائيليون الذين يتلقون "مساعدتهم" في أعلى المستويات العالمية. ومثلما يهين الإسرائيليون المصريين باستمرار رغم ذلك، فأن العراقي لم يتلق من الأردن وحكومتها وشرطتها غير الإهانات والتمييز المذهبي وفتح الجراح بتمجيد قتلته وطغاته وإرسال الإرهابيين له وحماية رعاتهم!

في مصر أصبح موضوع الغاز قضية كرامة للمصريين، حتى تنكر مبارك ووزير نفطه لعلاقتهما بالموضوع، فردت إسرائيل "إن صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل تمت بعلم وموافقة مبارك وبخط يد سامح فهمي". (2) وحاولت الحكومة الذيلية الإستمرار في ضخ الغاز المخفض لإسرائيل رغم أزمتها السياسية المستفحلة مع شعبها(3) ولكن بعد أن فجّر المصريون أنبوب الغاز 14 مرة على الأقل،(4)
الغت الحكومة المصرية تعاقدها لتوريد الغاز الى إسرائيل(5)
وقال وزير الكهرباء والطاقة المصري أن "كميات الغاز التي كانت تصدر الى اسرائيل سيتم توجيهها لمحطات الكهرباء المصرية فنحن اولى بها".!(6) ويتحدث نائب مصري (عماد جاد) بأنها "قضية فساد كبرى وبأسعار غير معلومة وبشكل غير معروف ولمدة عشرون عاما."! وبأن مصر لم تكن قادرة على إلغائها. (7)

وشكا وزير الطاقة الاسرائيلي، انه يعني فقدان أكثر من 40% من إجمالي تزويد الغاز الطبيعي في إسرائيل. (8) ودعا أعضاء في الكنيست إلى معاملة مصر كمنظمة إرهابية والعودة إلى سيناء (9) وقال بن اليعازر أن إلغاء تصدير الغاز يثير احتمال الصراع مع مصر(10) وقال وزير خارجية إسرائيل "إن مصر تشكل خطرا على إسرائيل، وطالب بالاستعداد العسكري اللازم لمواجهة هذا الخطر."
لكن البعض داخل إسرائيل، لام في الأمر بلاده على شدة ابتزازها لـ "اصدقائها" وقال أن تصدير الغاز المصري إلى "إسرائيل" أصبح رمزا في مصر ... لإهمال مصالح الجمهور المصري الذي يدفع عن الغاز الذي يستهلكه ثمنا أعلى من ثمنه في "إسرائيل".، ملمحاً إلى أن إسرائيل فقدت علاقتها مع تركيا لنفس الأسباب(11)
وأسفت "وول ستريت جورنال" الأميركية على القرار المصري "غير القانوني والذي ينم عن سوء النية". وحزنت على الغاز "الذي ساعد في الحفاظ على السلام"(12)
هذا كله رغم أن مصر كانت تعلن استعدادها لبيع الغاز لاسرائيل ولكن بأسعار جديدة وأن الإبتزاز كان يكلفها ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار في العام، وهو ما يزيد بشكل كبير عن "المعونة" الأمريكية المذلة، والتي كانت توجه إلى بيع أسلحة للجيش ولإثراء الأثرياء وتثبيت الفساد فقط! (13)
وجن جنون السفيرة الأمريكية في القاهره حين ألغيت الإتفاقية وقالت "ان الادارة الاميركية تعتبر قرار ايقاف تصدير الغاز الى الكيان الاسرائيلي تخليا من السلطات المصرية عن التزاماتها مع الجانب الاسرائيلي بموجب معاهدة كامب ديفيد." وهددت بقطع المساعدات عن مصر.(14) فرد الشارع المصري عليها برفع شعارات "لا سفيرة ولا معونة، يا أمريكا يا ملعونة".(15)






وشعر الشعب المصري بالإرتياح، ليس فقط لإستعادته حوالي 10 ملايين دولار في اليوم الواحد، ولكن أيضاً للإحساس بالكرامة بنهاية هذا الإبتزاز الصريح.(16) فأكد الجميع أن قرار وقف تصدير الغاز لاسرائيل بعث البهجة بنفوس المصريين(17) وكان هناك اجماع مصري على اعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد كلها باعتبارها اتفاقية مجحفة ومذلة للكرامة الوطنية المصرية ومضرة بالمصالح الوطنية لمصر والوطن العربي(18).
هكذا انتهى الشعب المصري من إبتزازه المذل، ومازال الإبتزاز الأردني للعراق قائماً، وإن لم يكن الإبتزاز الوحيد وليس أكثر قسوة من الإبتزازات الداخلية، لكنه يبقى إحساساً قوياً بالمهانة وعدم الأمان لإنعدام الوضوح. فنحن نفهم أن إسرائيل كانت تحكم مصر من خلال مبارك، لكن كيف نفهم أن الأردن تحكم العراق؟ ومن خلال من؟

لقد حاولت كثيراً أن أثير الحراك في هذا الموضوع، وكانت آخر محاولة لي كتابة مقالة بعنوان "صدقت "الشرق الأوسط"، - حكومتنا تدعم نظاماً قمعياً في الجوار بمليارات الشعب! "(19). ولا بأس من إعادة التذكير بالمعلومات الخطيرة التي جاءت فيها وفي ما قبلها. ففي حزيران 2008 سافر المالكي ليعقد اتفاقية نفطية جديدة ضمن سلسلة الإتفاقيات النفطية "غير المفهومة" مع حكومة الأردن (20) وبدون استشارة البرلمان في مسألة من اختصاصه، (رغم تكراره الإدعاء بالتزام الدستور)، ويبدو أنها كانت "شراءاً" لاعتراف الأردن بالحكومة العراقية ولتقليل ضغط العزل الخليجي عليها. وتهدف الإتفاقية إلى "مساعدة الحكومة الأردنية" (وليس الشعب!) رغم أن العراق مدين لها (زوراً) بأكثر من مليار دولار، وكتبت حينها "اليس الأكرم له، أن ينتهي حاتم الطائي من ديونه قبل أن يستعرض كرمه؟" وبينت في المقالة، وبالأرقام، كذب الناطق الرسمي في وزارة النفط عصام جهاد في تفسيره للدعم، وكذلك كذب التفسيرات الأخرى عن دعم اللاجئين العراقيين في الأردن وغيرها من الحجج الترقيعية، وصدق من قال: حين تكثر المبررات فأن السبب الحقيقي ليس أي منها! وبينت أن الأردن مستفيد كثيراً من العلاقة مع العراق وليس هناك من مبرر لأي تعويض، بل أنه يستغل هذا الوضع لترويج البضاعة الإسرائيلية في العراق تحت غطاء أردني وعمولات تحصل عليها المملكة.(21)

أن ما يزيد الريبة في هذه الإتقافيات هي معاملة الأردن للعراقيين على الحدود وفي داخل الأردن، وعدم تفويت أية فرصة لإهانتها حتى أن الأردن ضيقت على رجال الأعمال العراقيين بحجج أمنية واضطرتهم للمغادرة.(22) و تم احتجاز برلمانيين في مطار عمان (23)، وشرحت الصحف الأجنبية كيف تعامل شرطة الحدود الأردنية العراقيين ومركباتهم وكذلك ممثلي منظمات المجتمع المدني وحتى دبلوماسيي السفارة العراقية ووصل الأمر الى الغاء الأردن جوائز المسرح لفوز العراق بها. وحين تم اعدام صدام قام مجلس النواب الأردني بقراءة سورة الفاتحة وتأبين له في افتتاح إحدى جلسات البرلمان، واستمرت الإحتفالات التأبينية كل عام كما قامت عوائل انتحاريين إردنيين قتلوا عراقيين بتكريمهم. ورفض الأردن أي تعاون بشان اأاموال المهربة من قبل اعضاء النظام السابق والتي قدرت بمليارات عديدة من مصادر مختلفة كما وقف بتصلب شديد تجاه الأموال العراقية المجمدة (24) ورفض أي شطب للديون، بل اشترط ان تشطب دول نادي باريس الدائنة للأردن، كمية من ديون الأردن تساوي ضعفي ديون العراق للأردن! ورفضوا اعادة مبلغ 480 مليون دولار اودعه احد المطاردين قضائيا في قضايا فساد، وكذلك اكثر من (5) مليارات دولار استحوذت عليها رغد صدام. ولم يدع الأردن فرصة لإبتزاز العراق لم يستغلها حتى أنه استولى على  50 مليون دولار تعويضا عن أضرار بيئية (!!) جراء غزو الكويت، وكانت حصة الأردن هي الأعلى في التضررات البيئية، رغم بعد الأردن عن الكويت تماما!. (25)

تتناقض الأخبار فيما يتعلق بعدد البراميل المتفق على دعمها للأردن. فتشير بعض الأخبار الى انها تبدأ بـ 10 الاف برميل لتصل الى 30 الف برميل يومياً، وهناك اخبار اخرى تقول انها ستصل الى 50 الف برميل، وحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد ان ما سيستورده الأردن من العراق هو "70 - 100 ألف برميل يوميا والكمية قابلة للزيادة"! كذلك تصاعدت كمية الدعم المعلن للبرميل الواحد من 10 دولارات إلى 14 دولار واخيراً صرح علي الدباغ في أيلول 2007 بأن مجلس الوزراء وافق، على "تخفيض إضافي بمبلغ أربعة دولارات للبرميل، و تحدد سعر البرميل المباع للأردن بسقف ثابت هو 18 دولارا أدنى من المستوى العالمي"، حسب الدباغ.
وفي خبر اخر مثير للإنتباه  ان الإتفاقية تتضمن كمية مجانية غير محددة! فيقول: "مبدئياً، سيتم تزويد الأردن بعشرة آلاف برميل يومياً، يتم زيادتها مستقبلاً، كما سيتم تزويده بكمية مجانية لم يتم تحديدها بعد" ، ولم يأت على ذكر تلك الكمية في الأخبار اللاحقة! (الروابط لهذه النقطة لم تعد تعمل)
قال الوزير بيان جبر صولاغ الذاهب الى الأردن عام 2008: "ان العراق بجميع مسؤوليه يعمل جاهدا على مساعدة الاردن الذي لم يأل جهدا في الوقوف الى جانب العراق حتى في اصعب الظروف".وأترك هذا الكلام للعراقيين ليحكموا على صلافة الكذب فيه!

ما هي قيمة الدعم الذي قدمه العراق للأردن حتى اليوم؟ بينت في مقالاتي السابقة أن ما خسره العراق للأردن خلال 12 عاماً، من أشد الأعوام مرارة وقسوة على العراقيين ولحين سقوط صدام، يبلغ حوالي 8 مليارات دولار، وتستمر هذه الخسائر بعد "التحرير" وتوقيع الإتفاقيات وحتى اليوم!

لا يجوز أن يبقى عملاء إسرائيل المدللين بلا دعم. فحتى حين بدأت الحرب الأمريكية وعجز العراق عن تقديم "الجزية" النفطية المفروضة عليه، تم تحويلها مؤقتاً الى السعودية والكويت والأمارات. وتوالت الفضائح! فكشف النائب في البرلمان الكويتي احمد السعدون أن الأردن طلبت من الكويت بيع النفط المخصص للأردن وتغيير وجهة عائدات المنحة النفطية الكويتية من البنك المركزي الاردني الى حساب شركة (Free Market Petroleum) الأمريكية الخاصة التي يمتلكها رجل من اصل تركي!
على اثر ذلك وجهت الاتهامات للاردن بان اموال المنحة الكويتية حولت «لاشخاص وليس للدولة»، وقال النائب مسلم البراك "...هل يعقل ان تصبح مؤسسة البترول وسيطا لبيع النفط للأردن وتحويل مبالغ المنحة لصاحب شركة تركي؟!" واضاف :"ان اموال المنحة النفطية لم توجه الى الشعب الاردني."
من الجانب الأردني كشف النائب عبد الرحيم ملحس أنه لا أثر للبند الذي وضعت تحته اموال المنح النفطية في الموازنة العامة للدولة!
يصعب علينا أن نفهم لماذا يحس النائب الكويتي بمسؤوليته عن ثروة بلاده، والأردني عن كيفية تصرف حكومته بها، والعراقي لا! أين النواب العراقيون المحتجين على هذه الفضائح، رغم الفارق بين رفاه الكويتي وفقر العراقي وأثر "المنحة" على شعبي كل منهما؟
ولأن "المال سايب" فمن الطبيعي أن يطالب الاردن باستمرار بتزويده "بكميات اكبر" من النفط الخام لتعويض الغاز المصري(26). وأن يضاعف العراق تخصيصاته للأردن الذي سوف يتضاعف استهلاكه من الطاقة الكهربائية في السنوات العشر المقبلة"!
يقول الخبر الذي كشف السعر الجديد للدعم، في تبريره لـ "الخاوة" أنه "وفي عهد ماض ٍ تضرر الاقتصاد الأردني بسبب موقف الأردن من الحرب ووقوفه إلى جانب العراق" والحقيقة أن الأردن لم يقف إلى جانب العراق أبداً، بل إلى جانب قتلته فقط، وتشجيع السفهاء من حكامه على تنفيذ الخطط الأمريكية في الدخول في حروب مع جيرانه، ولطالما سلم اليه الهاربين من جحيمه وشجعه على حروبه، فهل تدفع اليوم حكومتنا عرفاناً للاردن بدعمه لصدام حسين ولتسليمه المعارضة التي كانت هي منها، إليه؟ وإذا كان الأردن قد وقف إلى جانب "العراق" في حروبه، وتضرر من جراء فرض عقوبات عليه، فلماذا لم يعتبر مشاركاً في الجريمة وتفرض عليه التعويضات؟ وعلى أي أساس يجري العكس ويتم تعويضه، وبأكثر من غيره؟ إنها المعاملة المميزة لصبيان إسرائيل المدللين في كل مكان!

ولا تتصوروا أن الأردنيين ممنونين لهذا الكرم الأبله، بل هم الغاضبون علينا، ويحسون أن العراقيين يسلبونهم "حقهم" الذي اعتادوا عليه أيام صدام حسين، فهذا النائب خليل عطية يترحم على "الرئيس العراقي الراحل" – " في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة والمتفاقمة، التي يعاني منها إقتصادنا الاردني نفتقد الشهيد البطل صدام حسين يرحمة الله الذي كان سنداً وضهيراً للأردن وشعبة، فمن منا لا يذكر منحته البترولية التي كان يهديها للشعب الاردني دون منة وإعطاء الأولوية في التعاون الإقتصادي مع الاردن مما كان ذلك يشكل داعماً أساسياً لإقتصادنا الوطني فعشنا في تلك الأيام في بحبوحة من العيش".(27) وهذه برلمانية أردنية في كلمة لها بمؤتمر لمنظمة مجاهدي خلق في باريس: "أيها الإخوة والأخوات، لقد جاوز الظالمون المدى , وحق الجهاد وحق الفداء ....وتزكم أنوفنا روائح الخيانة والدناءة من فعال المالكي وزبانيته الملالي في بغداد. نلتقي ولا زالت جثامين الشهداء طرية ندية معطرة بعبير الصمود والفداء ..... فإما حياة تسر الصديق، وإما مماتًا يغيظ العدا ..." (28)

فوق كل هذا قرأت أن الأردن لم تدفع شيئاً بعد من مستحقات هذا النفط، ولا ندري إن كانت دفعت بعد ذلك ام لا، أم أنه كله مجاني أصلاً وأنه سيتم إبلاغنا بالحقيقة لاحقاً، أم إننا لن نعرف أبداً، فكل ما يخص "المساعدة الأردنية" تابو لا يجب أن يتحرش به أي مواطن، ولن يتحدث عنه أي سياسي! لاحظوا أن الكتل المختلفة وفي صراعها الشديد والبحث عن ملفات لتساءل الأخرى، لم يأت أي منها على ذكر هذا النفط المحرم! فلا الأكراد قالوا لماذا يدفع للعرب ولا الشيعة قالوا لماذا ندعم السنة ولا الحكومة تساءلت لماذا نساعد من يهين رئيسنا ويدعم إرهابيينا، ولا الإعلام يفتح فمه بشيء عن ثروة عراقية مبددة لغير العراقيين! لقد اقام موقع "عراق القانون" يوماً حملة حول هذا الموضوع، فتم تجاوزه حتى من قبل البرلمانيين المعروفين بالصراحة الذين يترددون على الموقع، فعاد الأمر إلى الصمت!

ما أكثر أوجه التشابه بين ابتزاز إسرائيل للغاز المصري والأردن للنفط العراقي، إبتزاز لشعب تحطمه الحاجة إلى مئات الأساسيات لصالح شعب اكثر ترفاً واستقراراً، وبدون سبب مفهوم بأية درجة من المعقولية! الفارق الأساسي الوحيد ربما ان حكومة العميل مبارك القت بالحقيقة المرة على الشعب مرة واحدة وأخبرته عن الأسعار، بينما يتحايل مسؤولوا العراق في تجزئة الكذبة والصدمة إلى مراحل، ولا نعلم متى نصل إلى معرفة الحقيقة كلها. صحيح أن الأردن ليست إسرائيل، لكنها أيضاً أقرب العرب إلى إسرائيل، وبينهما من العلاقات ما ليس بين العرب أنفسهم، وأية علاقة مع الأردن تجارية أو غيرها، تشم منها رائحة إسرائيل. وما أدرانا، أن هذا النفط لا يذهب إلى إسرائيل نفسها، خاصة بعد ما فضحه النواب الكويتيون والأردنيون عن الموضوع؟ ما أدرانا أن البرزاني لم يكن يقول الحقيقة في هذا لكنه لم يكملها؟ إن من يتعامل بهذا الغموض مع شعبه يستحق كل ما يثار حوله من شكوك وعدم ثقة.
لقد كان المصريون رائعين وهم يفجرون أنابيب الغاز التي كانت تتجه بثرواتهم لإسرائيل والأردن بعد أن لم تعجبهم الأسعار الإبتزازية المفروضة عليهم ورفضوا الإستمرار في دفع "الجزية" المهينة التي كان يدفعها مبارك، ومثله صدام حسين، فهل تستمر الحكومة المنتخبة في دفعها ثم تدعي الوطنية ويدعي البرلمان تمثيل الشعب؟ نائبنا في لجنة الطاقة المشبوهة الولاء، إن لم يشاهد بنفسه، فقد رأى بلا شك صور الفقر في العراق وأطفال يعيشون على المزابل، فهل حال هذا الإنسان احق بالمراعاة وبنفطه أم أن يهبه النائب فرات الشرع لمليونيرية الأردن ولا يعلم أحد أين ينتهي به الأمر "لمراعاة حال البلد غير النفطي".؟




ما وصلنا إليه يؤكد بلا أي مجال للشك أن هناك تآمراً على الشعب العراقي الفقير، كما كان على الشعب المصري الفقير، وثروة بلادهما، لصالح إسرائيل في الثاني ولأذنابها في الأول، فمن هو المتآمر؟ ليس هناك سوى الحكومات، وهذا غير منطقي، أو قوة فوق طاقتها تجبرها على المشاركة في المؤامرة ، فمن له هذه القوة غير التحالف الأمريكي الإسرائيلي؟
إن على الساسة والكتاب الذين يصرون على أن أميركا جاءت للعراق لبنائه وللتعاون و "الشراكة" أن يفسروا هذا التخريب للشعب، فليست هناك هنا، لا قاعدة ولا بعث ولا زرقاوي ولا بن لادن. الإحتمال الأول أن الحكومة متآمرة على شعبها، أو تسرقه لحسابها. وهذا الإحتمال مستبعد إلى حد بعيد، فمردود ذلك لا يستحق كل هذه الفضيحة وكلفتها. ومثلما لم يهدد العراق بقطع المساعدات عن الأردن رغم التعامل المهين الذي تحدثنا عنه، فأن حسني مبارك سمح لهذا الملف أن يصبح رمزاً قاصماً لإدانة حكمه، دون أن يفعل شيئاً. وكذلك بدا صدام حسين غير قادر حتى على التهديد بوقف "المساعدة" ولو إعلامياً، حتى حين توترت علاقته مع الأردن أيام هروب حسين كامل!

في كل هذه الحالات كان من الواضح أن الحكومات المعنية لم تكن قادرة على المساس بهذه "المساعدة"، فلا بد إذن أن تكون مجبرة من "جهة أعلى"، وليس العطف على "البلد غير النفطي". وليس هناك من يقدر على تسليط مثل هذا الضغط سوى أميركا وإسرائيل. بالتالي على الحكومات المعنية أن تعترف أمام شعبها لتبرئ نفسها من التآمر عليه، بزور فكرة "الصداقة الأمريكية" وأن يسمحوا للناس أن تفهم أن المشروع الأمريكي مشروع استغلال مدمر يسعى لإبقاء الشعوب محطمة كما كان دائماً، مهما أبدت له من بوادر "الصداقة"، ولا يهمه سوى أذياله وعملاؤه، وإنه يتعامل مع الشعب وحكوماته المنتخبة كما كان يتعامل مع الدكتاتوريات التي قال أنه جاء لينقذ البلاد منها: بالضغط والتهديد والإجبار، بهدف امتصاص ثروة البلاد وتحويلها إلى يد ضاربة لمشاريعه. فمثلما أبقى الدكتاتوريات التي لم تعجبه تحت ضغط ومذلة الفصل السابع أبقى الشعوب ايضاً، ومثلما أجبر أؤلئك على دفع الجزية النفطية لعملائه، يجبر هؤلاء أيضاً. إن كل حديث عن السيادة والندية في أي اتفاق معه، نكتة مرة.
على الشعوب أن تدرك طبيعة هذا النظام قبل فوات الأوان، إن لم يفت بعد. وعلى الساسة والكتاب المروجين للمفاهيم المضللة عن "صداقة أميركا" التوقف عن ارتكاب جريمة تضليل شعوبهم، والبحث بضمير عن حاضر وتاريخ علاقات هذه الدولة وأتباعها مع الدول المتخلفة وما تختاره لها من أجندات بشكل عام وخاصة الدول العربية، وعدم انتقاء النماذج الناصعة القليلة التي لعبت الصدفة التاريخية دوراُ كبيراً في استفادتها منها. وأن تطالب الشعوب حكوماتها بقوة بكشف المستور حول ثرواتها، فإن استمر هذا الصمت، فليس لها للدفاع عن ثرواتها وحمايتها من الضغوط والمؤامرات سوى ما فعله المصريون، وإلا فإننا سنشهد المزيد من التمادي وتطوير مشاريع النهب، وهم يعلنون رغبتهم بذلك صراحةً.

(1) http://www.dananernews.com/News_Details.php?ID=1760
(2) http://www.alalam.ir/export-egyptian-gas-to-the-israeli-regime-has-been-the-knowledge-of-mubarak
(3) http://www.alalam.ir/news/789794
(4) http://www.alalam.ir/news/1064814
(5) http://www.alalam.ir/news/1084894
(6) http://www.alalam.ir/news/1088224
(7) http://www.alalam.ir/news/1086844
(8) http://www.alalam.ir/news/1085684
(9) http://www.alalam.ir/news/1085344
(10) http://www.alalam.ir/news/1085654
(11) http://www.alalam.ir/news/1089864
(12) http://www.alalam.ir/news/1085554
(13) http://www.alalam.ir/news/1086314
(14) http://www.alalam.ir/news/1086724
(15) http://www.alalam.ir/news/1086634
(16) http://www.alalam.ir/news/1085764
(17) http://www.alalam.ir/news/1088434
(18) http://www.alalam.ir/news/1086184
(19) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/6p001.htm
(20)http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/51CC04F1-052D-4DA9-9F99-DC8D65FE93D2.htm
(21) http://www.alfikralarabi.net/vb//showthread.php?t=15487
(22) http://www.aladalanews.net/?show=news&action=article&id=66446
(23) http://www.nahrain.com/news.php?readmore=13459
(24) http://www.almustaqbal.com/storiesprintpreview.aspx?storyid=41511 
(25) http://www.shaqlawa.com/forum/index.php?topic=12344.0
(26) http://qanon302.net/vb/showthread.php?t=4185
(27) http://www.nakhelnews.com/pages/news.php?nid=7327
(28) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=5181
(*) ليس من الواضح من الخبر كيف تحتسب كلفة النقل، وبالتالي فإن كانت خارج الـ 70 دولار، فيكون التخفيض أقل من المبلغ المحسوب.

روابط المقالات الأقدم للكاتب
الجزية السرية 1- العجائب السبعة للعلاقة العراقية الأردنية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=119902
العلاقة المخجلة للحكومة العراقية بالحكومة الأردنية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=120128
العراق والأردن - ديون غريبة ومفاوضات مريبة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=120246
إكشفوا اين اختفت المنحة النفطية الكويتية للأردن قبل توقيع المنحة العراقية ومد انابيب النفط
http://www.doroob.com/archives/?p=24396