لمناسبة الذكرى الثامنة لحادثة سيدة النجاة في 31 تشرين أول 2010: كنيستي...وطني،ب

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 30, 2018, 07:38:37 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

لمناسبة الذكرى الثامنة لحادثة سيدة النجاة في 31 تشرين أول 2010:
كنيستي...وطني،بين الواقع والأمل       
   


برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس
بغداد، في 27تشرين أول 2018



مع حلول الذكرى الثامنة للحادثة المفجعة التي لا تغيب عن بالي وعن بال الكثيرين من الذين خبروا هول الساعات العصيبة الأربع التي أمضيناها معًا تحت رحمة شلّة من إرهابيين كارهي الحياة، أنحني إجلالاً لمن سقطوا شهداء وجرحى الحقد والكراهية التي لا ترحم. لا أحد ينكر أو يتجاهلُ ما فعلته تلك الحادثة الأليمة بإيقاظ أصحاب الضمائر الحيةمن المخلصين للوطن والمنادين بالمساواة في المواطنة ومن الذين تعاطفوا مع المصلّين المحتجزين في ذلك المساء المرعب في حضن كنيسة سيدة النجاة. فقد شكّلت الفاجعة بالنسبة للكثيرين حدَّا فاصلًا في الحكمعلى مستقبل البلاد المرير وتوقُّع تتالي المصائب والأحداث المأساوية أملاً في البحث عن المصير المجهول الذي ينتظر العراقيين عامة ولاسيّما أتباع الأقليات من المكونات المهمّشة من مسيحية وإيزيدية وصابئية وبهائية وغيرها إن وجدت.فمجمل الشكوك التي لا نهاية لها في ضمائر وعقول محبي العراق والملتصقين بأرض الآباء والأجداد، وفي أولهم أتباع هذه المكوّنات المقهورة، خرجت من نظريات وفرضيات سمةالتهميش المعتاد إلى واقعٍ مرير في الأفعال والإجراءات والقوانين التي سنّتها الحكومات الطائفية المتعاقبة والتي قصدت من ورائها وضع العراقيل أمام الأمنيات المشروعةلهذه المكونات بالبقاء والتجذّر والعيش في سلام وشراكة حقيقية من العدالة والمساواة مع مواطنيهم كما كانت في الأيام الخوالي.

انطباعات واقعية سوداوية
قد تكون هذه آخر مرة ينساب فيها قلمي المتألم الجريء في الكتابة عن ذكرى حادثة كنيسة سيدة النجاة المفجعة التي تعرّضت لها عصر الأحد 31 تشرين أول 2010 أثناء صلاة القداس،وكنتُ أنا واحدًا من شهودها. أمّا الأسبابُ التي دعتني لمثل هذا التوقف المتوقع في الكتابة، فهي كثيرة، منها الشخصية والكنسية والوطنية والمجتمعية، هذا إن لم يكن غيرها. فقد كانت كلماتي تمثل دومًا صرخة استنجاد وأمل ورجاء مقابلتشكٍّ وتململٍ وانزعاجٍ كنتُ أخفيه أحيانًا وأبوح به عندما يقتضي الظرف، حالي حال المتوسمين بالوطنية والمتعلقين بقشة أمل لم يتمخض عنه سوى الحسرة على سنوات العمر التي مضت سدى وضاعت عجافًا وسط عواصف الطائفية والفساد التي استنبطها المتسلّطون الجدد على رقاب العباد وأجادوا تدويرها وإنتاجها وإخراجها مع كلّ دورة انتخابية برلمانية ومع كلّ تشكيلة جديدة للكابينة الوزارية.  وهكذا بقي الشعبُ في وادٍ نائمًا وغافلاً عمّا يجري في الكواليس وأرجلُه في الشمس كما يقول المثل، أو مستغرقًا في أحلام وردية يرسمها له روّاد الفساد والصفقات والمساومات بستار الدّين أحيانًا والطائفية والمذهب والعرق في غيرها، فيما الساسة ووعّاضهم وحاشيتُهم وحماياتُهم وميلشياتُهم في وادٍ آخر يتقاسمون الكعكة ويتحاصصون المناصب ويختزنون الثروات ويبنون أو يشترون قصورًا ويتملّكونالعمارات في بلدان الاغتراب ودول الجوار.
من هنا، فالمناسبة المفجعة بعد فقدان بصيص الأمل المتبقي، تستحق منّي ومن كلّ مَن شاركني مأساتها وهولَ ساعاتها العصيبة الأربع، استشهادًا وشهادة للعصر، وكذا مِن كلّ صاحب ضميرٍ حيّ، إعادةَ ذاكرة شريطها، تخطيطًا وإخراجًا ومونتاجًا وتسويقًا. فالدروس والعبر من الواقع المؤلم المتهالك يومًا بعد آخر كثيرة وعديدة، وقد تتعدّى نطاق أفكاري ورؤيتي ووجهة نظري "البشرية"، بالرغم من إيماني بالقَدَرالنحس حين اقتحام الإرهابيين للكنيسة وتنكيلهم بمصلّين مسالمين حقدًا وكراهية وترهيبًا باسم الدّين والمذهب. فمذ ذاك والأمور والوقائع تتسارع وتتشابك، ويمتزج أساها وألمُها مع بصيص الأمل المتبقي، أو يتناطح مع الرجاء الخائب وسلاطينه من رجال دين بكلّ مسمياتهم وتلاوينهم ومن سياسيين ومتحزّبين من الذين اعتادوا المتاجرة بمثل هذه المناسبة وصنوها على حساب جراحات الفقراء والبسطاء من المصدّقين بأقوال أنبياء العصر الكذبة من المنافقين والمتسترين بثياب الدين ولابسي ثياب الحملان بحجة مخافة الله كذبًا وخداعًا.
   في ضوء هذا الذي أمام ناظري من واقع متهرّئ متراجع في كلّ مجالات الحياة، حتى الكنسية منها، أجد نفسي بعد سنوات من الانتظار والأمل والرجاء التي لم تثمر ولم تتبلور، في زوبعة نارية يصعب الخروج منها منتصرًا، وطنيًا وإنسانيًا واجتماعيًا وحتى وظيفيًا. وهذا ممّا تطلّب منّي التفكير المليء بخطّ سيرٍ آخر لما تبقى لي من عمرٍ على هذه الفانية. فالنقمة على كلّ ما حولي من منغّصات ومخالفات وتعدّيات وتجاوزات قد أخذت مداها وما مِن أملٍ آخر غير البحث عن خيار أكثر أمنًا وألطف شأنًا وأحسن عيشًا، شخصيًا وعائليًا وإنسانيًا، مع إبقاء جذوة التأصل الوطنيّ في الأعماق وفي الذاكرة وفي الكلمة التي لن تتوقف لحين استبيان الأمور وانقشاع الغيمة الطائفية والتحاصصية السوداء التي لا نعلم وقت نهايتها. وكلّ هذا ليس كرهًا أو حقدًا أو بغضًا ضدّ أحد، بل حبًا ورأفة ورحمة وحرصًا ونقدًا صادقًا وعتبًا على المتجاوزين على سلطة الشعب والمستخفّين بقدراته والناهبين ثروات البلاد دون وجه حق والمتاجرين بجراحاته والمكثرين من آهاته وحسراته. وهذا من دواعي الإصلاح الذي لم ولن يجد طريقه طالما بقي التمسك بمبدأ تقاسم السلطة والمال والجاه سلطانَ الساسة الفاشلين وأسلوب الوزارات الفاسدة المتلاحقة. وما الكابينة الوزارية الأخيرة سوى حلقة أخرى ضمن سلسلة الوزارات الفاسدة الفاشلة التي لن تقدّم شيئًا جديدًا أو بديلاً عن سابقاتها. فهذا الثعلبُ من ذاك الذئب! هكذا أنا لآ أقوى على السكوت.

لا مكان للعتب أوالاتهام
قد يتهمني البعض بمعاينة النحس في رؤيتي وتصوّري لكلّ هذه الأحداث الحاضرة وغيرها من غير الواردة على بالي أو بال أحد بعد مرور ثماني سنوات على تلك المجزرة الوحشية. لكنّي مؤمن بما هو قادم مهما كان غيبيًا، فهو لن يكون أفضل من سواه الذي عشناه بالأمس.
قد يرى البعض الآخر فيما أقدمه من صورة منطبعة أماميفيها الكثير من التشاؤم والسوداويةبسبب معطياتٍ غير مستجيبات لآمال البسطاء من الفقراء والأبرياء وطبقة المثقفين والمهمشين، لكنها تحديات يومية متلاحقة تتحدث هي عن نفسها ولستُ أنا.
قد يحكم نفرٌ آخر بالانتقاد على ما أعانيه من حالة اليأس بتغيير الأوضاع والأحوال أو العجز في بلوغ ما كنتُ أصبو إليه شخصيًا من آمال وتوقعات وترجيحات إيجابية في شؤون عديدة تخص حياة العراقيين جميعًا وحياتي الخاصة وحياة المقربين منّي من الأهل والأصدقاء والأحباء.أقول نعم، شيءٌ من هذا ومن سواه جار وقائم، سواء لي أو لغيري من الحالمين والمشككين بما يحصل على أرض الواقع.
قد تتهمني شريحة خاصة من المقربين من أهل وأصدقاء ومن مؤمنين وممّن عملتُ باحتكاك معهم في الحقل الكنسي (الدينيّ) منذ الصغر وأنا في عمر الطفولة أو بعد انتقالي إلى بغداد في بدايات الثمانينات، بشيء من النرجسية والتعالي والأنفة وبتحوّل مغاير في الرأي والرؤية إزاء سلوك إدارات كنسية حول طريقة عملها وتفكيرها وأسلوب تسييرها لشؤون المؤمنين وأوقافها.وفي هذا شيء قائم لا يُنكر، بسبب الخذلان الذي لقيته من ذواتٍ ناقصي الخبرة وقليلي الحكمة وناكري وزنات الغير وفاقدي الرؤية البعيدة للأمور، من جانب بعضِ مَن زجَّهم القدَر وقادهم الزمن الطائش لتولي إدارات هذه المؤسسةالتي تراجعت هي الأخرى حالُها حال مؤسسات الدولة العامة ونظيراتها الدينية المختلفة في البلاد، بسبب توالي الحكومات المتعاقبة الفاشلةفي العطاء والحكمة والرويّة والخدمة والتنمية وتماهي بعض رجال الكنيسة وزعاماتها في السير أحيانًا مع القافلة نفاقًا أو مجاملة لأهل السلطة، أو الضحك على ذقون الأتباع المقهورين بوسائلهم الشيطانية وغير الإنسانية في أحيانٍ كثيرة.
وأخيرًا وليس آخرًا، قد أجد نفسي في مأزق إزاء كلّ هذه الانتقادات لسلّة المظاهر السلبية العامة والخاصة، والتي أجد فيها طيفًا آخر مؤكّدًا للفشل الإداري وللفساد القائم وعدم الانتصاح والاستفادة من الدروس الكثيرة التي مرّت على العراق وأهله. وفي هذا خذلان للثقة التي أولاها حشود الشهداء الأبرار وشهود الأحداث في ميادين السياسة والدين والمجتمع على السواء. وإني لا أجد بأسًا في التعبير عن مدى السخط واليأس وعدم الرضا ممّا جرى وممّا مازال يجري في شتى مجاري الحياة المتجهة نحو الأسوأ.

حنين إلى الزمن الجميل
بدوري أنا أيضًا، من حقي أن اتهمَ الزمن الغادر ومعه أولئك الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذه الهوّة الخطيرة من التخلّف والتراجع في كلّ شيء إلاّ في زيادة الفساد وتراكم الأخطاء واللصوصية التي أصبحت معيارًا للحياة " الّلاشريفة" لمَن فقدوا الغيرة الوطنية والشرف المجتمعي والصدق والأمانة على الأتباع، حيث أصبحت اللصوصية بطولة وترفًا بعد أن كانت عارًا وحياءً. فالزمان التعس قد قلب الموازين في كلّ الاتجاهات والميادين وأدارَ ظهره بلا رجعة لكلّ الكفاءات وأصحاب النوايا الصالحة وأرباب المشاريع الإنسانية والمتطوعين في صفوف المجتمع التعبان منذ عقودٍ لم نرى فيها راحة البال والفكر والعافية. لذا لا مندوحة من الحسرة على زمن الأمس الجميل والحنين لذكرياته وتذكّر أيام الطفولة البريئة وإدارات البلاد وساستها عندما كان الهاجس الوطني وبناء الوطن وتدعيمُأبنائه بركائز البنيان للحاق بالركب العالمي في الحضارة والعلم والتربية والاقتصاد والصناعة وأشكال الإنتاج، من الأولويات وفي مقدمة المسؤوليات. حينها كان العراق في مقدمة بلدان المنطقة في كلّ شيء، وأهمها في الرؤية الإنسانية والرسوخ العقلي والتطور الفكري والعلمي في تعدد مؤسساته العلمية والحضارية والثقافية التي كانت تجذب القاصي والداني ممّن كان يتمنى أن تطأ أقدامُه أرضَ العراق ويحلّق في سمائه وتصافحَ يدُهبشرَه وحجرَه. كيف لا نتحسر على ذلك الماضي، وقد انقلبت الموازين بمجيء أغراب تولّوا فيه الحكم والسلطة وعاثوا في أرضه فسادًا وسرقوا ثرواته جشعًا وقتلوا الروح الوطنية في صفوف نسيجه ودمروا بنيته التحتية ولم يضيفوا شيئًا صالحًا للأرض والبشر سوى الدمار والتخلّف في الركب العالمي والبشري كي يقف في ذيل قائمة البلدان الأكثر فسادًا في الإدارة والمال والأكثر تخلفًا في العلم والمعرفة والأكثر تخندقًا طائفيًا ودينيًا وعرقيًا. أليس في هذه جميعًا، ما يدعو للترحم على "أيام زمان" والبدء بالبحث عن وطن بديلٍ والترحال إلى أرض تحترم الإنسان وخياراته وتوقّر الكفاءة وتحترم الفكر والإبداع والحرية في كلّ شيء؟؟؟
كنتُ أخشى قدوم مثل هذه الساعة السوداء، بعد أن أقنعتُ نفسي بالتروّي والصبر والتحمّل لسنوات لحين عودة الروح العراقية الوطنية إلى مَن غدروا بالعراق وأهله وتسلّموا مقاليد السلطة والمال والجاه فيه بلا استحقاق. لكنها أزفت ولا اعرف متى توقيتُها ولا تفاصيلُها. سأتركها للزمن، مهما قصر أو طال. فالزمن بين حقبة الغزو وفاجعة سيدة النجاة، بالرغم من كونها كافية لتقرير الصالح، إلاّ أنّي ارتأيتُ الانتظار وأناة الصبر، عسى ولعلّ الأمور تتبدل وتتغير نحو الأفضل. لكنهامنذ الحادثة المفجعة ماتزالفي تدهور مستمر ولا تبشّر بقادم أفضل. فحقبة "داعش" وبروز "ماعش" موازٍ لها على الساحة عبر ميليشيات وجماعات مسلحة منفلتةأو مرتبطة بأحزاب وجهاتٍتنفيذية في السلطةتتاجر بالدّين وتقوم بعمليات سرقة في وضح النهار وبأعمال خطف وقتل واغتيال للمختلفين في الرؤية والفكر وطريقة العيش، تنذر بقادمٍ أسود خارجًا عن سيطرة الدولة التي لا تمتلك لغاية الساعة مقوّمات دولة قادرة على حفظ الأمنوالنظام وتقديم الخدمات الآدمية التي يستحقها الوطن والمواطن. ومع قدوم تموز، شهر القيظ والثورات والانقلابات، كانت انتفاضة الجنوب من ثغر البلاد، من البصرة الفيحاء إنذارًا بقادمٍ أسود ولتؤكد فشل أية حكومة تحاصصية تساومية في إدارة دفّة البلاد ولوضع حدّ لأشكال الفساد والتراجع في الخدمات العامة وفي الأمن وفي التنمية وفي البناء وما إلى ذلك ممّا يطال حياة الفرد والمجتمع والشارع.

حادثة كنيسة سيدة النجاة،الصعود إلى الهاوية
كأني بحادثة كنيسة سيدة، رسمت الحدود بين سكّتي التقدمّ والتراجع، أوبين إرادتي الخير والشرّ، حيث انتصر الأخير وقهرَ كلّ ذوي الإرادات الطيبة وأصحاب المشاريع الوطنية التي رُكنت على الرفوف ليتسلّق المشهدَ عوضَها مراهقو السلطة ولصوص العصر ليُخلوا ثلثَ البلاد بعد بضع سنوات من الحكم الطائفي المقيتلصالح إرهابيي "داعش" القادم من رحم شبيهاته السابقة في الفكر المتخلّفوالرؤية الدينية والطائفية والعرقية الضيقة.من هنا، تكون حادثة سيدة النجاة برأي الكثيرين وأنا منهم، الإشارةببداية الصعود إلى هاوية التعاسة وناصية النحاسة وقمة الشراسة في التعامل البشري والإنساني الذي اختطّ قادتُه وسادتُه ومعمّموهسبيلَ التشدّدوالتستّر بأهداب الدّين والتمسّك بالمذهب والطائفة عن طريق سنّ قوانين طائفية أو الإيغال والاستزادة فيالشعائر الطائفية والمذهبيةالاستفزازيةوفي مظاهرها المتخلفة. ومنها نبعت ترّهات ونُسجت تخاريف وقيلت حكايات بحجة حماية هذه جميعًا من هجمات "الكفار" ومن أحزاب مدنية ووطنية شقّت طريقها إلى العلمانية والتحضّر بعد خذلان البلاد والعباد بسبب المتاجرة باسم الدين والمذهب والعرق. وإزاء مثل هذا المدّ الزاحف في الفكر الساذج في أوساط الساسة وقادة الأحزاب الطائفية "اللاوطنية" واختلاط الأوراق وتقاطع المصالح، أثبت هؤلاء جميعًا قمّة الفشل إلاّ في اللصوصية وسرقة المال العام وسوء الإدارة والزيادة في النفاق والكذب على ذقون الفقراء المتزايدين والبسطاء من أبناء الخائبة.
مذ ذاك، والأمور تسير من سيّء إلى أسوأ. وإن كان قد أُعلن عن دحر "داعش" عسكريًا بصورة رسمية في 2017، إلاّ أن فكر التنظيم الإرهابي باقٍ بالتوازي مع تجذّر الفكر الطائفي المستميت. فيما أتباع الاثنين يتنامون مهما قيل عن تناقصهم وتراجع تأثيرهم، إضافة لتمادي أحزاب السلطة في التشبث بنظام المحاصصة المقيت. فالأحداث الأخيرة المتلاحقة في الأسابيع المنصرمة خير دليل على بقاء هذا التأثير، طالما بقيت ذات الوجوه السياسية وذات القيادات على رأس الأحزاب والحكومات الفاشلة المتلاحقة التي تسببت بانهيار الدولة العراقية وساهمت في سرقة ثروات البلاد وتكبيد العباد مآسٍ كثيرة. فمَن قتلَ الأبرياء في كنيسة سيدة النجاة وفي مجمّع الكرادة وفي مدينة الصدر والطارمية والشعلة والموصل وديالى وتكريت وغيرها من محافظات العراق، لازالوا بطريقة أو بأخرى يهددون بإفشال أية مبادرة وطنية للمّ شمل العراقيين والعودة للمصالحة ورأب الصدع في النسيج المجتمعي المجروح وبإعادة بنيته وصروحه العلمية والحضارية والثقافية والتراثية الرائدة كونها تتقاطع مع مصالحهم. ألم يكن تصريحُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فضيحة الانتخابات العراقية صادقًا حينما نعت الساسة باللصوص والحرامية وإلقائه اللوم على الشعب الساذج الذي أعادَ انتخاب ذات الوجوه الفاشلة التي تسيّدت المشهد السياسي منذ الغزو ولغاية الساعة؟
وبعد هذا وذاك، ألا ينبغي لي ولأمثالي من تغيير فينظرتنا ورؤيتنا للأمور وللحياة وللمحيط الذي يلفُّنا بكلّ ظلم وقهر وتعسّف؟ فمَن تُنكَرُ له قيمتُه فقط لكونه لم تسعفه الدنيا التائهة لتسلّق المناصب بكفاءته بسبب عدم انتمائه لأحزاب السلطة في بلد ضاع في متاهات المجاهيل، خيرٌ له أن يتنحى جانبًا وينسحب عن المشهد الخادع في السياسة والدّين معًا بكل هدوء حفاظًا على قيمته التي يدركُها هو أكثر من غيره. فالدّين والسياسة أصبحا توأمن سياميينلمظاهر الاستعراضوالمجاملة والمتاجرة،ومجالاً للغدر والخداع والنفاق عندما تضيع الضوابط وتختفي القوانين ويتسلق ناصيتها أغراب ودخلاء ومراهقون. لذا مَن لم يقوى على التغيير، أو مَن تردَّدفي لحظة ضعف في السعي إليه بكلّ قوته، فليسعَ لذلك إن استطاعَ. فالوقت مازالَ في دارته كي يقول كلمة الحق والصدق والصراحة في مواجهة الطارئين وليس البقاء كالقطيع في خانة التابعين والخانعين والخاضعين للغير عن غير جدارة. أما البقاء جامدًا كالثلج أو اتخاذ جانب الصمت وناحية التفرّج على الأحداث والواقع المؤلمفي مواجهة أهل الكذب والنفاق والرياء، فلن يكون إلاَ تراجعًا في المواقف وضعفًا في الأداء ونقصًا في الأهلية والجدارة وتخاذلاً في الشجاعة والمواجهة مهما كانت هذه الأخيرة وكيفما آلت وأينما وقعت. فالمواجهة الحقيقية تكون في كلّ هذه وفي غيرها، بالصوت والصورة والكلمة وعبر النصح والنقد والتأنيبوالانتفاضة والثورة على الواقع المزري.وبالتالي، فالأبيّلايصلح أن يقبل اللعبَ في دور التابع والخانع كالشاة التي تُساق إلى الذبح لا تفتح فاهًا ولا تصدر آهًا.وإن كان البعض يعدّ هذا الموقف المتراجع في الرؤية وفي الحكم على الواقعتنصلاً، فهو يجاري الظلم ويساند الظالم كمن يقول "أنصرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا".ففي زمن ضياع الحقوق واختلال الموازينواختفاء الخجل والحياء بقدر اختفاء الجدارة والأهلية من قبل المتولين إدارة البلاد والعباد في السياسة والدين معًا، لا بدّ من تسجيل مواقف.
قد قلتُ ما شئتُ في الحادثة الأليمة ما يكفي من كلام وعبارات وأفكار اعتدتُ الإفصاحَ عنها في كلّ سنة تحلّ علينا ذكراها المفجعة. وقد لا أعود للحديث عنها مستقبلاً كما أشرتُ. فقد سئمتُ خطابات المتاجرة بها، واستعراضاتها في الكنائس والصحف والمحافل، وأصناف الاستعطاف المحلّي والدولي بقصد الترويج والتكسّب من فاجعتها كلّما اقتربت وحلّتْ ذكراها، حتى من أطراف بعيدة وخارجة عن جراحاتها. وسأترك للأقدار وللزمن تحديد هولها وتقييم نتائجها وكشف المستور في حيثياتها والأهداف المرجوّة منها، مع تذكيرٍ بالظلم الذي وقعَ على مرتادي هذه الكنيسة في ذلك المساء المفجع وتأثيره في نفوس عموم أتباع الديانة المسيحية وسائر الأقليات الوطنية في البلاد.