تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

أيام الماضي الجميل

بدء بواسطة متي اسو, أكتوبر 14, 2015, 07:58:16 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

متي اسو

أيام الماضي الجميل

أحلى ايام العمر في حياة الانسان هي أيام البراءة الخالية من عبء الحياة وهمومها .
فإذا تجوّل الانسان في مخزون ذكرياته عن تلك الأيام  ، فلن يجد غير أيام الدراسة مرتعا خصبا وجميلا ليسرح فيه ، ايام حافلة بالنشاط والتجدّد .. كل يوم درس جديد ، وشيء جديد ، لا وجود للتكرار المُمل الذي خيّم على حياتنا فيما بعد .
ايام الدراسة ، في الابتدائية وفي الثانوية وفي الكلية ، كان لكل منها مذاقها الخاص ونكهتها المختلفة  في كل مرحلة ، بهجة استلام الكتب الجديدة ، هوس وحماس النتائج الامتحانية ، صخب ونشاط لا ينام مع الاصدقاء طوال ايام السنة... الاحساس بالدهشة وبالفضول في اكتشاف الجديد في سفر الحياة ..الاحساس بفصول السنة وانت تعيشها لحظة بلحظة .. تلك الأيام ، ايام الدراسة ، هي الأحلى ولا يمكن نسيانها طول العمر ... تلك الايام ذهبت ومن غير الممكن استعادتها .
لم يعد هناك ما ينافس ايام الدراسة لتصبح " ذكريات العمر " غير فترات " الحب "  . تلك الفترة ، او الفترات ، تجعلك  تسمو وتسبح في الفضاء الرومانسي ، تنسى معها هموم الدنيا وما فيها ، عفوية صادقة وطفولية وبريئة كأيام الدراسة ، بل أجمل ، رتابة الحياة هربت ، وحلّ محلّها ذلك الشعور الوجداني الذي يلازمك ليل نهار وانت تفكّر طوال الوقت  بالأنسانة التي تبادلك نفس الشعور ، يا له من شعور رائع  يرفض الأكتفاء .
الاوقات الجميلة الاخرى كانت تلك الاوقات التي نقضيها في صحبة الاصدقاء ، نتبادل الافكار ونتقاسم الهموم ونتحدث عن الذكريات التي تقودنا احيانا الى الثرثرة والخوض في حديث " الممنوعات " .
ثم تأتي ايام الفرح مع العمل والوظيفة ، خاصة إن كنت تحبها ، الزملاء والزميلات الذين تلتقيهم كل يوم ، نعم كل يوم ، وتنشأ تلك الألفة الحميمة التي تتجاوز حدود العلاقة الوظيفية لتصبح نوع من العلاقة الأسرية .
الكثير من الرجال لن يفهموا جيدا ما اقوله لأن العسكرية وجبهات القتال قصفت كل او معظم فترة شبابهم .
لماذا الشكوى إذاً ولك هذا المشوار الطويل مع الفرح والسعادة ؟ لماذا تصر على ترديد اغنية " أنا الذي ليس له شيئا  لتوم جونز" وقد اصبح لك كل شيء ؟ِ
هذا لأنه كان هناك ما  ينغّص عليك حياتك ، يقبع عاليا متسيدا ومستبدا ليسمم لك اوقاتك ، الوضع العام الذي يسلبك حريتك ويكتم على انفاسك ، الحكم الذي صار اخطبوطا وتغلغل في مدرستك وفي مكان عملك وفي منطقة سكناك ، بل في الشارع الذي تسكن فيه ... لا مفر .. ستكون سعيدا فقط  لو اصاب عينيك " مرض البوق " وانتقل المرض بطريقة ما الى دماغك  كي لا ترى ولا تفكّر بالذي يجري حولك ...
  بعدها فقدنا البراءة ، و توالت علينا الإخفاقات تلو الاخفاقات ، المصيبة إننا لم نكن المسؤولين عن تلك الاخفاقات ، بل تم صنعها لنا بعناية ام بفوضى ( لا يهم ) لندفع ثمنها ونصبح المسؤولين عنها  ... هجرتنا الضحكة النابعة من اعماق القلب ، وفقدنا القدرة على الأندهاش ، لم يعد هناك ما يثير الاهتمام ... أصاب الخدر احاسيسنا فلم نعد نهتم .. وهكذا اصبحت حياتنا خالية من اللون والطعم والرائحة ، بعضنا تأقلم وحاول ان يخلق بعض السعادة في الانفاق اليومي ليدخل بعض السرور الى عائلته او ليفاخر بها مع اصدقائه ..البعض الآخر ناضل من اجل ان يُنعش حياته بين الاصدقاء والكتب ، لكن ذلك لم يكن يخلو من المعاناة ابدا ... المعاناة التي تحوّلت الى داء مزمن يلازمنا كظلّنا .
لم يبق  هناك غير القلق ، حتى مع اعز الناس اليك وهم اطفالك ... دائما المستقبل المبهم يقلقك وانت تفكّر بهم .
مرّت على العراق نكبات عديدة ، كان اشدّها تدمير بغداد عام 1258 على يد هولاكو ... لكن أقسى فترة مرّ بها العراق كانت فترة  رزوحه تحت الحكم العثماني الذي استمر لما يقارب اربعمائة سنة ( 1532- 1918 ) .. كانت فترة إذلال العراقيين ونهب ممتلكاتهم واغتصاب نسائهم .. فترة الجهل والأمية والتخلف .. فترة اعمال السُخرة و " العسكر الخاص " لارسال الشباب كي يموتوا في مناطق نائية وهم يخوضون حروبا عثمانية ... كان الرجل عرضة للاهانة والقتل في اية لحظة ولاي سبب ، كان سبي الاعراض عملا ممنهجا ... التاريخ والحكايات عن شواهد ذلك العصر يجعل تلك الفترة من أحلك العصور وأقساها....كانت " الجندرمة " هي الشرطي وهي القاضي وهي المغتصب ... كان الرجال يتحاشاها والنساء تهرب منها .
لكن ، ومع كل هذا ، كان هناك من يراه عصرا جميلا ، كانت هناك عوائل وافراد يعملون في الدوائر الحكومية القليلة والتابعة الى الحكم العثماني او لهم ارتباطات ومصالح خاصة مع رجالات ذلك الحكم  ... كانت لهم القابهم الخاصة التي تميّزهم عن بقية الناس " بك ، افندي ، باشا ، جلبي " ، هؤلاء كانوا يرون ان فترة الحكم العثماني هي من اجمل عصور العراق !!!!!
يقول عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي إنه إلتقى شخصيا مع احد افراد الجندرمة من العراقيين بعد ان تغيّرت الدنيا وتقاعد بعد طرد الاحتلال التركي .. يقول الاستاذ الوردي : " كان الرجل حزينا ومكتئبا ، قال لي ان الدنيا خربت والناس فسدت ، انظر الى ذلك النكرة كيف يلبس بدلة وربطة عنق  وفي يده صحيفة وهو " شايف نفسه " ولا يخاف من احد ، كان مثله إن لقيني في الشارع يهرب مثل الجرذ ... هل كنت تشاهد مثل هذا العدد من النساء يمشين في الشارع قبلا ؟ ما الذي سيفعله هؤلاء بالدنيا ولا يوجد من يلجمهم ؟.. ثم استمر في شكواه وفي تحسّره على الماضي السعيد "
ثم يواصل الراحل الوردي : " كان الرجل صادقا مع شعوره ، فهو يعتقد بأن الناس يجب ان تعتقد ما يعتقده هو وما جرّبه في ذلك العصر ... لا يمكن ان يكون على خطأ وهو قد عاصر وعمل في تلك الفترة "
المقياس الذي يقيس به هذا الانسان تلك الفترة  يتدرّج فقط ضمن ظروفه الخاصة والفوائد الشخصية التي كانت له .. فهو متأكد جدا من " حلاوة تلك الفترة " ولا يريد ان يصدّق بأنها كانت وبالا على الآخرين .. يستاهل الاعدام لانه لم يضبط لسانه !!! .. حسنا وإن قُتلوا او تعوّقوا فهذا شرف الدفاع عن الوطن ... ابرياء ذهبوا هدرا !!، هذا يحدث في كل العالم ... وماذا عن الحروب ؟ ، مؤامرات الغرب والصهيونية ... والسبب في الحصار وتاثيره على اطفالنا وشبابنا ؟ الحصار الظالم كان للانتقام من شعبنا لاذلاله  ولإركاعه ....كل ماحصل كان ، حسب رأيه ، بسبب الخارج ... الداخل معصوم من اللوم والاخطاء والأنتقاد ...هذا الرجل مخلص في شعوره ، فهو يعتقد انه لو سلك كل رجل سلوكه لكان قد عاش ما عاشه ... انه فقط لا يفكر بالاخرين  أولا يريد .. لا يريد ان يعرف ان مصير بعض الناس كان متعلقا بما نسميه " الحظوظ " التي عادة ما يخلقها نظام جاهل ... لا شيء آخر يستطيع ان يمحو او يعكّر صورة " زمن الماضي الجميل " في ذهنه رغم مئات الالاف الذين قُتلوا ومثلهم الذين تعوقوا ، والعدد الهائل من الارامل واليتامى الذين تشرّدوا ،  واقتصاد مُدمّر كليا .
واخيرا اود ان اقول ، ان مجيء من هو اتعس لن يكون عذرا لجعل السابق جميلا .