بلدانيات سهل نينوى - الحلقة الثانية - برطلة بقلم حبيب حنونا

بدء بواسطة habib hannona, فبراير 08, 2011, 02:28:44 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

habib hannona

بلدانيات سهل نينوى - الحلقة الثانية
بقلم حبيب حنونا

برطلة

بلدة عامرة تقع شرقي الموصل على مبعدة 20 كم منها ، وهي حاليا مركز ناحية تابع لقضاء الحمدانية ، يسكنها ما يزيد على 15 ألف نسمة غالبيتهم من السريان الأرثوذكس ولغتهم السورث .
وإسم برطلة أرامي الأصل ، ولو إختلف اللغويون في تفسيره ، فقد قال الجواليقي أن معناه (إبن الظل) وكذلك يوسف غنيمة فيرى أن أصل الأسم (بر طللا ) ، بر بمعنى (إبن) وطلا بمعنى (الظل أو الفيئ) ، ومنهم من قال أن أصلها (بيث طليي) أي بيت الأطفال . ويرى الخوري بطرس سابا البرطلي أن اللفظة تتألف من الباء الأولى المختزلة من (بيث) بمعنى بيت و (رطلي) بمعنى أرطال أو أوزان ، فيكون أصلها (بيث رطلي) أي بمعنى (محل الأوزان) .

بالرغم من عدم إجراء أي تقنيات أثرية في برطلة إلا أنها قديمة المنشأ ، فقد وردت في حملة المصادر التاريخية والبلدانية ، فقد ذكرها ياقوت الحموي (المتوفي عام 1229 م ) في كتابه معجم البلدان ، فقال في وصفها : " برطلي : بالفتح وضم الطاء وتشديد اللام وفتحها بالقص والأمالة : قرية كالمدينة في شرقي الموصل من أعمال نينوى كثيرة الخيرات والأسواق والبيع والشراء يبلغ دخلها كل سنة عشرين ألف دينار حمراء ، والغالب على أهلها النصرانية وبها جامع للمسلمين (ياقوت الحموي : " معجم البلدان " ج 2 ص 128) . كما ذكرها إبن عبد الحق في " مراصد الأطلاع " ونوه عنها إبن فضل الله العمري المتوفي سنة 749 هجرية (1348 ميلادية) ، فكتب إسمها " برطلة " وقال إنها من بلد نينوى .

أن الجامع الذي ذكره وأشار إليه ياقوت ، كان موقعه جنوب شرقي برطلة على مسيرة قصيرة منها في الطريق المؤدي الى (كرمليس) ، وقد إندثر هذا الجامع منذ أمد بعيد وبقيت منه أنقاض يعرف عند سكان برطلة ب " المصلى " ، وقد ذكر ياسين العمري (ت 1816م) في حاشية كتابه " منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء " منوها عن برطلة : وفيها قبر الشيخ حسن الحصري ، لا نعلم مكان هذا القبر ، ربما كان حيث موقع الجامع الذي ذكره ياقوت الحموي .

وقد أعتبرت برطلة في أوائل العهد العثماني إقطاعا من درجة " خاص ميرلواء " مثل ألقوش ، كرمليس ، باخديدا ، يارمجة ، باطنايا على الموصل ذاتها . فقد جاء في سجلات ولاية الموصل لعام 1542 م عن واردات الولاية والمناطق التابعة لها ، فبلغت واردات (خاص مير لواء الموصل) 733901 أقجة ، وبلغ دخل باخديدا (قره قوش) 150000 أقجة ، ودخل كرمليس 123000 أقجة ودخل برطلة 3200 أقجة . والأقجة عملة عثمانية كانت متداولة آنذاك يعزى ضربها الى السلطان أورخان عام 1325م ومعنى الأقجة ( البيضاء ) وكانت مصنوعة من الفضة عيار 90% وعرفت في البلاد العربية بلفظة (عثماني) أو (الدرهم العثماني) . وجاء في كتاب " القوانين السلفية " لمؤلف مجهول : مشيرا الى القرى التي كان عليها أن تقدم كمية من النسيج الى الموصل كضرائب ، ويكشف لنا هذا المصدر أنه كان لدى حكومة والي الموصل دفتر خام خاص بما يجب على القرى الرئيسية تقديمه من ذلك النسيج حسب القائمة التالية والمؤرخة عام 1818 م : تلكيف 150 طولا ، تلسقف 100 طولا ، بعشيقة 40 طولا ، برطلة 50 طولا ، كرمليس 30 طولا ، قره قوش 120 طولا ، أما باطنايا فكتب بجوارها " ما عليها قانون " والجدير بالذكر أن برطلة كانت تشتهر بجودة قطنها وصناعة النسيج منذ أوائل القرن التاسع عشر .
وإستنادا الى سجلات ولاية الموصل ، فقد ورد في سجل رقم 195 مؤرخ سنة 951 هجرية 1554 ميلادية فأن برطلة كان عليها أن تقدم سنويا للموصل 850 كيلة حنطة (أي ما يعادل 22 طنا ) و500 كيلة شعير أما دفتر رقم 660 (غير مؤرخ) فكانت كمية الضرائب المفروضة على برطلة 1550 كيلة حنطة (40 طن) و 1500 كيلة شعير .

من المعتقد أن أهالي برطلة إعتنقوا المسيحية قبل القرن السادس أو السابع الميلادي بدليل ورود إسمها في تاريخ الربان برعيتا تحت إسم (بيث طرلايي) وكانوا على مذهب النسطورية غير أنهم إرتدوا عنها بحدود عام 610 م ، وقد هددت برطلة راهبا نسطوريا هو (بر سهدي) أحد رهبان دير مار أدونا وكانت في ذلك الوقت قد إعتنقت المنوفيستية (مذهب الطبيعة الواحدة) كما أشار (ماروثا) أسقف تكريت (رسم مفريانا للمشرق عام 639 م ومقر كرسيه تكريت ) وكان هو المرجع الأعلى لمذهب الطبيعة الواحدة في المشرق . وقد أشار هذا المفريان الى المدارس التي أنشأت في ( بيث طرلايي ) .

ويختفي ذكر برطلة في المصادر التاريخية منذ القرن السابع الى غاية القرن الثاني عشر الميلادي حين إتخذها المفريان أغناطيوس لعازر مفريا (آشور) مقرا لكرسيه سنة 1153 م ، وقد وسع هذا المفريان كنيسة ( برطلة ) الكبرى وبنى فيها القلاية التي يصعد إليها بواسطة الدرج من فناء الكنيسة ، غير أن الأب إسحق أرملة يذكر في كتابه (أنباء الزمان) أن مقر كرسي المفريانية كان في دير مار متي وكان ذلك رغما عن إرادة رهبان الدير ، إذ يقول : " لكن الرهبان الماتيين تعصبوا على المفريان وجمعوا في العصيان حتى إنهم حرجوا عليه الدخول الى ديرهم وتخاصموا على الباب زهاء ساعتين وأخذوا بغلته ومقدارا من الدراهم وأدخلوه وإحتفلوا بطقس الجلوس على الكرسي وبعد ذلك تفقد المفريان قرية قره قوش وبرطلة وبيث دانيال (بدنة الحالية) وجرت العادة منذ إذ أن يزور المفريان أولا دير مار متي ثم قرية بيث دانيال فقره قوش فبرطلي " (إسحق أرملة : " أنباء الزمان " بيروت 1924 ص 35 ). وعلى أثر الفتنة التي حدثت في تكريت عام 1218 م إضطر المفريان أغناطيوس داود الثاني أن يغادر المدينة متوجها الى الموصل ، غير أن شمعون (كبير برطلة) عاكسه ومنعه من دخول المدينة ، فإنهزم الى الى ملطية في منطقة الخابور ، أما شمعون المذكور فأن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتله مصلوبا في أيلول عام 1220 م .

ومن المفارنة الذين جلسوا في برطلة المفريان ديونيسيوس صليبا الثاني إذ مكث فيها قرابة ثماني سنوات وقتل في معركة حدثت عام 1231 م في منطقة طور عابدين ، كما نالت برطلة إهتماما خاصا من المفريان الشهير غريغوريوس أبو الفرج إبن العبري إذ أنشأ ديرا بإسم ( يوحنا بر نكاري) شمال غربي برطلة في قرية (بيث أكار) وذلك عام 1284 م ، كما أقام فيها كل من المفريان (غريغوريوس برصوما ) الذي توفي فيها عام 1308 م ودفن في دير مار متي ، والمفريان (غريغوريوس متي الأول البرطلي ) (توفي عام 1345 م) ، والمفريان (غريغوريوس بن قينايا ) الذي رسم مفريانا بدعم من أمراء كرمليس (الأمير متي) و ( الأمير سلطانشاه) و (دنحا الثاني) جاثليق النساطرة الذي كان كرسيه في (كرمليس) فأقام هذا المفريان في دير الأربعين شهيدا في برطلة غير أنه طرد من برطلة قتوجه الى تكريت ومن ثم الى بغداد حيث قتل هناك عام 1361 م ، كما أقام في برطلة المفريان ( أثناسيوس إبراهيم الثاني) (ت 1379 م) و المفريان (قورلس يوسف الثالث) المشهور بإبن نيسان والذي لم يمكث في برطلة إلا زمنا قصيرا فغادرها الى حمص حيث توفي هناك عام 1470 م وكان هذا آخر المفارنة الذين أقاموا في (برطلة) .

كنائس وأديرة برطلة :
كنيسة أحودمة الكبرى : كانت قائمة قبل عام 1152 م حين وسعها المفريان أغناطيوس الثاني لعازر وأقام فيها قلاية المفريانية وكانت موجودة الى بعد عام 1386 م .
كنيسة القديسة شموني : تاريخ هذه الكنيسة مجهول ، غير أنها جددت عام 1807 م وتم هدمها وبناءها من جديد عام 1869 م ، ويوجد في هذه الكنيسة جرن المعموذية جلب من كنيسة باسخرايي (قرية باسخرا الحالية) يعود تاريخه الى العام 1343 م .
كنيسة مار كيوركيس : هناك كنيستان بهذا الأسم ، الأولى قديمة وهي متروكة الآن ويعتقد العلامة أغناطيوس أفرام الأول إنها كانت ديرا للقديس كيوركيس إذ كانت قائمة عام 1701 م ، أما الكنيسة الثانية فقد كرست عام 1939 م .
كنيسة العذراء : تأسست عام 1890 م في عهد الأسقف قورلس ألياس قدسو الموصلي
كنيسة السيدة : هدمت هذه الكنيسة عام 1934 م وأستعملت أنقاضها في بناء كنيسة مار كيوركيس
دير يوحنا بر نكاريي : صاحب هذا الدير هو يوحنان إبن النجارين ، لأن عائلته كانت تمتهن النجارة ، ومن المرجح كان على دين الزرادشتية (المجوسية كما يطلق عليها) وعندما تنصر قتله أبوه بالقرب من بعشيقة ما بين قريتي (با أكري) و (بيث قليتا) اللتان كانتا تدينان بالمسيحية ودفنت جثته في قرية (با أكري) وأتخذ قبره مزارا فيما بعد وعندما دمرت قرية با أكري عام 1382 م نال هذا المزار الدمار أيضا مما إضطر المفريان غريغوريوس إبن العبري أن يشيد معبدا للشهيد (يوحنا) في برطلة ، ونقلت ذخائر مار يوحنا ورهبان قدامى من سوريا بالأضافة الى ضغائر الأربعين شهيدا الذين إستشهدوا على يد الفرس الى هذا الدير .
دير الأربعين شهيد : تقع آثار هذا الدير في الجنوب الغربي للبلدة وبالقرب من كنيسة مار كيوركيس الجديدة بإتجاه باشبيتا ، تاريخ هذا الدير مجهول لدينا غير أنه جاء ذكره سنة 1269 م في مخطوطة كتبها القس يوسف بن خميس السنجاري .

وقد أنجبت برطلة رجالا أعلاما نبغوا في الدين والعلم والأدب والثقافة المشرقية منذ القرن الثالث عشر الميلادي ، وأن العديد من المكتبات الشرقية والغربية تحتفظ بنتاجاتهم ، نذكر أشهرهم حسب التسلسل التاريخي :
المطران سويريوس يعقوب ترهب في دير مار متي ودرس النحو وعلم المنطق على يد الراهب النسطوري يوحنا إبن زغبي ، ( رسم مطرانا 1232م ) وهو من أشهر المؤلفين في اللغة واللاهوت والموسيقى
المطران غريغوريوس يوحنا : ترهب في دير مار متي ، رسم مطرانا بعد عام 1241 م ، كان متضلعا في الأدب والطقس الكنسي ، ورد إسمه في مخطوطة إنجيل موجودة في لندن مؤرخة عام 1242 م
أبو نصر البرطلي : هو نيقولاوس من أسرة آل حبوكني الشهيرة الذي يرتقي عهدها الى القرن الحادي عشر الميلادي ، له 94 مقالة وقصيدة تدل على بلاغته في الشعر والأدب ، توفي عام 1290 م
المطران جبرائيل البرطلي : هو جبرائيل بن يوحنا ، تولى بناء دير يوحنا بر نكاري، رسمه المفريان إبن العبري مطرانا لجزيرة قردو .
المفريان غريغوريوس متي الأول : هو متي بن حنو ، ترهب في دير مار متي وتولى رئاسته ، رسمه البطريرك إبن وهيب مفريانا عام 1317 م ، وبعد وفاة إبن وهيب تولى البطريركية إسماعيل المارديني ، وكان البطريرك الجديد على خلاف مع المفريان غريعوريوس متي دام أربع سنوات لكنهم إصطلحا بجهود الأمير مسعود الكرمليسي ، توفي عام 1345 م .
الشماس عبدالله البرطلي : هو عبدالله برصوم بن عبده البرطلي ، أديب وخطاط له نبذتين عن حروب المغول ، خط كتابين عن الرسامات الكهنوتية لجبرائيل مطران الجزيرة عام 1300 م وعام 1345 م .
البطريرك بهنام الحدلي : هو بهنام بن يوحنا من آل حبوكني البرطلي الأصل ، الحدلي المولد ، ترهب في دير قرتمين ، رسم مفريانا للمشرق وسمى باسيليوس سنة 1404 م نودي به بطريركا على أنطاكيا عام 1445 م وتوفي عام 1454 م
القس يعقوب ساكا البرطلي : هو يعقوب بن بطرس بن الشماس ساكا ، ولد في برطلة عام 1864 م ، قرأ على بعض معاصريه ومنهم الخوري بطرس الكرمليسي ، رسم قسا عام 1929 م كان معلما في برطلة ودير مار متي ، كان مقتدرا في الشعر وله ديوان يقع في مائتي صفحة
البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث : بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس ، له العديد من المؤلفات القيمة والنفيسة
وظهر في برطلة بين القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للميلاد جملة من الخطاطين باللغة السريانية . نذكر منهم : الشماس كريم بن خوشابا بن وهب البرطلي (1168م) ، الراهب إيشوع البرطلي (1196م) ، الشماس زعورا البرطلي (1200م ) ، القس شمعون بن يوحنا البرطلي (1246 م ) ، الشماس يوحنا آل سرو البرطلي ( 1275 م ) ، الراهب شمعون آل شعيا البرطلي (1280 م ) .


المصدر :
حبيب حنونا : " كنيسة المشرق في سهل نينوى " ساندياكو – 1992 ص 128 – 136     


مصدر :-  منتديات كرملش

بهنام شابا شمني

الاستاذ حبيب حنونا المحترم
شكرا لمشاركتك القيمة ، نتمنى منك التواصل
كنا قد اقتبسنا بعضا من المعلومات التاريخية في نفس الموضوع هي من نتاج قلمكم وضمّناها في بحثنا الموسوم ( صفحات من تاريخ برطلي )
شكرا مرة ثانية 

habib hannona

شكرا أستاذ بهنام على مداخلتكم
سوف أرفد موقعكم الموقر بمواضيع ذات العلاقة والأهتمام المشترك كلما سنحت لي الفرصة بذلك
تقبل تحياتي وتمنياتي الطيبة لكم بدوام الصحة والعافية
والموفقية لموقعكم الموقر

يوسف الو

عندما تذكرون تاريخ برطلة لا أعرف ما هو سبب تطرقم لوجود جامع فيها ؟؟؟ انتم تعرفون جيدا بأن برطلة بلدة مسيحية ولا وجود للأسلام في ذلك الوقت لا في برطلة ولا حتى في منطقة نينوى بأسرها فلماذا هذا الأصرار على ذكر الجامع وهو اصلا ليس جامع بل مصلى لبعض المسلمين الهاربين من بطش اعدائهم بالقرب من المنطقة وكانوا متجهين صوب اربيل فتوقفوا للصلاة في هذا التل المرتفع ومن ثم واكبوا المسير وسموه هم انفسم بالمصلى اي المكان الذي اقيمت الصلاة فيه لمرة واحدة لا غير وان كنتم تنسبون معلوماتكم لياقوت الحموي فهو ليس بمنزل او بعالم في كل الأمور ولم يكن هناك وقت اقامة صلاة بعض المسلمين !!
برطلي مدينة مسيحية منذ الأزل ولم يدخلها الأسلام بشكل واسع ألا في وقت البعث المجرمالذي اوجد الجامع في برطلي !