القومية الشعوبية تهدد حقوق الإنسان والأمن في أوروبا/لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 06, 2016, 08:25:16 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

القومية الشعوبية تهدد حقوق الإنسان والأمن في أوروبا     
   


برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس
بغداد، في 20 أيار 2016


دخلت أوربا بعد عام 2015، مرحلة حرجة من حياتها "الغربية" التي تطبعت عليها منذ تشكيل هيئتها تحت ظلّ مسمّى الاتحاد الأوربي في 9 ايار من عام 1951 والسنواتالتكميلية اللاحقة بمؤسساتها،كقوة سياسية واقتصادية ونقدية لها وزنُها وثقلُها على صعيد الأسرة الدولية.فقد شهدت مرحلة التأسيس، محطات كثيرة من الاندفاع حينًا والتأنّي حينًا آخر، ومن التقدم والتراجع في غيرها، لغاية بلوغها ما وصلت إليه، حين توحيد وحدتها النقدية "اليورو" في عام 1999 والتي تعمل بها تسع عشرة دولة عضوًا في هذا الوقت. ونتيجة لنوع الحياة المستقرّة في معظم أراضيها، إلى جانب الرفاهة والحرية الشخصية والمعتقداتية والفكرية التي تتمسك بها عنوانًا لسياستها العلمانية -المدنية من حيث المبدأ، فقد أصبحت دولُها مناطق جذبٍ مستثارة وحلمًا  ورديًالطلاّب الراحة والاستقرار بالنسبة لمواطني بلدان تزايدت فيها المظالم واشتدت الحروب وكثرت أعمال القتل والتهميش، ما دفع جيوشًا من اليائسين والناقمين على حكام السلطة في هذه البلدان "التعبانة"، كي يديروا ظهورهم لأوطانهم المثقلة بالمشاكل والأزمات وينشدوا أرض الحرية والديمقراطية ونظارة الأرض وتسامح البشر واللقمة النظيفة.
يعبّرُ السكرتير العام للمجلس الأوربي جاغلاند، في تقريره السنوي الصادر مؤخرًا، عن مخاوف متزايدة من تعرّض قاعدة حقوق الإنسان والديمقراطية والأمن في القارة الأوربية إلى تهديدات خطيرة قائمة على أصعدة عديدة. فدول الاتحاد الأوربي مجتمعةً، وجدت نفسَها واقعة في دوّامة جدلية حول مستقبلها ومصير اتحادها وأراضيها وبشرها على السواء،حيث تشيرأحداثالسنةالماضيةالتيمرّتعلىعمومأوربا،إلىتفاقممشاكلهاالمتعددة،ومنهاتلكالأمنيةالتيأخذتمدياتمتفاقمةومقلقةللغاية، بعد الهجمات الإرهابية التي ضربتها في عقر دارها وفيمؤسساتهاومراكزفنونهاومواقعهاالتربويةوالفكريةوالحضاريةوالدينيةوالاقتصادية،مندوناستثناء.وبالتأكيد، فإنَّ من نتائج ما أحدثته تلك الأحداث الدامية من بلبلة ورعب وخوف مبرّر وسط العامة، جعلتبعض زعامات أوربية وحكوماتها ومنظماتها تلجأ لإعادة حساباتها بسببٍ من ضغوط شعوبها الأصيلة التي انحازت لأوطانها قوميًا ووطنيًا ودينيًا بعض الشيء، ومنها ضغط الشعوبيين واليمينيين.
قصارى القول، أنّ القارة العجوز، قد دخلت غبّ تلك الأحداث في معركة من نوعٍ جديد في مقارعة أزمات ومشاكل عديدة، ومنها تلك التي أُقحمت بها، سواءًبفعل سياساتها بين الشعوب ومع الدول والحكومات أو من دون رغبتها. فقد أُضيف إلىشبحالإرهابالذيطالهاوأصبحمنأكثرالهواجسلديها،كابوسُ الهجرة الشرعية وغير الشرعية الذي غزاها على شكل موجات بشرية هائلة غير قابلة السيطرة والتنظيم قبل عام وما زال قائمًا بوتيرة أخفّ. وفي مراجعة دقيقة للحدث، يبدو للعيان أنّ ذلك وقع وفق فعلٍ ممنهج من خلال تدفق طالبي اللجوء وبتحريض من جهات دولية ودول إقليمية،بالرغم من عدم خلوّ هذا الغزو البشري الهائل من إشكالات واندساس لعناصر أرادت الانسلال بهدف إلحاق تغييرات في الديمغرافيا والواقع والفكر والمعتقد، على السواء. فما أُعلن على لسان بعض مَن اقتحموا حدود الاتحاد عبر الممر الرسميّ في تركيا مثلاً، كفيلٌ بشرح ما في جعبة هؤلاء وفي كشف النوايا والرغبات والطموحات، سواءً بدراية من دول الاتحاد أم بغفلةٍ منها ومن دون أن تعي حجم الكارثة التي ستتعرّض لها لاحقًا.
من دون شكّ، هؤلاء الهاربون من جحيم بلدانهم، هم بشرٌ في نهاية المطاف، ومن حقهم اللجوء وطلب الأمان إلى الأرض التي تحترم خصوصياتهم وأمنياتهم وتؤكلُهم وتشربهم وتحنو عليهم كبشر، وليسَ مثل حثالة البشر والمهمّشين وفاقدي الحقوق، وهي الصفة التي يُعاملون بها في أوطانهم الأصلية. فهذه الحشود المهاجرة قسرًا، قد أدركت بما لا يقبل الشكّ، أنَّ البلد الذي لا يحفظ لهم كرامتَهم ويمنحهم حقوقًا آدمية وإنسانية، لم يعد لهم أرضًا صالحة ولا وطنًا يستحق الاحترام، طالما أنه غير قادر على الدفاع عنهم ومنحهم الحقوق المترتبة عليه كبشر. بلهؤلاء يكونون قد وجدوا ضالّتَهم في هذه الأرض الأخيرة التي ضمنت لهم الأمان والحرية والكرامة ولقمة العيش الرغيد. من هنا، توجب هذه لهم هذه الحقوق واجبات الضيافة الدنيا، بالتصرف وفق مبدأ احترام مَن فتح لهم الأبواب وقدّم لهم المأوى ومنحهم المأكل والملبس والحرية والكرامة التي فقدوها في بلدانهم الأمّ. لكنّ واقع الحال، يشير إلى استغلالهذاالوضعالمتسامح وسياسة فتح الأبواب والحدود من جانب نفرٍ من المهاجرين المغرضين، من أجل تحقيق ما يعتقدهُ هذا النفر الضالّمن مآرب وغايات دينية وطائفية وشعوبية وقومية "نازية" بنسختها المعاصرة التي يسعى إليها أصحاب الأيديولوجيات المتشدّدة ودعاة التطرّف في الدين والمعتقد والقومية على السواء. وهذا من شأنه أن يضعفالثقةفيالمؤسساتالوطنيةوالأوروبية، إن لم تعي خطورة الموقف وتضع الاستراتيجيات الضرورية لمعالجة مواقع الخلل في سياساتها إزاء الهجرة غير النظامية في الأسلوب والاختيار والتوطين.
ربما، شرعتمؤخرًا، بعض الدول التي شملتها موجات الهجرة واكتوت بنشاطات إرهابية، شارك فيها نفرٌ من المهاجرين الذين تم استقبالُهم بغفلة ودون تمحيص، بكشفالثغراتوفي معالجةٍ، ربما لا تتفق مع المعايير الدولية التي تنشدُ المبادئالأساسية لحقوق الإنسان، ومنها مايشتملعلى حريةالتعبير والفكر والتنقلوحريةالتجمعواحترامالخصوصيات. والهدف واضح ومبرّر، وهو الحدّ من محاولات تعكير صفو الأمن العام والحياة المسالمة لشعوب بلدانها، في محاولة للتهدئة والتطمين، مقابل صيحات الغضب والرفض من الشعوب الأصيلة إزاء موجات الهجرة الجارفة التي غزت الأرض والاقتصاد والفكر وطبيعة الحياة المنفتحة.
لكنّ راصدين للموجة ومسبباتها وحيثياتها وبسبب من المعالجات غير الحريصةوغير المطمئنة من جانببعض دول الاتحاد فيبعض الأحيان، من جهة أخرى، يرون أنّ بعضًا من هذه المعالجات غير الرصينة، إنما هي من علامات الانحلال والضعف في النظام الأوربي. وبحسب غيرهم، فهيتشير إلى قصر نظر في رؤية المشكلة وفي المعالجة، لكونها لا ترى المشكلة في بُعدها الأبعد والأوسع وفي نتائجها الكارثية لاحقًا. بل إنّ البعض يرى في القوانين الأوربية التي تتطرّق إلى هذه المعضلة، خطورة وعلاجًا غير مقبول، في حالة عدم الأخذ بكامل حيثياتها والتوقعات في نتائجها. وهي بالتالي، أي هذه المعالجات، لا ينبغي أن تخرج عن إطار الرؤية الواضحة في كيفية احترامهالخصوصيات شعوبها الأصيلة وبما لا يتناقض ولا ينعكس سلبًا على موضوعة حقوق الإنسان، الذي ينبغي التطلّع إليه والالتزام بهبمقدار ٍ من الحذر الواجب،بالرغم من كلّ ما يعتري هذا الموضوع من منغّصات ومزالق ومخاطر. وهي بالتالي تتطلب معالجة مجتمعة وموحدة في الموقف والرؤية والسياسة التي تحقق المصلحة العليا لبلدان الاتحاد، كي لا يفقد هذا الأخير توازنَه وثقلَه الدولي ومصداقيتَه لدى شعوبه الأصيلة، فيخسر بالتالي دورَه الريادي في تطبيق مبادئ الحرية والديمقراطية والعلمانية، الحلم الذي ينجذبُ إليه المهاجرون، من دون تحديد المواقف والأهداف.
في المجمل، بروز هذه المشاكل وما لحقها من نتائج، قد استدعت إصدار حزمةمن القوانينوالتعليماتبهدف المعالجة الآنية، ولكنها لم تحلّ المشكلة تمامًا، ولن تستطيع ذلك. والسبب ببساطة، لأنّ الأحداث الدامية والرهاب المتكوّن بسببهاقد شكّل أرضية خصبة لتنظيمات قومية شعوبية ويمينية ترفض ما حصل وتقف بالضدّ من تغلغل الغرباء في مجتمعات كانت حتى الأمس القريب محافظة على سلميتها وحضارتها وعاداتها وتقاليدها وعلمانيتها ونظامها المدني الذي أُريدَ ضربُه في العمق بهدف الإلغاء والقضاء عليه لأسباب متباينة. وهذا استدعى أيضًا، استحثاث النظام القضائي ليأخذ دورَه في إيجاد معالجة وسطية بين ما حصل وما يريدُه شعبٌ آمنٌ تطبَّعَ على حياة الديمقراطية المفتوحة والحرية والفنّ والجمال والرفاه واحترام الآخر.
نقول مثلاً، لا مجال للشكّ في قدرة النظام القضائي في أوربا، بالبقاء ضمن خانة الحيادية والاستقلالية، باعتبار المبدأين من الأقطاب الأساسية التي تكشف وتسلط الضوء على أشكال التدخلات السياسية غير المقبولة وأنواع الفساد الموجود وحالات عدم احترام للأعراف التقليدية، التي هي من بين العديد من الهموم ومصادر القلق التي تحيق بدول الاتحاد. ولعلّ من بين النقاط مثار الجدل، وممّا طفا على السطح في نموّ متزايد، ما يسمّى بظاهرة "القومية التشريعية" التي تحاول اجتياز المعايير المتعارف عليها دوليًا، إزاء معالجة موضوع اللاجئين والمهاجرين بصورة أكثر استحثاثًا. فهذه، من وجهة نظر البعض، تتعارض جزئيًا مع معايير المبادئ التي عُرفت بها دول وشعوب القارة، بالرغم من كون الأسباب والهواجس تمنح لها مثل هذه الإجراءات الاستثنائية بعض الشيء.
في جانبٍ آخر لا يقلّ أهمية عن سابقه، تشير مراكز الرصد للحريات الصحفية والإعلامية، أن هذه الأخيرة قد تراجعت بعض الشيء في العام المنصرم في أكثر من نصف دول الاتحاد الأوربي (47 دولة)، من حيث تزايد أساليب القمع وإلحاق الأذى بالأسرة الصحفية بوسائل متنوعة. إضافة إلى حشر جهات منتفعة، سياسية واقتصادية وسلطات حاكمة، لنفسها في عمل الأوساط الإعلامية وبتدخلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملها وفي عرض ما تراه من أحداث وفق رؤياها على الأرض. ولم تخلُ مواقع التواصل الاجتماعي من بعضٍ من هذه المنغصات في المراقبة والملاحقة والمصادرة والمحاسبة!
بالتالي، عندما يحصل التأكيد على دور القضاء المستقلّ في النظر إلى هذه المسائل المقلقة، فلكون هذا القطاع هو الضامن للاستقلالية والحيادية في الحكم على ما يجري بعد اختلال التوازن في سلسلة من الممارسات اليومية التي غيّرت في واقع حال دول الاتحاد. من هنا، ترتب على المجلس الأوربي أن تتضامن دولُه وتضع حكوماتُه خططًا ثاقبة وشفافة من أجل تعزيز دور القضاء وسلطاته في الحياة اليومية لشعوبه المتنوعة دينيًا وإتنيًا ولغويًا. إذ لا بدّ من التعاون مجتمعين من أجل إزالة هواجس الخوف والرهاب والتمييز والتعصب التي احتلت مكانَها بدلاً من التماسك والتسامح والتضامن والانسجام والاندماج، نتيجة لصعوبة تطبيق هذه الأخيرة، أو لعدم إيمان القادمين الجدد بهذا السلوك في الحياة المختلف عمّا خبره المهاجرون المختلفون في الأصول والمبادئ والاستعداد للاندماج المطلوب مع المجتمعات الجديدة.
باختصار الكلام، هناك ثغراتٌ كثيرة قد خلقتها الأحداث الأخيرة منذ عام، وماتزال وتيرتُها ومعالجاتُها غير مستوفية للقدرات وغير متمكنة من احتواء جلّ المشكلات التي تحيط القارة الأوربية. وهي تستدعي سيلاً من العلاجات التضامنية والتعاون على أصعدة عديدة، من دون أن تنتهك هذه الأخيرة نظام الحياة الخاصّ الذي تطبّعت عليه شعوبُها،أو أن تخرج عن القيم الدينية والإنسانية المعروفة بها، بحجة الالتزام بمعاهدات حقوق الإنسان على حساب شعوبها الأصيلة ومصيرها ومستقبلها. وإلاّ، فإنّ تيارات اليمين المتطرف والقوميين الشعوبيين سيكون لهم كلمتُهم الفصل في مستقبل ومصير القارة.