تحطيم الإتصالات بعد الكهرباء - هل يحاصر المالكي نفسه بالبعث والوزراء الفاسدين؟

بدء بواسطة صائب خليل, أغسطس 29, 2012, 10:40:37 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

تحطيم الإتصالات بعد الكهرباء - هل يحاصر المالكي نفسه بالبعث والوزراء الفاسدين؟


فوجئت فور قراءتي لرسالة وزير الإتصالات المستقيل إلى المالكي (1)، بالشكوى المرة والوقائع المخيفة وسارعت إلى توزيعها إلى مواقع النت لخطورتها، ومستوى الفساد غير المعهود والذي كان الوزير يحمل المالكي جزءاً كبيراً من مسؤولية التغاضي عنه، لصالح ما قال أنه مؤامرة لإفشال الوزارة. وجاءت الرسالة مدعومة بالكثير من الأسماء والأرقام والأحداث التي يحمل الوزير نفسه مسؤولية صحتها، والتي نعتقد أنها صحيحة حتى يثبت العكس.

عندما يتصرف المرء بطريقة لا يمكن تفسيرها، لا على أساس مصلحي ولا على أساس أخلاقي ولا على أساس الجهل، فالتفسير الوحيد الذي يبقى أنه واقع تحت الإبتزاز. وبما أن أي رئيس وزراء لا يمكن أن يبغي فشل وزارته بإرادته، يبدو لي أن تصرف رئيس الحكومة نوري المالكي في قضية استقالة وزير الإتصالات، كان تحت ضغط ما، وربما وقع تحت تأثير الإبتزاز، ما لم يوضح لنا المالكي وجهة نظر أخرى وحقائق أخرى قد نجهلها في الأيام القادمة!

وحتى تأتينا الأخبار الأخرى التي تفند ما جاء في رسالة الوزير فسوف نعتبر ما جاء بها صحيحاً. الرسالة ومحتواها تنبئ أن الوزير رجل نزيه إبتعد عن السياسة والتصريحات السياسية وصراع الكتل، وأنه أدار وزارته بمهنية جيدة إن لم تكن ممتازة، وأن هناك تآمراً واضحاً عليه وأن رئيس الوزراء لم يدعمه بوجه هذا التآمر، ولم يحقق بما جرى كما ينتظر من رئيس حكومة، وكأنه راض بما يجري.

ويأتي هذا الإنطباع من خلال الأرقام والأسماء والحقائق التي قدمها الوزير، والتي تكشف الحقائق وتضع الوزير في مواجهة ادعاءاته أمام الناس والقضاء والمحققين ليحكموا على ما جاء بها. فمثلاً لقد ادعى الوزير أنه أضاف شروطاً على وزارته لم تكن مفروضة عليها، من اجل زيادة الشفافية ودرء الفساد، تلك الشفافية التي نفتقدها في كل ماله علاقة بالعراق اليوم، إبتداءاً من اصوات مجلس النواب وانتهاءاً بقضايا المسؤولين الفاسدين وحرب الملفات سيئة الصيت. فالمذنب يلجأ إلى الغموض دائماً، وإلى الإحتفاظ بالحقائق المحددة كـ "ملفات" لتهديد ومساومة من قد يهاجمه، وهي الطريقة التي يتبعها الغالبية الساحقة من ساسة "العراق الجديد" في صراعاتهم. بالمقابل نرى أن هذا الوزير (ألذي أقر بأني لم أسمع به من قبل) يطرح الحقائق أمام الجميع، ونحن بانتظار تفنيدها وإلا فخوفنا مما ينتظر البلاد.

ويبدو من الرسالة أن السيد المالكي كان قلقاً بشكل خاص بخصوص شركة "نوروزتيل" للإتصالات، والتي تشترطها حكومة كردستان للتعامل مع الوزارة لأن كردستان تملك 30% من أسهمها. فطلب المالكي من الوزير إيقاف عقدها "لأنه تترتب عليه اثار أمنية".
وأنا هنا أتفهم وربما أشارك رئيس الحكومة هذا القلق، فمن المعروف أن شركات الإتصالات العالمية بشكل عام، مخترقة من قبل الجهاز الأمني الإسرائيلي إلى حد يفوق الخيال، وتمكنها من التجسس على الدول الأوروبية جميعاً، وأميركا والأمم المتحدة، وما تشاء، وقد كتبت عن ذلك سابقاً. وهذا القلق يزيده تبريراً، العلاقة الودية بين الساسة الكرد وإسرائيل وأميركا، ومن الصعب تخيل أن يقول ساسة الكرد "لا" لشركة اتصالات تدعمها إسرائيل حتى لو أرادوا، ولا أعتقد أنهم يريدون. فإن كان رئيس الوزراء قد شم رائحة من هذا النوع في شركة "نوروزتيل" فسأكون سعيداً باعتراضه عليها، وأتمنى أن يشمل ذلك الإتجاه بقية المؤسسات ذات العلاقة غير الطبيعية مع إسرائيل، مثل بنك جي بي موركان الأمريكي، الذي يحتكر تحويلات البنك التجاري العراقي، وبالتالي يقرر للعراق مع من يسمح له أن يتاجر ومن لا يسمح له، وكذلك العلاقة غير الإعتيادية مع جيكيا، والتي تعتبر الإمتداد الإسرائيلي في الإتحاد الأوروبي، كما سبق أن حذرنا، وحذر وزير الكهرباء السابق رعد شلال الحكومة، وكذلك سفيرة الإتحاد الأوروبي لدى العراق، وهي الجيكية هيباسكوفا، التي كانت رئيسة وفد الصداقة الأسرائيلية الأوروبية، ومثل هذه المناصب لا يشغلها إلا من كان غارقاً في إخلاصه لإسرائيل، وله تاريخ. إنني لا أثير هذه النقاط لكي أعترض على قلق المالكي من الشركة، بل أتمنى فعلاً أن تكون هذه سياسته وهذا قلقه.

نقول، بفرض وجود المؤشرات المقلقة، وبفرض قلق الحكومة على أسرارها تجاه أميركا وإسرائيل، يكون الطلب بإيقاف العقد مع الشركة مفهوماً جداً، ولكنه لا يدين الوزير. فقد قدم هذا اسباب تعاقده وبين أنه ليس لديه علم بالقضايا الأمنية، وأنه اتفق مع الشركة باعتبار أن العراق مرشح ليكون معبراً لخطٍ عالميٍ للمواصلات وما يعنيه ذلك من مردودات مالية لا يستهان بها، وأن هذا الخط لابد أن يمر بكردستان، وكردستان قدمت احتكاراً لـ "نوروزتيل" كما يبدو. فأما أن يقبلها العراق، أو يرفضها، أو يبحث عن حل بالتفاوض مع كردستان، وكلها حلول معقولة لا شائبة عليها، لكنها لا تبرر ما جاء في رسالة الوزير من حقائق وطريقة تعامل مثيرة للقلق. واخيراً فلم يكن الوزير رافضاً للإنصياع لأمر الغاء العقد، فهو كما قال "إني ادير وزارة تقنية، اما الشؤون الامنية فهي من اختصاصات جهات اخرى ولابد لي الانصياع لامرها ."

واشتكى الوزير من عدم التزام الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتخصيص الأموال التي تحتاجها الوزارة والتي كانت الأمانة قد وعدته بها، رغم جهوده الكبيرة، "فجاء ذلك الامر ضربة الى وزارة الاتصالات في توفير بنى تحتية بدرجة عالية من الكفاءة." كما قال.
كذلك اشتكى الوزير المستقيل من حملات تهدف إلى شل عمل الوزارة، وإفشالها "بإضعاف دور الكادر المخلص والنزيه بل ونقلهم من الوزارة." وأعطى أكثر من مثال على ذلك. وهذه الأمثلة تتيح لرئيس الوزارء إن أراد حقاً، أن يتتبع حلقة الجهة المفسدة التي تشل الوزارات والخدمات.

لنقرأ هذه المقتطفات من الرسالة :

"دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المحترم، لقد جئتم قبل بضعة اسابيع الى الوزارة وتطرقتم الى امور بشان الوزارة ومنها ان هناك جهات مستفيدة تاخذعمولات بنسبة 20% او 10% كفساد مالي ، ولا ادري من هو المقصود بهذا اللمز"

"انني احاول كل جهدي ان اتعامل معكم بشكل مهني بعيداً عن السياسة حيث لم اصرح منذ اليوم الذي توليت مهمة الوزارة على اي تصريح سياسي تحقيقاً لتلك المهنية ولكني جوبهت وللاسف الشديد بحملات مغرضة ومقصودة ومواقف سلبية كبيرة كما ساتطرق اليه في رسالتي ".

"افشال الوزارة باضعاف دور الكادر المخلص والنزيه بل ونقلهم من الوزارة." (مقدماً أكثر من مثال على ذلك وبالأسماء، ومنعه من تثبيت مدير عام نزيه يحتاجه وآخر أيضاً أضطر تحت الضغط إلى تقديم طلب نقله) ليحل محلهم فاسدون متهمون بالإختلاسات وأصحاب السوابق، فيقول: " ثم ارسل لي كتاب من الامانة العامة بتعيين السيد محمد سلمان الوكيل الاقدم للوزارة في الفترة السابقة كمدير عام وهو متهم بالاختلاس وعليه احكام قضائية بفساد مالي كبير لاكثر من مشروع للوزارة عام 2005."

"ان هناك مخططا لافشال الوزارة بتفريغها من الكادر الكفوء والمخلص والنزيه."

"اما بالنسبة لمدير عام شركة الانترنيت السيد مجيد حميد فقد كان انجازه متميزا حيث حقق اكثر من 95% من الميزانية الاستثمارية، وفي كل حين ياتيني كتاب من الامانة العامة ومن النزاهة لماذا انا متاخر في نقله من الوزارة، وجاءت الينا اوامر من النزاهة لايقاف معاشه ومخصصاته، وفي النهاية جاء لي المدير نفسه طالبا نقله لانه لايستطيع الصمود اكثر من ذلك بوجه الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها"

ثم تحدث عن الإنجاز في العقود فكان : "لعام 2011 حوالي 76% ولكن في حقيقة الامر كانت نسبة الانجاز اكثر من 90% لاننا اوجدنا حالة عالية من التنافس فكانت الكثير من المشاريع اقل من السعر التخميني الموضوع لها"
وأشار الوزير إلى نقطة لا نظنها بريئة في مثل هذا الجو التآمري، فيقول أن وزارة التخطيط نشرت نسبة الإنجاز في وزارته خطأً فتحول الرقم 76% بقدرة قادر إلى 17% ! وهو الرقم الذي بقي إعلام المغرضين ضد وزارته يستعمله في كل حين رغم تصحيح وزارة التخطيط، "وهم يعلمون علم اليقين انهم كاذبون".

ولعل أخطر ما جاء في رسالة الوزير، ما قاله عن عصابة التخريب وإفشال المشاريع في الوزارة ونشر الرعب فيها وبالأسماء التي تكشف خللاً في غاية الخطورة في الحكومة كلها، وأختراقاً للبعث الصدامي لمفاصلها بشكل يفوق التصور:
"لقد برزت فئة جديدة في الوزارة واعطيتموها انتم القوة والصلاحيات وعلى رأسها المستشارة الفنية للهاتف الخلوي الدكتورة هيام ، حيث منصبها ليس الا مستشارة للوزير ، فبدأت هذه الفئة تأمر وتنهي وتطالب بايقاف المشاريع مع الايحاء للكادر الوزاري والشركات علاقتهم بكم ، وقد اضطر كادر الوزارة والشركات الاستجابة لهم خوفاً ، فلا يجرؤ احد على مجابهتهم فكانوا سبباً في ايقاف والتريث وتأخير مجموعة من المشاريع ، كمشروع بناء القدرات وارسال الطلبة لنيل شهادة الماجستير من بريطانيا ، ومشروع ايدن لتوفير خدمة الاتصالات للجهات الامنية ولشركات النفط، ومشروع بوابات النفاذ حيث هناك تعمد من قبل المعنيين بتاخير تنفيذ المراحل القادمة ، ومشروع الرخصة الرابعة والاتفاق مع شركة استشارية بهذا الشأن ، ومشروع الشبكة الموحدة والمؤمنة، ومشروع الطب عن البعد ، ومشروع الصراف الالي ومشروع التعليم الريادي، ومشروع القرية الذكية قرب المطار .....الخ"

ويشتكي الوزير من رئيسه بمرارة قائلاً: "لقد ذكرت لكم في رسالتي السابقة انه للأسف الشديد بدأت اشعر بأن مواقفكم من الوزارة تنطلق من منطلقات سياسية ، حيث تم فتح تحقيق على قضية واحدة ثمان مرات ، وفي كل مرة لا تصدر توصيات ، والحقيقة ان التوصيات كانت تصدر بشكل ضمني لمصلحة الوزارة ولكن ذلك الأمر لا يروق للكثير ممن لا يحتملون نجاح الوزارة، فقبل ان تصدر التوصيات تلغى اللجنة وتشكل لجنة جديدة ، لقد اوصل لي احد رؤساء لجان التحقيق اعتذاراً قائلاً اني اعرف اين الحق ولكني مرغم على تنفيذ التوجيهات".

"فاصبحت الوزارة الآن تعيش حالة من الهلع والخوف والرعب ، واصبحت عاجزاً عن حثهم للعمل ، حيث اخذوا يجدون ان الجلوس من دون عمل سيكون لهم اسلم ، وبخلافه ستفتح عليهم ابواب التحقيق وتختلق لهم الاتهامات من دون دليل واضح ، فلماذا العمل اذاً ...."

"انكم تعلمون جيداً بان المستشارة الدكتورة هيام الياسري كانت من البعثيين في فترة النظام السابق وهي صاحبة المشروع اهداء المقبور صدام هاتف خلوي بصناعة عراقية ، وقد تحركت في وقتها من كلية الهندسة االتكنولوجية وتم فرضها في ذلك الوقت على مدير مشروع)GSM الهاتف الخلوي) في وزارة الاتصالات الدكتور ناصع عبايجي للتعاون معها لصنع جهاز هاتف خلوي واهدائه الى صدام، وكانت تجبره للتعاون معها ، ولما وجدت عدم تعاون منه بهذا المشروع في ذلك الوقت، فلم يكن منها الا ان ارسلت رسالة الى صدام تخبره بهذا الشان، ولولا وقوف بعض الأشخاص الى جانب الدكتور ناصع في ذلك الوقت لما كان يمكن ان يعرف ما سيكون مصيره ، وهذه القصة منتشرة ومعروفة في الوزارة من قبل كادرها القديم، ولكني آثرت ان أأخذ المعلومات من مصدرها فاتصلت بالدكتور ناصع فشرح لي القصة كاملة ووضعني في كافة التفاصيل."

ثم يشرح الوزير ما قامت به هيام الياسري من تآمر واتهامات للموظفين الأبرياء ومحاسبتهم على عدم التعاقد مع شركات محتالة، "ويمكنكم في هذه الحالة تصور حالة موظفي الوزارة حين يتخذوا الموقف الصحيح ثم يجدوا انفسهم محاسبين لانهم اتخذوا الموقف الصحيح"

"لقد قامت بمحاربة اي مشروع فيه نفع للبلد وتطوير لقطاع الاتصالات ، ولكي اكون دقيقاً في وصفي للحقائق فاني استطيع ان اقول ان هناك مجموعة من داخل الوزارة ومن خارجها تحارب جملة من المشاريع اذا ماتم تبنيها من قبل الوزير كما ذكرت سابقاً ."

"لقد اصبح الكادر الوزاري يشعرون بالخوف والرعب لئلا ياتي يوما توجه اليهم الاتهامات ويعاقبون لانهم عملو من اجل مصلحة الوزارة . وفوق كل ذلك جاءت الى وزارتنا قبل حوالي عشرة ايام سيارات سوداء وقاموا باعتقال حوالي ستة موظفين صغار ابرياء بتهم كبيرة ، وجريمتهم انهم قبل حوالي ثلاث سنوات طلب منهم من جهات عليا اعطاء تخمين لما يسمى بجامعة البكر(جامعة الامام الصادق(ع))، فهل تنفيذ اوامر الجهات العليا جريمة يعاقب عليها القانون ."
(ولا يذكر الوزير تلك الجهات العليا، لكن من المؤكد أنه من الممكن سؤاله عنها وإيصال التحقيق إلى نتيجته المنطقية)

"لقد قامت المستشارة هيام بالحضور الى مجلس النواب ممثلة للوزارة من دون علم الوزارة والوزير، وعندما وجهت لها تنبيها بذلك قامت وبكل صلافة بتوجيه كتاب الي مطالبة اياي بسحب كلامي وتتهمني بالتشهير بها وتهددني باتخاذ الاجراءات القانونية بحقي."
ونحن نسأل السيد المالكي مع الوزير، أية وزارة هذه، وكيف يرضى أن يعامل وزراءه بهذا الإزدراء المهين؟
"لايستطيع اي موظف الان ان ينجز اي عمل الا باخذ مباركتها وارسال كافة المعلومات لها ."!!

"فهل يعقل ان هذه الوزارة التي انا مسؤول عنها كوزير تفرض عليها التعينات والاقالات من خارجها دون ان يؤخذ رأي الوزير بذلك ، وتفريغها من كادرها الكفوء والمخلص والنزيه ثم يتم فرض تعيين المختلسيين والمتهمين بالفساد المالي والاداري!!!"

ليختتمها بما يلي:
"لايسعني في هذا المجال الا ان اطلب منكم بنقل المستشارة الدكتورة هيام الى وزارتها السابقة (وزارة التعليم العالي) او اي موقع آخر ترتأون ولكن خارج وزارة الاتصالات فأن تحقق هذا الامر فاني اكتفي بذلك وبخلافه فلا يسعني الا ان اقدم استقالتي لاني اصبحت عاجزا عن العمل في مثل تلك الاجواء الموبوئة. وختاما تقبلوا مني وافر الشكر والتقدير
محمد توفيق علاوي
وزير الاتصالات"

ويبدو أن البعثية المتملقة التي كانت تعمل على إهداء "أول هاتف خلوي" لصدام حسين، كانت أهم من وزير الإتصالات، لدى رئيس الوزراء نوري المالكي، ففضل استقالة وزيره على إزعاجها!

حقاً أن المرء لا يتمالك نفسه من الغضب والشعور بالغثيان من هذا الحال وهذه النتيجة! إن كان عشر ما جاء في رسالة الوزير صحيحاً، فنحن نطالب ليس بنقل المدعوة إلى وزارة أخرى بل إلى التحقيق وإنزال أقصى العقوبات بها فوراً، هي ومن جاء بها ومن دعمها ومن تستر عليها بلا استثناء!

لقد كان على رئيس الوزراء أن يهتم بهذا المعلومات والتهم بشكل خاص، خاصة وأن حكومته تعاني من  فشل غير مفهوم في الإنجاز، والذي يلقى اللوم فيه على الإرهاب وعلى الشركاء السيئون في العملية السياسية وغيرها من الحجج، فهاهو الفساد أمامكم يمارس بكل حرية ووقاحة من قبل شخصيات لها تاريخ مخزي، ويتم التستر عليها ليس من قبل الشركاء، وإنما من قبل الحكومة، ويتم دعمها وتفضيلها على الوزراء الشرفاء الذين يكشفون لكم الحقائق. إن الفشل الحكومي في الخدمات لا يمكن أن يكون عفوياً، او يفسره الفساد والإرهاب وحده، بل من الواضح أن هناك جهة تنسق الفشل وتسعى إلى شل الحكومة في العراق. وهاهو وزير يشرح ذلك في وزارته شاكياً، فلا يستمع إليه ولا يتم التحقيق فيما ادعاه، بل تقبل استقالته فوراً، وكأنها هي الهدف المرجو من زمان!

وكلمة لابد أن تقال بحق أجهزة النزاهة، فقد أصبح من الواضح تماماً أن هذه المنظومة قد وضعت من قبل الأمريكان كإحدى أدواتهم لشل البلاد وردع كل شخص عن تحمل مسؤوليته. لقد تحدث لي رعد شلال عن خوف مهندسي سد الموصل من تحمل أية مسؤولية، وفضلوا ترك بحيرة السد فارغة رغم الحاجة للمياه، رغم أن كل المؤشرات الهندسية تقول بسلامتها. وها نحن نشهد سيناريو إرهاب وزارة هندسية أخرى ودفع الموظفين بعيداً عن أداء مهامهم خوفاً من المحاسبة التي تطال حتى الصحيح، بل تطال الصحيح وحده على ما يبدو.

نلاحظ نقاط تشابه بين ما جرى لوزير الكهرباء السابق رعد شلال، وكان أيضاً من انظف الوزراء العراقيين، وما جرى لهذا الوزير. نلاحظ أولاً أن إقالتهما جاءت بعد ضغوط وإشكالات وحملات إعلامية، وليس تقصيراً أو قلة كفاءة. والنقطة الثانية هي أنه مثلما أقيل الأول بدون إجراءات نظامية، فتم تشويه سمعته إعلامياً حتى لم يعد بالإمكان التراجع، وهذا الجديد لا توجه له أيضاً تهمة محددة وإنما يقوم رئيس الحكومة "بالغمز" غير المفهوم، وهي أغرب طريقة للتعامل مع مثل هذه القضايا.

ومثلما رفض رئيس الوزراء الإستماع إلى الأول رغم طلباته المتواصلة لأكثر من اسبوع، فهو لا يبدو راغباُ في الإستماع إلى الثاني وتحديد موقفه منه على اساس محدد.

ومثلما كشف الأول الخفايا الكبيرة في البرلمان ودافع عن شرفه حين رفض رئيسه الإستماع إليه وإعطاؤه الفرصة للدقاع عن نفسه، ذهب الثاني إلى مخاطبته برسالة مفتوحة تكشف الحقائق الخطيرة ويبرئ ذمته أمام الناس.

ونلاحظ أيضاً أن الرجلين لم يذهبا مثل الوزراء اللصوص، إلى الفضائيات والجهات الإعلامية والسياسية المعادية للحكومة سياسياً للحصول على دعمها وإحراج الحكومة بما يمتلكون من معلومات خطيرة، بل فضلا تبرئة ذمتيهما أمام الناس وانسحبا بهدوء.

وكان الرجلان متميزين في أدائهما في الوزارة وحققا نسب إنجاز إستثمارية عالية جداً، فإن كان التخلص من الموظفين المخلصين الأكفاء في كل وزارة بغرض شلها، هدف للجهة المجهولة، فأنها حققت بهذه الطريقة التخلص من رأس الوزارة ايضاً.

ونلاحظ أيضاً أن الرجلين كانا من "القائمة العراقية" رسمياً لكن العراقية لم تدافع عن اي منهما، بل فضحت نفسها في الوزير الأول تلبست الموقف الشريف وأدانت الوزير قبل أن يحقق أي شخص بما نسب إليه! وهنا أيضاُ لم نسمع كلمة للعراقية في هذا الأمر، وكأن إقالة الوزيرين كانتا بتنسيق معها بل ربما بطلب منها.

ونلاحظ أيضاً أن الوزيران مهنيان بعيدان عن السياسة والإعلام.
ونلاحظ أن طبيعة الرجلين وتوجهاتهما بعيدة تماماً بل ومناقضة تماماً لكتلة العراقية كما عرفناها من قياداتها. فكان هؤلاء يسبون إيران ليلاً ونهاراً، بينما كان رعد شلال الوزير الوحيد حتى اليوم، ومن جميع الكتل، الذي تجرأ وقال أن العراق بحاجة لإيران من أجل الكهرباء وأن من الضروري تنظيم التجارة معها بعيداً عن جي بي موركان. وهذا محمد علاوي يتعرض إلى عصابة من شرطة صدام وكتاب تقاريره في "العراق الجديد"، بينما العراقية هي من سعى بقيادة اياد علاوي إلى زق الوزارات بمثل هذه النماذج!
ومثلما لم يستطع رعد شلال تعيين شخص واحد كما أخبرني، عدا بضعة من الحمايات، وتثبيت من كان معيناً، فأن محمد علاوي قد حوصر أيضاً في التعيينات، وذهبوا معه أبعد من ذلك بإخراج المخلصين الذين يعتمد عليهم!
ومثلما لم تخصص لوزارة الكهرباء المبالغ الكافية لعقودها بما يتناسب ما وعد به رئيس الوزراء نفسه، فاضطرت إلى التعاقد مع الشركات الوسيطة لأنها كانت الوحيدة التي قبلت بالتعاقد بالآجل فانتفض لص دولي من رجال صدام أيضاً لإثارة قضية مضخمة ودفع بالوزير إلى الإستقالة. كذلك منعت أمانة مجلس الوزراء المبالغ اللازمة لمشاريع الإتصالات لإفشالها كما قال الوزير. ومثلما استمر الإعلام العراقي في تشويه سمعة رعد شلال بالتلميح إلى أنه "أقيل على خلفية قضايا فساد" بينما الحقيقة هي أنه تمت تبرئته من أية قضايا فساد، فأنه قد قام البعض بتزوير أرقام إنجازات وزارة محمد علاوي ليجعلها 17% بدلاً من 67% والتي يقول أنها تعادل أكثر من 90% فعلياً، واستمر الإعلام والمتآمرين باستعمال تلك الأرقام وهم يعلمون أنها كاذبة، كما كان يعلم مشهري رعد شلال بأنهم كاذبون.

لقد انتهت وزارة الكهرباء إلى حملة صليبية من اجل بيع العقود إلى التجار والشركات الخاصة، يقودها ويا للعجب برلمانيون وكأنهم تجار، فتركوا مهامهم البرلمانية وصاروا يتنافسون فيما يجب أن تعطى تلك العقود لشركات تركية أم غيرها!
ولن نستغرب أن تنتفض لجنة جديدة سيئة السمعة مثل لجنة النفط والطاقة البرلمانية داعية لخصخصة الإتصالات بعد إفشالها، ولن نستغرب أن يكتشف فيما بعد أن للدكتورة هيام الياسري أسهماً في بعضها، هي وكل أفراد عصابتها!

ويذكرنا هذا بتزوير أرقام أصوات البرلمان إن الطريقة التي تم بها إفشال وزارة الكهرباء في زمن الوزير شلال تتطابق تماماً مع الطريقة التي تتبع لإفشال وزارة الإتصالات، ولا نستبعد أن تقوم جهة مشبوهة مثل لجنة النفط والطاقة البرلمانية بالدعوة لخصخصة وزارة الإتصالات لأنها فشلت الخ..
وإن كانوا قد زوروا أرقام التصويت على "توصية" المجلس التي أسموها "قانوناً" في الإعلام، وجعلوا من فارق ثلاث أصوات (بفرض أن العملية لم تزور أصلاً)، فارقاً بـ 89 صوتاً، فلن يتوانى ثعالب البرلمان عن تزوير أي تصويت لخصخصة أية وزارة أخرى، ولن يتوانى الإعلام المؤسس أمريكياً عن تكرار  الأكاذيب مهما كانت واضحة، ولعلهم قد بدأوا تمارينهم بتغيير نسبة النجاح للوزارة إلى 17% فقط!

قلنا في البداية أنه عندما لا تفسر مصلحة شخص ما، ولا اخلاقه ولا جهله، تصرف له، فأننا نفكر أن هذا الشخص قد يكون تحت الإبتزاز، ليتصرف بعكس مصلحته! وهذا ما يفسر سؤال الوزير إلى رئيس الحكومة بالقول:"اليس نجاح الوزارة سيحسب الى صالح الحكومة وبالتالي الى صالحكم ،فلماذا السعي لافشال الوزارة ، اليس فشلها سيحسب عليكم!"
ونحن نسأل أيضاً: لماذا يحاصر رئيس الوزراء نفسه ووزاراته بالصداميين الفاسدين ويطرد النزيهين؟ إنه يعلم جيداً أنهم لا يكنون له ولا للعراق إلا التآمر، فهل يعمل تحت ضغط ما، حتى ضد مصلحته؟

ما هي الوزارة التالية التي سيستولي عليها عصابة تقودها شخصية صدامية من مستوى هيام الياسري؟
طالما اشتكيت من شركاء لا بد منهم لتشمل الحكومة كل الجهات، لكنهم يعلمون على تخريب البلاد، فلماذا عندما يأتيك وزراء مخلصين من هؤلاء لا تدافع عنهم؟
وإن كنت قلقاً على الإختراقات الأمينة الإسرائيلية في وزارة الإتصالات، فكيف تسلم الوزارة بيد هيام الياسري؟ هل هناك أسهل على إسرائيل من شراء الساقطات، إن لم تكن هي التي أرسلتها؟ إن كنت تفتخر بأنك وقعت أمر إعدام صدام فكيف تسمح أن تقيل وزراءك لخاطر من كانت تتملق لصدام لتهديه أول هاتف خلوي، وتكتب التقارير على زملائها وهي تعلم معنى ذلك عند صدام؟

نريد أن نعرف مصير هذا البلد وما يخطط له، وكيف وصل الأمر أن تتحكم أوسخ الشخصيات في وزارة كاملة وخطيرة وتنشر الإرهاب فيها! ألا يجبر المرء على السؤال الذي طالما حاول تجنبه: ما الفرق إذن عن زمن صدام؟ من يدعم هذه الزمر، ومن أين تستمد هذه الساقطة قوتها؟ هل رئيس الوزراء راض عن هذا بالفعل كما توحي الرسالة، أم أنه عاجز عن فعل شيء؟ وإن كانت هذه حدود قدرته وسلطته، والتي لا تكفي لإداءه أبسط واجباته في حماية حتى وزرائه بوجه تافهة متملقة من بقايا حثالات صدام، فكيف سيحمي البلاد في هذه الظروف المخيفة التي تمر بها المنطقة؟ وإن كانت سلطته الفعلية لا تكفيه لأداء واجبه بالحد الأدنى، فلماذا يقبل بتحمل مسؤولية ولاية ثالثة؟ إن كانت لديك أجوبة على هذه التساؤلات فسوف يسعدنا أن نسمعها منك فلا تتأخر، فهذه ليست اسئلتي وحدي يا رئيس الوزراء، نحن نعيش في الظلام ونفاجأ بالضربات الواحدة تلو الأخرى من حيث لا ندري، ولم يعد العراقي يدري من يصدق وبمن يثق. أخبرنا، ما الذي ينتظر هذا البلد؟


(1) نص رسالة وزير الإتصالات إلى المالكي:    http://www.albadeeliraq.com/article21114.html