ذكريات من الماضي العراقي القريب (7)

بدء بواسطة عبدالله النوفلي, أغسطس 19, 2012, 07:17:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

عبدالله النوفلي

ذكريات من الماضي العراقي القريب (7)
[/color]

كان في كل زاوية وشارع احتمال لوجود رائحة الموت فقد نفث الأشرار سمومهم في كل مكان وبتنا لا نعرف مصدر الشر فأصبح من العسير تحديد هوية صانعي الشر وناشري ثقافة الموت للعراقيين أجمع فمنهم من يقول إنها المقاومة ومنهم من يلقي باللوم على الكتل السياسية وصراعها معا من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من السيطرة على السلطة وهناك فريق ثالث يتهم المحتل وفرقه القذرة التي يدعي الكثيرين أن هؤلاء كانوا يزرعون العبوات الناسفة لخلق حالة من الفوضى كي يبقى استمرار وجودهم في العراق مشروعا ولا تطالبهم أية جهة بمغادرة العراق لأن الأمن لم يستقر بعد، وكل من تحدث وحدد هوية مصدر الشر كان يضرب لنا أمثلة تدعم أقواله ويسرد لنا العديد من الحكايات ... لقد كان كل هذا محاولات لطمس الحقيقة وأضاعة رأس الخيط في القضية لأن الشر كان يطال الأبرياء أكثر مما يطال قوات الاحتلال فلو كانت كما يسمونها المقاومة تقوم بذلك فهل يعقل للمقاومة الوطنية أن تقتل أبناء شعبها؟
لقد كانت جميع الأوراق مفروشة على طاولة النقاش وكان الكثير من الجهات وخصوصا الدينية منها تحاول حث الناس على أن الدم العراقي خط أحمر ويجب حفظ الدم وجعله من المحرمات وكم من المواثيق تم توقيعها لكن جميعها تقريبا ذهبت أدراج الرياح وبقيت حبرا على ورق ومحفوظة هذه داخل ملفات كثيرة عفا عليها الزمن لأن الدم العراقي كان يجري وبغزارة وكانت التفجيرات تتم ليس بالعشرات بل بالمئات لو أخذنا كامل رقعة التراب العراقي ويوميا، وطال الزمان والعراق ينزف من أهله الكثير الكثير إن لم يكن بالموت فبالهجرة وعجزت حتى برادات الطب العدلي من أستيعاب كل جثث الضحايا.
وأزاء هذا الواقع لم نلحظ جدية من قبل الأطراف الدولية وحتى المحلية لوضع حد لهذه الهموم القاسية لأن القانون كان قد أصبح شيئا من الماضي ومرت سنوات كثيرة عجاف ومؤلمة جدا كان أي منا عندما يخرج من بيته لم يكن متيقنا أنه سيعود سالما وكان وجود التلفوات النقالة بعد 2003 شيئا مفيدا من جهة تخفيف قلق الأهل وتوترهم كوننا كنا نتصل بعوائلنا بعد كل مرحلة نقطعها ونحن في طريقنا للعمل!!! ولم ينتبه أحد من الداخل أو من الخارج لأنين الثكالى وذوي الضحايا فحتى من فرح بحصول العراق على بطولة كأس آسيا بكرة القدم عام 2007 وأحتفل بالشوارع طالته التفجيرات!!! فهل أن احتفاله هذا كان احتفال بالمحتل ومن أجل استمرارية بقائه كي ندّعي بأن المقاومة الوطنية تقوم بمثل هذا العمل؟ وكان لدينا شماعة نعلق الأفعال عليها؛ الا وهي القاعدة وأعوانها!!! أي أننا لا بل الأعلام في العراق وفي خارجه قد ضخم كثيرا هذا الاسم وأصبح بعبعا ومخيفا حتى للدول ذات السيادة وربما تلك المنظمة التي أجمعت دول كثيرة من العالم بنعتها بالإرهابية وخصوصا بعد أحداث نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية في يوم 11 أيلول، الحدث الذي دفع حكومة الولايات المتحدة على أثره غزو أفغانستان وتبعته بالعراق وكان لها دولا تسميها بمحور الشر ... ولكن أحداث العراق الساخنة باستمرار ربما أجلت كثيرا من المخططات اللاحقة التي كانت الولايات المتحدة قد قررت المضي بها لاجتثاث محور الشر!!!
لقد كانت كل المعطيات تدفع بالإنسان العراقي بالركود والانزواء جانبا والتحوط للشر القادم والعمل كي يعيش الإنسان بالملاجيء الحصينة حماية لنفسه من السيارات الملغمة والعبوات الناسفة والقنابل المزروعة على حافة الطريق بالاضافة لمن يرتد حزاما ناسفا ويعتبر قنبلة موقوتة ومتنقلة بكل مكان، فحتى الباصات العامة لم تعد سالمة منها فكم من باص تم تفجيره بترك كيسا يحوي مادة متفجرة يتركها الشرير عند نزوله ليفجرها بالريموت بعد نزوله منه بلحظات!!! دون النظر لركابه البسطاء والمحرومين!!! فمن يركب الباص؟ سوى الفقير والذي لا يملك وسيلة خاصة للنقل؟ لكن الأشرار جعلوا من هؤلاء أهداف لهم وكأنهم جزء من قوات الاحتلال!!!
لكن الغيرة على العراق جعلت من أهله الأخيار كل يعمل بمجاله المناسب وربما من خلف الكواليس كي يخفف معاناة أهله ويوقف كل هذا الشر المحدق بهم، ومن هؤلاء من كان يكتب ويرسل الرسائل للعالم ولوسائل الإعلام شارحا لهم قوة الألم الذي يعيشه هو وأخوته ويسلط حزما من الضوء على مشاهد الحزن والألم التي أصبحت ديدن يومي لنا ولم نكن بحاجة كي نستمع من هذا أو ذاك عن الحوادث فقلما خلت منطقة من حادث أو تفجير او خطف لأن أصوات هذه الأعمال المشؤومة كانت تُسمع في كل مكان وكان الناس يهرعون لآنقاذ ما يمكن أنقاذه وهؤلاء أيضا كانوا أحيانا يلقون حتفهم لأن الأشرار كانوا قد وقتوا قنبلة ثانية كي تنفجر عند تجمع الناس فور وقوع الحادث الأول لتكون المصيبة التالية أكبر من سابقتها.
وكانت التفجيرات الأولى التي طالت الكنائس في الأول من آب 2004 مصدر هلع للكثير من المؤمنين لأن العراقيين لم يكونوا قد اعتادوا وجود رجال الأمن على أبواب دور العبادة كي يقوموا بتفتيش الداخلين لإداء الصلوات فوقعت الحوادث ذلك اليوم وقعا حادا على نفوس المؤمنين كونها قد طالت مجموعة من دور العبادة في وقت الذروة حيث تقام الصلوات عصر الأحد بصورة معتادة ويؤمها أغلب المصلين كون الصلوات الصباحية يحضرها القليلين لأن الغالبية تكون في أعمالها وعند المساء تحضر لإكمال الفروض فشهدت أكثر من كنيسة مجزرة حقيقية فكنيسة الرسولين بمنطقة الدورة – الميكانيك تحطمت واحترقت أكثر من عشرين سيارة للمصلين ومثلها وربما أكثر من الضحايا بين جريح وقتيل ومن الضحايا شاب وخطيبته حضروا لحظة التفجير وهدفهم توزيع بطاقات عرسهم المزمع حدوثه يوم الخميس التالي لكن القدر كان لهم بالمرصاد وحصد روحيهما معا القصة التي عشنا الكثير من تفاصيلها يومها حيث كان مسكني قريب من الحادث وكان ثلاثة من اولادي يحضرون الصلاة داخل الكنيسة وكان القدر وحده من أخرجهم من هناك سالمين دون أذى، ولكن ساحة الكنيسة التي كانت عبارة عن موقف للسيارات أصبحت وكأنها ساحة للمعركة تتناثر فيها الأشلاء وأجزاء السيارات المحطمة وكم من معجزة نستطيع الجزم بحدوثها ورواها لنا أصحابها حينها، فصديق لي كان لديه سيارة من نوع أولدز موبيل وخرج قبل نهاية الصلاة بقليل ولكون الجو حار جدا وقف مع ابنه الصغير قرب السيارة بعد أن قام بتشغيلها وتشغيل جهاز التبريد فيها ووقع الانفجار قريب جدا منهم لكنهم خرجو سالمين ولم يصب هو بأذى سوى تمزق بنطال ابنه بشظية دون ان تمس جسده!!! حقا لقد اعتبرنا ذلك معجزة حقيقية لأن أحدى الضحايا تم انتشال أجزاء من جسدها من فوق بناية الدير الكهنوتي المجاور للكنيسة!!!
وحال كنيسة سيدة النجاة لم يكن بحال أحسن من كنيسة الرسولين وكذلك كنيسة مار أيليا الحيري او سيدة الزهور وغيرها من الكنائس التي كانت ليس في بغداد بل في الموصل وكركوك هدفا لحقد الأشرار الذي وضع خطة لتهجير المسيحيين بتعرضهم لكنائسهم ومحاولة ابعادهم عن بيوت عبادتهم تلك الرئة التي يتنفسون منها الإيمان بالله الواحد الأحد. وكان هذا اليوم هو الأول في سلسلة من الأيام الدامية التي شهدتها رقعة العراق لاحقا، وليس فقط الكنائس بل حتى الجوامع والحسينيات فلم تسلم مدينة من حوادثها فحتى كربلاء والنجف المقدستين تعرضت لسلاسل كثيرة من مثل هذه الحوادث كان ضحية أحداها من أصبح يعرف (بشهيد المحراب) كونه قد أصبح وقودا لحقد الأشرار وهو عند بوابة الحضرة العلوية في النجف الأشرف وغيرها من الأحداث الشيء الكثير ربما يتسع المجال لاحقا لسرد الكثير منها كي يعرف العراقيين والعالم أجمع حجم وهول المأساة التي عاشها العراقيون في ضل الديمقراطية النموذج التي أرادها لهم بوش الأبن!!!
وإن تحدثنا عن دور العبادة فيجب أن لا ننسى بسطات العمال في الباب الشرقي وبغداد الجديدة وحي العامل والبياع من بغداد لأنها كانت هدفا للكثير من الأعمال الجبانة التي حصدت أرواح هؤلاء الذي يمضون يومهم بعمل شاق لإعالة عوائلهم وينتظر الكثير حر اليوم دون أن يستأجره أحد ليعود مكسورا ومهموما إلى بيته فمن يقصد هولاء لإرواعهم؟ لا يكون هناك سبب لفعلتهم سوى لدفع هؤلاء كي يتعاونوا مع الأشرار ويقومون بأفعال يريد الأشرار تنفيذها كي يحصلوا على مبالغ تافهة نتيجة ذلك، فلقد أصبحنا في زمن موت الضمائر وتقبل مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وكم من شرير اعترف في مقابلات متلفزة انه قتل شخصا ما مقابل خمسين دولارا !!! لقد أصبح الشر مصدرا لإعالة الناس ويالها من وسيلة شريرة للعيش، وليس هذا فقط لأن بريمر دفع عشرات الألوف كي تعيش في الفاقة والعوز عندما شطب بجرة قلم وبقرار مستعجل على وزراة الدفاع وسرح كل الجنود والضباط وكذلك على منتسبي وزارة الاعلام بجيشها الجرار من الاعلاميين والموظفين بالإضافة إلى الدوائر الخاصة ومنتسبيها وجل هؤلاء أصبحوا بقرار خاطيء بلا مصدر للعيش وبينهم من كان يتنعم كثيرا أيام النظام السابق وخصوصا منهم ضباط الجيش، فكم من هؤلاء انحرف وأصبح معينا للأشرار؟ لأن من صعاب الأمور أن لا يجد رب الأسرة مصدرا لإعالة عائلته عندها سيفعل أي شيء كي لا يسمع أطفاله يبكون من الجوع وألمه.
وشوارع كثيرة أصبحت مقفرة بعد ان كانت تعج بالمتسوقين وكانت محلاتها عامرة بالبضائع ... الموضوع الذي سنستمر بالكتابة عنه وغيره في الحلقة القادمة.

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com