أميركا والناتو في العراق - تدريب عسكري أخلاقي أم اختراق إرهابي؟ - الجزء الثاني

بدء بواسطة صائب خليل, يوليو 04, 2013, 06:12:20 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

بشكل خاص في الظروف المعقدة التي تحيطنا اليوم من كل جانب، يحتاج المرء إلى نظرة عامة، أو نظرية، تحدد الخطوط العريضة يرى من خلالها مكان التفاصيل والأشياء الصغيرة ويتمكن من جمعها في صورة قابلة للفهم. وعلى سلامة هذه النظرة تعتمد سلامة رؤيته للعالم، ولكل إنسان نظرته أو نظريته العامة والخطوط التي يراها "عريضة"، سواء وعى ذلك أم لم يفعل. النظرية التي اتبعها، والمستندة إلى قراءاتي وتحليلي للاخبار وجهود إدامتي للحقائق الهامة وحمايتها من التلف بفعل التأثير الإعلامي والنسيان، هي أن لأميركا أجندة تخريبية في العراق خاصة، وفي المنطقة والعالم عامة. الأجندة التخريبية الأمريكية لا تنبع من "شر" الشعب الأمريكي، لأنه ليس شريراً، لكن من دور أميركا وإداراتها واصحاب السلطات المختلفة فيها، في الصراع الإقتصادي والرغبة في الإمساك بالعالم كأصحاب قوة عظمى واحدة، وبأقصى إحكام ممكن.
تفسيري لأجندة التخريب الخاصة بالعراق ينبع أيضاً من حقيقة الضيق الإقتصادي الأمريكي المتزايد أولاً، وأهم منه الإرتباط الكاثوليكي بإسرائيل ثانياً. ببساطة لأن خروج العراق كبلد حقيقي قوي ومتحضر، يعتز بنفسه وبشعبه ويحترم عروبته وإنسانيته سيجعل منه حجر عثرة أمام أجندات إسرائيل العدوانية والعنصرية في المنطقة، وهذا آخر ما تفكر إسرائيل وبالتالي أميركا، ان تسمح به. ولا يمكن إقناعها بذلك مهما بذل قادة البلد من جهد أو انبطاح، ومهما وعدوها أن الشعب العراقي سيرضخ لمذلة تبعيتها ليصبح "صديقاً"، فهي تعلم جيداً من تجاربها السابقة المريرة مع الشعوب الأخرى ان ذلك لا يتحقق إلا بوضع كل القيود الممكنة في رقبة ذلك الشعب.

ولو راجعنا التصرف الأمريكي مع العراق، وهو ما لايتسع المجال هنا له، لوجدنا ألاف الأدلة والعلامات على هذا التوجه، نذكر منها بشكل سريع وعام، تنصيب الإرهابي نيكروبونتي كأول سفير في العراق، وتعيين بريمر، وهو لص وخبير إرهاب، مسؤول أمريكي أعلى في البلاد، وتعيين مدربي القوات الأمنية من أمثال الإنسان الوحش "ستيل" ومجموعة زملائه التي تدربت على الإرهاب معه في أميركا الوسطى في الثمانينات، التي أغرقت تلك البلدان في إرهاب مشابه تماماً للإرهاب في العراق وأساليبه. وهؤلاء استلموا مع قيادات الناتو الدوليين الذين يخشون الإنتقال في بعض دول اوروبا خشية القاء القبض عليهم، تكوين القوات العراقية وخاصة السوات التي مازال العراق يتحدث عن جريمتها بقتل المدرب محمد جاسم بألم. ولا ننسى البريطانيين الذين أمسكا متلبسين بالتهيئة لعملية تفجير انتحارية في حسينية في البصرة عام 2005، ومئات الشكاوى من دعم الأمريكان للقاعدة وتمكينها من الإفلات وشكاوى الشرطة العراقية من إطلاق الإرهابيين بعد تسليمهم للأمريكان، إلى عدد ملفت للنظر من الجرائم الإرهابية التي ارتكبها من خرج قبل فترة من السجون الأمريكية، وغيرها كثير لا يحضرني، وسأكتفي بالفقرة التالية ببعض تلك المعلومات التي نشرتها مؤخراً في مقالتين لي. المعلومات التي في المقالتين خطيرة الأهمية، لكنها لم تعط الإهتمام الكافي، لأن كل من السنة والشيعة يركز على نفسه كضحية فقط، ويرفض أي حديث عن شيء آخر، ويرفض أن يصدق أن هناك طرفاً من طائفته يشارك في قتل الطائفة الأخرى، مثلما يشارك أطراف من الطائفة الأخرى في قتل طائفته، والخطة واضحة ومفهومة، والأدلة عليها كثيرة، ومن أهمها ما جاء في المقالتين المذكورتين والتي أقتبس منها بعض الأجزاء أدناه.

لقد تم تثبيت الفكرة لدى الشيعة بأن من يقوم بقتل أبنائهم هم السنة من خلال عصابات القاعدة، والتي تحظى بدعم (علني أحياناً) من المناطق السنية والدول السنية. لكن الواقع غير ذلك، وهذا الدعم وهمي إلا في حالات نادرة. وقد اشتبك السنة والقاعدة بصراع مرير، وهو ما يبرهن أن هناك ضغوطاً لتثبيت هذه الصورة عن السنة. وقد لعبت الإختراقات الأمريكية لقيادات السنة وتجنيدهم أما للتصريح بما يدعم هذه الصورة، أو حتى ربما القيام بعمليات إرهابية، دوراً أساسياً في تثبيت هذه الصورة. كذلك نلاحظ أن جميع جهات الإفتاء السنية تقع في دول ذات حكومات عريقة وقديمة في عمالتها لأميركا. وبالتالي فمن المنطقي جداً أن تلك المؤسسات تم تصفيتها لتشابه هؤلاء الحكام وتنفذ الوصايا الأمريكية، سواء بشكل تعليمات مباشرة، أو بإثارة بعض الحمقى منهم ورفع شأنهم ليصبحوا عملاء متطوعين للمشروع الأمريكي. وقد يسأل سائل: وهل جميع الدول العربية السنية تحت حكومات عميلة؟ للأسف ليس لدي جواب عن هذا سوى: نعم! هذا هو واقع الحال، ورغم ذلك فلا حكومات هذه الدول ولا جهات إفتائها ولا إعلامها يمثل إرادة شعبها. إضافة إلى ذلك فقد تعرض هذا الشعب نفسه إلى ضغط إعلامي شديد ولزمن طويل وبدأت اعداد كبيرة منه بتقمص الروح الطائفية المبثوثة فيه، والقيام ببثها بنفسها تطوعاً!

على الجانب الشيعي، أشير إلى ما جاء في مقالتي " القاعدة لقتل الشيعة وفرق الموت للسنة" (1) وتحت عنوان "وحدات مغاوير بقيادات شيعية وأخرى سنية" كتبت مستشهداً ببعض الباحثين الغربيين:
فـ "يلاحظ بيتر بومونت من الاوبزرفر البريطانية " الحصانة الاستئنائية التي تتم بها عمليات الخطف والقتل" . ويشير إلى روايات للناس تصف الخاطفين وامتلاكهم الأجهزةِ الأجنبيةِ غالية الثمن التي تزود بها قوّاتِ الأمن، مثل سيارات تويوتا لاند كروز ومسدسات كلوك(Glock) عيار 9 مليمترَ. وهو ما يثير الشكوك بأنها تابعة لقوات سوات المعروفة بتسلحها الممتاز وسياراتها الخاصة.

"وينتبه ماكس فولر إلى تقسيم الجهد الإرهابي بين مختص بالشيعة وآخر بالسنة" ، فيشير إلى فترة بدء عمليات فرقِ الموت في 2005، وتواجد شهود عيان أحياناً بأن الضحايا تم اعتقالهم مِن قِبل قوّاتِ الأمن في بيوتهم او في المساجد. وأحياناً يتم القضاء على بعض الشهود كما حدث لمراسل شبكة النايت رايدر "ياسر الصالحي" الذي كتب حول الموضوع وبعد نشر اخر مقالة له بثلاثة ايام اغتيل بيد قناص أمريكي عند نقطة تفتيش (27 حزيرانِ 2005)، حسب فوللر.

التغطية الاعلامية والتركيز على شيعية الحكومة

مثلما ركز الإعلام الأمريكي على "سنية" القاعدة وارتباطها بالمناطق السنية والدول السنية ، تقصد التركيز أيضاً على "شيعية" القوات الحكومية العراقية، والتي تقوم بإرهاب المواطنين السنة. ويرى فوللر أن تركيز الإعلام على حقائق طائفية الوحدات الحكومية، ذر للرماد في العيون يخفي وراءه المسؤولية الأمريكية عنها، فيقول:
"اهم ما في التغطية الاعلامية ، هو التركيز بشكل او باّخر، بأنّ الحكومةَ ووزارةَ داخلية والشرطةَ هم بالكامل تحت السيطرةِ الطائفية الشيعبة." ... "فمنذ حكومة الجعفري, بدأت جوقة الاعلام الرئيسية تعزف على نغمة سقوط السلطة في العراق بأيدي الاغلبية الشيعية، وبشكل خاص أن وزارة الداخلية وقوات الأمن أضحتا تحت سيطرة المجلس الأعلى وبان فيلق بدر يستحوذ الآن على سلطة هائلة داخل الوزارة.
وقد تم إشعار السنة بذلك من خلال الأعمال الإرهابية."
ويقول سنان صلاح الدين من الاسوشيتد بريسِ، "ان الإكتشافات المروعة أقنعتْ السُنّة بأنَّ المسلمين الشيعةَ الذين يُسيطرونَ على الحكومةِ ووزارةِ الداخلية يَشْنّون وبهدوء، حملة قاتلة ضدّهم".
   
   يؤكد فولر: "من الواضح اذن ان الغاية من الحديث او التلميح بان ميليشيات مبهمة تقوم باعمال الإعدامات والنزاعات الطائفية ووضع اللوم كله على السيطرة الشيعية على وزارة الداخلية. والهدف في الواقع هو ابعاد التهمة عن الولايات المتحدة حول تلك الجرائم الفظيعة.
وقد استخدمت الولايات المتحدة استراتيجيات تظليل مماثلة في كل صراعاتها ضد التمردات التي شاركت فيها في الماضي، بجعل الآخرين ينفذون خططها لتبدو هي بريئة ولا يمكن إثبات شيء ضدها، وهي ما سمي بسياسة: "الانكار بمصداقية" (plausible deniability).
وفي حالة العراق تحديدا فان استراتيجية التظليل هذه مصممة ليس فقط للتستر على المدبرين الحقيقيين لجرائم الابادة هذه وإنكارها "بمصداقية" كما جرت العادة في البلدان الأخرى، وإنما صممت أيضاً لخلق الإنقسامات الطائفية من خلالها. فالجرائم تثير الطائفية، والطائفية تخفي الفاعل الحقيقي وراء الجرائم بتحميلها المسؤولية! ويؤكد فولر أن "الأمر المهم في مغاوير الشرطة" ليس طائفتها، وإنما حقيقة "انها تشكلت برعايةِ واشراف الأيادي المجرّبةِ للمقاتلين المخضرمين من قوات مكافحةِ التمرّد الأمريكيينِ".

ولكن لماذا لا تسعى القوات الحكومية إلى إخفاء هويتها عند ارتكابها جرائمها؟ ألا يمكن أن تكون من جهة أخرى تريد الإساءة إلى الحكومة؟ المشكلة في هذه النظرية أن السنة شهدوا بأن تلك العصابات كانت ترتكب جرائمها وتمر من نقاط التفتيش الحكومية بدون أية إعاقة أو تأخير، مما يبرهن وجود التنسيق بينهما وأن العصابات جزء من تلك القوات الحكومية. وحقيقة أنها لم تسع لإخفاء هويتها الحكومية يؤكد أن من يديرها يريد الإساءة إلى الحكومة! فهذا اللغز عن "قوات حكومية تريد الإساءة إلى الحكومة" هو الفكرة الأساسية التي يحاول فوللر وبومونت وغيرهما تفسيرها، بالسعي لإثارة الطائفية مع "الإنكار بمصداقية"، فالسنة يرون أن العصابات من القوات الحكومية، وقام الإعلام بالتركيز على أن الحكومة وخاصة الداخلية، تمثل الشيعة، وبالتالي يقوم الضحية بالربط بنفسه بين تلك الحقائق ويستنتج أن الشيعة يريدون القضاء على السنة! وليس من السهولة إقناع هذا السني بأن الأمريكان وراء الموضوع، لأنه يتعامل مع عراقيين تابعين للحكومة بشكل واضح، ويقومون باختطاف وتعذيب وقتل أهله!

لقد اشتكى الكثير من السنة من تصرف هذه القوات، وكان بإمكان الحكومة التحقق من بعض الشكاوي بكل سهولة لو ارادت. لكن الحكومة للأسف، ولسبب مجهول، لا تبدو راغبة بالتحرش بهؤلاء. كما أن قضايا الإرهابين الذين يلقى القبض عليهم تنتهي دائماً دون نتيجة مقنعة حيث تنقطع سلسلة الإعترافات بشكل غير معقول، وتدفن القضايا في النسيان. ونحن لم نر حتى اليوم من هو الذي اطلق النار من الجيش على متظاهري الفلوجة رغم خطورة عمله المضاد للحكومة قبل المتظاهرين، ورغم أن لجنة مشتركة أكدت أنه من الجيش، وقد تم تصويره، فهل أن الإرهاب عميق ومتجذر ويصل إلى اعلى القمم الحكومية بحيث لا يجرؤ الشرفاء في الحكومة على كشفها؟ ليس عندي تفسير آخر للأسف.

وفي وثيقة أخرى جديدة من إنتاج مشترك للبي بي سي والكارديان،(2) نكتشف طريقة أخرى للعمل الإرهابي الأمريكي، وهو تكوين وحدات كوماندوز مختلطة من الشيعة، بقيادات سنية، تقوم بتعذيب "المتمردين" العراقيين وانتزاع الإعترافات منهم. ويتكون أفرادها بشكل رئيسي من ميليشيات منتقاة من قوات بدر السابقة، وبقيادات سنية من بقايا النظام السابق. وقد كتبت حول هذه الوثيقة مقالتي :"وحوش أمريكية في العراق – وثيقة جديدة تكشف مصدر جرائم الطائفية والإرهاب".(3)

الشخصية الأمريكية المحورية في الفلم الوثائقي هو جيمس ستيل، المخضرم في ما يسمى بالحروب القذرة ضد المتمردين، الثائرين على الحكومات الإرهابية التي نصبتها الولايات المتحدة، في فيتنام وأميركا الوسطى والجنوبية في فترات مختلفة. يظهر في الفلم صحفيون أمريكان قدموا إثباتات دامغة على اطلاع المسؤولين الأمريكان على عمليات التعذيب التي كان تقام في الوحدات التي أسسوها، وشاهدوا بأنفسهم الدماء في مكاتبهم! وأكد ذلك ضابط المخابرات السابق منتظر السامرائي، وكذلك الجلاد عدنان ثابت الذي قال: "لحد ما طلعت، كان الأمريكان يعلمون بكل شيء كنت أقوم به. كانوا يعلمون بما يجري في عمليات التحقيق، ويعرفون المعتقلين." وتبين الوثيقة المصورة أن بترايوس كان ايضاً على اطلاع تام على التعذيب، وأنه اعترض على ظهور ضحاياه في التلفزيون العراقي لكنه لم يعترض على التعذيب نفسه.

وكان ستيل ضمن من اوفدتهم الولايات المتحدة إلى العراق للإشراف على كوماندوز الشرطة الخاصة العراقية، وعلى عمليات التجسس وجمع المعلومات، وغالباً بتعذيب الموقوفين. وعمل ستيل كخبير في محاربة المتمردين في السلفادور للفترة 1984 - 1986 حين ادخلها أنقلاب أمريكي في حرب أهلية، ورأس فريق المستشارين للقوات الخاصة الأمريكية مع القوات الحكومية التي اشتهرت فيما بعد بتكوين فرق الموت وجرائمها البشعة. وقد تورط ستيل في ما سمي بـ فضيحة  إيران – كونترا التي دعم فيها إرهابيي الكونترا في نيكاراغوا، لإسقاط حكومة الساندنيستا اليسارية المنتخبة بقيادة دانييل أورتيكا، وأدين بالكذب في الكونغرس في تلك القضية.

في الحلقة الأولى من المقالة نقلت عن أعضاء نادي كربلاء قولهم بأن (سوات) "لا تعرف معنى القانون ولا كيفية تطبيقه مثلما لا تفقه كيفية التعامل مع المواطنين". والحقيقة أن لذلك أسبابه التاريخية. ففي الفلم الوثائق المذكور أعلاه قال مستشار أمريكي أنه جرى تبديل اتجاه تدريب الشرطة بأوامر مباشرة من رامسفيلد إلى "الإشتباك العسكري" بدلاً من "حفظ القانون"، وأنه من أجل ذلك تم التخلص من رئيس شرطة بغداد أحمد كاظم بإعطائه منصباً في الأمم المتحدة في نيويورك وتم إيصاله مخفوراً مع حرسه الشخصي إلى المطار!

أثارت وثيقة البي بي سي والكارديان ردود أفعال قوية على الصعيد الدولي. (4) فقال مدير منظمة "ريبريفيه" القانونية  : "إن هذا الكشف الجديد للإساءة إلى حقوق الإنسان، يثبت أن التعذيب منهجي متجذر في السياسة الخارجية الأمريكية. إنها أعمال مرتكبة عن عمد و تم تأسيسها في أعلى النظام الأمني الأمريكي" .

كل هذه الحقائق التي أجهد على حفظها من النسيان، شكلت نظريتي في أن أميركا كنظام وليس كشعب، عدو مقسم منذ البداية على تدمير العراق، ويجب أن يفهم بهذا الشكل وأن يتم تجنبه قدر الإمكان! إن نظرة  إلى الألغام التي زرعوها في كل ركن في العراق تكفي وحدها للبرهنة على نواياهم. أنظروا كم لغم زرعوا في الدستور، من خلال التحالف الكردستاني وبعض عملائهم في "العراقية" كما كشف كالبريث لاحقاً، أنظروا الغام العلاقة مع الإقليم، الذي يسيطر عليه مجموعة لصوص "متعلمة" ويتحول إلى دولة معادية متسلطة على الدولة يوماً بعد يوم. إنظروا إلى الغام البرلمان، والغام القضاء الذي دربوه وشكلوه وأنظرو قوانين المؤسسات المستقلة مثل المفوضية العامة للإنتخابات والسافل الذي وجدوه ليرأسها، وقانون البنك المركزي الذي يضع أموال العراق جاهزة للنهب رهن إشارة منظومتهم المالية الرهيبة، وأنظروا إلى رهن الإستيراد العراقي بشرط موافقة بنك جي بي موركان الأمريكي، ذو التاريخ الطويل المتشح بالفضائح، وأنظروا إلى نظام المفتش العام الذي مهمته شل الوزارات تماماً عن إنجاز أي عمل، وأنظروا أخيراً إلى "فشل"(مخطط؟) القوات التي دربوها في "القضاء" على الإرهاب، فهل هناك حاجة إلى المزيد من الأدلة؟ لا بأس ، لنستمر إذن:

من الذي اختاره الأمريكان لقيادة أول حكومة في البلاد؟ من أسموه بأنفسهم "سافلنا"! أكثر إنسان وضاعة تمكنت أرض العراق من إنجابه حتى الآن، ولا يختلف عن صدام حسين إلا في انبطاحه التام وبلاهته ونزقه وكسله. هل يجدون خيراً ممن يرسل للأمم المتحدة أن تترك بلاده تحت رحمة محتليها دون تدخل؟ هل فعل هذا الذي اختاروه لنا، شيئاً للعراق سوى إعادة أكبر عدد من جلادي الأمن الصداميين إلى مراكزهم، وخلق المشاكل الكبرى مثل رشوته التي أعطت كردستان مرة ونصف بقدر استحقاقها السكاني من خزينة الدولة ومن مقاعد البرلمان ومناصب الحكومة وكل شيء، عدا التهريب والسرقات وكمارك الحدود وغيرها. لست هنا بصدد تكرار موقفي من علاوي أو كردستان، إنما لأقول: هذا هو من أختاره الأمريكان كأول رئيس حكومة للشعب "الصديق" الذي "حرروه" مثلما اختاروا نيكروبونتي كسفير أول، ليؤسس الإرهاب فيه. لقد أرادوا صداماً ثانياً بعد أن احترق صدامهم الأول في المهام القذرة التي كلفوه بها، ومثلما اختاروا لإيران الشاه، ولأندونيسيا سوهارتو ولنيكاراغوا سوموزا ولتشيلي بينوشيت، إختاروا للعراق صدام ثم أياد علاوي. وفي زمن أياد علاوي كانت إنطلاقة الفساد الأعظم والفضائح الأعظم، وكان تأسيس "السوات" أيضاً! دربوها في مؤسساتهم العسكرية الإرهابية المشبوهة مثل "مدرسة الأمريكان"(5) التي اضطروا لاحقاً لتغيير إسمها بعد الفضائح المتتالية للعناصر التي تدربت فيها، حيث قال السيناتور الراحل كندي: "أن جميع الدكتاتوريات في أميركا الوسطى والجنوبية، هم من خريجي هذه المدرسة"! ... أكرر "جميع"!
هؤلاء هم من يصنع الإرهاب ليس في العراق وحده بل في العالم، وليس من يدرب على محاربته! يجب أن يدرك الشعب العراقي ذلك قبل فوات الأوان.
هذه سوريا أمامكم مع إرهابييها وطائفيتهم المثيرة للإشمئزاز، والذين لم يكتفوا بتمزيق البلاد، بل هددوا العراق بكل صراحة! ماهو موقف أميركا من هذا الدمار؟ ليخبرنا السيد المالكي، ما الذي طلبه منه جون كيري في زيارته الأخيرة؟(6)

هل تباحث "صديقنا" كيري مع المالكي حول طرق مساعدة أميركا للعراق لمحاربة القاعدة التي تهدده من سوريا والتي قال المالكي "أن ما يجري فيها قد يفجر حربا داخلية في العراق"؟(7)
لنسأل عضو التحالف الوطني العراقي عصام كاظم الفيلي الذي قال حينها بأن الزيارة كانت "محاولة ترهيب الحكومة العراقية" وأنها جزء من مهمة أوباما "بإعادة التحالف التركي الاسرائيلي" وإشراك الأردن في الحرب على سوريا، وأن الإدارة الأمريكية تعتبر العراق "إحدى الولايات الأمريكية التابعة لها". وهي تحاول "أن تفتح جبهة أخرى ضد سوريا" من العراق. (8)
هل هذه اجندة تريد الخير للعراق أم تريد له الكوارث؟ هل يحارب مثل هؤلاء القاعدة، أم يسعون لدعمها؟ لماذا؟ ببساطة لأنها قاعدتهم، لأنها صناعتهم، لأنها حقيقتهم التي لا يمكن المراوغة عنها دائماً!! إنهم لم يكتفوا بصنع القاعدة في أفغانستان ثم العراق ثم ليبيا ودعموها بكل الطرق، بل يأتون الآن إلى ضحاياها ليطالبوهم بأن يشاركوا في دعمها! فكيف نأتمن هؤلاء على قواتنا الأمنية؟ هل من شك أنه إن رفض المالكي الإستجابة لهذا الإبتزاز، وقد فعل كما يبدو، بأنهم لا يحوكون الآن المؤامرات لإستبداله بمن سوف يقبل فوراً في المرة القادمة؟ وكيف يفعلون ذلك خيراً من الإستعانة بقوات الأمن العراقية التي يجندونها، ليخيروا رئيس أية حكومة قادمة، بين قبره أو التنازل عن شرفه!

طرح البعض علي سؤالاً : وماذا نفعل إذن؟ هل نترك قواتنا بلا تدريب؟ وكأن التدريب أقتصر على اميركا وإسرائيل، وأن جميع دول العالم فاشلة إلا هاتين! لم لا يكون المدربون من دولة حيادية في مشاكلنا، مثل الصين أو البرازيل مثلاً؟ ولكن السؤال الأهم هو "هل حقاً قواتنا بحاجة للتدريب، وما نوعه؟" لنفهم إن كان الناتو هو الأنسب له. أن هذا ا لسؤال لا يطرح أبداً. والحقيقة هي أن قوات الأمن العراقية بعد عشرة سنين من صرف مئات الملايين كل عام، يفترض ليست بحاجة إلى تدريب خارجي، وأن صار فيها مدربيها من ضمنها. هذا المدرب "تومسون" في هذه المقالة النشورة عام 2010 يقول: "عندما سنذهب، فأن هؤلاء الشباب سيتكفلون بتدريب الأجيال  المستقبلية من السوات في العراق"! (9)
إذن ليس هناك حاجة عراقية للمزيد من التدريب، وكل قصة التدريب كذبة يتم التطبيل لها بالإعلام الأمريكي، بل هناك حاجة للناتو، لكسب بضعة مئات من الدولارات الأخرى، وهو يعاني من ضائقة اقتصادية، ولتجنيد المزيد من العملاء! لم يعد هناك ما يضاف من أدلة، ولم يعد العقل بحاجة إلى المزيد منها، فما ينقصه هو الشجاعة لقراءة الادلة التي أمامه. الشجاعة اللازمة لمواجهة حقيقة صعبة ومخيفة، وهي: أن أعظم قوة في العالم تريد تحطيمك! لكن لا شيء مخيف أكثر، من أن نتجاهل الحقائق المخيفة، فنحس بها تطاردنا، وتهمس وراء ظهورنا كالأشباح دون أن نجرؤ على الإلتفات إليها! إن نتيجة هذا الهرب المتتالي من الحقائق الصعبة، ستكون كارثية على هذا البلد إن استمرت.
لا يوجد كائن حي يستطيع البقاء على قيد الحياة استناداً إلى تجاهل الحقائق التي تزعجه، والعراق ليس سوى كائن حي، كائن مهدد بالإنقراض على أيدينا، نحن أبناءه، فلننتبه لما نسلطه عليه من تدمير، قبل فوات الأوان!

(1) صائب خليل: القاعدة لقتل الشيعة وفرق الموت للسنة
http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/26p07.htm
(2) Pentagon investigating link between US military and torture centres in Iraq
http://www.guardian.co.uk/world/2013/mar/07/pentagon-investigating-link-military-torture
(3) وحوش أمريكية في العراق – وثيقة جديدة تكشف مصدر جرائم الطائفية والإرهاب
http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/11p002.htm
(4)  المقرر الخاص في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، يدعو إلى التحقيق في جرائم فترة ولاية بوش
http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2013/mar/07/reconciliation-iraq-impossible-us-truth-dirty-war
(5) School of the Americas: School of Assassins
http://www.informationclearinghouse.info/article13436.htm
(6) كيري يعتبر الطائرات الايرانية المتجهة لسوريا مشكلة
http://www.alalam.ir/news/1458123
(7) المالكي يعتبر أن ما يجري فيسوريا قد يفجر حربا داخلية في العراق
http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=158469
(8) اميركا تحاول فتح جبهة جديدة على سوريا من العراق
http://www.alalam.ir/news/1458270
(9) Iraqi SWAT teams learn to train own
http://www.supportourtroops.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=4104815

روابط إضافية متعلقة

(10) المقالة السابقة للكاتب: فرق الموت الأمريكية في العراق - الحقائق صعبة الهضم
http://www.neinawa2.com/news3/news.php?action=view&id=1374
(11) صائب خليل:  فرق الموت الأمريكية في العراق - الحقائق صعبة الهظم
http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/21p07.htm
(12) ماكس فوللر: For Iraq, "The Salvador Option" Becomes Reality
http://globalresearch.ca/articles/FUL506A.html
(13) فيديو: James Steele: America's mystery man in Iraq
http://www.guardian.co.uk/world/video/2013/mar/06/james-steele-america-iraq-video
(14) تحقيق بريطاني يكشف عن دور القادة الامريكيين بانشاء مراكز التعذيب العراقية
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C07qpt399.htm&arc=data%5C2013%5C03%5C03-07%5C07qpt399.htm
(15) الكاتب الأمريكي ماكس فولر "الخيار السلفادوري أصبح حقيقة في العراق"
http://globalresearch.ca/articles/FUL506A.html