هل سيتوصل الانسان يوما الى إصلاح نفسه/ شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 16, 2014, 08:10:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

هل سيتوصل الانسان يوما الى إصلاح نفسه

برطلي . نت / بريد الموقع
شمعون كوسا

كلما داهمتني بعض هموم الحياة ووجدت نفسي داخل دوامة تدور بي  لساعات طوال دون توفير اي بصيص أمل ،  ارفع عينيّ الى العلا في محاولة للتخلص ممّا يربطني على الارض أو على الاقل نسيانه ولو لحين . لم تفلح محاولاتي اليوم في إخراجي من سجن ذاتي ، لان البقعة الزرقاء التي كنت ابحث عنها في السماء كانت موصدة تماما بسواتر متماسكة من غيوم كالحة السواد . ظللت مترقبا رياحا كانت قد ابتدأت بالحراك ، ولكنه توجّب عليّ التريّثت كثيرا قبل ان ابصر مساحة صغيرة من السماء ، التقطتها حال انقشاعها ، وقبل ان تلتحم من جديد انطلقتُ اليها بسرعة البرق ، فوجدتني منخرطا في مدرج سري أفضى بي الى مرتع جميل هدّأ من روعي ، لاني احسست حالا بهدوء كبير وكأني قد تحررت من كافة قيودي .
جلست عند عتبة الباب ، واذا بمسؤول قدِم ليستفهمني عن ظروف  هروبي واسبابها وبادرني بالقول : ما الذي افضى بك الى هذا الموضع المجهول وما سبب قدومك ؟ قلت له رُحماك يا سيدي ، لقد جئتك مستنجدا ، لقد هجرت مضجعا لم يوفر لي نوما هنيئا، أنا هارب من افكار لا اجد لها جوابا ، انا اجابه حالات لا اجد لها حلّا . جئت وقد اصابني الملل من  تناقضاتٍ اعتاد الناس على قبولها والتعايش معها في حياتهم اليومية ، لم اعد افهم  تصرفات الناس ، لم اعد اقوى على التوفيق بين ما يجب ان يكون ،  وبين ما هو كائن في واقع الحياة .
قلت له : انا اقرأ كثيرا وهذا يدعوني الى التفكير والتحليل  والغوص في شعيرات الامور ، وعندما اترك افكاري واخرج للناس ،  لا اجد تناسقا بين ما يعرفونه ويؤمنون به  ويتعهدون به ولا يقومون به . ارى ان الناس ، ومنذ القدم ، لم يتحركوا قيد انملة في تحسين تصرفاتهم . المائل للشر بقي على ميوله وحتى الذي كان جانحا للخير اراه قد فشل في الكثير من مقاصده الحميدة . ما هذه البشرية التي لم تتوصل يوما الى تطويراخلاقها بالتناسب مع تقدمها الفكري والتقني .
منذ آلاف السنين ، استقبلتِ البشرية أنبياء ومرسلين ، ودوّنت تعاليمَهم للاجيال القادمة وكلها تدعو كلها للخير . فقامت مختلف اماكن العبادة ، وصارت تتبارى كلها في شرح طريق الخير وتوضيح سبل الابتعاد عن الشر . مرّت اعوام وعقود وأجيال وقرون والانسان لا زال في نقطة انطلاقه الاولى ، بل اني اراه قد تقهقر في الكثير من الجوانب.
كلّ ما توصي به الشرائع وتتطلبه حتى قوانين الطبيعة ، قد تمّ نقضها ، فعوضا عن الحب أُعطِيَت الافضلية للكراهية ، أُستُبدل التواضع  بالاستعلاء والعنجهية ، الوفاء امّحى امام الخيانة ، الصدق لم يقاوم شراسة الكذب ، الرغبة في العطف ومساعدة الغير تراجعت امام الانانية وحب الذات التي عشعشت في نفوس الناس ، لقد عثرتِ الرذائل على مرتعها الخصب في قلوب الناس بحيث غدت الغيرة والحسد والوشاية عملات رائجة في سوق الاخلاق . لا ينكر بان هناك رموزاً نادرة جدا تواصلت في اهدافها النبيلة ، لانها حافظت على الهدف الذي رسمته .
لقد تعرّفتُ على اناس افاضل  في ازمنة غابرة وكنت معجبا باندفاغهم ، وبدهشة شديدة التقيتهم مؤخرا وقد اضناهم الملل وانقادوا لما هو أسهل ، فتركوا جزءً كبيرا من اهدافهم النبيلة وفقدوا روحهم الطيبة . الى متى يبقى الانسان حَمَلاً وديعا عند سماع النصائح ،  وشبه ذئب خاطف عند انتهاء النصح أو عند تواجده على محكّ مصالحه الشخصية  ؟ اننا منافقون فعلا ، لقد تسللت الانانية داخل انفسنا . كل مجتمع   يدّعي باحقيته في الامور وهذا هو الحال مع كل طائفة او مذهب ، حتى الله الذي يفترض ان يكون للجميع وخالق الكون ، اضحى هذا الله خاضعا لمزاج اتباعه  ، فكل مجموعة تريده حسب  حاجتها ، وأنا اراها أحيانا وكأنها هي التي خلقت إلهها الخاص على صورتها ومثالها ، وليس الله الذي خلق البشرية جمعاء على صورته ومثاله !!!
أطلتُ الحديث متوهما باني سالقى اذنا صاغية واتلقّى ارشادا او نصيحة ،  غير اني وعيتُ متأخرا أنّ جليسي الصامت كان ينتظر بفارغ الصبر رؤية اكتافي غير آبه  بعرضها ، لانه عندما نهضت نطق بجملة واحدة قائلا : عليك ان تستخلص العبر بنفسك وفي المحيط الذي انطلقت منه . حملت نفسى واتجهت نحو الفجوة الصغيرة التي قدمت منها وانحدرت مطأطئَ الرأس . عدت الى غرفتي واستعدت كل ما كانت تجترّه افكاري منذ زمن بعيد ، فتوصلت شخصيا الى النتيجة التالية :
اعتقدُ بان الانسان يبقى كما هو ولا سبيل لتغييره مهما كان . الانسان المائل للشر ، قد يسعى الى الخير ، لان في ذاته بذرة الخيرمزروعة فيه ، ولكن نزعته ترافقه  لانه ورثها من اجداده ، اما الذين يميلون الى فعل الخير بسهولة فان الطبيعة قد حبتهم بهذه النعمة وقد ورثوها ايضا من اجدادهم . هؤلاء لهم حظ اوفر في جنوحهم الى الخير .  الانسان بقي كما هو ، بل تقهقر ، إنه يصغي جيدا الى  ما اوحِي في الكتب والنبوءات  ولكنه يتعمّد النسيان لانها لا تتماشى مع انانيته.
هناك نخبة نادرة عقدت العزم على اصلاح نفسها ووضعت الهدف النبيل نصب أعينها وعاهدت على عدم الحياد عنه مهما كلف الامر ، هذه النخبة تشكل رمزا  يحتاج اليه الناس للاقتداء به . بصورة عامة ، محاولاتنا نحن في اصلاح ذواتنا آنية وقصيرة الامد ، اما من نعتبرهم رمزا ، وهم يُعَدّون على الاصابع ، محاولاتهم تحولت الى حياة يومية ، وهؤلاء هم الذين قيل عنهم :  انهم صبروا الى المنتهى .