مشاكســــة وداعـــــا... ايهـــا الراحـــل بصمــــت/ مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مارس 19, 2015, 09:37:07 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكســــة
وداعـــــا...
ايهـــا الراحـــل بصمــــت



المرحوم جوان علي محمد شرف (جوان ميراني)

برطلي . نت / بريد الموقع

مال اللـــــه فــــرج
Malalah_faraj@yahoo>com

جوان، يا جوان، لماذا فجأة اتسعت المسافات بيننا ؟ وابتلعك المدى، وتركتني يا صديقي اصرخ حزينا ملتاعا، (جواااااااااااااااااااااااان)، فتذهب صرخاتي سدى، ويرتد خائبا الي الصدى.
جوان، ايها (الــ ... جـوان) في كل شيء، ايها الصديق الذي ما تبرم يوما من الحياة ومصاعبها، التي ما أناءت أثقالها ظهره، ولا من الصداقة الحقيقية وتضحياتها، وما غضب أو زعل أو اشتكى، وربما كان في اعماقه قد التف بوجعه بصمت الف مرة وبكى، ورغم انك قد آلمتني وأحزنتني وابكيتني برحيلك دون وداع، انماغيابك المفاجئ يا صديقي أوجعني اكثر من أمر وداع.
جوان، يا جوان، كيف سأنظر الى مكتبك الخالي الذي يبكي غيابك ولا تدمع عيناي؟ وكم سانتظرك ايام السبت والاحد والاثنين من كل اسبوع وانت تحمل علبة سكائرك مطلا برأسك من باب مكتبي وعلى وجهك الوديع ابتسامتك المحببة لتسألني بمحبتك وأدبك الجم (حان وقت التدخين، هل نذهب لندخن سيكارة يا ابا اسيل؟)، وكم كان طعم تلك السكائر لذيذا ونحن بين حلقات الدخان نتبادل احاديثنا الودية وطرائفنا البريئة وغير البريئة أحيانا، لنقهقه ضاحكين ونتناسى لدقائق ظروفنا الصعبة وربما مشاكلنا واوجاعنا في لحظات الصداقة الحقيقية الحميمة والتمازج الروحي تلك، كيف يمكنني ان اتخيل غرفة مكتبك الملاصقة لغرفة مكتبي من دونك؟ وكيف سأمد يدي كما كنت افعل كل اثنين وانا اسلمك التحليل السياسي لتصححه وتصطاد بخبرتك وبراعتك اللغوية اخطاءنا واحيانا هفواتنا، ولا اجدك؟ وكيف سامنع اصابعي من التسلل الى علبة دخانك لاقتنص سيكارة كلما احسست ضيقا او تعبا او صدأ موقتا في الذاكرة يحول بيني وبين اكمال مقال ما؟ هل تدرك يا صديقي مقدار الوجع عندما سترتد اصابعي خالية واستدير اليك ولا اشاهد سماحة وجهك وابتسامتك العذبة مثل براءة طفل؟ وهل انسى اشادتك بكل ما اكتبه من مشاكسات ومن تحليلات سياسية؟ خصوصا عندما صححت لي مرة مقالا نقديا عن المسلسل الكوميدي الشعبي (تحت موس الحلاق) وعمق وخصوصية الرؤية الاخراجية لمخرجه الفنان عمانوئيل رسام، يومها اخجلتني فعلا بتقييمك وانت تفاجئني مندهشا: (عرفتك محللا سياسيا رائعا ولم اعرفك ناقدا فنيا بهذه الروعة، لماذا لا تواظب على كتابة النقد الفني؟).
ايه يا جوان، تسع سنوات من العمل المشترك جمعتنا تحت خيمة اسرتنا (صوت الآخر) تمر امامي بكل تفاصيلها مثل الحلم، احاول الامساك بهنيهات منها لاقبلك..لاحتضنك.. لاودعك ..لاحمّلك تمنيات طيبة اودعها لك بنبض القلب ولا استطيع، وها انا احاول استعادة آخر مرة رأيتك فيها وانت تجلس كعادتك كلما دخلت غرفتنا في الدقائق الأخيرة من وقت الدوام على مكتب الزميل (رضا كركوكي) مسؤول القسم الرياضي قرب الباب، تسع سنوات، احاول ان اعثر فيها على خطأ او غضب او زعل او كلمة قاسية او تعبير جارح او نقد غير موضوعي منك او حتى عتاب، فلا اجد طوال تلك السنوات الا انسانا رائعا تمازجت في شخصيته، الوداعة والطيبة  والنقاء والمحبة والتسامح والصداقة الحقيقية التي تفوق الاخوة والمبادرة بمساعدة الآخرين، فأي انسان فقدنا برحيلك؟
ايه يا جوان، هل تعبت يا صديقي فجأة من السفر والترحال، أم اضناك طول الانتظار؟ وقررت في لحظة يأس مريرة ان تترجل عن صهوة الحياة في منعطف حزين وترمي بأحمالك؟ أم ان قلبك المتوجع بصمت الذي اخفيت وجعه عنا طويلا وكابرت آلامه قد ضاق بمعاناته وفي لحظة مجنونة قرر التوقف ليفاجئنا بالرحيل المر لانسان انسان قلما يجود به الزمان؟
جوان .. ايها الراحل بسرعة مثل وميض نجم فاجأنا وهوى بعيدا دون وداع، ايها المسافر في ليل الغربة، ايها الفارس النبيل والانسان النبيل والصديق النبيل الذي أبى الا ان يوفر علينا نشيج ودمع وجراحات الوداع، فقرر ان يحمل آلامه واحزانه وعذابات جراحاته وحده وان يقبض باصابعه على اوجاع قلبه ليكبت صرخاته المتوجعة، ويمتطي فرسه ويرحل بهدوء دون ان يترك لنا لحظات نضمه فيها الى صدورنا ونتلمس جراحه علها تترك رذاذا من طيبته تعلق بنا.
ايها الزميل والصديق والاخ، ايها الانسان الانسان، أيها (الـــ....جوان) في خلقك ونبلك وصداقتك ومصداقيتك، سيطل علينا نوروز هذه السنة حزينا من دونك، وستبكي شقائق النعمان والنرجس التي ستطرز وجه الارض، زهرة رحلت في غير أوانها، لكنها تركت في أعماقنا عطرا من المحبة والشفافية والنقاء لن يزول ابدا.
اخيرا، يا صديقي الراحل الى الابدية، اكثر من عشرة اعوام وانا اتواصل بكتابة مشاكساتي الاسبوعية ، لم تبكني اية مشاكسة كتبتها من قبل، كما فعلت مشاكسة رثائك هذه فقد ابكتني مرات قبل ان استطيع اكمالها ، فمع كل كلمة اخطها كنت اتخيلك امامي.
ايها الصديق الصدوق ، ايها الانسان الانسان ، ايها (الــ ...... جوان) في كل شيئ ، دعني اذهب الان لاصلي لك واتذكر صمتك الابدي وابكيك بصمت، وانا اردد بأم ووجع ومرارة :
أرثيك ام أبكيك؟ وانا استعيد كل مآثر الاخلاق والطيبة فيك؟
..............................................................................

ملاحظــــــــــــة :
...................
المرحوم جوان علي محمد شرف (جوان ميراني) ولدعام 1971 في السويدية ، انتخب نقيبا لصحفيي كردستان سوريا عام 2013 وهو عضو الاتحاد الدولي للصحفيين ، وعمل منذ 2004 مصححا لغويا في مجلة (صوت الاخر) حتى وافاه الاجل قبل ايام اثر نوبة قلبية ، تغمده الرب بوافر رحمته واسكنه فسيح جناته.