هل دخل الكرد على المعادلة الطائفية في العراق؟ / جورج هسدو

بدء بواسطة matoka, مايو 21, 2012, 09:00:08 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

هل دخل الكرد على المعادلة الطائفية في العراق؟



جورج هسدو
g_hasado@yahoo.com


نقلت لنا وسائل الإعلام بمختلف صنوفها (حرب) التصريحات بين كل من مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس إقليم كردستان ونوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية رئيس الوزراء العراقي.. وتمحورت (وتبلورت) تلك التصريحات حول إتهام الأول للثاني بمحاولة السعي لتأسيس حكم دكتاتوري والتجاوز على الحق الكردي بعدم التعامل معه كاستحقاق وطني، بينما جاء رد الثاني على الأول بأن الإقليم يأخذ حقه بالكامل من ناحية لكنه لا يلتزم بقرارات وتوجيهات المركز من ناحية أخرى.. وطبعاً فأن الواجهات العامة لكل من الطرفين دخلت في (مباراة كلامية) للرد والرد المقابل بغية تأكيد إحدى وجهات النظر وتفنيد الأخرى، كما لم يتوانى أتباع كل منهما في التصعيد وتوجيه التهم والتطاول على من يمكن إعتبارهما من أكبر الزعامات السياسية في العراق.

حقيقة الصراع
يتوهم من يعتقد بأن سبب التصعيد الأخير من قبل البارزاني هو وليد التطورات الأخيرة التي تركزت على سعي رئيس الوزراء العراقي للإمساك بمفاتيح السلطة من خلال فرض (سطوته) على مختلف الهيئات والمؤسسات العامة والتخوف من التهديد المحتمل بعقد صفقات إستيراد طائرات مقاتلة.. كما يُخطئ من يعزي سبب رفض المالكي لتحركات رئيس إقليم كردستان إلى ما تم (اكتشافه) من وجود تصرف كيفي بالثروة النفطية الموجودة في الإقليم أو لتشككه بوجود ميول إنفصالية لدى القوى والنخب السياسية الكردية.. بل أن الصراع يعود بالأساس إلى إنفراد نوري المالكي بنتائج (وثمار) معاهدة المحاصصة التي اتفقت عليها القيادات السياسية لتقسيم الشعب العراقي في ما بينها، وفق نظرية تعدد الزعامات السياسية لترسيخ وفرض التمثيل الأثني والطائفي على الجماهير المقسمة مرجعياً وجغرافياً.. وهو ما حصل منذ وضع اللبنات الأولى لخارطة العراق الجديد من خلال أغلب القوانين والقرارات المشرعة إبتداءً بالدستور ومروراً بالكابينات الحكومية المتعاقبة وصولاً إلى إدارات هيئات الدولة المستقلة.

أفعال المالكي وردود البارزاني
منذ مدة والمراقبين يرون قيام رئيس الوزراء (نوري المالكي) بمحاولة الإنفراد بحكم البلاد ليس فقط في الأمور الإدارية بل وحتى في القرارات الحساسة، مفرغاً بذلك مفهوم (الشراكة) السياسية من جوهره ومحتواه الأساسي القائم على التفاهم والتراضي في عملية قيادة البلد.. كما أنه عمل على إستهداف (حلفائه في العلن وخصومه في الخفاء) رموز القائمة العراقية عن طريق إصراره على إدانتهم وكشف ملفاتهم (السرية) التي طالما استخدمها كورقة ضغط في السابق، ولم يقصر في إحراج البقية لدفعهم بأتجاه إعلان مواقف قطعية من علاقتهم برأس السلطة أما بالمضي في التحالف أو بأعلان الخصومة وخصوصاً مسعود البارزاني.. بالمقابل فأن رئيس إقليم كردستان سارع إلى محاولة ضمان الدعم الدولي في مواجهة ما بدى له بأنه مؤامرة للإلتفاف على التوافقات السياسية التي تم الإتفاق عليها برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن بعد تراجع الأخيرة (بحسب تقارير صحفية) عن تأييدها للجانب الكردي لجأ البارزاني إلى الدعم الإقليمي والتحالفات المحلية على قاعدة عدو عدوي صديقي، وذلك لرد الإحراج للمالكي وحشره في زاوية التأييد الطائفي الذي ما زال يفتقر إلى دعمه الكامل بعد أن بدأت العديد من القيادات السياسية من داخل البيت الشيعي تتخوف من إنفراد حزب الدعوة متمثلاً برئيس الوزراء بحكم البلاد.

الكرد في المعادلة الطائفية
رغم أن الكرد يشتركون طائفياً مع العرب السنة الذين وهبت غالبيتهم العظمى أصواتها للقائمة العراقية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أن القيادة الكردية كانت حتى وقت قريب أقرب إلى الكتل الشيعية وربما لإشتراك الطرفين بمظلوميتهما من النظام السابق.. لكن مؤخراً وبسبب تزايد حدة الخلافات بينهم وبين رئيس الوزراء والعديد من القيادات الشيعية المنضوية تحت خيمة التحالف الوطني العراقي إضافة إلى تحميلهم جزء كبير من تبعات عدم إمتثال نائب الرئيس طارق الهاشمي للعدالة، تلمسنا تقارباً وتفاهماً متزايداً بينهم وبين القيادات السنية وخصوصاً إئتلاف العراقية.. إضافة إلى تقارب الكرد من الأخوين نجيفي (أسامة وأثيل) بعد تراشقات وقطيعة دامت سنوات، هذا التقارب الذي تمخض عنه عودة الكتلة الكردية (نينوى المتآخية) إلى مجلس المحافظة مع (تسريبات) بإعادة بعض الإمتيازات (الفردية) لآل النجيفي.. ناهيك عن زيارة رئيس إقليم كردستان لأنقرة مباشرة بعد عودته من واشنطن، تلك الزيارة التي سارع عقبها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى إنتقاد سياسات المالكي في إشارة واضحة منه لتأييد البارزاني.. ورغم مسارعة زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) إلى زيارة الإقليم ولقاء القادة الكرد للتخفيف من التوتر الحاصل ونزع فتيل الأزمة بين أربيل وبغداد أو بين البارزاني والمالكي والتي هي بشكل أو بآخر بين الكرد والشيعة.. إلا أن ما نتج عن إجتماعه بالبارزاني والذي إنضم إليه لاحقاً كل من زعيم القائمة العراقية أياد علاوي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي جاء مخيباً لآمال نوري المالكي والتحالف الشيعي عموماً.

بين المعطيات والنتائج
بناءً على المعطيات المتوفرة وتلك المتوقعة: يبدو أن الكرد قد قرروا هذه المرة تجربة المراهنة على البعد الطائفي بعدما ركزوا طويلاً على الخطاب القومي، وذلك لممارسة المزيد من الضغط على التحالف الشيعي من أجل تغيير المالكي الذي باتت سياساته تقلق الفرقاء السياسيين.. وربما سنشهد مستقبلاً ولادة تحالفات جديدة بنية (تبديل) الأدوار السياسية وليس (تغيير) الولاءات الموجودة وذلك لصعوبته الفنية من جهة، وعدم وجود نية التغيير الحقيقي من جهة ثانية، ذلك التغيير الذي من شأن حصوله أن يؤدي إلى دحرجة الكثير من الرؤوس الكبيرة (التي أينعت) والمسيطرة على زمام السلطة في عموم العراق.. وطبعاً علينا أن لا ننسى ما باتت تفرزه الإنتفاضات الشعبية التي تشهدها عموم دول المنطقة من صراعات دينية وطائفية ساهمت في تغيير الخارطة السياسية برمتها، والتي باتت تأثيراتها لا تهدد الحكومات والأنظمة المجاورة فحسب، بل وتشكل خطراً على التعايش السلمي وديمومة الكيانات السياسية القديمة.

Matty AL Mache