تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

غرس الكراهية بين ابناء الشعب ‏

بدء بواسطة متي اسو, سبتمبر 15, 2016, 09:03:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

متي اسو



غرس الكراهية بين ابناء الشعب ‏
رغم الصراع السياسي الدموي في عهد المرحوم عبد الكريم قاسم ، والذي قاده أبطال المؤامرات من عناصر ‏‏" الثورة المضادة " من رجعيين واسلاميين وبعثيين وقوميين ‏، رغم كل ذلك الصراع الدموي حافظت اللحمة ‏الاجتماعية على تماسكها ، كان العراقيون لا يزالوا عراقيين يعطف احدهم على الاخر ، وقد حافظوا على هذا ‏التماسك الاجتماعي حتى في عهد المرحوم عبد السلام عارف رغم " طائفيته " . ‏
في نهاية السبعينات ، خابرتني زميلة تعمل في قسم آخر في الوزارة وفي صوتها الكثير من الحماس وهي ‏تقول : " تعال لتشرب القهوة معي ، سأعطيك كتابا لتقرأه ولسوف تشكرني كثيرا بعد ذلك " ، أخرجتْ الكتاب ‏بحذر وهي نصف خائفة وكأنها توزّع منشورا سريّا ، استغربتُ لأن تلك الفتاة كانت تكره السياسة ولا تدعني  ‏اخوض في اي موضوع سياسي معها . الكتاب كان باللغة الانكليزية ، لكني إبتسمتُ لما رأيتُ اسم الكاتب ، ‏كان عنوان الكتاب " ‏Animal Farm ‎‏ " للكاتب جورج اورويل ، كنت قد قرأت آخر رواية لهذا الكاتب ‏بعنوان " 1984 " واعرف جيدا اتجهاته !! ... قلت لها وانا احاول جهد امكاني ان لا أقتل الحماس فيها : " ‏ماذا في الكتاب ؟ " ... أجابت : " هذا الكتاب بمثابة نبوءة ، كُتب في الاربعينيات ليصف لنا تمام الوصف ماذا ‏سيحدث للعراق في زمن البعث " ... بعد ان قرأتُ الكتاب ، حاولتُ عبثا  إفهام زميلتي من ان الكتاب ليس " ‏نبوءة " وانما الصدفة فقط  هي التي تجعل منه وكأنه يقصد الحكم الحالي . ، وجدتُ بعدها آخرين يحملون ‏نفس فكرة زميلتي عن الكتاب بعد ان وجدوا كيف ان الحيوانات ( في الرواية ) تم استعبادها وشق ‏صفّها  بما ‏يُشبه وضع الشعب العراقي وهو في مستنقع البعث ‏.‏
في الثمانيات جاءتنا موظفة جديدة ( تعيين جديد ) ، بعد مدة قصيرة قالت لي بأنها إبنة السياسي والكاتب ‏التقدمي المرحوم أدمون صبري ( أرجو من الصدفة ان تلعب دورها وتقرأ زميلتي هذا المقال لتتذكر ) . لم ‏أكن قد سمعت عن ابيها الذي قُتل في حادث سيارة في السبعينات كما قالت لي ( قدرا ، او عمدا ) ، جلبت لي ‏بعضا من كتبه بعنوان  " حكايات عن السلاطين " ، بعد قراءتي لتلك الكتب ، قلتُ لها : " اعتقد بأن موت ‏ابيك لم يكن حادثا " . هذه الكتب كانت فعلا بمثابة " نبوءة " لما قد يحدث للعراقيين  ، كان  قد كتبها المرحوم ‏بعد خروجه من السجن في نهاية الستينات قبل مجيء البعث في ثورته " الناصعة البياض " .‏
في إحدى قصصه بعنوان " نبوءة السلطان " ، تحكي لنا كيف ان السلطان قد لاحظ ان كبير وزرائه تنتابه ‏حالة من الاكتئاب الحاد كلما عاد من ايفاده الى الخارج ... كان على السلطان ذو الذكاء الحاد ان يعرف سبب ‏ذلك . حاول كبير وزرائه ان يتملّص من الاجابة عبثا ، وقبل ان يقول السبب ، شرع  في مدح السلطان وذكر ‏محاسنه لأنه كان يعلم ان المداهنة واجبة لتحميه من عواقب الصراحة الممنوعة في بلد السلطان . أخذ يسرد ‏للسلطان بنبرة فيها رجاء والتماس : " إن الناس في البلدان التي أزورها سعداء يتحدثون ويتناقشون كما يحلو ‏لهم ، لديهم كتاب ، لا أعرف اسمه ، يرجعون اليه كلما نشأ خلاف واختلط الحق بالباطل ، ذاك الكتاب هو ‏الفتوى ، وهو الذي يحدد مجال حكم السلطان ونهاية مدة حكمه وما يملكه . الناس هناك يمرحون ويشربون ‏الخمرة ، تجود قرائحهم وتتفتق عبقرياتهم فيبدعون في كل صناعة وفن . إضطررتُ أنا أيضا ان أكذب عليهم ‏وأقول ان الناس في بلدنا أيضا سعداء ويعيشون في بحبوحة ،  مستشفياتنا خالية من المرضى ، ومن الصعب ‏ان تعثر على أمي جاهل بيننا . تنتابني التعاسة وانا اردد الكذب دائما . اسألك ايها السلطان العظيم ان تبادر ‏الى التنفيس عن كرب التاس لترسم ابتسامة على وجوههم "‏
إرتسم  الغضب الرهيب على محيا السلطان ، وبّخ كبير وزرائه مذكرا اياه بـ " المكارم  والمزايا " التي ‏أسبغها عليه ، ثم قال له : " إذا منحنا الناس ما يريدون فانهم سوف يتبطرون وينتقدون ويطمعون بالمزيد ، ‏كان عليك ان تموت قبل ان تقترح ذلك ، ولكي اثبت لك ان شعبي " قانع " مهما قلتُ أو فعلتُ ، فبعد ثلاثة ‏أشهر تحل ذكرى عيد ميلادي ، ستخرج مواكب الناس تهتف لي بالعمر المديد ، وخلال ذلك سوف أزيد ‏الضرائب وأسلب من كل ذي نعلين نعلا  ، وسوف يقبلون " .‏
جهّز السلطان جيشين ، جيش القتال وجيش اللسان ، ووزع عليهم الرتب والكساوي .  شرع جيش القتال بتنفيذ ‏اوامره المُطاعة المباركة في فرض زيادة الضريبة وانتزاع فردة النعال من كل فرد في الرعيّة ويا للويل لمن ‏يتذمّر ، إقتحموا البيوت وترصّدوا الناس في الشوارع والازقة ، أما جيش اللسان الذي ضمّ المنافقين ‏والثرثارين وبض الشعراء ، فقد خرج يمجّد السلطان ويدعو له بالنصر والسؤدد ، يصفونه بالعظيم والمفكر ‏والمدبر والساهر العارف بملته ، أجادوا في خلق التبريرات ، وربما ذكروا الفوائد الطبية والاخلاقية عندما ‏يمشي الشعب حافيا ، او أعرجا وهو بفردة حذاء واحدة ... تقبّلت الناس ذلك  مثل سابقاتها ، خاصة بعد ان ‏سمعوا من ان بعض الخونة المشاغبين ، من الذين ارادوا زرع الفتنة وتشويش الافكار وزحزحة ايمان الناس ‏بسلطانهم العظيم قد نالوا جزائهم العادل في غياهب السجون ، حيث سُملت عيونهم وبُقرت بطونهم .‏
عندما دنا عيد ميلاد السلطان ثانية أوعز للمتكلمين ان يرفعوا إلتماسا يرجونه منح مكرمة  " اعادة فردة ‏النعال " ... وهو المشهور بالفضل والمروءة ، وافق السلطان الرؤوف على الطلب ، ووقف على شباك قصره ‏العامر ليشاهد سلوك شعبه وهو يستلم المكرمة .‏
إندفع الناس الى تل فردات النعال ينقبون وينبشون متدافعين متزاحمين ، فنشبت بينهم معارك وتدفّق السباب ‏فيما بينهم ، رُكل الاطفال وأُهينت النساء ، ونهب الاقوياء نعال الضعفاء فخرج المنتعل من غير نعال ، ‏تهاوشوا وتضاربوا وتجاذبوا بالنواصي والاقدام ، وفي غمرة إقتتال الناس على فردات نعالهم وتهافتهم ‏وتصارعهم وانهدار معالم آدميتهم ، أحضر السلطان كبير وزرائه ليشهد كيف يُسيّر الشعب العظيم .‏
يقال بأن بعض السذج تهامسوا فيما بينهم وقالوا ان على السلطان العظيم ان يكمل جميله ويلغي بلوى  زيادة ‏الضرائب ، والله لا يضيع اجر المحسنين . إمتدّت أيادي غليضة رهيبة خفية وأمسكت بأعناق اولئك الهامسين ‏وذهبت بهم الى حيث لا يدري أحد . لقد قالوا ما ليس ينبغي ان يُقال ، وفكروا بالمحذور والممنوع .‏
فكرّتُ طويلا بالازمات المستمرة التي كانت تعصف بالبلاد ، يوم جديد وازمة جديدة ، مواد غذائية ، غاز ، ‏نفط ابيض ، بنزين ، ازمة النقل وانا اشاهد بأم عيني التدافع الغير الانساني الذي يطيح بالنساء من اجل ‏الصعود الى باص النقل للذهاب الى العمل او المدرسة ، ازمة السكن .... الناس تشتم بعضها البعض ، وقد ‏يبلغ الحنق بأحدهم فيقول : " هذا الشعب يستحق ما يناله " .‏