«الفتاة التي أنقذت حياتي»... من مآسي الإيزيديين

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 21, 2017, 12:42:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

«الفتاة التي أنقذت حياتي»... من مآسي الإيزيديين   

      
برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم/الحياة/قيس قاسم

في زمن الحرب، أن ينقذ متطوع أو مصور حربي جريحاً من الموت أو يحمي هارباً من جحيمها أمر وارد، ولكن أن تنقذ فتاة إيزيدية مشردة مصوراً ومخرجاً كردياً جاء من السويد الى سنجار لتوثيق مآسي الهاربين من بطش «داعش» ففي القصة مفارقة صارخة، حاول المخرج هوغر هيروري «اللعب» عليها، والنفوذ منها الى المشهد التراجيدي العام.

أراد لعنوان فيلمه الوثائقي «الفتاة التي أنقذت حياتي» التعبير عن اختلاط المصائر ولا منطقية الحرب ويتيح من خلاله الفرصة لنفسه كي يكون مشاركاً «شخصياً» فيه، لا مراقباً محايداً، فما عاناه الإيزيديون على يد «داعش» من ويلات عاناه هو بنفسه على يد نظام البعث العراقي، يوم هجر أهله وقتل آلاف من شعبه الكردي في «أنفال».

هذه الإبادة الجماعية وذكرياتها الحزينة دفعت المخرج لترك السويد، وزوجته على أبواب الولادة، والذهاب الى كردستان لتوثيق المشهد بكاميرته. فيوم غادرها طفلاً مشرداً في جبالها ووديانها لم تكن معه وسيلة يكتب بها تجربته، أما هذه المرة فلا يريد إضاعة فرصة إدانة الجاني وتثبيت جرائمه بالصوت والصورة.

قصة الفتاة الإيزيدية حقيقية، فحين كان هوغر في طريقه الى جبل سنجار لتصوير المشردين والهاربين من «داعش» الى قممه رأى في طريقه فتاة تفترش الأرض وتحتمي من البرد تحت خزان مياه مهمل تحيطه القمامة. من توقفه بقربها وسؤالها تبيَّن له أن اسمها سعاد، عمرها 11 عاماً لا تعرف شيئاً عن عائلتها، تعاني من آلام مبرحة في معدتها مع صداع شديد. تركها ليكمل مهمته على أمل العودة اليها ثانية وتقديم المساعدة الممكنة لها. قراره الشخصي نابع كما روى من تقارب عمرها مع عمره يوم هُجر عام 1991 من قريته وهام في الجبال بحثاً عن الأمان.

مصادفات الحياة لعبت لعبتها، فبعد عودته من التصوير لم يجد الفتاة في مكانها فراح يسأل عنها وألغى لهذا السبب فكرة ذهابه الى جبل سنجار على متن طائرة هليكوبتر خصصت لإنقاذ الإيزيدين العالقين على قمته المتجمدة. سيسمع بعد فترة قصيرة خبر سقوط الطائرة وموت كل من على متنها. لقد أنقذت الفتاة الإيزيدية المسكينة ومن دون أن تدري المخرج الكردي، فقرر الأخير المضي في البحث عنها وتقديم الشكر لها.

رحلة البحث نقلت الوثائقي الى مستوى أوسع. فانتقالاته بين مخيمات الهاربين وسؤاله عن الفتاة عرضت أمامه مشهداً بانورامياً للمأساة. كل قصة منها تستحق التوثيق ولكثرتها أخذ عدداً منها، تكفي لعرض ما يعانيه شعب تعرض تاريخياً للإبادة أكثر من سبعين مرة وكانت الأخيرة من بين أبشعها على الأطلاق.

تسلسل الأحداث وتطورها ساعدا هوغر على تجنب اعادة ما أنجز عنها سينمائياً وتلفزيونياً. عودته بعد اخفاقه في العثور على سعاد، الى عائلته في السويد أواخر عام 2014 والبقاء قرب طفله، فرض عليه معاينة مختلفة لما بعد الحدث. سيرجع تحت الحاح فكرة إكمال مشروعه الى كردستان ثانية، فعدم العثور على سعاد كان يشيع في نفسه الإحباط. ينتقل الوثائقي الى مرحلة جديدة يوزع فيها صانعه حكايات الضحايا على مساحة أوسع. يقابل سميرة التي أضاعت زوجها ولم يمض على زواجها منه سوى يومين. يصور الظروف القاسية التي تعيش فيها العائلات الممزقة الأوصال بعد مرور زمن على الهروب الكبير. بين الأوحال والخيم الممزقة ينتقل المخرج، يصور ويحكي بلسانه مشاعره وانفعالاته. يلتقط القصص ويكثفها ولا يهمل السلبي منها. ففي الحروب ليس الجناة وحدهم من يضاعف الآلام بل أحياناً العادات والتقاليد. يساعد المخرج أماً كردية منعها مطلقها من رؤية أولادها. لم تيّأس وظلت تبحث عنهم حتى وجدهم. البحث عنهم سلط الضوء على الآثار الجانبية للفعل الهمجي. مغتصبات قررن التخلص من حياتهن هرباً من العار وعائلات لا تخفي خجلها من غياب بناتها في الطرف الثاني من الجبل، فرائس ضعيفة بين براثن عدو لا يرحم!

في جانب آخر، ينحو الوثائقي السويدي نحو الأمل والرغبة القوية في تجاوز المحن وعيش الحياة بكل ما فيها من مرارات. سيتوصل هوغر بعد جهد كبير الى الفتاة التي أنقذت حياته وسيقدم لها المساعدة الطبية للشفاء من مرضها، «الصرع» فهو لا يستنكف من تغليب المفرح على الحزين، فحب تقديم العون هو من أبقاه على قيد الحياة واصراره على الوصول الى منقذته هو من ساعد على نسج علاقات جديدة بينه وبين ناسه بعد طول غياب عنهم. سيعترف أن كل ما رواه وسجله لن يخفي رغبة الناس الحقيقية في عيش حياتهم، لهذا تابع مسار حياة سعاد بعد أشهر من تركه كردستان. وجدها في آخر زيارة له قد اكتسبت حيوية ودخلت المدرسة وهجرت عزلتها، بل أكثر من ذلك صرحت له برغبتها في امتلاك كاميرا مثله تسجل بها حياتها وحياة عائلتها وكل ما يحيط بهم.

في المشهد الأخير وقفت سعاد خلف الكاميرا تصور أخاها في فيلمها الأول وبكاميرا لها، فهذه المرة لن تمر جرائم «داعش» من دون توثيق ليُدينها التاريخ ويقول كلمته في شعب مثل غيره يستحق الحياة.