العراق نحو حكومة توافق بين كتلتي "الشركات التركية" و "الشركات الرصينة".

بدء بواسطة صائب خليل, أغسطس 20, 2012, 11:55:48 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نشرت "البديل العراقي" مقالة تحت عنوان "النائب الصدري عدي عواد يهدد بكشف اسماء مسؤولين يروجون للشركات الكهربائية التركية ويروج هو ذاته للشركات ذات السمعة العالمية".(1)
وجاء في الخبر أن عضو لجنة النفط والطاقة النيابية عدي عواد، قد هدد بالكشف عن اسماء "مسؤولين كبار وسياسيين يروجون للشركات التركية المتلكئة في تنفيذ مشاريع توليد الطاقة الكهربائية".

ومثلما لم نر أياد علاوي يدخل البرلمان إلا حينما تم تهديد مصالح "ناخبيه" (الهيئة العليا لتزوير الإنتخابات)، فإننا لم نسمع بالنائب عدي عواد، إلا حين بدأت الحملة الصليبية لخصخصة الكهرباء. ومثلما عمل أياد علاوي حين تهددت الهيئة بخطر فضح فسادها، فنشط فجأة ليس بالحضور والتصويت فقط، وإنما بالترويج والحث والتصفيق ايضاً، كان النائب عدي عواد يدور في المحافظات واحدة واحدة، يحثها على الإحتجاج ويغري مسؤوليها باستلام الكهرباء وملياراتها بأيديهم بدلاً من الحكومة المركزية، التي يجب أن يتم نزع كل صلاحياتها وعلاقتها بالمواطن، الذي يجب أن لا يعرف سوى محافظته، أسوة بالإقليم، بل أن الترويج لأساليب الإقليم كانت صريحة أيضاً، رغم أنها تمثل أكبر تهديد للدولة العراقية الحالية، بعد الإرهاب والفساد.

ويبدو أن رائحة الدسم قد وصلت إلى أنوف الشركات التركية، وأدركت أن البرلمان والمؤسسات السياسية العراقية ستتحول إلى ساحة صراع للوبيات الشركات وأموالها بدلاً من الكتل السياسية وأفكارها، كما تحولت مؤسسات الدول التي أخترقتها الخصخصة وفصلت حكومتها عن مهمتها في خدمة الناس، وحولتها إلى مؤسسة شرطة لحماية استقرار سوق الشركات وحماية الأثرياء من غضب الفقراء. أدركت تلك الشركات أن العد التنازلي للعراق قد بدأ، فسارعت تحجز "ممثليها" في البرلمان ودوائر الدولة.

ولكن عدي عواد، يعتبر الكهرباء "حصته"، بعد الجهد الذي بذله وكمية الكذب الذي تجشمه عن عظمة الخصخصة والقطاع الخاص وإدارة المحافظات للملف، وشارك في مسرحيات "لا حل إلا الخصخصة"، لذلك عز عليه أن تقفز شركات أخرى على "الفريسة" التي طاردها كل هذا الوقت، ولم يجن من وراء ذلك حتى الآن سوى السمعة المشبوهة، وتقتنصها لنفسها، فاندفع غاضباً إلى درجة أفقدت تصريحاته الإتزان الذي يتحلى به في العادة كل من السياسيين والتجار على السواء!

فالمفروض بـ "النائب"، مثلما قلنا سابقاً عن السياسيين في حرب الملفات الماضية، أن لا "يهدد بكشف الخلل" بل يكشفه فوراً! أوليست هذه مسؤوليته التي أقسم على القيام بها ويستلم راتبه الدسم من أجل القيام بها؟ لكنه بدلاً من ذلك يهدد: "سنكون ازاء مسؤولية الكشف عن اسماء مسؤولين كبار وسياسيين يروجون لتلك الشركات والاعلان عنها امام الراي العام قريبا اذ استمروا في هذا العمل"!
إنني أقرأ أي تهديد مؤجل على أنه: "تعال نتفق، وإلا...!"، وهنا "تعالوا نحو حكومة توافق شركات..!"

ملفت للنظر أيضاً أن هؤلاء السياسيين يروجون للشركات "أمام الرأي العام" وليس في دوائر صنع القرار! ويبدو أن اللوبيات القادمة قررت أن تخوض صراع انتخابات شعبية في العراق! وربما نفاجأ ذات يوم بشعارات السادة المرشحين تعلن إسم الشركة التي يعمل النائب من أجلها، وبأكبر من إسم "النائب"، وأن ينتخب الناس "أكسون موبيل" أو "شل" أو "سيمنز"، ولا يذكرون إسم المرشح نفسه، والذي حين يصبح "نائباً" فسيكون نائباً عن الشركة في البرلمان!

أما إنه فقدان شديد للتوازن، أو هو طموح شديد إلى محاولة كسب رئيس الحكومة إلى جانب اللوبي الخاص به، حين يطالب عدي عواد رئيس الحكومة، و "بالتدخل المباشر" حسب قوله، ليس من أجل حل واحدة من الإشكالات الهائلة التي لا تعد ولا تحصى، والتي يعاني منها ناخبوه المساكين، وإنما "لمنع تسلم مشاريع توليد الطاقة من قبل الشركات التركية" التي أسماها "المتلكئة" التي تتسبب في استنزاف الطاقات وهدر الاموال والوقت دون تنفيذ المشاريع بشكل صحيح، حسب "النائب" الذي يسمي شركاته "الرصينة"!
فمن غير المتوازن، أن يتدخل رئيس الحكومة ليمنع "شركات تركية" دون غيرها، من عقود تتنافس عليها، والمفروض بـ "النائب" أن يحتج بشدة على رئيس الحكومة إن فعل ذلك، سواء كان احتجاجه باعتباره نائباً عن الشعب، أو عن مذهب "حرية السوق"، فكلاهما يعتبر مثل هذا التدخل "المباشر" غير مقبول تماماً، ويتهم من يقوم به بالفساد! كذلك فمن حق الحكومة التركية أن تقاضي هذا "النائب" على الإساءة العامة لكل شركاتها دون تحديد شركة محددة "متلكئة" ومحاسبتها وفق العقد!

ليست هذه الصورة الكاريكاتيرية المقلقة من وحي الخيال البحت، ولو نظرنا إلى الدول التي حصلت فيها الشركات الخاصة على فرصتها الكاملة، سواء في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة أو المتخلفة مثل الدول التي تمت خصخصتها بجهود الولايات المتحدة لرأينا الصورة قريبة جداً من الواقع. ويمكننا أن نرى انعكاس ذلك في شعارات الشعب الأمريكي التي تستبدل إسم بلاده بـ "الشركات الأمريكية المتحدة"، أو تضع علامات لوكو الشركات الكبرى بدلاً من نجوم العلم الأمريكي. فالواعون من الشعب الأمريكي، وهم في تزايد، يدركون أن الشركات الخاصة استلمت الحكم في بلادهم وأن أصوات الناس في الإنتخابات لم تعد تعني شيئاً، وأن "الديمقراطية" لديهم تحولت إلى "كوروبوقراطية" (حكم الشركات)، هي التي تقرر من يحكم البلد وفي أي اتجاه يتجه اقتصادها، بل وتقرر دخول البلاد الحرب!




وهاهو العراق يسير في هذا الطريق، ولكن بالنتائج الأكثر كارثية التي تنتظر الدول الفقيرة من الخصخصة: فنادق الدرجة الأولى تحيطها مدن الصفيح التي يعيش الناس فيها كالجرذان.

لقد فاحت رائحة الدم، وهاهي الذئاب تعوي وتدور في أماكنها بقلق ظاهر!

(1) http://www.albadeeliraq.com/article21003.html