ليبيا تدخل الكهف الدولي المخيف الذي دخلناه قبلها - الفصل السابع!

بدء بواسطة صائب خليل, فبراير 28, 2011, 08:00:01 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

ليبيا تدخل الكهف الدولي المخيف الذي دخلناه قبلها - الفصل السابع!

أعلن مجلس الأمن الدولي أمس، أتخاذ قراره بالإجماع ضد النظام الليبي، وتحت الفصل السابع الذي يسمح باستعمال القوة.وبالرغم من أن هذه الخطوة تعد بلا شك دعماً هاماً وخطيراً من المجتمع الدولي، للثورة الشعبية الليبية الرائعة الشجاعة ضد دكتاتور خرف، إلا أن العراقيين لن يكونوا ملامين إن شعروا بغصة في أمعائهم عند ذكر عبارات "الفصل السابع"، و "المجتمع الدولي" و "مجلس الأمن".

فقبل عقدين من الزمان، اتخذ مجلس الأمن قراراً ضد دكتاتور ا لعراق الأكثر وحشية من أي من زملائه في المنطقة، بدلالة ضحاياه كماً ونوعاً. ومثلما فرح الليبيون بلا شك لقرار مجلس الأمن اليوم، فقد فرحنا لمثيله في ذلك الحين. ولكن، ومنذ ذلك الحين أيضاً، استخدم هذا "الفصل المخيف" سلاحاً لإبتزاز العراق كبلد، سواء كان تحت حكومة صدام أو الحكومة التي تأسست بعد سقوطه.

لقد كان صدام مجبراً تحت ظروف الفصل السابع وهزيمته العسكرية إلى القبول بقرارات وإجراءات لم توجه كلها ضده شخصياً وضد نظامه، بل كانت لصوصية بحق الشعب العراقي. لصوصية قام بها "المجتمع الدولي" وأدت إلى نتائج مادية كارثية للعراق.
فتم نهب موارده النفطية بشكل منعدم الأخلاق وتسليمها بلا حساب ولا أصول قانونية إلى كل جهة طالبت بلحمة من لحم ا لعراق الجريج، سواء المستحقة منها أو غيرها، فأجبر العراق عملياً على استمرار تجهيز حكومة الأردن مثلاً بحاجاته النفطية مقابل لا شيء عملياً، في الوقت الذي كان فيه الشعب العراقي يتضور جوعاً بكل ما في الكلمة من معنى، وبشكل لم يسبق له مثيل في تأريخه الحديث. وحتى اليوم مازالت أثار تلك الإتفاقات الغريبة سارية لدهشة الناس، حيث تسلم حكومة الأردن، النفط العراقي مقابل مبالغ مخفضة غير مبررة، وحتى هذه لم يتم سدادها حسبما تبين شكاوى عراقية مؤخراً!
لقد كتبنا عن ذلك كثيراً، لكنه لم يثر أي اهتمام من أية جهة عراقية، ولا نملك إلا أن نقارن بين تلك العقود المشبوهة المستمرة حتى اليوم، والعقود المصرية مع إسرائيل لبيعها الغاز بأسعار مخفضة رغم حالة الشعب المصري البائسة وعيش الكثير من عوائله بين القبور، ولا نملك تفسيراً للعقود العراقية للحكومة الأردنية دون سواها، إلا لعلاقة تلك الحكومة المتميزة بإسرائيل. وقد بينت المقالات التي كتبتها عن الموضوع أنه من المشكوك به تماماً أن يذهب ذلك النفط إلى الأردن كمكان استهلاك نهائي أو ان الشعب الأردني يستفيد منه. فأي سر هذا وما هي القوى التي تقف وراءه ياترى، ولماذ يغلق الجميع أفواههم، وكأن جميع سياسيي العراق بلا استثناء، يتفقون على أمر ما بالسر، أو أنهم مجموعة مرعوبة تغلق فمها لسبب لا يراه الناس!! 

بعد سقوط الدكتاتور العراقي، لم تجد دول مجلس الأمن ما يجبرها على إلغاء قرار الفصل السابع الذي مازالت تراه أداة مفيدة لها، حتى وإن لم يعد له أي مبرر قانوني أو أخلاقي. والحقيقة أن ذلك جرى في غابة مشتبكة من تأثيرات القوى وغموض تفسيرات الفصل السابع وانعدام المبدئية في المجتمع الدولي. وقد أشار العديد من الباحثين العراقيين والأجانب، إلى أن الفصل السابع صار ساقط قانونياً في اللحظة التي تم تحرير الكويت فيها، وهو الهدف الذي أقر القرار من أجله. كذلك بين الباحثون، ومنهم الأستاذ فؤاد الأمير أن هذا الفصل لم يعد يلزم العراق بشيء بل يلزم قوة الإحتلال فقط.
إضافة إلى ذلك، كان هناك تهديد شبه معلن من أن العراق إن تجرأ على محاولة الخروج من الفصل السابع فأنه سوف يتعرض لسلب أمواله المجمدة، ليزيد هذا التهديد الغموض والتشويش على الشعب العراقي في حيرته أمام قلة أخلاق المجتمع الدولي وقلة أخلاق بعض سياسييه، بعد أن ذاق الأمرين من انعدام أخلاق دكتاتوره السابق.
فبقي العالم يتصرف وكأن العراق مازال عراق صدام حسين، وأبقى شعب العراق أسيراً للفصل السابع، وأصر أن عليه أن يثبت "حسن السلوك" أمام العالم، وأن ينال رضى كل دولة في العالم، وكأن الشعب العراقي مجرم تم إخراجه من السجن بشكل مشروط، وأن جميع أعضاء مجلس الأمن يجب أن يوافقوا على حسن سلوكه هذا قبل إطلاق سراح هذا الشعب، وأن أي واحد منهم قادر على إبقاء العراق وشعبه في السجن، وبلا أي مبرر يمكن أن يفهمه أي إنسان عاقل يتمتع بالحد الأدنى من المنطق والأخلاق.

قصة "الفصل السابع" التي مازالت فصولها قائمة في العراق، ربما تكون أحدث دليل للشعوب على أن تصرف القوى الدولية، وأية قوى في أي محيط، إنما يكون تصرفها مزيج من الإحترام للقانون، و "الإحترام" لمصالحها الخاصة، وبدرجة تعمتد كثيراً على مبدئية وأخلاقية الحكومات التي تسير "المجتمع الدولي" وحرصها على القانون الدولي، وهذه صفاة لم تثبت حتى الآن أنه يمكن الإعتماد عليها من قبل الشعوب الأضعف.
لقد حرصت القوى الكبرى على ملئ القانون الدولي مليئ بالثغرات، تماماً كما اكتشفنا متأخرين بأن الإحتلال فعل بالدستور العراقي، لتستطيع القوى الكبرى استغلاله لصالحها، وأهم تلك الثغرات، قانون الفيتو، الذي يتيح للقوى الكبرى دون غيرها، أن تخالف قرارات مجلس الأمن (كأكثرية) ودون أن تتعرض لا للمساءلة ولا إلى اعتبارها مخالفة لقرارات المجلس أو المجتمع الدولي. لقد وصف نعوم جومسكي "حق" الفيتو بأنه المخالفة الأكثر وقاحة لقرارات المجتمع الدولي.

إلا أن خطورة الفيتو لا تقف عند هذا الحد السلبي بمنع القرارات التي لا تناسب القوى الكبرى. فكما تبين لنا من قصة الفصل السابع معنا، فأن الفيتو يعطي عملياً الحق لأية دولة من هؤلاء الدول، أن تبقي أية دولة أخرى حبيسة لقرار سابق، حتى إن اتفقت جميع الدول الأخرى على إطلاق سراح تلك الدولة، ومهما تغيرت الظروف وزالت أسباب القرار ومبرراته.
فمن الناحية العملية، لم يعد هناك معنى لبقاء العراق تحت الفصل السابع بعد تحرير الكويت، ومن الناحية القانونية يرى الكثير من الباحثين أن القرار لم يعد موجوداً. وبالتالي فأن إبقاء العراق الجديد تحت الفصل السابع كان يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن. لكن الجميع تصرف بشكل معاكس للمنطق، ولم يدعم هذا التفسير، وبقي "إخراج" العراق من الفصل السابع يحتاج موافقة جميع الأعضاء الدائمين في المجلس، وأن أي فيتو يكفي لإبقائه فيه. "حق" الفيتو يشبه من الناحية العملية في هذه الحالة، قانون يتيح لأية دولة من الدول الكبرى، لوحدها، إصدار قرار "دولي"، ويعتبر ممثلاً للمجتمع الدولي كله!

الدرس يقول، عليك إذن، إن أردت أن تأمل في تطبيق قانون دولي او غير دولي، بشكل سليم، أن تحرص على الأقل أن تكون بعض تلك القوى الكبرى في جانبك، وأن لا تتركها تتوحد ضدك، وليس هذا ممكن دائماً خاصة إن كان البلد نفسه ممزقاً وكانت فئات منه تقف مع قوى "المجتمع الدولي" الأنانية التي تجد في تمزيق هذا البلد خير مصالحها. وخير مثال على تلك القوى الداخلية، وزير خارجية العراق هوشيار زيباري الذي وصلت قلة الحياء فيه أن وقف بوجه مشروع عربي لرفع العراق من الفصل السابع، مثلما وقف عميل المخابرات الغربية بامتياز، اياد علاوي بالضد من أية فرص لتحقيق ذلك في وقت سابق، ومنع مشروع فرنسي الماني لأعطاء العراق حرية إضافية في التعامل مع القوات الدولية. ويجب أن نذكر هنا بأن زيباري لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل موقف التحالف الكردستاني, والذي وقف دائماً مع الإحتلال في كل قضية تثار بين العراق ككل، والإحتلال، ولم يختلف مع الأخير إلا في حالات نادرة، جميعها أمور تخص كردستان وحدها.
والحقيقة أنه لولا هذه القوى الداخلية المخربة في العراق لما أمكن للقوى الأنانية الخارجية من إنزال كل ذلك الإضرار والإذلال للعراق، فرغم الجو الدولي الخالي من الأخلاق، فلم يكن سهلاً على أية دولة، بضمنها الولايات المتحدة، أن تقف بصراحة وأمام العالم، كسجانة للشعب العراقي، وإن لم يكن الخجل كافياً، فربما يكفي الخوف من مستقبل علاقتها مع هذا الشعب. لكن مجتمع السياسيين العراقيين كان خالياً من أي روح يمكنها حتى أن تفكر في مواجهة مع اميركا، ولا حتى مجرد مواجهة إحراج! كان الإستسلام التام فضيلة المرحلة، حتى إن اختلف "الفضلاء" في درجة التزامهم بها.

هكذا تعاونت القوى الدولية الأنانية مع عملائها الأبرز في العراق على تحويل قرار الفصل السابع إلى وحش مخيف وتحويل مجلس الأمن إلى منظمة لصوص دولية، وتبين للشعب العراقي بوضوح، أن تلك المنظمة لم تسقط الفريسة من بين فكي الوحش صدام حسين، إلا لكي تتقاسمها بنفسها، ولم يكن لأحترام القانون الدولي أو الأخلاق من مكانة في قراراها إلا كمكانة الأخلاق في قرار الضباع حين تطرد ذئباً عن فريسته.

أمس تم إذن إدخال دولة أخرى في هذا الفصل ومن قبل نفس مجموعة الضباع، وتحت إشراف هيئة أمم متحدة أسوأ بكثير من تلك التي كانت أيام العراق، فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، واحد من أكثر أمناء هذه المنظمة في تاريخها تبعية للولايات المتحدة وأقلهم خجلاً، وكما يتبين في جميع مواقفه بلا استثناء وبشكل خاص في القضية الفلسطينية، وأيضاً موقفه وتصريحاته المراوغة من الفصل السابع للعراق ومواقف أخرى.

كيف يمكن للشعوب، أو حتى الدول الأقل قوة من الولايات المتحدة، أن تمنع استغلال قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالذات، من قبل القوة الأكبر ومن خلال الثغرات التي تم وضعها في القانون الدولي، وخاصة حق النقض الفيتو؟ أن "حق" الفيتو يجب تعديله إن لم يكن بالإمكان إلغاءه. ربما بوضع شرط أن تصوت للفيتو دولتيين بدلاً من دولة واحدة، ربما أن يكون "الفيتو" معادلاً لعدد من الدول الموافقة، أي أن يمكن بواسطته نقض القرارات ذات الأغلبية المحدودة وليس الساحقة.
إن تغيير القانون الدولي أمر صعب أو يكاد يكون مستحيل، حيث أن أي تغيير لابد أن يصيب بالضرر مصالح جهة ما، وهذه الجهة تمتلك الفيتو لمنع ذلك التغيير. ولذلك يحتاج مثل هذا التغيير إلى ضغط شعبي عالمي واع ومنظم لإنجازه.
ولكن في انتظار تكون ذلك الوعي وظروفه المناسبة، يمكن للدول الأقل قوة في مجلس الأمن أن تتخذ إجراءات محددة لمنع استغلال "حق" الفيتو بشكله العدائي، وذلك من خلال الإمتناع عن الموافقة على القرارات إلا بعد وضع سقف زمني لها. فيشمل نص القرار في هذه الحالة مثلاً، أحقية استعمال القوة منذ لحظة إصدار القرار ولمدة أسبوعين، أو شهر. وإن لم يكف ذلك السقف الزمني لإنجاز أهداف القرار، فسيمكن دائماً الإجتماع ثانية وإصدار قرار بالتمديد ولفترة زمنية جديدة. هكذا يصبح "حق" الفيتو لمن يرى أن الظروف تغيرت بما يكفي، ويريد وقف تدخل الأمم المتحدة في الأمر. وهكذا لن يكون قرار مجلس الأمن "ورطة دولية" يصعب الخروج منها بعد إقرارها.

نتمنى أخيراً للثورة الليبية الشعبية الشجاعة نجاحاً رائعاً تستحقه، فكل نجاح شعبي عربي هو نجاح عربي عظيم، وأهم من ذلك، هو نجاح إنساني عظيم. ونتمنى من كل قلبنا أن لا تكون ظروف الليبيين كظروفنا في العراق، وأن لا يتآمر المجتمع الدولي ضد الحكومة الشعبية الجديدة المؤملة، أو أن يجد هذا المجتمع الدولي الأناني، الأمر محرجاً بشكل لا يستطيع القيام به، وأن لا يتواجد بين سياسييهم أنفار مثل اياد علاوي وهوشيار زيباري وعادل عبد المهدي، سياسيون يضعون أنفسهم تحت تصرف القوى الكبرى المسيطرة على بلادهم بلا قيد أو شرط، فيتيحون ابتزاز حكوماتها ويؤسسون لكوارثها القادمة.
إن قصة العراق مع الفصل السابع قصة عار مخجلة لـ "المجتمع الدولي"، إن بدأها بشكل سليم، فقد انتهت بلف هذا المجتمع الحبل حول عنق الشعب العراقي الذي أدعى أنه جاء لنجدته، تماماً كما يقال اليوم للشعب الليبي، ولذا فنحن قلقون لهذه الحركة، التي قد تبدو بريئة الشكل في بدايتها، لمؤسسة مشكوك في مصداقيتها كما برهنت الأحداث، ولا يتمنى شعب أن يجد نفسه تحت رحمتها.
تتحدث كلنتون وراسموسن (أمين عام الناتو) بحذر، لكنهما يكثران الإجتماعات ويقولان أنهما لا يستبعدان أية طرق محتملة للعمل!
إن الحرص الواضح على عدم التدخل الأجنبي الذي يؤكده جميع المواطنون والقادة والسياسيون الليبيون يبعث على الإطمئنان، ويبشر بالخير، فدخول هؤلاء يفتح الأبواب لكل السفلة في الداخل والخارج، ويؤمن حمايتهم وتقديم الدعم لهم بتعاون متبادل يقود إلى تحطيم البلاد. نؤكد للشعب الليبي أن انتصار ثورته أنتصار كبير لنا جميعاً، ولذا نحرص عليه بحب وقلق كبيرين. وفقكم الله.