كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع؟

بدء بواسطة صائب خليل, أبريل 16, 2014, 10:20:23 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل


في ضياع عراق اليوم قصتان لكل حدث. ليس الفرق بينهما كالفرق بين مختلفي الآراء، بل يرى المواطنون عالمين مختلفين تماماً وأحداثاً مختلفة وتفسيرات مختلفة، وكأنهم منومين مغناطيسياً. الموضوع ليس جديداً، بل قديم قدم الإحتلال، وما جد فيه أنه بدأ يقسم الناس إلى مؤيدي المالكي ومعارضيه، بدلاً من قسمتهم السابقة كسنة وشيعة. لنبدأ بمثال من قصة سدة الفلوجة الأخيرة.

تروي قصة الحكومة أن مسلحين يسيطرون على سدة الفلوجة، وأنهم اغلقوها بهدف قطع الماء عن الجنوب الشيعي لإصابته بالعطش للناس والمزروعات وأن هدفهم حسب المالكي هو "تدمير العملية السياسية وإثارة الفتنة ومعاقبة كل الذين يختلفون معهم" مضيفاً أن أول الذين تضرروا منهم، هم أبناء الفلوجة. ولمح المالكي إلى ضرورة العمل العسكري الحاسم.(1)

أما في اوساط الناس في الرمادي ومناطق السنة فتدور القصة التالية المختلفة: أن القوات الحكومية أغلقت بوابات جسر الجزيرة في الرمادي، وفتحت ناظم الورار بهدف إغراق منطقة الطاش المحتلة من قبل داعش، بسبب عجز القوات من الوصول إليها. تسبب هذا بقطع المياه عن الرمادي، وانخفاض المياة الواصلة الى الفلوجة مما اضطر العاملين على سدة الفلوجة إلى اغلاق البوابات وحصر المياة لسد حاجة اهلي الفلوجة، وأن الحكومة ارادت ان تكسب تعاطف الجنوب مع المالكي وايصال صورة لابنائها ان اهالي الانبار يريدون قتلكم من خلال قطع المياة، إضافة إلى هدفها باغراق الطاش والسيطرة عليها.

ولا يقتصر الجمهور المشكك بالقصة الحكومية على السنة. النائب عن كتلة الاحرار حسين المنصوري أكد ان "قيام الحكومة بالعمليات العسكرية كان بقصد الدعاية الانتخابية وليس لمواجهة تنظيم [داعش]، مبينا ان "هناك استعراضا عسكريا لتنظيم داعش في قضاء ابو غريب غربي بغداد لاسقاط العاصمة". (3)
وكذلك وقف المجلس الأعلى مع "قصة السنة" ووصف قطع المياه بأنها زوبعة إعلامية انتخابية، متسائلاً إن كان هناك بالفعل سدة في الفلوجة لها القدرة على سد نهر الفرات.(4)
وما يدعم تلك الشكوك وتلك القصة، أن السدة المقصودة هي "ناظم" وليس سد له بحيرة خزن، والغرض منه تنظيم تصريف المياه ولا يمكن اغلاقه بشكل كامل لمدة طويلة وإن حدث فأن المياه تعبر من فوق البوابات لكي لا تنهار بسبب ضغط الماء المتجمع أمامها.

من جهته يعترف متحدون بأن داعش كانت وراء التخريب، ويعده "عقوبة جماعية للمواطنين وعمل ضد الانسانية ويهدف لضرب وحدة الشعب، لكن التخريب لم يكن بسد السدة وإنما "فتح السدة الترابية خلف سد النعيمية الواقع جنوب مدينة الفلوجة والذي ادى الى اهدار المياه واغراق مئات البيوت ونقص منسوب الفرات ." وتستغرب "متحدون" من "تهاون القطعات العسكرية المتجحفلة قرب السد والمحاصرة لمدينة الفلوجة من جنوبها عن حماية السد رغم وجود اكثر من فوجين في المنطقة ورغم ان السد يقع في منطقة زراعية غير مأهولة بالسكان المدنيين ويسهل مسكها عسكريا سيما وان الجانب الغربي منها ممسوك من قبل العشائر والصحوات والجانب الشرقي ممسوك من قبل الجيش " (5) وشكك البعض حتى بصور نهر الفرات التي قدمت من الجانب الحكومي من القصة.

قصتين مختلفتين ومتناقضتين للطائفتين! وليست قصة سدة الفلوجة هي القصة الوحيدة ذات النسختين، بل أستطيع القول بثقة بأنه لا تكاد توجد قصة واحدة في العراق بنسخة واحدة، ولا توجد قصة واحدة لا يختلف الشيعة والسنة حولها اختلافاً تناقضياً تاماً، فالمجرم عند هذا هو على الأغلب، بطل عند ذاك وبالعكس، حتى إن لم يصرح بذلك. وعلى قدر إحساس المواطن بسنيته أو شيعيته، يكون الإختلاف شديداً.

فـ "بطولات القوات الأمنية لسحق الإرهاب" كما يراها أحد الطرفين في حزام بغداد، هي "معركة طائفية" لدى الآخر(6) ومنظمة مجاهدي خلق "المدافعة عن الحرية" و"أصدقاء للشعب العراقي"(7)  لدى جهة، هي منظمة إجرامية تسببت في الكثير من القتل في العراق لدى الجهة الأخرى، وتوجد في مدينتها حتى مقابر جماعية(8) و "الإرهابيين" في سوريا لدى جهة، هم "مجاهدين" و "محاربين من أجل الديمقراطية" ضد "أنظمة تضطهد شعوبها" لدى الجهة الأخرى(9) و "الإنتفاضة الشعبانية الباسلة " ضد الدكتاتورية عند جهة، لم تكن سوى "غوغاء تديرها إيران" عند الجهة ا لأخرى، وضحاياها الأبطال في المقابر الجماعية عند جهة، ليسوا سوى "جنود عراقيين كانوا منسحبين من الكويت تم قتلهم ودفنهم في الجنوب" (10) لدى الجهة الأخرى، وجريمة النخيب الإرهابية الطائفية لدى جهة، لم يقم بتدبيرها سوى الجهة التي تريد ضم النخيب إلى كربلاء، لدى الجهة الأخرى. (11) وثورة البحرين ضد الطغيان والتمييز الطائفي لدى جهة ليست سوى مؤامرة على عروبة البحرين لدى الجهة الأخرى(12) الخ من الأحداث التي ربما نسيتها.
وطبعاً لا يقتصر الأمر على العراق، ففي مصر مثلاً فأن الراحل الشيخ حسن شحاته، الذي لا أشك بأنه أحد العملاء الذين فرخهم وكر الموساد المسمى "الأزهر الشريف" لتمزيق الإسلام، قال قولته المشهورة التي تتجاوز فصل القصص وتفسيرها بين الشيعة والسنة إلى عملية فصل الشخصيات المقدسة، حين هتف: "دا مش علي بتاعنا إحنا دا علي بتاعهم همه!"، فكبّر له "القطيع" إعجاباً!
مشكلة الموساد مع شخصية الإمام علي ، أنها شخصية يتفق الطرفان عليها، ولا سبيل لإقناع أي من الطرفين بكراهيتها أو احتقارها، فلم يجدوا سوى وقاحة أن يقسموا علياً إلى "عليين"... "علي بتاعنا" و "علي بتاعهم"! لا بد أن أقول أن إرادتهم لتنفيذ اجندتهم ومدى إبداعهم في ذلك يثيران الإعجاب الشديد والدهشة، بقدر ما تثيره أهداف تلك الأجندات من الإحتقار.

عودة إلى العراق، نسأل: هل يعقل أن بلداً له حكومة بأي شكل من الأشكال، لا يستطيع الناس فيه الإتفاق على اية قصة تجري في بلدهم؟ هل يعقل أن يكون الإعلام حراً في الكذب على الناس وتظليلهم حسب من يدفع له، ويجعلهم كقطيع تائه لا يدري أين يدير رأسه في كل قضية مهما كانت خطورتها، دون أن يخشى هذا الإعلام محاسبة؟ ألم يبق منطق عام يجمع شقي هذا الشعب الممزق؟ هذا المنطق العام يأتي عادة من وجود ثقافة مشتركة ولو بالحد الأدنى، وحكومة مسؤولة ولو بالحد الأدنى، تبين الخبر الصحيح من الخطأ وتعاقب الكاذب، ومؤسسات إعلامية لها مصداقية بالحد الأدنى تعاقب الصحيفة الكاذبة والقناة الكاذبة بفضحها، وشعب ما زال يفكر بعقلة وليس بعواطفه، ولو بالحد الأدنى ليميز المعقول من غير المعقول، وليعاقب الكاذب بتجنبه على الأقل، فهل لم يبق لشعب العراق أي شيء من هذا؟

إن اختلاف قصصنا أشد من اختلاف قصص الشعوب في بلدان مختلفة فحتى هذه تتفق في الكثير من رواياتها للأخبار وتفسيرها للأحداث، وهم تحت إعلامين مختلفين وربما لغتين مختلفتين ونظامي حكم مختلفين، فكيف جعلنا إعلامنا بهذا الشقاق؟
إننا أيها الأخوة ، وليس هناك تفسير آخر، نقع تحت إعلام معادي تمتلكه وتسيره قوى تهدف بشكل مخطط إلى تدميرنا، وحكومة مخترقة وقوات أمنية مخترقة وبرلمان فاسد مخترق ومؤسسات مالية لا سلطة للشعب عليها وهي مهددة في اية لحظة بالمصادرة ومعرضة للإنهيارات المالية العالمية أكثر من أية مؤسسات أخرى في العالم، ووسائل اتصالات يتم التجسس على كل كلمة تمر فيها ومجتمع ضائع ويزداد ضياعاً كل يوم وهو ما يبشر بكوارث قادمة بانت طلائعها، هي أكبر من كل الكوارث التي مرت بهذا البلد، فلم يمر على هذا البلد أو أي بلد حالة أن لا يستطيع نصفاه أن يتفقا على أي شيء، وحكومته ليست سوى كتلة انتخابية ومجموعة لا نهاية لها من الأكاذيب، وبرلمان يقوم اعضاؤه بانجاز أعمالهم بالتصويت السري لكي لا يعرف المواطن أي شيء، ومواطن ضائع يقبل أي شيء...وفوق كل هذا، فأن تحت أقدامه واحدة من أكبر ثروات العالم، فما هي فرصة هذا البلد للنجاة في عالم متوحش يزداد توحشاً كل يوم؟

كيف أوصلونا إلى كل هذا التمزق بعد 11 عاماً من "تحريرنا من الفاشية" على رأي أحدهم؟ كيف صارت لكل منا قصة مختلفة وتعذر أي حوار وأي تفاهم حول أي شيء؟ تعالوا لنحاول أن نفهم، فربما لن يتاح لنا فرص كثيرة أخرى لذلك.


مؤامرة الإرهاب – ج3: الأهداف التحضيرية لمؤامرة الإرهاب

صائب خليل
3 تشرين أول 2011
الحث على المواجهة والعنف
أنقل بتصرف من مقالتي السابقة:"مؤامرة الإرهاب ج3: الأهداف التحضيرية لمؤامرة الإرهاب" –
"ليس من الصعب إثارة الشك والعداء بين طرفين، إن كنت تسيطر على قناة الإتصال بينهما والتي تعطي كل منهما الصورة التي تريده أنت أن يراها عن الآخر، وقناة الإتصال هي الإعلام. الخطوة الأولى هي حقن تلك القناة بأخبار تناسب ذلك الهدف سواء كانت مختلقة أو حقيقية يتم تقديمها بشكل يثير الإنشقاق. ويجب الحرص على أن يبدو تقديم الحقائق بريئاً قدر الإمكان، وأن يتم تجنب الكذب إن كان سهل الإكتشاف لأن اكتشاف المجتمع أن هناك من يريد الإيقاع به، سيعطي مردوداً معاكساً. في العراق حيث الحكومة ليست سوى كتلة منافسة انتخابية لا دور لها، لا يوجد أي جهاز لمتابعة الإعلام وكشف أكاذيبه، (إلا حين يصيب كتلة الحكومة الإنتخابية بالضرر) يعيش الناس تحت كذب إعلامي لم يسبق أن مر به في حياته، وتفوق بالتأكيد في ذلك على زمن الدكتاتورية بسعته وعبقريته. المشكلة الأساسية التي يعاني منها اصحاب تلك المؤامرة هي إمكانية الناس أن تتحاور بعضها وتكشف الأكاذيب والقراءات المرتبة للأحداث. هذا الحوار يمكن ان يتم أما من خلال الإعلام نفسه، أو من خلال الحديث المباشر."
لذلك يجب أن تفصل المجموعتين مكانياً وثقافياً وتقطع الإتصال بينهما وتقصره على القناة التي تسيطر عليها.
الفصل الثقافي والإعلامي (الذهني) فيتحقق من خلال بضعة ادوات، اولها التطرف الإعلامي، فلا يعود السني يتحمل ان يشاهد فضائية شيعية أو يزور موقعاً شيعياً والعكس صحيح، وهو أمر قد تم تحقيقه بشكل كبير". ولقد لاحظت شخصياً كثرة الهجوم على مقالاتي في المواقع الشيعية، رغم أني لا أكتب كـ "سني" ورغم أني دافعت عن مواقف تلك المواقع أكثر مما هاجمتها. لكن هناك مجموعات تترصد وتحارب أي وجود سني في قناة إعلامية شيعية، ولا شك أن العكس صحيح أيضاً. مهمة هؤلاء أن لا يتحدث الشيعة إلى سني أو العكس.
إضافة إلى هذا الفصل الإعلامي يتوجب أيضاً فصل الناس جسدياً لكي لا يتحدثوا مباشرة مع بعض، وقد حققت عمليات التهجير الإرهابية ذلك الهدف إلى حد بعيد، ليس على مستوى المدن فقط، وإنما داخل الأحياء أيضاً، فانقسمت الأحياء (مثل "الدورة") إلى قسمين، شيعي وسني. ولا يقتصر ذلك على المسلمين في المجتمع، فلعل أغرب محاولات الفصل المكاني وأكثرها جرأة كان مشروع المحافظة المسيحية العجيب الذي عاد البعض إلى طرحه هذه الأيام.

بعد تحقيق ذلك الفصل، يكون المجتمع ضحية جاهزة للحقن بحقن الكراهية بين أجزائه التي لم تعد تستطيع أن تتحدث مع بعضها البعض.

عروس التاجي : تصميم قصة ترى كقصتين

تعاني المؤسسات الإعلامية في تصميم القصتين لأي حدث من مشكلة "المصدر" حين يكون المصدر الرسمي ضرورياً لتمرير القصة. فهذا لا يمكن أن يكتب قصتين مختلفتين فيفتضح. لذلك فهو مجبر على تقديم قصة واحدة تحتوي ما يدعم النسختين اللتين سوف يروجها عملاؤه من دعاة كل طرف. أي أن يحقن فيروس الفصل في نفس تلك القصة ليقرأها السنة بطريقة ويقرأها الشيعة بطريقة أخرى. ويعتمد مصمموا تلك القصة المزدوجة المظهر على ما يعرفونه عن كل من طرفي الضحية، وما يعلمون من حقيقة أن كل طرف سيركز على معلومات معينة تبقى في ذاكرته ويركز الآخر على معلومات أخرى لتبقى في ذاكرته ويهمل الباقية. وهكذا نجد أن الإعلام قدّم قصة واحدة للطرفين، لكن ذاكرة كل من الطرفين أحتفظت بقصتين مختلفتين في نهاية الأمر.. قصتين تناسب كل منهما هدف مخططي الإعلام في بث الفرقة بين الطرفين.

ليس تصميم تلك القصة سهلاً بالتأكيد، ومن المستحيل نجاحها التام في إخفاء حقيقتها بدون أخطاء وثغرات لا مفر منها، لكن الخطة العامة لتحقيق أكبر نجاح تبدو كالتالي: "يقدم الإعلام للمواطن قصة إرهابية مريعة لإحداث الصدمة ومنع التفكير قدر الإمكان، على الأقل من الجانب الذي سيعتبر نفسه طرف الضحية في تلك القصة الإرهابية. ومن الجهة الأخرى توضع فيها تفاصيل مثيرة للريبة والتشكيك بالقصة، تسهل إنكارها على الطرف الثاني، وبأمل أن لا يراها أو لايهتم بها الطرف الأول المتأثر بصدمته، وأن يركز عليها الطرف الآخر المهتم بتبرئة نفسه أو طائفته. وهنا يحدث الشق في استقبال الطرفين لتلك القصة، لتؤدي دورها المطلوب.

قصة عروس التاجي، قصة مريعة.. مريعة إلى درجة تثير الريبة. قدمت القصة لإثارة أقصى قدر ممكن من المشاعر، وكان يثير التساؤل فيها مثلما في غيرها، أنه لم يتم الكشف عن أية جهة مستفيدة من القضية او منسقة لها، وإنما قدمت على انه عمل مجموعة مريضة بالإجرام وفقط، وعلى أساس أنه حقد طائفي عجيب لم يسمع به أحد من قبل ولم يحدث في اية سابقة تاريخية في العراق، وكل هذا يجب أن يدعو إلى التمحيص.
وبالفعل سارعت جهات "سنية" إلى تقديم "أدلة" على زيف الجريمة، كانت عبارة عن صور وملاحظات حول الملابس وغيرها، وقد فندت تلك الأدلة في مقالة لي مبينا أن القصة سليمة من هذه الناحية وأن هذا الإعتراض "السني" مزيف.(13)

لكن بضعة نقاط أثارت انتباهي مثل الإعترافات الكاملة للمجرمين الذين لم يبد عليهم أي أثر لتعذيب أو حتى ضغط من أي نوع كان، بجريمة من هذا الحجم. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا يعترف مجرم بكل هذه التفاصيل بدون ضغط؟
كان هناك ايضاً غموض في تواريخ الحادثة ومتى إلقي القبض على المجرمين وعلاقة الجناة بالضحايا، فليس من المعقول أن يرتكب أحد جريمة بكل هذا التخطيط وكل هذا الحقد الهائل، ضد ضحايا لا يعرفهم.
نقطة أخرى أثارت تساؤلي في رواية المتهمين، الذين قالوا أنهم افتعلوا حادثة تفجير في الطريق العام لكي يغلق الطريق فيجبر موكب العرس إلى طريق فرعي هو الطريق الوحيد المتوفر للسيارات المحصورة  للخروج من الشارع، حيث يتم اختطافهم لأن ذلك الفرع "فارغ" وقلما تمر به السيارات!
المشكلة في هذه القصة أنه بعد التفجير وسد الطريق العام فأن هذا الفرع "الفارغ" لن يبقى فارغاً بعد التفجير! فإذا كان المنفذ الوحيد، فلا بد أن كل السيارات المحاصرة في الشارع العام المقطوع، قد سلكت هذا الطريق الفرعي، وبالتالي لن يكون فارغاً بل شديد الإزدحام ولا يمكن تنفيذ العملية فيه!
استنتجت أن هذه النقطة وحدها تبرهن، أن القصة كاذبة وأن العملية قد تكون كلها ملفقة من قبل جهة تريد إثارة الهلع الطائفي، لا اكثر.

لكن يعود السؤال الأسبق وقد أصبح أكبر: لماذا اعترف هؤلاء جميعاً بدون استثناء بمثل هذه الجريمة المرعبة التي لم يرتكبوها، وبدون أي أثر للتعذيب؟ وإن كان هناك تعذيب غير ظاهر، فكيف اتفقوا على كل التفاصيل في الإعترافات بحيث لم يكتشف المحققون أنهم يكذبون، وأنهم يعترفون بسبب التعذيب؟

وهنا تأتي النقطة الأهم في كل القصة، نقطة مكان الجريمة: "السرداب" الذي اتفق عليه جميع المجرمين، دون أن يكون له وجود في الواقع! الرواية الشيعية (والحكومية) حاولت تجاهل موضوع السرداب، وحين أثيرت تلك النقطة اكتفت بتأكيدات عن وجوده، دون أن تثبت ذلك في الإعلام ولا في لجنة تحقيقية رسمية، علماً أن قضية السرداب كانت قضية حاسمة وإثبات وجوده كان يسكت المشككين من السنة في الموضوع. وكانت المحاولات الإعلامية التي رأيتها لإثباته، تزيد الشكوك أكثر، فظهر في التلفزيون شخص قال أنه سيدخل إلى الجامع الذي ارتكبت فيه الجريمة، ثم قطع الفلم ليظهر ثانية في غرفة وقال انه الآن في السرداب! ولم يظهر في الفلم لا مدخل السرداب ولا عملية النزول اليه ولا أي شيء من هذا القبيل.

كان عدم وجود السرداب دليل الرواية السنية الحاسم بأن هؤلاء تم تعذيبهم في سجون السلطة فأقروا بجريمة لم يتركبوها، ولأغراض سياسية! وهذا يبدو معقولاً لأول وهلة.
لكن عدم وجود السرداب، والذي يفند رواية الحكومة، يثير علامة استفهام كبيرة أخرى تفند بدورها الرواية السنية عن مؤامرة الحكومة أيضاً! فعندما يراد التآمر وتعذيب شخص أو أشخاص من أجل الإعتراف بقصة مفبركة، فأن من يرتب المؤامرة سيرتب لهم "قصة جريمة" سليمة، وليس قصة فيها ثغرة هائلة. ثغرة لا يمكن أن تنجم عن خطأ، فمن الطبيعي أن يتأكد مؤلفها من أن المكان الذي سيدعي أن الجريمة وقعت فيه، مناسب للجريمة، ويجب أن يفحصه من أجل ذلك، ولا يمكن إذن أن تختار مكانا للجريمة "غير موجود" أصلاً!
كذلك فأن السرداب لا يمكن أن يكون من تأليف أحد المتهمين للتخلص من التعذيب، لأنهم جميعاً قد اتفقوا على ذلك المكان، والمحققين قدموا القصة على أنها حقيقية!

السؤال الآن: من الذي من مصلحته ان يخترع ثغرة في قصة الجريمة؟ إن كان المتهمون قد اخترعوها لتضليل التحقيق، فهي لا تخدمهم في شيء من ناحية، كما أن المحققين لا بد أن يذهبوا مع المتهمين إلى مكان التحقيق لمشاهدة مكان وقوع الجريمة وتمثيلها، ولا يعقل أن تعرض على الناس والإعلام قبل الإنتهاء من كل ذلك. إن كان المتهمون قد أجبروا على إضافة قصة السرداب غير الصحيحة، فتكون الحكومة كمن يلفق دليلاً لإدانتها هي، وهو أمر غير معقول خاصة وأن السرداب لم يكن ضرورياً للجريمة!

ونلاحظ للغرابة، أنه رغم انتشار قصة السرداب تلك فقد بقيت الطائفة التي اعتبرت الجريمة ضدها تتجاهل هذه النقطة تماماً، واستمرت في الحديث عن فضاعة الجريمة ودلائلها الطائفية، وبقيت الطائفة الأخرى لا تصدق القصة، دون أن تلح في التحقيق فيها، وأقتنع كل بقصته وذهب في سبيله وقد حدث شق إضافي في المجتمع العراقي! لم يهتم أحد بذلك الشق، كما لم يهتم أحد بغيره، وها نحن نصل إلى ما وصلنا إليه من تمزق، فلا توجد لأي حدث قصة واحدة يصدقها الجميع أو الأغلبية العظمى، وكل حدث صار شقاً إضافياً في المجتمع.

من يمكن أن يكون قد أضاف قصة السرداب؟ تفسيري الوحيد هو جهة تريد أن تعطي الجهتين، الشيعة والسنة، دعماً لقصتين مختلفتين يصدق كل منهما أحداها ويكذب الأخرى. الشيعة سيصدقون الرواية ويصرون عليها رغم الثغرة الكبيرة، ويستهجنون "المشككين" من الطائفة الثانية، ويعتبرون التشكيك ذاته دليلاً على إدانة الطائفة عموماً بالطائفية وليس المجرمين فقط، والسنة سيرفضون الرواية ولديهم سبب مقنع، ويستهجنون "المصدقين" لما لا يعقل، لمجرد أنه يخدم صورة الضحية لهم ويسهم في التآمر عليهم. كل سوف يستهجن الآخر ويعتبره يتآمر عليه ويتهرب من "الحقيقة الواضحة" ولا يريد الإعتراف بها، وهكذا تحقق القصة المزدوجة بالتناسق مع الإرهاب رسالتها.

هل ارتكب المتهمون جريمة أم لا؟ من الممكن أنهم لم يفعلوا، ومن الممكن تماماً أنهم فعلوا ذلك، وأنها استغلت ضدهم ممن أراد تحويلها إلى شق في المجتمع، وغير روايتها لتكون مناسبة لذلك الهدف، وأنه وعد المتهمين بتهريبهم إن وافقوا على التمثيلية، ففعلوا، ولعلهم يعيشون اليوم في بلاد أخرى بأسماء أخرى، فمن يدري حقاً من الذي يعدم ومن لا يعدم في هذه البلاد؟

***

هذا هو الحال، والآن ما العمل؟
كتبت في مقالة لي بعنوان "هل نثق بمصادرنا عن الآخر، أم نذهب للبحث عنه؟"، مشيراً إلى موضوع اتهام السنة للحكومة بتهميشهم:
"هل أجابت الحكومة على جميع أسئلتهم التي تدور في رؤوسهم، ام تركت أموراً خطيرة معلقة يفسرها كل من يريد بالشكل الذي يريد؟ هل قدمت الحكومة ما يكفي من التوضيح لكل خطواتها التي قد تثير حساسية المقابل، دون الإضرار بحقوقها وبالقانون؟ ...هل حاولت الحكومة ما تستطيع لإقناع وكسب المعتدلين والمنطقيين منهم؟ أم أن هناك تقصير في الأمر؟
الجانب المقابل يجب يتساءل: هل بالفعل يريد الشيعة (جميعاً) الثأر لما يعتبروه تهميشاً تاريخياً طويلاً لهم؟ ...هل تعمد الحكومة بدعم من مؤيديها إلى اعتقال السنة وإرهابهم بشكل منهجي ومتعمد، أم أنها قد تكون خائفة على نفسها من مؤامرة بالفعل؟ هل تصرف سياسيونا بما يطمئن تلك الحكومة ومؤيدوها إلى حقهم في الحكم الذي حصلوا عليه بالإنتخابات؟
السؤال بشكل عام، هل نثق بالأجوبة الجاهزة التي لدينا، ... ام أن الأفضل أن نحاول أن "نذهب" إلى المقابل ونتحدث معه ونتأكد من ان تصوراتنا عنه وعن أسبابه، صحيحة؟ هل الخلاف بسبب "شر" المقابل أم أنه أمر يمكن حله أو تقريب حله من خلال النقاش الذي تتيحه "زيارة" الآخر؟ ألا يساعدنا على تكوين حججنا وتقويتها أن نفهم تحت تأثير أي إعلام يقع هذا المقابل؟"

الكاتب حسن حاتم المذكور، فعل ذلك بالضبط قبل فترة وجيزة (14) وقام بـ "المخاطرة" بزيارة "الآخر" فماذا وجد؟ اليكم مقتطف مما كتب: "قال احدهم " اذا دخلت الموصل ستخرج بلا رأس " وانا ابن الجنوب ملامح ولهجة , قررت التحدي فالعراقيون لا يقطعوا رؤوس العراقيين, وسافرت مع صديقي الموصلي الأستاذ الجامعي محمود حازم رشيد , وصلنا الموصل وكنت قررت الأقامة فيها يومين , فكان دفيء العائلة الكريمة للصديق محمود رشيد اغراني لللأقامة ستة ايام تقريباً , التقيت خلالها الكثير من الموصليين في الأسواق والمنتزهات واستضافني البعض من العوائل , ومع انهم يعلمون اني من الجنوب , ومن العمارة حصراً , تصرفوا معي كأهل كرماء , تحدثوا معي بصدق وحميمية وتناولوا هموم مدينتهم ومستقبل شبابهم وشعرت ان قلوبهم يؤلمها الخوف على وحدة العراق ومستقبل العراقيين , يمضغون القلق من ان يصبح العراق ضعيفاً في مواجهة التحديات , خارجية وداخلية , يؤكدون خوفهم على مستقبل العراقيين كأخوة وشركاء في هذا الوطن الجميل بجغرافيته وثرواته وبيئته وتاريخه الحضاري , " ما نحتاجه ان نتخلص من سؤ الفهم ونتسامح مع بعضنا بروح الصدق والمحبة وقبول الآخر , ونشكر اللـه خصنا بهذا الوطن المعطاء " .
...مثلما زرت الموصل , زرت قبلها مدن الأقليم الكوردي , كما زرت مسيحيي العراق في سهل نينوى, وكوني من الجنوب العراقي, توصلت الى قناعة راسخة , العراقيون اخوة متحابون لو تركوا كما هم , ولا يمكن لهم ان يكونوا غير ذلك , يتحدثون ويتفاهمون مع بعضهم بعيداً عن مفردات الأحقاد والكراهية التي يتمنطق بها السياسيون , ومثلما هو نجيفي الموصل , هناك نجيفي البصرة وبغداد , انهم مجندون لأفساد العلاقات العراقية العراقية , العراقيون لا يمكن لهم ان يجدوا امنهم واستقرارهم وازدهارهم من خارج بعضهم , الثغرات التي فتحت في جدار وحدتهم , حالات فرضت عليهم من خارجهم
...انه مشروع قديم جديد لأفساد الذات العراقية , وقطع اوردة التواصل التاريخي مع المنجزات الحضارية." (نهاية اقتباس المذكور)

وفي مقالة سابقة كتب شاكر حسن عن "بحث صادر من معهد نوبل للسلام  والذي يقع في العاصمة السويدية  أستكهولم والذي جاء  فيه  مايلي : ان اكثر من 70%  من المشاكل والصرعات والحروب التي تقع بين الافراد والمجموعات ترجع اسبابها الرئيسية الى سوء فهم  الطرف الاخر . وهذا بالضبط ما اكده احد ائمة المذهب الجعفري واعتقد انه الامام جعفر الصادق (ع) قبل اكثر من 1000 عام  حيث قال: .. لو تكاشفتم لما تباغضتم  .. (15)
وأنقل ما كتبه الزميل "منير أسد" في "عراق القانون" رداً على أحد المعلقين على مقالة له: "أخي سعد صبراً على أخوة الوطن فلعل الأمر معكوس في نظرهم و هم أيضاً لا يستطيعون العمل في مدينة الصدر و العمارة و غيرها... المهم ندعو الله عز و جل أن يلهمنا الطريق الصحيح لنصنع مستقبل أفضل لنا نحن العراقيين من زاخو لحد الفاو هذه أمانتنا ولك الرأي.." (16)

هذه الأصوات هي همسة الأمل التي بقيت للعراق، وليس أصوات الممجدين لأفضال الإحتلال وبراءة الموساد ودعاة العلاقة المتطورة مع أميركا وإسرائيل، والذين لا يسهمون إلا بالمزيد من تضليل الشعب عن أعدائه وتسهيل عملية تقديمه أضحية على مذبح بناء إمبراطوريتهم الجديدة رغم الف دليل على كذب مشروعهم.

إن ما يحدث اليوم في الأنبار يدق آخر أجراس الخطر والإنذار للعراق قبل أن يتحول إلى سوريا جديدة، بل أسوأ كثيراً من سوريا. فأعداء العراق يخترقونه بكل مؤسساته كما لم يكونوا قد اخترقوا سوريا قبل المؤامرة عليها. كان في سوريا حكومة واضحة وجيش واضح ومؤسسات واضحة ولها علاقات دبلوماسية حرة استندت عليها لصد المؤامرة، فماذا لدى العراق؟
مساحات كبيرة من الرمادي تعتبر ساقطة، جاءت داعش بكل أسلحتها بقدرة قادر من سوريا مخترقة مئات الكيلومترات من الطرقات المزروعة بالدوريات ونقاط التفتيش و بعد الهجوم العسكري عليها، ولا يعلم أحد كيف، ومن الذي ساعدها وكيف دخلت الفلوجة، وكل جهة لها قصة مختلفة عن هذا أيضاً! وفي المدينة برهنت داعش أنها تمتلك أسلحة جديدة وأموالاً ضخمة كانت قادرة على أن تدفع رواتب ليس فقط من ينتمي إليها وإنما من لم يستلم الرواتب من الموظفين في المدينة. يقدر عددهم ببضعة ألاف شخص اليوم، وهم يستعملون ذات التكتيك الذي استعملوه في سوريا بدعم ذات الخندق الأمريكي الإسرائيلي وأذياله من العرب: اختراق المدن خلسة والتحصن في بناياتها، حتى يستحيل إخراجهم من المدينة إلا بتدميرها، وبذلك يحققون الهدف الذي يقصده من دربهم وأرسلهم إلى العراق!

وفي هذه الأيام الصعبة الخطيرة، يزداد الإنقسام في المجتمع العراقي الذي لم يعد يرى دربه، ولا يجد قادة له في لحظة حاسمة من تاريخه، لا في الحكومة ولا في المجلس الوطني ولا في أية مؤسسة أخرى، فكل الجهات تكذب وتتصرف ككتل إنتخابية لصوصية لا يعنيها أي شيء آخر سوى السلطة والمال، والشعب يواجه الخطر الكبير وكل جزء منه يحتفظ بقصة مختلفة وصورة مختلفة عن العالم، ويغرق في وهم كبير يجعله ضحية سهلة، لا تستطيع إبداء أية مقاومة أمام المفترس القادم!

***

ملاحظة: لاحظنا أن مقالاتنا تحاصر في الفترة الأخيرة بطرق مختلفة ربما كتبنا عنها مستقبلاً. نرجو ممن يتفق معنا على فائدتها المساعدة في نشرها وكسر هذا الحصار، مشكوراً.


(1)المالكي يتعهد بحسم قضية الفلوجة.. ويدعو عشائرها إلى تحمل مسؤولياتهم في تحريرها
http://www.qanon302.net/news/security/2014/04/10/16285
(2) اعادة فتح مياه سدة الفلوجة على نهر الفرات
http://www.alsumaria.tv/news/97324
(3) فتح بوابتين من سدة الثرثار نتيجة ضغط قصف الجيش لمواقع داعش
http://www.qanon302.net/news/2014/04/07/16086
(4) الزاملي : قطع الماء عن نهر الفرات زوبعه اعلامية يراد منها كسب انتخابي
http://www.qanon302.net/news/2014/04/08/16154
(5) كتلة متحدون تتهم رسميا القوات العسكرية بالتقصير بحماية سد النعيمية
http://www.qanon302.net/news/politics/2014/04/09/16197
(6) المطلبي : معركة حزام بغداد "كذبة"
http://www.qanon302.net/news/2014/04/06/15920
(7) http://www.janubnews.com/razuna3/modules/news/article.php?storyid=2296
(8) http://www.albawwaba.net/news/79150
(9) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=9550
(10) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=13765
(11) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=7479
(12) http://baretly.net/index.php?topic=1685.0
(13)http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=4867
(14) حسن حاتم المذكور: الطائفيون على اشكالهم
http://www.qanon302.net/articles/2014/04/13/16487
(15) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=51203
(16) http://www.qanon302.net/vb/showthread.php?p=25719#post25719